النقد الدولي: مكِّنوا المجتمع المدني من مكافحة الفساد في أزمة “كورونا”

In البرنامج الدولي لحماية حقوق الإنسان by CIHRS

الرقابة العامة أساسية لمراقبة التمويل الطارئ

طالبت في 4 مايو 2020، 99 منظمة حقوقية ومجموعة مختصّة بالحوكمة الرشيدة، في رسالة لمديرة صندوق النقد الدولي، كريستينا غورغييفا، بوضع تدابير لمكافحة الفساد في جميع النواحي التمويلية الطارئة المتعلّقة بوباء “كوفيد-19”، مشددة على ضرورة اتخاذ صندوق النقد خطوات ملموسة لتمكين المجموعات المستقلّة ومساعدتها في مراقبة التمويل الطارئ للحد من الفساد الحكومي.

تقول سارة سعدون، الباحثة في مجال الأعمال وحقوق الإنسان في هيومن رايتس ووتش: “تطلب مصر تمويلاً طارئاً من صندوق النقد الدولي، بينما المصريين عاجزين عن التعبير عن مخاوفهم حيال تبعات هذا التمويل تحت تهديد الاعتقال.” وتتابع: “على صندوق النقد حماية قدرة المنظمات الحقوقية المصرية على ضمان وصول أي تمويل مقدّم للبلاد إلى الملايين المهددين بالجوع بسبب هذه الأزمة.”

كان صندوق النقد سبق ووافق على تمويل طارئ بقيمة 15 مليار دولار تقريبا لأكثر من 65 دولة، وحاليًا يدرس طلبات من 20 دولة إضافية لمساعدة حكوماتها على مواجهة انعكاسات أزمة الوباء على اقتصادها. وتعتبر المنظمات أن معظم اتفاقات القروض تفتقر لبنود تتعلق بالتزامات الحكومة للحدّ من خطر الفساد. إذ يبدو أن صندوق النقد يفترض حسن نيّة الحكومات ويتوقع المساعدة من مجموعات الرقابة المستقلّة، دون فرض شروط واضحة في هذا الصدد تسبق الإنفاق.

تتضمن بعض اتفاقات القروض، مثل صرف مبلغ 147 مليون دولار للغابون، بنود واضحة تتعلق بالشفافية ومكافحة الفساد، بما في ذلك النص على تدقيق مستقلّ بعد انتهاء فترة القرض، وشرط نشر خطط المشتريات وأسماء الشركات التي مُنحت العقود، ومعلومات حول الملكية النفعية. هذه التدابير يمكن تطبيقها دون أي تأخير غير مبرَّر، وعلى صندوق النقد اتباعها وتطبيقها على جميع التمويلات الطارئة على نحو ثابت.

يتوقع صندوق النقد الدولي من المجموعات غير الحكومية مراقبة استخدام الأموال بشكل غير رسمي، ضمن استراتيجية لمكافحة الفساد، إلا أن الأمر يتطلب أولاً تدابير تحمي هذه المجموعات غير الحكومية، وتعزز قدرتها على ممارسة مثل هذا الدور الرقابي. لذلك طالبت المجموعات المنضمة لتلك الرسالة صندوق النقد بـ:

  • اشتراط شفافية حكومية: على صندوق النقد تطبيق تدابير الشفافية ومكافحة الفساد على نحو ثابت في جميع القروض، بما في ذلك إلزام الحكومات بنشر خطط المشتريات وأسماء الشركات التي مُنحت العقود وأسماء المّلاك المستفيدين.
  • حماية قدرة مجموعات المجتمع المدني على العمل: على صندوق النقد إلزام الحكومات باحترام حقوق مجموعات المجتمع المدني، وإبطال أو تعديل القوانين التي تمنع هذه المجموعات من المراقبة الآمنة للحكومة.
  • الاعتراف الرسمي بدور المجموعات الرقابية المستقلّة: على صندوق النقد الاعتراف رسميًا بالمنظمات الرقابية المستقلّة كجهات معنيّة في اتفاقات القروض، وابتكار آلية تتيح لهذه المجموعات الإبلاغ عن أية مخالفات. وعلى صندوق النقد أيضا التفكير في إشراك مجموعات مختارة مثل المنظمات الرقابية المستقلّة في بعض الاتفاقات التي تزيد فيها مخاطر الفساد.
  • تعزيز قدرات مجموعات المجتمع المدني: على صندوق النقد إجراء تدريبات افتراضية للمساعدة في بناء القدرات التنظيمية لمراقبة الأموال، والتفكير في تأمين الموارد اللازمة للمجموعات الراغبة، خاصة في الدول التي تفتقر إلى عدد كافٍ من المجموعات التي تتمتع بموارد كافية لمراقبة الإنفاق الحكومي.

يقول القس الدكتور غودزويل أغباغوا، مؤسِّس “مركز التوعية الاجتماعية والمناصرة والأخلاق” في نيجيريا: “من الجيد أن قرض صندوق النقد الدولي لنيجيريا، بقيمة 3,4 مليار دولار، يضمّ شروطاً للشفافية، مثل نشر أسماء الشركات التي حصلت على العقود ومالكيها، والتدقيق ما بعد انتهاء فترة القرض. لكنّ المنظمات غير الحكومية، مثل منظمتي، بحاجة إلى موارد للتحقّق من المعلومات التي تنشرها الحكومة، ومراقبة تنفيذ المشاريع من قبل المتعاقدين الحكوميين.”

