جانب من المؤتمر الصحفى

فتح باب الترشيح للانتخابات البرلمانية – مصر 2011

In برنامج مصر ..خارطة الطريق, بيانات وتقارير by CIHRS

من 12 إلى 25 أكتوبر

جانب من المؤتمر الصحفى

جانب من المؤتمر الصحفى

فى 12 أكتوبر الماضي بدأت المرحلة الأولى للانتخابات التشريعية لبرلمان 2011، تلك الانتخابات التي تتمتع بخصوصية بالغة ليس فقط لأنها الانتخابات الأولى بعد الثورة وسقوط نظام مبارك والحزب الوطني، ولكن لأنها تجرى فى سياق عام غير مستقر، يتبلور فى تعثر أداء مؤسسات الدولة والسلطات بسبب تداخل الصلاحيات على مختلف المستويات، وانتشار حالة فوضى أمنية غير مسبوقة، في ظل تقاعس وزارة الداخلية عن القيام بدورها، وصمت غير مبرر للمجلس العسكري على هذه الأمر، وهو ما يؤدي إلى انتقاص نزاهة العملية الانتخابية.

هذه الانتخابات أيضًا تجرى تحت مظلة الحكم العسكري وحكم الطوارئ. فقد انفرد المجلس العسكري بسلطتي التشريع والتنفيذ وفقاً للإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 20 مارس 2011، واتخذ المجلس العسكري في إدارته للشئون العامة قرارات منفردة دون التشاور الجدي مع القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني، هذا علاوة على تراجع حالة الحريات العامة واحترام حقوق الإنسان.

إدارة العملية الانتخابية بشكل عام شهدت ارتباك واضح منذ بدء فعالياتها، ظهر ذلك في قرارات المجلس العسكري ومجلس الوزراء أثناء بدء اقتراح التشريعات والقواعد المنظمة للعملية الانتخابية، حيث تأخر إصدار التشريعات المنظمة للانتخابات، وتم اعتماد آخر التشريعات المنظمة للانتخابات قبل فتح باب الترشيح بعشرة أيام، بل وصل الأمر أن قانون تقسيم الدوائر نشر في الجريدة الرسمية بعد فتح باب الترشيح بيومين.

وتجدر الإشارة فى هذا الصدد إلى التشريعات المنظمة للعملية الانتخابية (قانون مباشرة الحقوق السياسية، والقانون المنظم لعمل مجلس الشعب، والقانون المنظم لعمل مجلس الشورى، وقانون تقسيم الدوائر)، تلك التشريعات التي فصلت فى الماضي من أجل السماح للسلطة التنفيذية بالتدخل في إدارة العملية الانتخابية لإنجاح حزبها الحاكم، وهي تشريعات يجب إلغائها وسن قانون انتخابي موحد ييسر على المواطنين المشاركة في الشئون العامة للبلاد، ويؤدي إلى وجود نظام انتخابي عادل يسمح بتمثيل كافة فئات المجتمع في المجالس التشريعية المنتخبة، ويسمح لمنظمات المجتمع المدني الدولية والمحلية بالرقابة على كافة مراحل العملية الانتخابية ويعطي صلاحيات كاملة للجنة المشرفة على الانتخابات في إدارة العملية الانتخابية، فالتشريعات المنظمة للانتخابات لا تعطي للجنة العليا للانتخابات الصلاحيات والاستقلالية كاملة، الأمر الذي انعكس على أدائها فاتسم بالتخبط والارتباك.

فاللجنة العليا حتى الآن لم تتمكن من الوفاء بتعهداتها، فهي لم تنشر قاعدة بيانات الناخبين ولم تشكل لجنة للطعن من الناخبين على عدم إدراج أسمائهم في الكشوف، كما أنها لم تستطع فرض سيطرتها على اللجان الفرعية أثناء عملية استلام أوراق المرشحين وأصبح الأمر كأننا أمام 27 لجنة عليا في المحافظات المختلفة. وفيما يتعلق عملية الدعاية الانتخابية التي بدأت، فلا تملك اللجنة العليا الصلاحيات الكافية لمحاسبة من خالف اللوائح والقرارات المنظمة لها، فلا يوجد أي ضوابط للمحاسبة على مخالفات استخدام دور العبادة أو مقرات الهيئات التابعة للدولة في عمليات الدعاية الانتخابية، كما أنه لا يوجد ضوابط لمحاسبة من يقوم بتقديم الرشاوى الانتخابية بأشكالها المختلفة.

