Image source

أي مستقبل للشريعة الإسلامية علمانية الدولة من منظور إسلامي

In ندوات ومحاضرات by CIHRS

مصدر الصورة

إن التساؤل عن مستقبل الشريعة الإسلامية في العالم الإسلامي سواء كان عربيا أو غير عربي، مطروح في الوقت الراهن بقوة، لا سيما بعد فشل عدد من تجارب الحكم الإسلامي في السودان، الجزائر، إيران، في تحقيق أي نهوض اقتصادي، سياسي، لهذه البلدان، فضلا عن انتهاك هذه الأنظمة للعديد من الحقوق الإنسانية لمواطنيها.
وفي محاولة للتعرف على الإجابات المحتملة على هذا السؤال استضاف مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان الخميس 13 مايو 2004 المفكر السوداني المعروف د. عبد الله النعيم، الأستاذ بكلية الحقوق جامعة إموري بالولايات المتحدة ليدير حوارا فكريا مع مجموعة من المفكرين والباحثين المتخصصين حول النقاط الرئيسية لمشروعه الفكري حول مستقبل الشريعة، والذي يتخذ من كل من مصر، الهند، تركيا، وإندونيسيا ميادين للبحث.
وفي البداية أكد النعيم أن مشروعه ليس مجرد دراسة أكاديمية، وإنما مشروع فكري يستهدف التغيير الاجتماعي والسياسي في المجتمعات الإسلامية من منطلق كونه مسلما ومواطنا مهموما بواقع الحال في مجتمعاتنا.
وأعرب النعيم عن تقديره أن المستقبل لا يقدم مجالا لأن تطبق الشريعة الإسلامية، مشيرا إلى أن تطبيق الدولة للشريعة كقوانين وسياسة رسمية هى فكرة مختلة مفهومياً ومستحدثة، وأضاف أن مجال الشريعة الإسلامية في المستقبل هو في إطار المجتمع، وليس في أجهزة الدولة السياسية والتشريعية. وأكد النعيم على اعتقاده بأن الدولة كانت دائما علمانية في التاريخ الإسلامي. وبالتالي ليس صحيحا أن العلمانية أتت إلينا من الغرب وإنما هو مفهوم أصيل في تراثنا وتجربتنا التاريخية شرط أن تفهم العلمانية بأنها تجربة كل مجتمع في موازنة العلاقة بين الدين والدولة والمجتمع. وأنه لا توجد صلة واحدة لهذه العلاقة تفرض على كل المجتمعات.
وأي محاولة لنقل تجربة العلمانية من مجتمع لمجتمع محكوم عليها بالفشل.
من ناحية ثانية، أكد النعيم أن مفهوم “الدولة الإسلامية” مفهوم متناقض، لأنه لا يمكن أن تكون الدولة إسلامية، لأن الدولة مؤسسة سياسية لا تقوم على المعتقد، ولا يجب أن يكون لها معتقد، وإنما المعتقد يكون لدى القائمين على الدولة. فإذا تحدثنا عن معتقدات القائمين على أمر الدولة فإننا نكون قد تحدثنا عن السياسة وليس عن الإسلام كمعتقد للدولة نفسها.
وانتقل النعيم إلى مفهوم “الشريعة الإسلامية” مؤكدا أن الشريعة الإسلامية لا يمكن أن تقنن إطلاقا، لأن عملية التقنين نفسها تسقط صفة الشريعة عن المشروع المقترح، لأنه بمجرد تقنين الشريعة أصبح التقنين الذي تم هو معتقد الدولة وليس الشريعة نفسها لأن الشريعة متنوعة ومتغيرة في عملية فهمها، وبالتالي يذهب التقنين لها إلى الانتقاء لإحدى وجهات النظر بها بالضرورة. وبالتالي فإن ما يشرع وينفذ هو الإرادة السياسية للدولة وليس الشريعة الإسلامية.
