الربيع العربي أسقط رؤوس الأنظمة فقط..والرهان الآن على الشعوب

In مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة by CIHRS

عقد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بالتعاون مع منظمة الخدمة الدولية لحقوق الإنسان لقاءً تشاوريًا حول دور الآليات الدولية في تعزيز وحماية حقوق الإنسان في العالم العربي، وذلك في 13، 14 من ابريل الجاري بحضور المقررين الخواص التابعين للأمم المتحدة واللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب. شارك في اللقاء مارجريت ساكايا – المقررة الخاصة بشأن وضعية المدافعين عن حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، مايناي كياي – المقرر الخاص بشأن حرية التجمع السلمي وحق تكوين الجمعيات بالأمم المتحدة، رين ألباني – المقررة الخاصة المعنية بوضعية المدافعين عن حقوق الإنسان باللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، جون راي – ممثلة المفوضة السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، بالإضافة إلى عدد من المدافعين عن حقوق الإنسان من مصر، المغرب، تونس، الجزائر، اليمن، سوريا، فلسطين، لبنان، الجزائر، السعودية، البحرين، الأمارات، العراق، ليبيا والسودان.

ناقش اللقاء تحديات حقوق الإنسان في العالم العربي من خلال التطرق إلى عدة محاور، منها على سبيل المثال انعكاسات الربيع العربي على حالة حقوق الإنسان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومن أبرز هذه الانعكاسات هو استمرار التضييق الأمني المؤسسي على عمل منظمات المجتمع المدني من خلال إصدار حزمة من القوانين والتشريعات المقيدة والتي ستعمل على الحد من الدور الذي تلعبه منظمات المجتمع المدني وبالذات في مجتمعات ما بعد الثورات، وهو ما أشار إليه على وجه الخصوص بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في كلمته الافتتاحية حيث شدد على أن الهجمة التي تتعرض لها المنظمات الحقوقية والنشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان في مصر من قِبل أجهزة الدولة الرسمية لا يجب تفسيرها بمعزل عن محاولات الحكومة تمرير قانون مقيد للجمعيات سيحد بشكل كبير –إن مُرّر- من فعالية الدور الذي من المفترض أن تقوم به هذه المنظمات وبالذات في ظل ضبابية المشهد السياسي، وهو الأمر الذي أكد على خطورته محمد أنور السادات – رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشعب- مشيرًا إلى أن اللجنة في طريقها للانتهاء من وضع تصور ورؤية لمشروع القانون الذي تقدمت به منظمات المجتمع المدني، بعد رفض اللجنة لمناقشة مشروع قانون الحكومة المقيد للحريات، مؤكدًا على ضرورة إعادة النظر في البناء التشريعي الحاكم لعمل المنظمات.

في السياق ذاته، أبرزت المقررة الخاصة بشأن وضعية المدافعين عن حقوق الإنسان بالأمم المتحدة مارجريت ساكايا أهمية الدور الذي تلعبه الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في حماية المدافعين عن حقوق الإنسان، من خلال تبني مجموعة من الآليات تتعلق بوجود مراسلات بين مكاتب المقررين الخواص في جنيف وبين حكومات الدول المعنية بشأن انتهاكات حقوق الإنسان، مطالبة هذه الحكومات بالتوقف الفوري عن تلك الانتهاكات، والعمل على تقديم الدراسات والتقارير المعدة من المراقبين والمتابعين لحالة حقوق الإنسان في مختلف دول العالم، والسماح للمراقبين بالقيام بمجموعة من الزيارات القطرية لهذه البلدان لمقابلة المسئولين الحكوميين فيها.

وأضافت ساكايا أنها تعتبر وجود ممثلي عن هيئات الأمم المتحدة واللجنة الأفريقية داخل مجموعة من البلدان العربية “فرصة جيدة” على حكومات هذه الدول استغلالها في التواصل مع المراقبين والمتابعين، لأن التعاون بينهما ضروري من أجل القضاء على سياسات العنف الممنهج ضد مدافعي حقوق الإنسان.

