الانتخابات العراقية خطوة نحو الديمقراطية أم تكريس للطائفية؟

In صالون بن رشد by CIHRS

شهدت العراق في 30 يناير 2005 أول انتخابات تعددية تجري في البلاد منذ نحو خمسة عقود، وهى الانتخابات التي كانت موضوعا لجدل سياسي حاد من قبل إجرائها ما بين آراء تراها خطوة مهمة للتعجيل ببناء مؤسسات الدولة الجديدة، ومن ثم تعزيز التطلع لإنهاء الاحتلال، وآراء أخرى تدعو لمقاطعتها باعتبارها تجري تحت مظلة الاحتلال ذاته وقد عبرت هذه الآراء عن نفسها بإعلان بعض القوى السياسية العراقية مقاطعتها للانتخابات في الوقت الذي توعدت جماعات الإرهاب الأسود في العراق توسيع نطاق عملياتهم في مناطق شتى لإجهاض المشهد الانتخابي وترهيب المواطنين وإثنائهم عن المشاركة في الإدلاء بأصواتهم.
غير أن المفاجأة تمثلت في المشاركة الواسعة للناخبين بصورة فاقت كثيرا مشاركة المواطنين العرب في الانتخابات التي تجري في بعض الدول العربية التي لا تخضع للاحتلال.
وقد توقف مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان عند دلالات المشهد الانتخابي العراقي، وذلك عبر الأمسية الثقافية التي نظمها في إطار صالون بن رشد تحت عنوان “هل أخطأت أغلبية الشعب العراقي مرة ثانية بالمشاركة في الانتخابات؟!
وقد أشار بهي الدين حسن مدير المركز في بداية الأمسية إلى توقف الأوساط السياسية المختلفة أمام الانتخابات العراقية وملامحها المختلفة بالرأي والتحليل والتساؤلات حول معقولية إجراء هذه الانتخابات في ظل تواجد قوات الاحتلال بالعراق وما إذا كان الأفضل الانتظار لحين خروج هذه القوات وتوافر مناخ صحي ملائم لإجراء انتخابات حقيقية، مشيرا إلى أن التقديرات بشأنها كانت متضاربة ليس فقط بشأن النتائج المتوقعة وحدها، ولكن أيضا بشأن أسباب الموقف الداعي لمقاطعة الانتخابات والمناخ الإرهابي الذي أحاط بمناطق بعينها في العراق.
أشار بهي إلى أنه ورغم كل الظروف التي أحاطت بالعملية الانتخابية إلا أنها شهدت مشاركة من الشعب العراقي بلغت نسبتها حوالي 60 بالمائة ممن لهم الحق في التصويت لافتا إلى أن هذه النسبة تمثل اتجاها غير مسبوق في العالم العربي نحو المشاركة في الانتخابات خاصة إذا ما قورنت هذه النسبة بنظيراتها في بلدان عربية كمصر التي لم تتعد نسبة المشاركة في انتخاباتها البرلمانية الأخيرة 10% بالقاهرة والإسكندرية –وهما أكبر مدن مصر- وذلك حسبما جاء بتقرير التنمية البشرية المصري.