 

 

  • صندوق النقد الدولي
  • 700 شارع 19، الشمال الغربي
  • واشنطن العاصمة، 20431

 

حول مكافحة الفساد ودور المجتمع المدني في مراقبة تمويل صندوق النقد الدولي للطوارىء

السيدة: كريستالينا غورغييفا

المديرة العامة لصندوق النقد الدولي

نحن 99 منظمة مجتمع مدني من مختلف أرجاء العالم، نكتب هذا الخطاب سعيًا لحث صندوق النقد الدولي على تضمين تدابير مكافحة الفساد، بشكل رسمي ومستمر، في تمويلاته الطارئة المتعلقة بجائحة كوفيد-19، واتخاذ خطوات ملموسة للمساعدة في حماية وتمكين مجموعات المجتمع المدني لمراقبة هذه التمويلات.

نحن على دراية عميقة بالأثر المدمّر للأزمة الاقتصادية العالمية الناجمة عن جائحة كوفيد-19؛ ومن ثم الحاجة الملحة لإمداد الحكومات بالأموال اللازمة لضمان فعالية استجابتها للأزمة. وبصفتنا منظمات تراقب عن كثب الفساد وتأثيراته؛ فإننا نعلم أيضًا أن الشفافية والمحاسبة هما مفتاح التيقن من أن الأموال التي يدفعها صندوق النقد الدولي تذهب بالفعل لحماية الأرواح وتأمين سبل العيش.

وإدراكًا منكم لذلك؛ فقد شجعتم من جانبكم الحكومات خلال اجتماعات ربيع 2020: “أنفقوا بقدر ما يمكنكم، ولكن تأكدوا من الاحتفاظ بالإيصالات. فنحن لا نرغب في أن تتراجع منزلة الشفافية والمحاسبة خلال هذه الأزمة.”وبرغم ذلك، فإن اتفاقيات قروض صندوق النقد الدولي إما تتضمن قدرًا ضئيلاً من الالتزامات الحكومية لتخفيف مخاطر الفساد أو لا تغفلها تمامًا، إذ يبدو أن الصندوق يتبنى في ذلك نهجًا رجعيًا يستند إلى حسن نية الحكومات ومراقبة مجموعات الرصد المستقلة.

نحن إذ نقدّر الحاجة الملحة للتمويل الفوري، وأن التسهيل الائتماني السريع (RCF) وأداة التمويل السريع (RFI) – الأداتين الرئيسيتين لصرف تمويل الطوارئ – من شأنهم تقيد قدرة الصندوق على تنفيذ تدابير قوية لمكافحة الفساد، إلا أن بعض الحكومات التي تلقت تمويلًا عبر تلك الآليات، مثل الجابون[1]، التزمت بتدابير الشفافية ومكافحة الفساد، ويشمل ذلك:

  • استلام كل تمويلات الطوارئ في حساب واحد لدى خزانة الدولة وإنشاء خط ميزانية جديد للإنفاق المتعلق بفيروس “كورونا”.
  • نشر خطة مشتريات تضم قائمة بالأسماء ومعلومات ملكية المستفيدين الخاصة بالشركات التي حازت على العقود.
  • الموافقة على تدقيق حسابات مستقل في غضون ستة أشهر من استلام التمويل.

إن إدراج هذه التدابير في بعض الحالات؛ يشير إلى أنها ممكنة دون تأخير لا مسوّغ له، إذ ينبغي أن يطبّق الصندوق تلك التدابير باستمرار على كل تمويلات الطوارئ.

علاوة على ذلك، وكما أقر الصندوق، فحتى هذه التدابير لن تكون كافية لضمان المحاسبة على نحو ملائم؛ لأن تمويل الطوارئ يتم تأمينه من خلال دفعات إجمالية. لذا، أكد كل من الموظفين وأعضاء مجلس الإدارة خلال اتصالاتنا مع الصندوق أن لديهم نية لأن تلعب مجموعات المجتمع المدني دورًا حيويًا في سد هذه الثغرة؛ من خلال مراقبة الإنفاق الحكومي عن كثب وإبلاغ صندوق النقد الدولي ببواعث قلقهم. ونحن إذ نعرب عن تقديرنا لأن صندوق النقد الدولي يعترف بالدور الجوهري لمنظمات المجتمع المدني في التشبث بمحاسبة حكوماتها، لكن هذا التدبير يظل مؤقت في غياب جهود أقوى لمراقبة ومكافحة الفساد من قِبَل صندوق النقد الدولي. كما أنه لن يغدو من الحكمة أن يعتمد الصندوق على دورنا الرقابي دون أن يشرع في اتخاذ خطوات ملموسة لحماية وتعزيز قدرتنا على مراقبة هذه التمويلات بفعالية.