من جانبها قالت رين الباني المقررة الخاصة بوضعية المدافعين عن حقوق الإنسان باللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب إن اللجنة الأفريقية تعتبر منذ نشأتها عام 1986 كيانًا مستقلاً، مؤكدة على ضرورة التواصل بين المدافعين في دول شمال أفريقيا واللجنة الأفريقية، لتطوير عمل اللجنة وآلياتها، كما أكدت ألباني على أن هناك العديد من الطرق التي تستخدمها الحكومات للتضييق على النشطاء من ضمنها قيام الأجهزة الأمنية بترويع وتهديد سلامة وأمن هؤلاء المدافعين من خلال تعقبهم وإستهدافهم، الأمر الذي تعتبره اللجنة الأفريقية نوعًا من الانتقام من المدافعين عن حقوق الإنسان، مشيرةً إلي القرارات والبيانات التي صدرت في هذا الصدد في كل من زيمبابوي، والكونغو وتونس وغيرها من البلدان الأخرى.

من جانبها، أكدت جون راي ممثلة مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان على حق المدافعين في التواصل مع الكيانات الدولية، لحمايتهم مما يرتكب ضدهم من إنتهاكات تتعلق بسلامتهم وأمنهم الشخصي، مشيرةً إلى أن المفوضية عالجت الشكاوى التي تم رفعها إليها من جانب المدافعين والنشطاء، علاوة على وجود مقرر خاص لحالات التعذيب، ومتابعة مستمرة لوضعية النشطاء في تلك الدول التي اشتهرت بسياستها الانتقامية. كما أشارت راي أيضًا إلى أنه تم إصدار بيانًا مشتركًا بين الأمم المتحدة واللجنة الأفريقية، منذ شهر تقريبًا، يركز على وحدة هدف المنظمات في كافة الدول من أجل التخلص من سياسة الانتقام.

وعن دور المفوضية، أوضح بيورن بيترسون مدير مؤسسة الخدمة الدولية لحقوق الإنسان أن المفوضية تلعب دورًا دبلوماسيًا في غاية الأهمية عبر اتصالها بالمسئولين في الدول المعنية بإرتكاب انتهاكات بحق النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان مما يسهم في تحجيم قدرة هذه حكومات على ارتكاب مثل تلك الانتهاكات وهو ما يسهم بلا شك في مناهضة سياسة الانتقام من النشطاء والمدافعين بوجه عام، مثلما حدث في إقليم الصحراء الغربية، حين تعرض المدافعون لاقتحام منازلهم من قبل قوات الأمن والتي قامت بترهيبهم عقابًا لهم على ما يبدو لنشاطهم الحقوقي وقيامهم بالإتصال بكيانات دولية، الأمر الذي يتكرر في دول أخرى غير هذا الإقليم.

واتساقًا مع ما سبق، فقد تم تخصيص جلسة من اللقاء لسماع شهادات حية من وجهين حقوقيين بارزين في بلديهما عن “المخاطر التي يتعرض لها المدافعين عن حقوق الإنسان في العالم العربي”. استهلها الناشط السوري هيثم المالح بالإشارة إلى استمرار النهج الوحشي وغير الآدمي في تعامل أجهزة أمن نظام الأسد مع النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان، مشيرًا إلى أن الإنتهاكات الحادثة الآن بحق المتظاهرين والنشطاء السوريين تعد أمرًا غير مقبول، يجب على المجتمع الدولي التحرك لوقفه فورًا.

ومن جانبها أكدت الناشطة اليمنية أمل الباشا على التضييق الذي تمارسه السلطات اليمنية تجاه المدافعين عن حقوق الإنسان واستهدافهم بهدف إحالتهم لمحاكمات زائفة الغرض منها الزج بهم في السجون وإلقاء التهم جزافًا عليهم، مشيرة إلى أنه رغم قلة عدد المنظمات والتضييق عليها إلا أنها تعمل على كافة القضايا الحقوقية في اليمن.