كان موقف اللجنة العليا للانتخابات من مراقبة المجتمع المدني مكملاً للصورة الأكبر التي رسمها المجلس العسكري منذ استلامه السلطة، فجاءت القواعد التي أصدرتها اللجنة العليا المشرفة على الانتخابات مخيبة للآمال فيما يتعلق بالمراقبة الدولية ومراقبة منظمات المجتمع المدني للانتخابات البرلمانية المصرية لعام 2011، فقيدت تلك القواعد حق المنظمات في المراقبة واستبعدت عدد كبير من المنظمات المستقلة والجادة بحجة ضرورة تسجيل المنظمة وتبعيتها لوزارة الشئون الاجتماعية, في إعادة لسيناريو انتخابات 2010. كما تعاني منظمات المجتمع المدني وكل من يقوم بنقد عمل اللجنة العليا للانتخابات، فالقضاة المكونين للجنة يعتقدون أنهم جالسون على منصة القضاء ولا يحق لأحد التعقيب على أحكامهم، إلا أن الأمر عكس ذلك، فهم بالأساس يديرون شأناً عاماً من شئون الدولة، مما يجعلهم عرضة للنقد والتعليق. وجدير بالذكر أنه كانت توجد لجان عليا أشرفت على الانتخابات البرلمانية لعام 2010، ومن قبلها انتخابات عام 2005 التي شهدت تزوير فج وفاضح في جميع مراحلها الثلاث، في ظل وجود إشراف قضائي كامل.

هذه البيئة السياسية والتشريعية المتخبطة المرتبكة ألقت بظلالها على البيئة الإعلامية التي تتولى نقل مجريات العملية الانتخابية وتطوراتها إلى الرأي العام، تلك البيئة التي تعانى أيضًا من تضييق تشريعي وتهديدات بالغلق والمصادرة، ناهيك عن تدخلات رأس المال وتحكمات التمويل الإعلامي –القنوات والصحف المملوكة لأطراف فى العملية الانتخابية حاولت التأكيد على حياديتها إزاء مموليها، فتجاهلت الحديث عنهم فى برامجها، إلا أن مساحات الإعلانات عوضت هذا التجاهل، إذ اقتصرت على الإعلان لأحزاب مموليها فقط– هذا بالإضافة إلى تحديات جديدة فرضتها خصوصية هذه الانتخابات.

يعد تعقد النظام الانتخابي وحداثته (الجمع بين نظامي الفردي والقائمة) أبرز هذه التحديات، الأمر الذي جعل التغطية الإعلامية غالبًا ما تأتى منقوصة وغير دقيقة لا تميز -على سبيل المثال- بين المرشح الفردي المستقل ومرشح الحزب على مقعد الفردي. كذلك تمثل التحالفات مشكلة أخرى في التغطية الإعلامية، إذ أن كثيرًا ما تكون المتغيرات الطارئة على التحالف بضم أو انسحاب حزب أسرع بكثير من قدرة الصحفي  ومتطلبات الطبع أو التسجيل، فقد صار من الوارد أن تتضارب المعلومات حول انسحاب حزب أو ضم أخر إلى بين طبعتين للجريدة نفسها.

يواجه الإعلام أيضًا زيادة مفرطة فى عدد الأحزاب والمرشحين، فبعد أن كانت التغطية الإعلامية تركز على خمسة أو ستة أحزاب رئيسية، صار من المفترض أن تعدل بين 59 حزب سياسي وأكثر من 6000 مرشح مستقل، ولعل التشابه الشديد بين أسماء الأحزاب، يضاعف من صعوبة الأمر ويزيد من احتمالات الخلط واللبس ويتطلب المزيد من الدقة.

بدا من التغطية الإعلامية للعملية الانتخابية[1] أنها منافسة بين أعضاء الوطني المنحل والتيارات الإسلامية بمختلف تنوعاتها، فقد اتفقت جميع وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية الخاصة والحكومية على أفراد مساحات ضخمة من تغطيتها للحديث عن الأحزاب السلفية وحزب الحرية والعدالة وفلول الوطني المستقلين أو على قوائم الأحزاب، وتجاهلت معظمها التطرق إلى الأحزاب الليبرالية وتحالفاتها.