تحدٍ للإرهاب

وبدأ الكاتب العراقي صلاح نصراوي حديثه بوصف يوم الانتخابات العراقية بأنه كان يوما مهما ليس فقط للعراقيين وإنما أيضا للمنطقة العربية التي يجب –في رأي نصراوي- أن تأخذ منها نموذجا من حيث الإقبال والمشاركة.
وأكد نصراوي أن الانتخابات خطوة على الطريق الصحيح لبناء الديمقراطية التي يسعى إليها العراقيون، ودلل على ذلك بخروج حوالي 8 مليون عراقي للمشاركة في الانتخابات في تحدٍ صريح للإرهاب الذي قد قتل أربعين عراقيا في يوم الانتخابات دفعوا حياتهم ثمنا للديمقراطية وإعادة بناء الدولة.
وأضاف نصراوي أن الانتخابات أعادت للعراقيين اعتبارهم كبشر لهم حقوق بما يستوجب على السياسيين استنباط الدروس منها.
وانتقد نصراوي بعض الكتابات العربية التي صورت الانتخابات ومشاركة العراقيين فيها على أنها تأييد للاحتلال واصفا معظم هذه الكتابات بأنها كانت انفعالية وتتجاهل التاريخ وحقائق الواقع العراقي، وقال نصراوي إن كون الانتخابات العراقية جرت في ظل الاحتلال فإن هذا لا يعيبها لأن دولا كثيرة عاشت نفس مشهد العملية الانتخابية في ظل احتلال لأراضيها، وأضاف نصراوي أن الانتخابات ليست غاية في حد ذاتها وإنما هى وسيلة لغاية أهم وهى تحقيق الديمقراطية الحقيقية. وعبر نصراوي عن اعتقاده بأن هناك تحديات تواجه البناء الديمقراطي في العراق وفي مقدمتها تحديات الظروف الأمنية والتحديات الاقتصادية والسياسية وانتشار الفساد، مشيرا إلى سوء الأوضاع الاقتصادية بالعراق وارتفاع نسبة البطالة إلى ما يزيد على 70% من أبناء الشعب العراقي، إلى جانب استشراء الفساد في البلاد سواء بسبب الحرب الأخيرة أو الحروب السابقة التي خاضها النظام السابق في العراق. وقال نصراوي إن الحكومة العراقية ستواجه مأزقا إذا لم تواجه هذه التحديات ببرنامج واضح يستجيب لرغبات هؤلاء الذين صوتوا في الانتخابات مؤكدا في نفس الوقت على أن المجتمع العراقي ورغم كل هذه التحديات لا يزال متماسكا لم ينفرط عقده وأنه يسير في الطريق الصحيح لتحقيق الديمقراطية.

يوم مشهود

وعلى نفس النهج وبدرجة أكبر من التفاؤل جاءت ورقة حازم اليوسفي ممثل الاتحاد الوطني الكردستاني بالقاهرة المقدمة للصالون بعد أن تعذر حضوره بنفسه حيث وصف اليوسفي يوم 30 يناير 2005 بأنه يوم مشهود في تاريخ العراق المعاصر وقال إن العراقيين في هذا اليوم،
وبصدور عارية وأصابع ملونة بالحبر البنفسجي تصدوا لرصاص القتلة وسيارات الإرهابيين المفخخة وأنهار الدماء التي توعدهم بها أبو مصعب الزرقاوي وأنصاره.
مشيرا إلى أن هذه أول انتخابات يخوضها العراقيون منذ أكثر من نصف قرن مؤكدا أن الشعب العراقي لم يخطئ بالمشاركة فيها وإنما نجح نجاحا باهرا.
وأكد اليوسفي أن الانتخابات لم تشهد ما يثير الشبهات أو الاتهامات بسلامتها إلا بحدود ضيقة لم تؤثر جوهريا في نتائجها مشيرا إلى عدم إمكانية تجاهل الخلل الناجم عن مقاطعة وتحفظ البعض من أهل السنة والمحسوبين عليهم والذين حددهم اليوسفي في ثلاث مجموعات:
– الإسلاميون المتطرفون من جماعة الزرقاوي والمرتبطين به يرفضون من منطلقات فكرية الديمقراطية حيث وصف الزرقاوي في رسالة له قبل الانتخابات التعبير عن الرأي بأنه “ضلال” والتعددية بأنها “شرك” وحكم الأكثرية بأنه “فساد”.
– بقايا نظام صدام حسين وهؤلاء لا يعترفون بالانتخابات وصناديق الاقتراع والتداول السلمي للسلطة.
– بعض الأطراف السياسية والشخصيات التي رفضت الانتخابات بحجة أنها تجري في ظل الاحتلال.
وأوضح اليوسفي أنه في المقابل شارك في هذه الانتخابات الشيعة والأكراد وغالبيتهم من أهل السنة وأحزاب وأطراف وشخصيات سنية كثيرة، معتبرا أنه بذلك لا يجوز القول بأنه كانت هناك مقاطعة سنية لهذه الانتخابات.
ووصف اليوسفي ما يقال حول عدم شرعية الانتخابات العراقية بأنه لغط ولغو. مشيرا إلى انتخابات الرئاسة الفلسطينية جرت أيضا في ظل الاحتلال، وقال اليوسفي إن الانتخابات الفلسطينية قاطعتها حركة حماس والجهاد وبعض المنظمات الأخرى، وكانت نسبة المشاركة فيها 44% فقط ولم يطعن فيها أحد في حين أن نسبة المشاركة في الانتخابات العراقية في أقل التقديرات بلغت 60% ممن لهم حق الانتخاب.