ونوّه النعيم إلى فكرة أن الشريعة الإسلامية هى تراكمية عبر الأجيال، وأن أي مذهب فقهي لا يعد مذهبا فقهيا صحيحا إلا بإجماع أجيال متعاقبة من المسلمين على صحته، إذ لا توجد أي جهة تمنح المذاهب الفقهية صحتها. وبالتالي فإن العملية التشريعية من منظور إسلامي تعتمد على الإجماع وعلى التراكمية عبر الأجيال. وليس أدل على ذلك من أن تاريخ المسلمين عرف مذاهب فقهية انقرضت وأخرى نمت وانتشرت لأنها حازت القبول والإجماع من المسلمين عبر الأجيال. ومن ثم فإن فكرة المؤسسة التشريعية التي يمكنها أن تقنن للشريعة الإسلامية فورا هى فكرة غربية عن الشريعة نفسها. وبالتالي فإن إمكانية تطبيق الشريعة الإسلامية هى مستحيلة مفهوميا، بل إن أي زعم بأن ما يطبق هو الشريعة الإسلامية هو زعم باطل ومستحدث، لأن فكرة الدولة القومية في المنطقة هى فكرة مستحدثة وغريبة عن المنطقة والثقافة العربية، فهى فكرة أوروبية وهى دولة تتمركز في يدها السلطات وتتحكم في حياة الناس بصورة لم تسبق في التاريخ الإسلامي، لأن دولة ما قبل الاستعمار كانت دولة إمبراطورية بعيدة عن واقع المجتمعات المحلية، وكانت مقدرة المجتمعات المحلية على الاحتكار لفهمها الخاص للشريعة هو أساس العمل في الإدارة وما إلى ذلك. ولهذا يؤكد النعيم أن مركزية الدولة وإمكانية التشريع كتقنين والتنفيذ بواسطة أجهزة رسمية للدولة هى فكرة مستحدثة في الفترة الاستعمارية وما بعدها وغريبة عن المجتمعات الإسلامية.
ويؤكد النعيم على ضرورة الفصل الصارم مؤسسيا بين الدين والدولة. ولا ينبغي للدولة أن تطبق الشريعة الإسلامية، ولا أن تدّعي ذلك لأنه مستحيل، ولا أن تمنح الدولة قداسة ادعاء تطبيق الشريعة الإسلامية، لتمنع بذلك المعارضة السياسية من ممارسة دورها، رغم أن كل الأنظمة هى سياسية وليس أكثر من ذلك، ولكن من الضروري التأكيد على أن الشريعة الإسلامية والدين الإسلامي سوف يستمر تأثيرهما في حياة المجتمعات الإسلامية بصورة مركزية وجوهرية، وبالتالي لا يمكن الفصل بين الدين والسياسة، ولكن لابد من الفصل بين الدين والدولة فصلا صارما لأن أي جمع بينهما فتنة، وقد دفع الشعب السوداني ثمن هذه الفتنة ثمنا غاليا.
وفي مداخلته أكد الدكتور يسري مصطفى الباحث في العلوم الاجتماعية، على تخوفه من اعتماد أطروحة النعيم على التحليل الثقافي أكثر من التحليل الاجتماعي.ومشيرا في نفس الوقت إلى ضرورة تحديد دلالات بعض المفاهيم، مثل مفهوم الدولة ومفهوم السياسة، خاصة أن الفصل بين الدين والدولة والتأكيد في نفس الوقت على العلاقة بين الدين والسياسة يجعلنا نتساءل هل المقصود بالدولة الحكومة أم أجهزة الدولة أم البنية المؤسسية؟ وهل المقصود بالسياسة الكيانات الحزبية أم الممارسة السياسية بشكل عام. وتساءل د. يسري مصطفى حول الحيز الذي من المفترض أن تمثله الشريعة في المجتمع وفق أطروحة النعيم، هل يكون من خلال الأسرة، أم يشمل المدرسة أيضا بوصفها مؤسسة تربوية، فتكون بذلك قد انتقلت الشريعة من المجتمع إلى إحدى مؤسسات الدولة ذات المهمة التربوية.
