المجلس القومي لتحسين حقوق الإنسان .. أم لتجميل وجه الحكومة؟!

In صالون بن رشد by CIHRS

منذ أن أعلنت الحكومة –وبالأحرى لجنة السياسات بالحزب الوطني الحاكم- عن نيتها في التقدم بمشروع قانون لإنشاء مجلس قومي لحقوق الإنسان وحتى تم إقرار هذا القانون من قبل مجلس الشعب والآراء والملاحظات المختلفة تحيط بهذا المجلس بين مرحب به معتبرا إياه خطوة هامة لتحسين وضعية حقوق الإنسان في مصر وبين مستند إلى أدلة موضوعية تؤكد أن الحكومة لم تستهدف من وراء هذا المجلس سوى تجميل وجهها في مواجهة الضغوط الخارجية وأن المجلس لن يعدو سوى رقم جديد يضاف إلى أرقام المجالس القومية الموجودة في مصر.
وفي ندوة نظمها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في إطار صالون ابن رشد تحت عنوان “المجلس القومي:لتحسين حقوق الإنسان أم لتجميل وجه الحكومة؟” ظهر هذا التباين في الرأي واضحا تجاه المجلس القومي لحقوق الإنسان.
في بداية الندوة أوضح بهي الدين حسن مدير المركز أن هذا المجلس يفترض أنه ينتمي إلى نوع من المؤسسات التي أوصت الأمم المتحدة بإنشائها، مشيرا إلى أن هذه المؤسسة تتطلب أن تكون مؤسسة دولة وليست مؤسسة حكومة لأن الأخيرة، تجعل الإدارة للسلطة التنفيذية في مجال حقوق الإنسان.
أضاف أن مثل هذا المجلس –وحسب توصيات الأمم المتحدة ومعايير باريس بشأن المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان يجب أن يتمتع بالاستقلالية والفاعلية والجدية التامة وأن يتوافر له الحق في الحصول على المعلومات التي يتطلبها العمل في هذا المجال. أضاف أن هذا المجلس يجب أن يتمتع أيضا بمستوى معين من الحصانة وأن يتمتع الأشخاص الذين يتم اختيارهم لعضويته بالاستقلالية والاحترام في أوساط الرأي العام.
وبدأ أحمد سيف الإسلام حمد مدير مركز هشام مبارك للقانون حديثه بالإشارة إلى حساسية الموضوع والظروف والملابسات التي أحاطت به في الفترة الأخيرة ومنها صدور القانون 84 لسنة 2002 بشأن الجمعيات والمؤسسات الأهلية، والذي يتضمن قيودا هائلة على مؤسسات المجتمع المدني وتمريره في أسبوع واحد وتطبيقه بصورة تعسفية تمثلت في الاعتراض على إشهار بعض المؤسسات الحقوقية. كما أشار إلى أنه في الوقت الذي ينشأ فيه مجلس لحقوق الإنسان، يأتي توقيع مصر اتفاقية سرية مع الولايات المتحدة تعطي الحصانة للجنود الأمريكيين من أية ملاحقة أو محاكمة على جرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، إلى جانب ما شهدته المظاهرات الأخيرة المناهضة للحرب على العراق من اعتداءات من جانب رجال الشرطة على المواطنين وأعضاء مجلس الشعب والصحفيين واقتحام نقابة المحامين والقبض على أشخاص من داخلها.
وأشار أحمد سيف إلى وجود 16 ألف معتقل في السجون المصرية بدون اتهامات ويتم تجديد الاعتقال ونقلهم لسجون بعيدة إذا تظلم أحدهم، مؤكدا أن السلطة التنفيذية تحكم قبتضها على المجتمع المصري وتزعم أننا نعيش في حرية وديمقراطية. أضاف أن هناك ظروفاً أخرى إقليمية ودولية ومنها احتلال العراق والترتيبات التي تجري للقضية الفلسطينية وهذه تتطلب دوراً مسانداً من الحكومة المصرية للسياسات الأمريكية وتتطلب بعض التغييرات الشكلية الداخلية، خاصة بعد الحديث في مؤتمر دافوس عن أن مصر ليست مؤهلة لاتفاقيات شراكة مع الولايات المتحدة.