انتخابات على أسس طائفية

استهل أحمد بهاء الدين شعبان عضو الحملة الشعبية لمساندة العراق بإبداء عدة ملاحظات على الانتخابات العراقية أولها أن الذي أصر على إجرائها في موعدها هو الرئيس الأمريكي بوش. وثانيها أنها جرت في ظل الاحتلال رغم أن الكثيرين كانوا يفضلون تأجيلها لتوفير ظروف أفضل.
أما ثالثة الملاحظات لدى المهندس شعبان فهى أن الانتخابات العراقية ارتكزت أساسا على فكرة الطائفية ووجود كتلة شيعية وأخرى سنية وثالثة كردية وهو ما ينافي فكرة وصلب قضية الديمقراطية التي تعتمد على فكرة المواطنة وبناء منظومة سياسية عابرة للأجيال والطوائف والأجناس. وقال شعبان إن هذه الانتخابات لا تحقق أي خطوة باتجاه الديمقراطية بقدر ما تضع لغما كبيرا جدا في مسيرة الديمقراطية والوحدة الوطنية العراقية لأنه لا يمكن تأسيس مجتمع ديمقراطي حقيقي بالاعتماد على الطوائف والأعراق.
وعبر شعبان عن استغرابه تجاه ما وصفه “بالديمقراطية الأمريكية العجيبة”، التي تؤسس دولة على الاختلاف العربي- الكردي- الشيعي- والسني. ورغم أن هذا هو النموذج الذي تقدمه للمنطقة، مشيرا إلى أن مثل هذا النموذج يؤدي إلى تفتيت المنطقة إلى شظايا موضحا أن مثل هذه التدابير ليست جديدة وأنها طرحت في السبعينيات في كتاب شهير بعنوان “كيف تخطط إسرائيل”.
وفي ملاحظة رابعة ذكر المهندس أحمد بهاء الدين شعبان أن الانتخابات العراقية جرت في غياب نسبة كبيرة من الشعب العراقي تبلغ 40% ممن لهم حق التصويت وهم نحو 7 مليون مواطن عراقي، مشيرا إلى أن الانتخابات جرت في إطار رفض قطاع كبير من العراقيين لها وأضاف أن الانتخابات وبالطريقة التي تمت بها تنذر بشكل خطير ببناء دولة دينية، مشيرا إلى إعلان المتحدث باسم المرجعية الشيعية آية الله السيستاني بالتمسك بأن يكون الإسلام هو المصدر الوحيد للتشريع في العراق، وأبدى شعبان تخوفه أيضا من أن تكون الانتخابات مقدمة لتمزيق الوحدة الوطنية للعراقيين في ظل ما يتردد عن انفصال كردي عن العراق.
وأشار إلى ما نشر عن تخصيص أموال من جهات أمريكية لدعم بعض الاتجاهات الانتخابية في العراق وتوجيه التصويت في الانتخابات، مشيرا إلى إعلان المعهد الديمقراطي الأمريكي عن رصد مبالغ مالية ضخمة بهدف القيام بنشاطات سياسية وانتخابية في عراق ما بعد صدام وهو ما أعلنه أيضا المعهد الجمهوري الدولي.
وأعرب المهندس شعبان عن تخوفه أيضا من أن تكون هذه الانتخابات بوابة للتطبيع مع إسرائيل، مشيرا إلى ما تتناوله وسائل الإعلام عن تسللات إسرائيلية كبيرة للعراق خاصة في المنطقة الكردية وما نشر عن مشاركة إسرائيليين في هذه الانتخابات، وفي هذا الصدد طرح عددا من التساؤلات عما إذا كانت هذه الانتخابات ستؤدي إلى جلاء القوات المحتلة عن العراق أم ستؤدي إلى تكريس وجودها به وما إذا كانت ستؤدي إلى الحفاظ على وحدة العراق أم ستقود إلى تمزيقه، وما إذا كانت ستقوم بتخفيف حدة الاحتقان في المجتمع العراقي أم ستؤدي لزيادتها؟! مؤكدا على أنه لا يمكن تصور أن الديمقراطية ستحل بالمنطقة العربية على يدي أمريكا، وقال إن الولايات المتحدة ليست بالغباء الذي يجعلها ترعى انتخابات تأتي بقوة معادية لها.