تعمل العديد من مجموعاتنا في بلدان لا يتمتع الإنفاق الحكومي فيها بالشفافية، ولا يوجد مدققو حسابات، وإن وجدوا فإنهم يفتقروا للاستقلالية، كما أن السلطات لا تتسامح مع النقد. وحتى في الأماكن التي يمكن العمل فيها بشكل آمن؛ فإن العديد من المجموعات تفتقر للقدرات التقنية والموارد اللازمة لتراقب بفعالية تمويلات بمليارات الدولارات يصرفها صندوق النقد.

لذا، ومن أجل حماية وتعزيز رقابة المجتمع المدني على تمويلات الطوارئ؛ فإننا نطالب الصندوق باتخاذ التدابير التالية:

  1. فرض الشفافية

إن مجموعات المراقبة ليست قوة لإنفاذ القانون ولا هي مُقرض للحكومات، ومن ثم فلا سلطة لديها للفحص والتحكم في التمويلات. لذا يجب على صندوق النقد أن يطبّق باستمرار تدابير الشفافية ومكافحة الفساد على كل القروض، مثل أن يفرض على الحكومات إجراء عمليات تدقيق مستقلة ونشر خطط المشتريات، بما يشمل قائمة بأسماء المالكين المستفيدين وجميع الشركات التي حازت على العقود.

  1. حماية قدرة المجموعات على العمل.

العديد من البلدان لديها قوانين تقيّد حرية تكوين الجمعيات وحرية التعبير بشكل من شأنه تقويض قدرة مجموعات المجتمع المدني على العمل الآمن والرقابة الفعّالة على تمويلات صندوق النقد الدولي. على سبيل المثال، أمرت سريلانكا الشرطة بإلقاء القبض على أولئك الذين ينتقدون المسئولين الحكوميين المنخرطين في الاستجابة لانتشار فيروس “كورونا”.[2] وفي حالات أخرى، لا يوجد قانون أو أمر رسمي يحظر بشكل صريح نقد سياسات الحكومة؛ وبرغم ذلك فإن المسئولين ينتقموا من منتقديهم. لذا يجب على صندوق النقد مطالبة الحكومات بالالتزام باحترام حقوق مجموعات المجتمع المدني وإلغاء أو تعديل القوانين التي تمنع تلك المجموعات من الرقابة الآمنة على الإنفاق الحكومي.

  1. الاعتراف الرسمي بدور مجموعات المراقبة.

بإمكان مجموعات المراقبة أن تزود صندوق النقد بمعلومات قيّمة تتعلّق بالإنفاق الحكومي، ولكنها بحاجة لقناة آمنة وفعّالة. لذا يجب على صندوق النقد الدولي الاعتراف رسميًا بمنظمات المراقبة المستقلة كأصحاب مصلحة في اتفاقيات القروض وإنشاء قناة لها للإبلاغ عن أية مزاعم أو مخالفات. كما يجب على الصندوق أن ينظر في إشراك مجموعات منتقاة كمنظمات مراقبة مستقلة في السياقات التي ترتفع فيها مخاطر الفساد بشكل خاص.

  1. تعزيز قدرات المجموعات.

لقد أدت مستويات إنفاق صندوق النقد الدولي غير المسبوقة، فضلا عن أهمية التمويل في ضوء التأثير الاقتصادي للجائحة، إلى جعل مراقبة الإنفاق الحكومي لأموال صندوق النقد الدولي أولوية جديدة للعديد من منظماتنا. وفي الوقت ذاته، تعني الأزمة الاقتصادية أن العديد من مجموعاتنا تملك موارد أقل من المعتاد للعمل. ومن ثم يجب على الصندوق إجراء تدريبات افتراضية للمساعدة في بناء قدرة تنظيمية لمراقبة الأموال، والنظر في تزويد المنظمات المستعدة بالموارد الضرورية، لا سيما في البلدان التي يوجد بها عدد قليل من المجموعات التي تحظى بالموارد الجيدة وتراقب الإنفاق الحكومي.

لقد افتتحتم اجتماعات ربيع العام الجاري بملاحظة أن الأوقات غير العادية تتطلب اتخاذ إجراءات استثنائية. وعليه، فصندوق النقد يفترض أن يطبّق الرؤية نفسها التي اتبعها مع الحكومات مقدرًا حاجتها الملحة للدعم، وذلك من خلال مساعدة مجموعات المجتمع المدني على التيقن من أن أموال صندوق النقد الدولي تذهب إلى الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليها.

يسعدنا أن نلتقي بكم لمناقشة هذه القضايا بمزيد من التفصيل،

ونقدّر اطلاعنا على الخطوات التي اتخذتموها بهذا الصدد.

ولكم خالص التقدير والاحترام.


[1] صندوق النقد الدولي، الجابون: طلب صفقة بموجب أداة التمويل السريع، 16 أبريل 2020. (بالإنجليزية).

[2] هيومن رايتس ووتش، سريلانكا تستغل الجائحة للحد من حرية التعبير، 3 أبريل 2020. (بالإنجليزية).

قائمة الموقعين موجودة بالللغة الانكليزية هنا 

Share this Post