ومن ناحيته أشار د. عبد المعطي بيومي عميد كلية أصول الدين سابقا وعضو مجمع البحوث الإسلامية، إلى ضرورة التفرقة بين الفقه والشريعة، مؤكدا أن كل ما جاء على لسان د.النعيم يخص الشريعة، إنما المقصود به الفقه. كما رفض د. بيومي ما ذهب إليه د. النعيم من أنه لا مستقبل للشريعة الإسلامية سياسيا وقانونيا على مستوى الدولة، مبررا رأيه بأن الشريعة مستعدة تماما لتقبل أي تغييرات في أي زمان ومكان. كما رفض بيومي القول بأن الدولة كانت علمانية على مر التاريخ الإسلامي مؤكدا أن عمر الدولة في الإسلام لا يتجاوز المائة والثلاثين عاما، ومؤكدا على أن ما هو أصيل في الإسلام هو حرية التشريع وليس العلمانية. فالإسلام وفقا لبيومي يعطي للإنسان حق التشريع وفقا للمتغيرات السياسية والاجتماعية حتى تبدو الدولة في الإسلام دولة مدنية، لكنها ملتزمة بقواعد أصولية عامة ومبادئ إنسانية موحى بها فهى إنسانية وإلهية في آن واحد. وانتقد بيومي مقولة أنه لابد من الفصل الصارم بين الدين والدولة، مؤكدا أنه لا قيام لنهضة إسلامية في العالم الإسلامي إلا بتطبيق الشريعة الإسلامية”.
واعتبر د.بيومي أن حصر الشريعة في المجتمع يشكل تناقضا في مشروع النعيم، وإن أقر بيومي “أي تجربة لتطبيق الشريعة الإسلامية حتى الآن تجربة فاشلة”.
ومن ناحيته أكد د. محمود إسماعيل الباحث المتخصص في سوسيولوجيا الفكر الإسلامي، على أن مكمن الخلاف في ضرورة التفرقة بين الإسلام كعقيدة والإسلام كشريعة. ويذهب إلى أن الإسلام كعقيدة لا يثير أي خلاف في حياتنا العامة والخاصة ولا مجال للتجديد فيها بأي حال من الأحوال، إذن الخلاف حول مفهوم الشريعة، مشيرا إلى أنه يتفق مع د. النعيم فيما يتعلق بالسياسة وما أثبته الواقع سواء في السودان أو في أي مكان مارست فيه الحركات الإسلامية المتشددة ممارسات سياسية تسئ إلى الإسلام. واتفق د. محمود إسماعيل كذلك مع أطروحة النعيم فيما يتعلق بإدانة الدور السلبي لفقهاء السلطان في كل العصور الذين أساءوا وما زالوا يسيئون للإسلام بل ويعوقون أي محاولة للتجديد في الإطار الإسلامي. وأضاف بأنه لا يوجد لا في القرآن ولا في السنة ما يشير لوجود نظام حكم بعينه في الإسلام، فالموجود هو مبدأ الشورى فحسب.
ومن ناحية ثانية، اعتبر د. محمود إسماعيل أن أطروحة النعيم تدعو إلى إغفال الشريعة والبدء من حيث انتهى الغرب، الأمر الذي دفعه لاستعراض إمكانات الشريعة كما تبدت في تجارب إسلامية على مر العصور (ابن رشد، ابن حزم، إخوان الصفا، تجربة إيران)، وعلى هذا الأساس رفض أطروحة النعيم داعيا إلى التعمق في التاريخ والتراث الإسلامي الذي يمكن أن نجد فيه ضالتنا.