وأعرب أحمد سيف عن اعتقاده بأن الهدف الحقيقي من إنشاء المجلس القومي لحقوق الإنسان هو الترويج للجنة السياسات بالحزب الوطني التي يرأسها جمال مبارك، والحديث عن إنجازات لها استعدادا لتقبل أية تغيرات تطرحها هذه النخبة في المستقبل، في إشارة إلى ما يتردد حول تهيئة جمال مبارك لتولي مقاليد الحكم في مصر.
وأكد أن الحكومة تتبع سياسية منهجية ضد حقوق الإنسان، لافتا إلى أن أحد الأسئلة التي وجهت للناشط أشرف إبراهيم المقبوض عليه من شهور كانت تهمة الاتصال بمنظمات حقوق الإنسان الدولية والإساءة لسمعة مصر في الخارج.
خطوة هامة
على الجانب الآخر أكد الدكتور شوقي السيد عضو مجلس الشورى وعضو المجلس الأعلى للصحافة أن إنشاء المجلس القومي لحقوق الإنسان يعد خطوة هامة نحو تحسين حالة حقوق الإنسان في مصر وأيضا لإظهار الحكومة بشكل مناسب في نفس الوقت، ودعا إلى عدم التشاؤم إزاء عمل المجلس والانتظار حتى التطبيق العملي لاختصاصاته ومعرفة تشكيلاته. وأشار إلى عدم وجود تعارض أن يكون المجلس لتحسين حقوق الإنسان وفي نفس الوقت لتجميل الحكومة، معتبرا أن هذا الوضع سيكون بالطبع أفضل مما كان عليه الوضع سابقا، مرجعا ذلك لما سيكون عليه المجلس من منهجية موضوعية وإمكانيات واختصاصات وتشكيل واستقلال. لافتا إلى أهمية حسن الاختيار في مسألة التشكيل والعضوية.
قال شوقي السيد، أنه في إنشاء هذه المجالس يجب أن يتمتع المجلس بالاستقلالية والابتعاد عن السلطة التنفيذية، مشيرا إلى أن المجلس القومي هو مجلس قومي وليس حزبيا وليس بقرار من السلطة التنفيذية، ولكنه يتبع لمجلس نيابي هو مجلس الشورى الذي عهد إليه بدراسة ما يراه مدعما لهذا المجلس في عمله للحفاظ على حقوق الإنسان.
وعبر عن أمله في تحقق المواءمة بين التشريعات والممارسات الوطنية وما نصت عليه المعاهدات الدولية واتفاقيات حقوق الإنسان، التي أصبحت الدولة طرفا فيها ويجب عليها تنفيذها بطريقة فعالة.
وانتقد د. شوقي السيد تحديد عدد أعضاء المجلس بسبعة وعشرين عضوا وقال إنه كانت هناك مطالب بزيادة العدد ليتوافق مع اختصاصات المجلس وعدد لجانه (ست لجان) لكن الزيادة لم تتم سوى من 20 عضوا إلى 27 عضوا منهم رئيس المجلس ونائبه.
وقال إن المجلس يفترض فيه الاجتماع شهريا، لكنه أشار إلى أن بعض المجالس لديها نفس الافتراض لكنها لم تجتمع منذ شهور، مشيرا إلى أن المجلي يتلقى تمويله من ميزانية الدولة والمنح والإعانات التي يرى قبولها.
وخلص إلى أن المجلس يمثل خطوة نحو تحسين حقوق الإنسان وأنه لا يكفي التشاؤم في مواجهته، وإنما يجب وضع الخطوط العريضة لكيفية ممارسة هذا المجلس لعمله بجدية وفعالية حتى لا يصبح “مجلس على ورق”.