وبينما اتفقت وسائل الإعلام فى هجومها على أعضاء الوطني المنحل، تباينت مواقفها من التيارات الإسلامية، فقد تعمدت القنوات المملوكة للدولة تجاهل الأحزاب السلفية وأحزاب الجماعة الإسلامية بينما أولتها الصحف القومية اهتمام ملحوظ لاسيما صحيفة الأهرام و روز اليوسف، يأتي هذا فى الوقت الذي تصاعد فيه اهتمام القنوات المملوكة للدولة والصحف القومية بجماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة والتحالف الديمقراطي. ورغم أن التغطية القومية للتيار الإسلامي تبدو خبرية، إلا أن وسائل الإعلام المملوكة للدولة تعمدت استخدام ألفاظ توحي بقوة التيار وقوة الجماعة كلفظ “الحملات الذكية، مواجهات قوية، الذراع السياسي للجماعة، السيطرة علي القوائم، الاستحواذ علي المقاعد، القوة القادمة، الخطر القادم…الخ” وعلى الجانب الأخر استخدمت العوامل الإخراجية والتحريرية  لتنفير الرأي العام من هذه القوة من خلال العناوين أو تعمد التأكيد علي استياء العديد من الأحزاب من استيلاء حزب الحرية والعدالة علي القوائم أو بالربط بين أسلوب دعاية الحرية والعدالة وأسلوب الحزب الوطني.

وسائل الإعلام الخاصة –فيما عدا قناة الحياة ودريم2- اعتبرت الإخوان هم الفاعل الأبرز في الانتخابات، إذ لم تكتف الصحف والقنوات الخاصة بوجود خبر يومي عن الجماعة بل أفردت لها صفحات، وبرامج كاملة من تغطيتها للانتخابات، ومن الجدير بالذكر فى هذا الصدد تعامل وسائل الإعلام مع حزب الحرية والعدالة على اعتباره حزب الإخوان المسلمين، والتعامل مع التحالف الديمقراطي على اعتباره تحالف الحرية والعدالة، دون أية إشارة لاختلافات جوهرية بين تلك الكيانات. يأتي هذا فى الوقت الذي يتراجع فيه اهتمام القنوات الخاصة بالأحزاب السلفية والجماعة الإسلامية، فيما عدا قناة أون تى فى التي استضافت قيادي بحزب النور للحديث عن برنامجه الانتخابي وأفرد له 45 دقيقة الأمر الذي تكرر في اليوم التالي مع حزب الأصالة، بالإضافة لاستضافة ياسر برهامي في برنامج مال مصر للحديث عن الجماعة الإسلامية وإجبارها على عدم الدخول في السياسة في العهود الماضية.

المرأة هي الحاضر الغائب فى التغطية الإعلامية للانتخابات، فرغم أن المرأة حازت على مساحة مقبولة من إجمالي التغطية الإعلامية ولكن هذه المساحة لا تعكس اهتمامًا حقيقيًا بدور المرأة فى العملية الانتخابية وإنما هي انعكاس لاهتمام وسائل الإعلام بصورة المرأة ووضعها بالنسبة للتيارات الإسلامية لاسيما التيارات السلفية، بينما ينحسر الحديث عنها إلى حد كبير إذا كان الأمر لا يتعلق بالتيارات الإسلامية. وتعد المصري اليوم والجمهورية الأكثر اهتمامًا بدور المرأة في العملية الانتخابية بين الصحف، بينما تعتبر القناة الفضائية المصرية هي الأفضل في هذا الصدد بين القنوات إذ تبدو المرأة دائمًا فاعل رئيسي في أخبارها وتقاريرها الخارجية وضيوفها في الأستوديو، تليها في القنوات الخاصة قناة سى بى سى، فقد اهتمت القناة بالإشارة إلى دور المرأة في الانتخابات وحث النساء على المشاركة في برامجها، كما خصصت القناة حلقة خاصة من برنامج ممكن للحديث حول المرأة في الانتخابات وأعداد المرشحات وتاريخ مشاركة المرأة في البرلمان والمشاركة السياسية للمرأة، كما استعرض البرنامج استطلاع رأي حول رأي الشارع في ترشح المرأة بمجلس الشعب وتنوعت اتجاهاته بين مؤيد ومعارض.