وفي مداخلته أثار د. حيدر إبراهيم أستاذ علم الاجتماع ومدير مركز الدراسات السودانية سؤال العلاقة بين النص المقدس وممارسات المسلمين الفعلية على مر تاريخهم، مشيرا إلى أن الانتقادات الموجهة لممارسات التجارب الإسلامية في الحكم غالبا ما يرد عليها بأن هذه التجارب لم تكن تطبق الشريعة الإسلامية الحقيقية أو الصحيحة، الأمر الذي ينبغي معه محاولة الإجابة عن التساؤلات الخاصة بالأسباب التي جعلت “الشريعة الحقيقية” لم تطبق؟ والتساؤل كذلك عما يطبقه المجتمع من الشريعة بالفعل وكيف يطبقه؟ مشيرا إلى أهمية الإجابة عن هذه التساؤلات في البحث عن مستقبل الشريعة الإسلامية، لا سيما بعد فشل المشروع الإسلامي في الجزائر وباكستان، والسودان، وكذلك إيران بارتدادها إلى ولاية الفقيه ومنع الإصلاحيين من المشاركة في الانتخابات.
وأوضح د. حيدر إبراهيم أن هناك فارقا بين مفهومي “العلمانية، و”العلمنة” مشيرا إلى أنه إذا كانت “العلمانية” مفهوما غربيا يثير الريبة في المجتمعات الإسلامية، فإن ما يراه مناسبا للإسلام هو مفهوم العلمنة على أساس أن الدين كلما ارتبط بالممارسات الحياتية اليومية للناس كلما كان دينا معلمناً، وأضاف أن مقولة “الإسلام دين ودولة”، على الرغم من أنها أكثر المقولات التي تنتقد العلمنة إلا أنها وللمفارقة مقولة “معلمنة” لأنها تعني ارتباط الدين بحياة الناس اليومية، لافتا النظر إلى تناقض المقولة “الإسلام دين ودولة” إذ الفاصل بينهما يعني أن هناك اختلافاً بين كونه دينًا وكونه دولة، مع أنهم لو اكتفوا بقول أنه دين لكان ذلك معناه ضمن ما يعني أنه أيضا دولة لارتباطه بممارسات الناس اليومية.
وأشار د. حيدر إبراهيم إلى مفارقة أخرى في واقع المجتمعات الإسلامية، حيث لاحظ أنه كلما كان نظام الحكم دينيا كان المجتمع على العكس من ذلك؛ أي بعيدا عن الدين ومثال ذلك السودان، وكلما كان نظام الحكم ليبراليا، كان المجتمع متدينا ومثال ذلك مصر!، الأمر الذي يجعله يؤكد أن واقع الحال وفقا لهذه المفارقة –يفصل بين الدين والدولة.
وتعقيبا على بعض المداخلات أكد عبد الله النعيم على ما ذهب إليه حيدر إبراهيم بأن واقع الحال هو الفصل بين الدين والدولة في ضوء تجربة مصر وتجربة السودان (مجتمع متدين ونظام حكم غير ديني) وأشار النعيم إلى أن ذلك كان على مر التاريخ وأن ما عانيناه من أنظمة الحكم الديني إنما راجع إلى أن واقع الحال هذا الذي يفصل بين الدين والدولة لم يتم التنظير الفكري له.
واعتبر النعيم أنه لا قيمة على الإطلاق لهذا التمييز بين الفقه والشريعة، لأنهما في كل الأحوال -سواء كان هناك تمييز بينهما أو لم يكن بينهما تمييز- نتاج الفهم البشري للنصوص الدينية. بل إن المصطلحين “شريعة، فقه” نتاج الفكر البشري، مشيرا إلى أن الرسول لم يترك فينا نصا صريحا بأن هذا فقه وتلك شريعة. كما أن مصطلح “الشريعة” نفسه مستحدث، لم يرد في كتب الفقه الإسلامي لثلاثة قرون.