نظرة شك
أما حافظ أبو سعدة أمين عام المنظمة المصرية لحقوق الإنسان فقد قال في بداية كلامه إن منظمات حقوق الإنسان تحمل نظرة شك تجاه الدور الذي يمكن أن يؤديه المجلس القومي لحقوق الإنسان، لكنه أشار إلى أن إنشاء هذا المجلس في حد ذاته يعد خطوة هامة جدا، مرجعا ذلك إلى اعتبارين أولهما أن إنشاءه يعني اعتراف الحكومة بوجود انتهاكات لحقوق الإنسان، وضرورة وجود مؤسسة لمواجهة هذه الانتهاكات، وهو الأمر الذي كانت تصر الحكومة على إنكاره طوال السنوات الماضية وتتهم منظمات حقوق الإنسان التي كانت تتحدث عن هذه الانتهاكات بأنها مدفوعة من جهات أجنبية للإساءة إلى سمعة البلاد. أما الاعتبار الثاني فهو الاعتراف من جانب الحكومة بمنظمات حقوق الإنسان والإقرار بوجود دور لها في تحسين حالة حقوق الإنسان.
وأضاف أبو سعدة أنه إذا كان المجلس القومي لحقوق الإنسان سيحقق تحسينا في وضعية حقوق الإنسان وفي المقابل تجميلا لوجه الحكومة فأهلا به، أما إذا كان سيقوم لمجرد الرد على هجمات المنظمات الغربية التي تشكك في وضعية هذه الحقوق في مصر فهو ما سيعني أن المجلس سيسقط منذ إنشائه في هاوية سحيقة.
استطرد أبو سعدة معتبراً أن إنشاء المجلس خطوة إيجابية وتأكيد لما كانت تنادي به المنظمات من وجود انتهاكات وضرورة مواجهة هذه الاتهامات ووجود قناة اتصال بين المنظمات والحكومة.
وأرجع أبو سعدة الشكوك التي تحيط بإنشاء المجلس إلى عدة أسباب في مقدمتها وجود ترسانة من المجالس القومية التي لا يمكن عدها أو تذكرها، خاصة وأنها في مختلف المجالات مثل الشباب والصناعات والسياحة والمرأة والطفولة..الخ. أضاف أن من الأسباب أيضا مجلس الشورى الذي سيتبع له المجلس القومي لحقوق الإنسان هو مجلس يفتقد للصلاحيات الأساسية باستثناء الموافقة على مشروعات القوانين المكملة للدستور.
وتساءل أبو سعدة عما إذا كان تضمين قانون المجلس القومي لحقوق الإنسان مجموعة من الصلاحيات واختيار شخصيات جيدة لعضويته يعد حلا وأجاب بالنفي متفقا مع رأي الدكتور شوقي السيد بأن المجلس ليس سوى مجلس استشاري. وأكد أبو سعدة أن تحسين حالة حقوق الإنسان لن يتم إلا من خلال الأخذ بثلاثة اتجاهات، أولها: تنقية القوانين وإلغاء القوانين المقيدة للحريات، وثانيها: تفعيل آليات التحقيق للنيابة العامة، وثالثها: وجود تجريم واتضح لانتهاك الحقوق والحريات الموجودة في الدستور، مشيرا إلى أن الباب الرابع من الدستور يتضمن العديد من الحقوق المأخوذة من المواثيق الدولية، كما هى، لكن المشكلة هى في عدم وجود عقوبة في قانون العقوبات ضد من ينتهك هذه الحقوق الدستورية، بل على العكس من ذلك فإن بعض القوانين تجعل من ممارسة هذه الحقوق جريمة، ودلل على ذلك بتجريم إنشاء أحزاب أو جمعيات أهلية بدون ترخيص، وتجريم إنشاء جريدة بدون ترخيص، رغم أن حرية الرأي والتعبير حق دستوري من حقوق الإنسان.
دور متوقع
وتحدث أبو سعدة عن الدور الذي تتوقعه منظمات من هذا المجلس فقال إنها تتمثل في:
أولا: أن يكون قناة اتصال بين منظمات حقوق الإنسان والحكومة لأن الفاعلين الأساسيين في هذا المجال ومن لديهم الخبرات والخبراء هم منظمات حقوق الإنسان وأن المجلس يمكنه أن يأخذ تقارير وشكاوى المنظمات ويقوم بتحريك الأجهزة التنفيذية المعينة بالتحقيق في هذه الشكاوى والتقارير.
