النكبة الفلسطينية مستمرة في ظل إفلات إسرائيل التام من العقاب، وازدواجية معايير المجتمع الدولي

In دول عربية by CIHRS

يعرب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان عن قلقه الشديد إزاء مرور الذكرى الـ 67 للنكبة الفلسطينية في ظل جهود ضئيلة على الأرض لتحقيق العدالة والسلام في الأرض الفلسطينية المحتلة. ففيما يُحيي الفلسطينيون ذكرى حرب صادرت ما يزيد عن 87% من الأراضي الفلسطينية، ودمرت ما يقرب من 400 بلدة وقرية فلسطينية، ونزح على إثرها ما يقرب من سبعمائة ألف فلسطيني، مابين عام 1947و1949، يقبع اليوم أكثر من خمسة مليون لاجئ فلسطيني في كل بقاع الأرض.

في عام 1967 أحتل الجيش الإسرائيلي ما تبقى من الأراضي الفلسطينية (22% من أرض فلسطين)، لتبقى قابعة تحت قبضة نظام عسكري مبني على القمع والسيطرة لأكثر من خمسة عقود، تمثل أطول احتلال عسكري عرفه التاريخ المعاصر. وفي العام نفسه- 1967- وقع الضم غير الشرعي لمدينة القدس، ولكم في تطابق الأرقام هذا العام -2015- من تطابق للوقائع التي لا تزال قائمة حتى يومنا هذا.

تهدف السياسات والممارسات الديموجرافية والتمييزية المستمرة التي تنتهجها دولة إسرائيل من خلال التهجير القسري للفلسطينيين والمصادرة واسعة النطاق للأراضي والممتلكات، فضلا عن هدم البيوت والمنشآت وسياسة التهويد إلى السيطرة على غالبية مساحة الأرض، وهي السياسات نفسها التي تتبعها دولة الاحتلال من 76 عام وحتى الآن.

تمضي إسرائيل في انتهاك القانون الدولي بما في ذلك قواعده الآمرة، والتي تحول دون الاستيلاء على الأرض عنوة، وتكفل للشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره، كما تنتهك قواعد القانون الدولي الإنساني، وتستمر في رفض تطبيق مئات القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، مما يجعلها أحدى أكثر الدول خروجا عن القانون على الساحة الدولية، ناهيك عن أن تمادي إسرائيل في الضم الفعلي لمساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية المحتلة، يجعل من إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 هدفًا وهميًا، ويقطع طريق الوصول لأي حل سلمى طويل المدى للقضية.

تشترك اذرع النظام الإسرائيلي الثلاثة التشريعية والتنفيذية والقضائية في دعم استمرارية النظام المحتل. ففي الخامس من مايو الجاري أقرت المحكمة العليا الإسرائيلية بهدم قرية أم الحيران البدوية في النقب، فضلا عن القرار الذي اتخذته المحكمة نفسها بهدم قرية سوسيا في جبال الخليل (منطقة ج في الضفة الغربية)، إذ يمثل القراران نموذج للسياسات التي يعاني منها الفلسطينيين على اختلاف مناطق تواجدهم الجغرافي أو وضعهم القانوني. ناهيك عن غياب أية إرادة سياسة إسرائيلية حقيقية للمشاركة بأي عملية سلام بناءة، لاسيما في ظل وجود الحكومة الحالية، التي تضم بين صفوف أعضائها ممن حرضوا وبشكل علني على الفلسطينيين، بل أن رئيس الوزراء الحالي حذر يوم الاقتراع في حملته الانتخابية من توافد العرب- الأقلية الفلسطينية التي بحوزتها الجنسية الإسرائيلية – على صناديق الاقتراع، رغم أنهم لا يشكلون أكثر من 20% من الناخبين، كما أن أحد وعوده الانتخابية كانت أن لا يكون هناك دولة فلسطينية.

تمتعت إسرائيل على مدى سنوات بإفلات شبه كامل من العقاب على جرائمها المستمرة، الأمر الذي كان بمثابة “الضوء الأخضر” لقوات الاحتلال للاستمرار في هذا الحصار غير الشرعي والمحكم على قطاع غزة، بما يهدد حياة أكثر من مليون ونصف فلسطيني- 70 % منهم من اللاجئين الذين نزحوا خلال النكبة- يعيشون داخل سجن مفتوح منذ أكثر من 7 سنوات، في أزمة إنسانية تزداد سوءا يوما بعد يوم، فضلا عن الهجمات المتكررة التي تشنها إسرائيل على القطاع، ويسقط على إثرها آلاف القتلى معظمهم من المدنيين.

