بمناسبة اليوم العالمي للمرأة: المرأة العربية، متقدمة في الثورة، متأخرة في المسؤولية

In مقالات رأي by CIHRS

مشهدان من السودان

الأول: سنة 2009، وفي ظل حكم البشير، الذي اراد تطبيق الشريعة الاسلامية ، حُكم على الصحفية لبنى حسين وعشر نساء اخريات باربعين جلدة لارتدائهن سراويل فضفاضة ، تعتبرها السلطات السودانية «زيا غير محتشم بالنسبة للمرأة»، وادانت المحكمة بالخرطوم لبنى بعد احتجازها بتهمة «الاخلال بالذوق العام».

الثاني: ايام الثورة السودانية ، في افريل 2019، تعتلي الطالبة الاء صالح سقف سيارة، وهي ترتدي ثوبا ابيض ، جمع بين التراث السوداني ورمز الحرية والسلام وقرطين على شكل قمرين، وهي مجوهرات الزفاف في السودان ،لتحفّز المتظاهرين ، وتقول ان المرأة السودانية مستعدة ان «تسقي النيل بدمها الفائر.»

لم تلهم الاء السودانيين الذين لقبوها بالكنداكة (الملكة النوبية) فقط، بل حتى فنانين تشكيليين عالميين رسموا صورتها في شكل تمثال للحرية، وقالت صحيفة واشنطن بوسط بانها «تروي ملحمة المرأة السودانية وتاريخها» ، حين تقود «المتظاهرين وتدعوهم الى ترديد شعاراتها الثورية».

قبل ذلك، ابرزت الانتفاضات العربية دور المرأة وتصدرها الاحتجاجات ومواجهتها للقمع خلال المظاهرات ، فبرز اسم المدونة لينا بن مهني في تونس التي عرفت بقمع النظام للمظاهرات التونسية عالميا ، وراضية النصرواي ومية الجريبي والممثلة السورية فدوى سليمان ، التي قادت المظاهرات في حمص ، داعية المتظاهرين الى وحدة قواهم ونبذ الطائفية التي تعيق كل عملية ديمقراطية في سوريا ، وفي اليمن المحافظ ، برز اسم توكل كرمال ، المدافعة عن حقوق الانسان والاعلام….

وفي مصر ، انخرطت المرأة منذ انطلاق الاحتجاجات حيث «تواجد النساء جنبا الى جنب مع الرجال يهتفن ويكتبن الخطابات ويسعين للحفاظ على الحالة من التضامن والمقاومة بين المتظاهرين» حيث تعتبر الدكتورة هانيا شلقامي في مجموعات مقالات «اجساد النساء بين الحراك والانتهاك» ان اللحظة الثورية في الميدان «كانت اهم اللحظات التحررية بالنسبة للنساء المصريات».

جزاء سنمار؟

وقبل الخوض في المشاركة السياسية للمرأة العربية التي تُعد، حسب دراسة انجزتها مؤسسة فريدريك ايبارت الالمانية، من ادنى النسب في العالم ، رغم بعض الفوارق بين دولة و اخرى ، لابد من الاشارة الى ان الايام 18 التي قضاها النسوة في اعتصام ميدان التحرير ، حين تعطلت الانظمة السائدة القائمة على عدم المساواة في خضم الزخم الثوري ، كانت «فاصلا زمنيا (ثوريا)بين ماسبقها وماتلاها» اذ سرعان ماعاد التحرش وعنف السلطة والنظام الابوي ليمارس جبروته ، وسرعان ما ادركت المرأة المصريات ان «المشاركة في الثورة لن تنصفهن بالضرورة».

اذن اللحظة الثورية لم تكن الا فاصلا ذابت خلاله كل المعتقدات الموروثة التي تحط من قيمة المرأة ، لحظة تنكر لها الجميع بعدما اثارته من حماسة وما ابرزته من رغبة في المساواة والمشاركة السياسية. في مجلة انسانيات الجزائرية «انسانيات» وتحت عنوان «السياسات العمومية وحقوق المرأة بعد الربيع العربي» يقول الباحث بلقاسم بن زنين ان هناك مفارقة مفادها ان المشاركة الكثيفة للنساء في الحركات الاحتجاجية لم تكن مقترنة باستفادتهن من اجراءات جديدة للتمتع بالعدالة وان سياقات ما بعد الثورات العربية ظلت محكومة بامرين «الموروث الثقافي» وغياب «الارادة السياسية».