ودعا إلى أن يناقش الحضور ما طرحه انطلاقا من ضرورة الوعي بأننا في أزمة حقيقية وهى أن الإسلام مغيب وليس أدل على ذلك من تلك الملايين من المسلمين التي تحيط بالعراق المحتل، مؤكدا أن الاستعمار في عقولنا لأننا ما زلنا نعيش الخلط في أن يزعم البعض بما لم تستطع أجيال المسلمين على مدى خمسة عشر قرنا منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم أن تقوم به، وهو قيام الدولة الإسلامية، يزعم البعض بأنه يمكنه القيام به الآن.
وأشار النعيم إلى أن الفهم البشري في جوهر التجربة الدينية. وأن الله لم يشرع لكماله وإنما للبشر. فالشريعة كاملة لأنها شريعة الله للناس. وأنها لا تفهم ولا تمارس إلا عن طريق الناس ولا قيمة لها إلا في حياة الناس.
وفي دورة ثانية من المناقشات، أشار الباحث أحمد راسم النفيس إلى أن سقوط الخلافة العثمانية كان بمثابة زلزال أفاق منه العالم الإسلامي فوجد نفسه أنه لا يطبق الشريعة الإسلامية، متسائلا ومتى كانت تطبق الشريعة الإسلامية؟ وهل نحن الآن دولة غير إسلامية؟ وأكد النفيس أننا دول إسلامية لكننا دول غير ديمقراطية لأن العالم الإسلامي هو من قعد وأسس للفكر الإسلامي بتحريمه للمعارضة السياسية باعتبارها خروجا عن صف الجماعة، كما لفت النظر فيما يتعلق بالدعوة إلى فصل الدين عن الدولة إلى استحالة أن تقبل أي دولة من الدول الإسلامية فكرة التنازل عن هيمنتها على المؤسسة الدينية واستغلالها كأداة لا تقل أهمية عن مؤسسة المخابرات.
أما د. أحمد سالم مدرس الفلسفة بآداب طنطا فقد رأى أن طرح النعيم بمثابة مشروع فوقي لا يمكنه أن يغير في واقع مجتمعاتنا شيئا، مستندا إلى القول بأن العقلية العربية الإسلامية هى عقلية معيارية تقيس الأمور بمبدأ الحلال والحرام، وأن دور رجال الدين يفوق بكثير أي دور للأكاديميين والمثقفين. ومن ثم لا يمكن لهذا المشروع أن يغير في واقع المجتمعات العربية إلا بتغيير آليات العقل المعياري وهذا غير ممكن.
ومن ناحية ثانية، أشار إلى أن ما يمكن أن تديره الشريعة من أمور الدولة لا يمثل إلا نسبة بسيطة من القوانين التي تحتاجها الدولة كمؤسسة، أما بقية احتياجات الدولة القانونية فلابد من أن تسدها القوانين الوضعية التي عليها أن تسنها.
كما أشار د. ياسر قنصوه مدرس الفلسفة بآداب طنطا إلى أن التجربة الماليزية التي تجسدها عبارة مهاتير محمد “حين أصلي أدير وجهي للكعبة، وحين أتعامل اقتصاديا أدير وجهي ناحية بورصة نيويورك” أن هذه التجربة أحد المشاريع المرشحة للتطبيق في المجتمعات الإسلامية، مشيرا إلى أن سؤال المواءمة بين الشريعة والعلمانية هو سؤال قديم يتجدد، لكن اللافت للنظر أنه يثار دائما بحافز خارجي وليس نابعا من محاولة داخلية لتطوير الذات.
وأشار مجدي النعيم المدير التنفيذي لمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان إلى أن الدعوة لتطبيق الشريعة هو مشروع سياسي مكلف جدا نظرا مدللا على ذلك بالأعداد الهائلة من الضحايا من جراء التجارب التي عرفتها أفغانستان، إيران، السودان، الجزائر، الأمر الذي يطرح السؤال حول الأسباب التي تدفع النخب الحاكمة إلى تبني الدعوة لتطبيق الشريعة حين تمر هذه الأنظمة بأزمات تهدد مشروعيتها وصلاحيتها للحكم مثلما حدث في (سودان النميري، مصر السادات)، وتساءل كذلك عما يمكن أن تقدمه الشريعة لأي مشروع فكري علماني، وعن الكيفية التي يمكن أن ينتصر بها مشروع عبد الله النعيم على أرض الواقع على المشاريع الفكرية الأخرى الإسلاموية.