إن التقاعس المتكرر عن تفعيل آليات المحاسبة – كما ذكرتها نتائج تقرير”غولدستون” الصادر عن الأمم المتحدة، والخاص بتبعات عملية “الرصاص المصبوب، وما وقع خلالها من جرائم حرب مزعومة ة جرائم قد ترتقى لحد جرائم ضد الإنسانية- ربما يمثل أحد العوامل التي شجعت إسرائيل على إعادة الكرة بقسوة أكبر في حربها الصيف الماضي على قطاع غزة .

وفي السياق نفسه مازال اللاجئين الفلسطينيين يعانون من مصادرة حقهم في الجنسية وتقرير المصير، ناهيك عن حرمانهم من معظم حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الأساسية في مخيمات اللجوء المترامية في مختلف الدول، وعلى وجه الخصوص اللاجئين في سوريا الذين يتعرضون اليوم لموجة أخرى من التهجير، أو محاصرون في ظروف شديدة القسوة كما هو الحال في مخيم اليرموك.

وعلى الرغم من هذه الانتهاكات الجسيمة وغيرها لحقوق الشعب الفلسطيني، يستمر المجتمع الدولي في ممارسة الضغوط على المفاوضين الفلسطينيين لتقديم المزيد من التنازلات عن الحدود و يتراجعوا عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين، أو يغضوا الطرف عن سياسات التهويد في القدس، والتي تستهدف طمس الهوية التعددية الثقافية والتاريخية في المدينة المقدسة.

ومع مرور الوقت تحولت فلسطين إلى رمز للعجز البنيوي في القانون الدولي، الذي فشل بسبب المعايير المزدوجة للمجتمع الدولي بالتوصل إلى أي حل سياسي دائم وعادل للقضية الفلسطينية.

و في ذكرى النكبة يوصي مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بما يلي:

  • على حكومات الدول العربية أن تتخذ موقف قوي بخصوص الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني، وتفعيل إستراتيجية واضحة تتيح خلق بيئة تسمح بطرح أفكار ومحددات للحل مبنية على العدالة، وتضمن حقوق الشعب الفلسطيني.
  • على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ومؤسساتها وهيئاتها أن تقوم بواجباتها فيما بتعلق بتطبيق أسس الشرعة الدولية، الواردة في ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي تستوجب محاسبة إسرائيل على جرائمها المستمرة ضد الشعب الفلسطيني. كما ندعو مجلس الأمن بأن يقوم بالتوصية لصالح قبول طلب عضوية فلسطين في الأمم المتحدة.
  • على المبعوث الخاص للأمم المتحدة في الشرق الأوسط، وأعضاء اللجنة الرباعية الدولية، أن يسعوا للوصول إلى اتفاقية سلام مبنية بالأساس على احترم مبادئ القانون الدولي,على الأطراف السامية في معاهدة جنيف الرابعة القيام بواجباتهم تجاه الفلسطينيين في الأرض الفلسطينية المحتلة، من خلال اتخاذ التدابير الجدية لرفع الحصار عن قطاع غزة، ووقف ممارسات مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات في الضفة الغربية وحماية مدينة القدس من نتائج الضم غير الشرعي لها.
  • على المنظمات الإقليمية، والاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي والأطر الأمريكية المختلفة اتخاذ خطوات جدية لمحاسبة إسرائيل، وعدم المشاركة –أو تسير- أي أتفاق أو تعاون قد يؤدي لمزيد من التقويض لحقوق الشعب الفلسطيني وخرق مبادئ القانون الدولي.
  • على القيادة الفلسطينية أن تستمر في جهودها الرامية لمحاسبة كل من أجرم فى حق الفلسطينيين ، وأن تطالب فورا بعودة اللاجئين الفلسطينيين خاصة في سوريا، واستيفاء دورها التمثيلي لحقوق ومصالح كافة أطياف الشعب الفلسطيني وفئاته، وفقا لما نص عليه ميثاق منظمة التحرير 1964.

جدير بالذكر أن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان كان قد شارك في إحياء الذكرى الـ 67 للنكبة الفلسطينية بتخصيص أمسية يوم 14 مايو الجاري بمقره في القاهرة، لعرض فيلم وثائقي عن انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي لحقوق الشعب الفلسطيني، خاصة في 3 قرى فلسطينية تم تدميرها بالكامل وإجلاء سكانها خلال حرب الأيام الستة عام 1967. الفيلم الوثائقي الذي حمل عنوان “ذاكرة الصبار” من إنتاج مؤسسة الحق الفلسطينية، استتبعه نقاش مفتوح بين الحضور ومستشار أول السفارة الفلسطينية، ومسئول الملف الإعلامي والثقافي بها، المستشار محمد خالد الأزعر، الذي استضافه المركز للحديث حول أخر التطورات في الأراضي الفلسطينية والجهود الإقليمية والدولية الرامية لمواجهة الانتهاكات المستمرة للاحتلال الإسرائيلي في فلسطين .

 

Share this Post