تونس تشريعاتها الرائدة:

تونس، مثلًا، رغم تاريخها في سن القوانين الداعية للمساواة ورغم القدر من التعليم الذي احرزته النساء ، فان اهم عقبة تواجهها هي الفرق بين تطور القوانين وجمود الواقع، جمود ابرزته بعض الاعمال الفنية مثل ، فيلم «نورة تحلم» للمخرجة هند بوجمعة التي صورت بقدرة فنية عالية الهوة الساحقة التي تفصل القوانين وبين الواقع ، خاصة لدى الطبقات الشعبية ، حيث يرفض المجتمع لجوء المرأة للقانون لحماية نفسها، في حين يبرر عنف الرجل.
القانون الاساسي للقضاء على العنف ضد المرأة الذي ووقعت المصادقة عليه في جويلية 2017 كان ثورة تشريعية مهمة قطعت مع القوانين الجزائية القديمة التي لا تحمي المرأة من العنف ، كما يعد انتصارا لما طالب به المجتمع المدني منذ أن اكتشفنا جميعا ان العنف يطال نصف نساء تونس الثورة ، فوقع التأكيد على ضرورة ملاءمة القوانين والتشريعات التونسية مع المواثيق الدولية ، وخاصة الاعلان الاممي للقضاء على العنف ضد المرأة الصادر سنة 1993،
لكن القوانين ، كما الدساتير ، لا تغيّر الواقع ما لم تصحبه إرادة سياسية تحرص على توفير المعدات اللازمة وامكانيات المادية ، وما لم تصحبه كذلك ثورة ثقافية تغيّر الموروث التقليدي القائم على سلطة ابوية تكرّس الاخضاع والسيطرة ،بدلا عن الحوار والنقاش.

على المستوى السياسي والاداري ايضًا ، تختلف حسابات الحقل عن حصاد البيدر ، اذ رغم الارث البورقيبي و الترسانة القانونية ، ورغم تأكيد دستور 2014 على ضرورة ان تعمل الدولة على تمثيلية المرأة في المجالس المنتخبة ،فان المساواة مازالت بعيدة المنال ، وعلى العكس تبيّن نتائج الانتخابات أكتوبر 2019 تراجع تمثيلية المرأة حيث انخفضت نسبة وجودها بمجلس نواب الشعب من 36 بالمائة سنة 2014 الى 23 بالمائة و لا تتجاوز تمثيلية المرأة في حكومة السيد الياس الفخفاخ ال18 بالمائة، الى ذلك لايزال وجود المرأة في مراكز القرار متدنياً ، ولا يتجاوز صفر فاصل 3 بالمائة ورغم ان نسبة النساء اللواتي لهن شهائد عليا ومؤهلات في الادارة التونسية تفوق الرجال (67 ٪ ) فان وجودهن في مناصب عليا لا يتجاوز 30 ٪.

كان احتفال الامم المتحدة باليوم العالمي للمرأة هذه السنة تحت عنوان «جيل المساواة» ، املاً في ان يحقق الجيل الحالي المساواة التامة «بحلول سنة 2030» ، وهو امر صعب اذا ما اخذنا الواقع الحالي بعين الاعتبار ، حيث تعاني ثلث نساء العالم من العنف ولا تتجاوز نسبة وجودهن في البرلمانات الـ25 ٪.
عربيًا ، وان ساعدت الانتفاضات في ابراز دور المرأة الطلائعي ، الا ان ارهاصات الموروث الثقافي وغياب ثقافة حقوق الانسان ، ببعدها الانساني الشامل وضعف الارادات السياسية يؤخر كثيرا المساواة الفعلية، مهما تطورت القوانين ،وكما جاء في بيان الامم المتحدة بمناسبة 8 مارس هذه السنة ، «التغيير الحقيقي (في اوضاع المرأة) ليس انتصارات قانونية واتفاقات دولية بل هو تجسيد في اسلوب تفكيرنا وكلامنا وتصرفاتنا اليومية».

بقلم: مسعود الرمضاني


المصدر: جريدة المغرب

Share this Post