ثانيا: أن يتلقى اقتراحات المنظمات الخاصة بتغيير القوانين المقيدة للحريات ويقوم بتشكيل لوبي ضخم لتمرير هذه التعديلات، سواء داخل الحكومة أو البرلمان.
ثالثا: أن يقدم للحكومة بشكل حقيقي ملاحظاته على تقاريرها المقدمة للمنظمات الدولية.
وعبر أبو سعدة عن شعوره بالخجل إزاء التقارير التي تتقدم بها الحكومة للهيئات الدولية، مشيرا إلى أن الحكومة تبدو وكأنها لا تعرف أن هناك تقارير ظل أو تقارير موازية تقدمها منظمات حقوق الإنسان لهذه الهيئات.
قال أبو سعدة إن شكوك المنظمات ستظل موجودة لأن السياق السياسي الذي تم فيه إنشاء هذا المجلس لا زال غير مشجع، لكنه لفت إلى أن هناك قوة جبارة للتغيير نحو الديمقراطية في المستقبل القريب، سواء شاءت الحكومات أم أبت، حيث لم يعد مقبولا أن تظل حكومة في موقعها لمدة ثلاثين عاما دون تقديم أي إنجاز حقيقي في أي مجال داخلي.
ملاحظات
من جانبه أثار بهي الدين حسن في تعليقه ملاحظات تتعلق بالطريقة التي تم بها تمرير قانون إنشاء هذا المجلس، مشيرا إلى أنها تأتي بعكس ما تم الترويج له من أن المجلس يقدم خطوة كبيرة وجريئة وجديدة، بل بدا الأمر كما لو كانت الحكومة تمرر شيئا خاطئا أو تخشى منه، فهى لم تطرح مشروع القانون للمناقشة الواسعة قبل إقراره ولم تقم بأية مشاورات مع الأطراف المعنية بهذا القانون، بما في ذلك منظمات حقوق الإنسان. وأوضح بهي أنه عندما تقرر تقديم مشروع هذا القانون للبرلمان قام مركز القاهرة بمخاطبة رئيس مجلس الشورى، ورئيس مجلس الشعب، مطالبا بتنظيم جلسات استماع لمنظمات حقوق الإنسان، ومع ذلك لم يتم التجاوب مع هذا الطلب.
أما الملاحظة الثانية التي رصدها بهي فقد صاغها في تساؤل مؤداه هل يمكن التعامل مع هذا القانون بشكل محايد وفي إطار ما نص عليه هذا القانون. قانون إنشاء المجلس القومي لحقوق الإنسان فقط؟!
وتساءل بهي أنه بافتراض أن هذا القانون هو الأفضل لإنشاء مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان، وأن الأعضاء الذين يضمهم هم من أفضل 27 شخصية في مصر، أليس كان مفروضا عمل شيء يوحي بوجود نية لتحسين حالة حقوق الإنسان؟!
وأشار إلى أنه عندما تكون الدولة ببرلمانها وقضائها وحكومتها عاجزة عن مجرد وضع حد لممارسة التعذيب في البلاد أو أن تخضع أية شكوى تتعلق به للتحقيق والمحاكمة في نهاية المطاف فكيف يستطيع مجلس استشاري أن يقوم بما لم تستطع أن تقوم به كل هذه الأجهزة مجتمعة، والتي تتمتع بسلطات مطلقة لا حد لها.
وأثارت مداخلات المتحدثين من القاعة مزيدا من الشكوك حول جدوى المجلس، وبخاصة في ظل السياق الذي تم فيه إنشاؤه ووصف بعضهم إنشاء المجلس بأنه كمن يقدم الطعام في حلة قذرة، مشيرا إلى أن العالم الخارجي الذي تستهدف الحكومة مخاطبته مدرك جيدا للادعاءات الزائفة والتي تحاول الحكومة ترويجها.
وعاد الدكتور شوقي السيد في تعقيبه الختامي للتأكيد على أن المسارعة بتمرير القانون دون مناقشة علنية واسعة أمر معتاد في مشروعات قوانين عديدة، وأنه ينبغي العمل على التخلص من انحراف السياسة التشريعية.

Share this Post