الشق الإيجابي الأهم الذي كشفت عنه المؤشرات الأولية للمراقبة هو اهتمام القنوات -الخاصة والحكومية- الشديد بالجوانب التثقيفية والتوعية بضرورة المشاركة السياسية وحقوق الناخب، فقد تفننت القنوات في استخدام الأساليب المختلفة لتحقيق هذا الهدف، سواء من خلال الحملات الإعلانية، أو البرامج، أو الاعتماد على الشخصيات العامة، الأغانى، …الخ، يأتي هذا في الوقت الذي تأتى فيه الصحف في المرتبة الثانية في اهتمامها بالتوعية والتثقيف حول العملية الانتخابية.

على مستوى القنوات الدينية، تم رصد ثلاث قنوات هي “الناس، الرحمة، الكرمة” بطريقة الأسبوع الاصطناعي (يومين لكل قناة)، إلا أنه يمكن القول أن النتائج المعروضة تتعلق فقط بقناة الناس، فعلى مدار فترة البحث لم تتطرق قناة الكرمة (المسيحية) إلى الحديث عن الانتخابات نهائيًا، أما قناة الرحمة فلم يتجاوز إجمالي الدقائق التي تحدثت فيها عن الانتخابات 8 دقائق، يأتي هذا فى الوقت الذي تجاوز فيه زمن تغطية قناة الناس للعملية الانتخابية على مدار يومين فقط، إجمالي زمن التغطية الانتخابية لقناة دريم2.

تعد جماعة الإخوان المسلمين هي الفاعل الأبرز فى القنوات الإسلامية، كما أنها الأكثر تعرضًا للنقد أو الهجوم لاسيما فى علاقاتها بباقي الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، إلا أن قناة الناس لم تكتف بهذا الهجوم والدعوة المستمرة لمساندة الأحزاب السلفية، وإنما أفسحت المجال للتطاول على باقي الأحزاب السياسة والتشهير بها إلى حد تكفيرها والدعوة إلى مقاطعتها، فرغم أن القناة لم تستضف أي من الشخصيات العامة أو القيادات الحزبية، إلا أن هذه الشخصيات غالبًا ما تكون محور حديثها، ففي حلقة السبت 23 أكتوبر من برنامج مصر الجديدة على قناة الناس شن المذيع خالد عبد الله هجومًا حادًا على أحد قيادات حزب الجبهة قائلا “اتقوا الله في البلد و انضفوا مش قاعدين في التكيف و بتهاجموا الناس اللي بتعمل من اجل البلد مثل البناء و التنمية و النور”, وفي السياق نفسه أضاف المذيع مستطردًا (ليه الإخوان يتحالفوا مع حزب ليبرالي زى الوفد)، وفى سياق أخر صرح نائب رئيس حزب الأصالة على قناة الناس “التيار العلماني عبارة عن تحالف عدواني ضد الإسلام و إن التحالف مع الإسلاميين واجب شرعي” وفى سياق متصل، خاطب صفوت حجازي الناخبين قائلاً “إذا أعطيت صوتك لمن لن يطبق شرع الله كان ذلك بمثابة شهادة زور، فيجب عليك انتخاب المسلم الصادق و لا تنتخب شخص مُعادي لدين الله و لا تنتخب من لن يطبق الشريعة من القران و أضاف إذا كان المرشحين في دائرتك ليس فيهم من يطبق شرع الله روح بوظ صوتك”.

وأخيرًا استخدمت القنوات الدينية مجموعة من الأغاني لحث المشاهدين على المشاركة فى العملية الانتخابية مثل أغنية صوتي لعهد الطهارة صوتي مش للتجارة، أغنية صوتك أمانة، أغنية انتخب من له دين و يطبق شرع الله.


[1] تقرير مشترك للائتلاف المستقل لمراقبة الانتخابات، الذي يضم الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية (الشق الميداني والتشريعي) ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ( الشق الإعلامي)

[2] تضم عينة الرصد عدد 7 قنوات تلفزيونية خاصة ومملوكة للدولة، ثلاث قنوات دينية إسلامية ومسيحية، عدد 6 جرائد يومية و 4 جرائد أسبوعية ما بين الصحف المستقلة والصحف القومية.

التقرير الأول لتقييم الأداء الإعلامي لوسائل الإعلام خلال انتخابات 2011- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان

تقرير الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية

Share this Post