واتفقت الأستاذة الدكتورة هدى الصدة أستاذة علم الاجتماع مع طرح عبد الله النعيم لكنها أثارت تساؤلا حول ما يمكن أن يترتب عن القول بأن للشريعة مستقبلا في المجتمع وليس لها مستقبل في مؤسسات الدولة، لا سيما فيما يتعلق بقوانين الأحوال الشخصية، حيث يرد إلى الذهن ما وصل إليه الوضع في العراق إذا ألغيت قوانين الأحوال الشخصية وأحيلت المسألة كلية للمذاهب.
ومن جانبها تساءلت د. منى طلبة الأستاذة بآداب عين شمس، إذا كان الإسلاميون يقرون بفشل التجارب الإسلامية التي وصلت للسلطة حتى الآن، فلماذا التمسك بهذه المشروعات السياسية إلى هذا الحد إذا كان قد ثبت فشلها؟!
ومن ناحية ثانية أوضحت أن هناك مغالطة في اعتبار أن الشريعة هى الثقافة المصرية الإسلامية، مشيرة إلى أن ما يمثل الهوية العربية الإسلامية هو الأدب والفنون والمعمار وأن الشريعة هى أضعف حلقات هذه الهوية.
وفي تعقيبه أوضح د. عبد الله النعيم أن مشروعه لا يقلل من أهميته القول بأنه فوقي بل إن ضرورته تكمن في أنه مشروع يستهدف تغيير الوعي وهو أقصر الطرق وإن طال وعثر علينا إنجازه.
ومن ناحية ثانية أكد النعيم أن طرحه يعني أن أي قانون يمكن أن يشرع، لكن لا يشرع باعتباره شرعيا وإنما لأسباب موضوعية لأنه يكون معبرا عن إرادة الدولة السياسية. مما يفقده اعتبار أنه شريعة، ومثال ذلك أن الإرادة السياسية للدولة المصرية اختارت من الشريعة ما يخدم توجهاتها السياسية فشرعت قانون الخلع ضمن قوانين الأحوال الشخصية مما جعله قانونا لاعتبارات موضوعية وليس لاعتبار أنه شريعة لأن عملية التنفيس تناقض مفهومياً الشريعة.
ومن ناحيته لفت د. أنور مغيث أستاذ الفلسفة النظر إلى أن تحذير النعيم من تطبيق الشريعة نابع من استقرائه لتجارب الإسلاميين في الحكم في عدة بلدان. ونفى صحة الزعم بأن رجل الشارع يميل للشريعة مؤكدا أن رجل الشارع إذا سئل فإنه لن يطلب سوى انتخابات نزيهة وتحديد فترات حكم الرؤساء بفترة أو فترتين، وتحقيق مصالح الفقراء وهى أيضا ليست من الإسلام في شئ وإن كان الإسلام لا يتعارض معها، إذ يتقبل الإسلام الديمقراطية، رغم أنها مفهوم غربي، فلماذا لا يرفض العلمانية بحجة أنها مفهوم غربي وأضاف مغيث أن الربط بين الدين والدولة ليس له من مبرر سوى تبرير القمع في البلدان الإسلامية. ومن ناحية ثانية أشار مغيث إلى أن علمانية النعيم علمانية منقوصة لأنها تطرح الإصلاح انطلاقا من النص الديني ومن منطلق فهم تحرري إسلامي، رغم أن الإصلاح يمكن أن يطرح بعيدا عن الإطار الديني تماما لتكون العلمانية كاملة غير منقوصة.