وحول دور جامعة الدول العربية في الدفاع عن حقوق الإنسان تحدث السفير محمود راشد غالب مدير إدارة المجتمع المدني والاتحادات المهنية قائلاً “لمعرفة ملف حقوق الإنسان في الجامعة العربية ينبغي العودة إلى تاريخ إنشاء جامعة الدول العربية وتحديدًا إلى ميثاق إنشاء الجامعة، فلم يرد في هذا الميثاق أي ذكر لحقوق الإنسان، والمرة الأولى التي فكر العرب فيها في ملف حقوق الإنسان كانت في عام 1969، بعد أكثر من عشرين عامًا على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، حيث تم إنشاء اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان في إطار روتيني على شاكلة اللجان الدائمة الأخرى في الجامعة وهذا يفسر طول المدة التي استغرقتها اللجنة في أعداد أول ميثاق عربي لحقوق الإنسان منذ عام 1970 حتى 1994.

ويضيف راشد “عندما توليت هذا الملف قمت بإعداد الميثاق العربي لحقوق الإنسان الثاني والذي لم يستغرق إعداده أكثر من عام بسبب إيماننا بأهمية العمل على وضع ميثاق عربي لحقوق الإنسان يليق بأمتنا العربية، وهو الميثاق الذي لم يخرج بالشكل المرضي لأسباب عدة وإن تضمن مجموعة من البنود الإيجابية، إلا أن صيغته النهائية أتت بشكل لا يرقى إلى مستوى المعايير الدولية”. الأمر الذي أكد عليه عصام الدين حسن مدير وحدة البحوث بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان مشيرًا إلى أن دور الجامعة العربية محكوم عليه بالفشل، لأن الجامعة تتحرك وفقًا لرغبات حكومات الدول الأعضاء وليس وفقًا لتطلعات وطموحات الشعوب العربية.

من ناحية أخرى، ناقش اللقاء الانتهاكات المتعلقة بالحق في حرية الرأي والتعبير، وحق التظاهر السلمي وحق تكوين الجمعيات حيث أكد جيوم فايفر مسئول بقسم الإجراءات المدنية والسياسية الخاصة بقسم الإجراءات المدنية والسياسية، مساعد المقررة الخاصة بشأن حرية التجمع السلمي وحق تكوين الجمعيات بالأمم المتحدة على أهمية قيام الحكومات والأنظمة بواجباتها تجاه ضمان ممارسة مواطنيها لهذا الحق قائلاً: يحق لأي شخص السعي للحصول على المعلومات، لأن حق الحصول على المعلومات والسعي إليها، حق أصيل تؤكد عليه الأمم المتحدة، وأن الحكومات التي تحجب مواقع على الانترنت يجب ان تقدم مبررات لهذا المنع”.

وفي هذا الصدد أكد فتحي أبو حطب مدير قسم التطوير الرقمي بمؤسسة المصري اليوم على أن انتشار فكر وثقافة الحجب والمنع فيما يخص ممارسة الحق في التعبير عن الرأي صار يعكس –وبشكل واضح- عجز الحكومات العربية عن التعامل مع معطيات الوضع الجديد لمجتمعات قامت بثوراتها بالأساس تذمرًا منها عن وضع حقوق الإنسان، مشيرًا إلى أن أحد عوامل هذه الممارسات القمعية هو ضعف البناء التشريعي المُنظم لمسألة حرية تداول المعلومات. وأشار أبو حطب إلى أن الإعلام البديل والإعلام الالكتروني أصبحا يواجهان صعوبة في الحصول على تمويلات مناسبة تمكن القائمين على هذه النوعية من الإعلام من القيام بدورهم المهني.