طبيعية

أما الكاتب الصحفي صلاح عيسى رئيس تحرير جريدة القاهرة فقد استهل مداخلته بالإشارة إلى أن المرجعية الشيعية السيستاني هو الذي تمسك بإجراء الانتخابات في موعدها وليس الأمريكان الذين كانوا يفضلون استمرار حكمهم العسكري المباشر للعراق.
وأضاف عيسى أن هدف الانتخابات العراقية هو تشكيل جمعية وطنية أو تأسيسية لوضع الدستور للبلاد، وهى هيئة مؤقتة يفترض أن مهمتها تنتهي بنهاية عام 2005، وتقوم بانتخاب رئاسة ثلاثية للدولة وإقرار اختيار رئيس الوزراء ووضع مسودة الدستور والقوانين الأساسية الملحقة به؛ بما يعني أننا لسنا أمام هيئة منتخبة ولا أننا أمام آخر الانتخابات. وأشار عيسى إلى أن الانتخابات أنشأت هيئة يستطيع الجميع القول إنها تمثل جماعة معتبرة من الشعب العراقي ويحق لها الحديث باسمه، مشيرا إلى أنه ومنذ وقوع احتلال العراق لا يعرف أحد من الذي يتكلم حقيقة باسم الشعب العراقي.
أضاف عيسى أنه من المفترض أن مشاركة ما يقرب من نصف المقيدين ضمن الجداول الانتخابية في التصويت تؤدي إلى نتيجة معبرة عن الشعب الذي تنتمي إليه هذه النسبة، مشيرا إلى أن مصر في الفترة الليبرالية من عام 1923 إلى عام 1952 لم تزد نسبة المشاركة الانتخابية بها عن 42% ممن لهم حق التصويت، وأكد استحالة قيام دولة دينية في العراق، منتقدا في نفس الوقت ما وصفه بقيام البطريركية القومية في العالم العربي التي تسعى لفرض خيارات بعينها على الشعوب العربية تحت دعوى القومية. وقال إن مثل هذا الأمر هو نفسه ضد القومية، مشيرا إلى أن مثل هذه التصرفات العربية هى التي صنعت كارثة اللاجئين في القضية الفلسطينية.
وأضاف عيسى أنه يجب الإقرار بحق الشعب العراقي في اختيار من يشاء ليمثله منتقدا ما وصفه بفكرة النظرة الواحدية للنضال معتبرا أن النظرة المصرية في أغلب التحليلات لما يجري بالعراق هى امتداد للخلاف التاريخي الذي بدأ حول المسألة العراقية قبل الحرب وبعدها. وأكد أنه يجب التفكير في أنه يمكن عبر الديمقراطية أن نصل لتحرير أرض محتلة وليس بالضرورة أن يكون العكس صحيحا لذلك.

انتماء طائفي

وعاد بهي الدين حسن للتعقيب فأشار إلى مشاركة ما يربو على 111 حزبا سياسيا في الانتخابات العراقية إلى جانب قيام أكثر من 150 صحيفة ومحطة تلفزيونية بالتغطية الإعلامية للانتخابات.
واختلفت تعقيبات الحاضرين بين تأكيد معقبين على أن الانتخابات العراقية تمثل قفزة هائلة وتحذير مراقبين آخرين من تكريس هذه الانتخابات للتقسيم الطائفي في العراق.

Share this Post