أما د. عصمت نصار رئيس قسم الفلسفة بآداب بني سويف، فقد أشار إلى أن تجربة تركيا تثبت من وجهة نظره أن التخلي عن الإسلام لم يجعل الآخر الغربي يقبلها ولم يجعل العلمانية الأوروبية تحتضنها.
وقد تساءل هاني نسيرة الباحث في الفلسفة الإسلامية إذا كانت فرضية د. النعيم تقول بأنه لا مستقبل للشريعة الإسلامية في الدولة ألا يتعارض ذلك مع الوضع في المنطقة، حيث الانتهاكات الأمريكية والإسرائيلية لأبسط مبادئ حقوق الإنسان العربي واحتلال العراق، الأمر الذي يعطي دعما كبيرا لمشروعية حضور الحركات الأصولية وتصدرها لصفوف مقاومة الاحتلال في الوقت الحاضر، ويشير لإمكانية كسبها رهان المستقبل.
أما د.هبة رؤوف المدرس بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، فقد أشارت إلى أنه رغم الاختلاف البين بين ما تراه وما يطرحه د. النعيم إلا أن هناك أفكارا مشتركة أحيانا، مشيرة إلى أن لديها فكرة في الوقت الراهن ترى أن الدولة كمؤسسة سلطوية عسكرية بوضعيتها الراهنة لا يمكنها أن تطبق الشريعة الإسلامية لأن المشكلة في مفهوم “الدولة” وليس في مفهوم “الإسلامية”. وأشارت من ناحية ثانية إلى أن الإشكالية في التعامل مع النظام العالمي الجديد لا تكمن في السياسة أو في الحركات الإسلامية وإنما تكمن في البعد الاقتصادي والمتمثل في قوة فقه المعاملات الإسلامي الذي يتأبى على التكيف مع السوق المفتوح في ظل النظام العالمي الجديد.
وقد رفض د. حسن طلب أستاذ الفلسفة- جامعة حلوان الزعم القائل أن المسيحية لم يكن لديها شريعة، الأمر الذي يسّر لها النهوض في عصر النهضة مؤكدا أنه كانت لها شريعة تبرر محاكم التفتيش التي عانت منها أوروبا في العصور الوسطى، لكن لم يحدث النهوض في العالم المسيحي إلا لأنه بدأ ينقد العقيدة ويعيد النظر فيها، مما أتاح له نقد الشريعة بعد ذلك، مشيراً في هذا الصدد إلى وجود محاولات في الفكر العربي الإسلامي لنقد وإعادة النظر في العقيدة حتى يمكن نقد الشريعة، وقد كانت هذه المحاولات على يد أبي العلاء المعري وصالح بن عبد القدوس لكن الاحتلال الثاني أوقف تطور هذه المحاولات.
وقد طرح كاتب هذه السطور رؤيته مشيرا إلى أن التجربة السودانية تقدم لنا في القاهرة في هذه الأيام منحيين فكريين الأول كان د.عبد الله علي إبراهيم الذي أعلن تحوّله الفكري من الحزب الشيوعي السوداني إلى التوحد مع فكر الترابي في كتابه “الشريعة والحداثة”، والثاني هو ما تعبر عنه أطروحة د. عبد الله النعيم إذا كان الأول دعما مباشرا للحركات الإسلامية فإن النعيم يخدم الإسلاميين أكثر مما يخدم الإسلاميون أنفسهم، كما أشار الكاتب إلى أن دعوة النعيم ليست دعوة للعلمانية وإنما هى دعوة للتأسيس الإسلامي للعلمانية تنطلق من الاعتقاد بوجود قيم الإسلام وقيم العلمانية في وجدان الناس ولا يمكن الفصل بينهما لكن ما ينبغي الفصل الحازم بينهما هو الحكم الديني والحكم العلماني، إذن هى دعوة من أرضية إسلامية لكنها ليست إسلامية سلطوية. وأن هذه الدعوة لا تهدف إلا لتحقيق أمرين هما المساواة بين المسلمين وغير المسلمين، والمساواة بين الرجال والنساء

Share this Post