من جانبه أشار الصحفي خالد السرجاني إلى ضرورة البدء في استصدار تشريعات جديدة منظمة لعمل المؤسسات الإعلامية مشيرًا إلى أن كل الشواهد تؤكد على أن الثورة لم تصل بعد إلى مؤسسات الإعلام الرسمية والخاصة على حد سواء، مضيفاً أن وسائل الإعلام بمختلف توجهاتها وتصنيفاتها صارت تواجه عدد من التحديات متمثلة في العمل من خلال بيئة قانونية مقيدة إلى حد بعيد لازالت تتسم بوجود عقوبات سالبة للحرية داخل نصوص قوانينها، بالإضافة إلى السلطات الرقابية التي تمارسها السلطات التنفيذية على عمل وسائل الإعلام، بجانب قيام عدد من رجال الأعمال والمؤسسات الكبرى في ضخ مبالغ مالية كبيرة -عادة ما تكون مجهولة المصدر- تستخدم في شراء وتأسيس وسائل إعلام جديدة، دون العلم بمصادرها.

السرجاني أكد على تغير العقيدة الأمنية في التعامل مع هذه الوسائل الإعلامية وذلك من خلال الضغط عليها بأساليب أكثر شراسة في الرقابة والتقييد على المواد المذاعة في الإعلام المرئي والمسموع، وذلك كما حدث في وقف طباعة بعض الصحف، وكذا استدعاء الإعلاميين للتحقيق إلى النيابة العسكرية للتحقيق مع بعضهم وتوجيه اللوم للبعض الآخر لتجاسره على انتقاد عمل أجهزة الدولة.

وعن الحق في التظاهر السلمي، أشار رامي صالحي من المؤسسة الأورومتوسطية لدعم المدافعين عن حقوق الإنسان أن انتهاكات حق التظاهر السلمي مازالت قائمة، لان الثورات العربية أسقطت رؤوس الأنظمة ولكنها لم تُسقط الأنظمة ذاتها. وأضاف عصام الدين حسن البحرين مازالت تعاني في ظل صمت إعلامي، بينما في مصر لم تتراجع الأجهزة الأمنية عن التعامل القاسي مع مبدأ التظاهر السلمي، وفي سوريا أيضا يتم قذف المباني السكنية، ويعاني السوريون من الاختفاء القسري الذي وصل إلى 5 ألاف مدني، بالإضافة إلى القمع الذي يواجهه المتظاهرون في السعودية وفلسطين أيضًا.

وعن توصيات اللقاء طالب الحضور الحكومات بمراجعة قوانينها الداخلية -خصوصًا تلك التي تعوق التظاهر والمنظمات الحقوقية- بالإضافة إلى دعوة المقررين الخواص لزيارة البلدان التي يتم فيها التضييق على المدافعين عن حقوق الإنسان، وتفعيل دور الميثاق العربي داخل الجامعة العربية. كما أكد المشاركون على ضرورة التعاون والتواصل بين المنظمات الدولية والإقليمية من أجل تبادل الخبرات، القيام بأنشطة، بناء القدرات والاستفادة من المنظمات الدولية والإقليمية وآليات حقوق الإنسان الدولية. كما صدر عن اللقاء بيانًا مشتركًا بشأن عبد الهادي الخواجة المدافع البحريني عن حقوق الإنسان، صادر عن مركز الخليج لحقوق الإنسان.

كما أوصت مارجريت ساكايا بإقامة المزيد من اللقاءات مع المدافعين عن حقوق الإنسان، للحصول على معلومات بشكل أقرب، بالإضافة لما تضيفه تلك اللقاءات للمدافعين من خبرة. كما لفتت النظر إلى أن سقوط الأنظمة في الدول العربية، يعد مؤشرًا على أهمية حقوق الإنسان، مما يجعل المجتمع المدني شريكًا في عملية التحول الديمقراطي الذي تمر به هذه الدول.

أوصى بيورن بيترسون بضرورة العمل على القضايا المتعلقة بحرية التجمع والتنظيم، وأهمية إشراك المجتمع المدني في كافة أمور البلاد في تلك الفترات، وأن يرتقي التعاون من المستوى المحلي والإقليمي ليصبح على مستوى دولي أكثر فعالية.

Share this Post