تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان هل يكون مصيره سلة المهملات؟

In صالون بن رشد by CIHRS

التقرير الأول حول وضعية حقوق الإنسان في مصر والصادر مؤخرا عن المجلس القومي لحقوق الإنسان لا يضيف معلومات جوهرية جديدة لما تتضمنه تقارير منظمات حقوق الإنسان المصرية والعالمية، ومع ذلك فإن التقرير يكتسب أهمية سياسية استثنائية بحكم أنه صادر عن هيئة أنشأتها الدولة واختارت أعضاءها. ويصبح المحك الرئيسي للحكم على قيمة هذا التقرير هو مصير ما انتهى إليه من استنتاجات وتوصيات.
ذلك ما أكده بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة في افتتاح الأمسية، الثقافية لصالون ابن رشد في 16 مايو 2005 تحت عنوان: “في سلة مهملات عمرها 20 عاما: هل يلحق تقرير المجلس القومي بتقارير حقوق الإنسان السابقة؟!.
وتساءل بهي هل يؤدي هذا التقرير إلى انتهاج سياسات حكومية مختلفة، وهل سيتم التحقيق فيما تضمنه التقرير من جرائم ومخالفات خطيرة؟ أم ستكتفي الحكومة باستخدام التقرير في حملاتها الدعائية لتحسين صورتها أمام المجتمع الدولي؟
وأشار بهي إلى أن هذا التقرير رغم ما رصده من انتهاكات قد وقع في عدد من الأخطاء الجسيمة وعلى رأسها إعادة تبني دفاع الحكومة غير المقنع عن نفسها أمام لجان الأمم المتحدة فيما يتعلق باتساق الدستور، والتشريع المصري مع حقوق الإنسان؛ مشيرا إلى أن هذا الدفاع يتناقض نصا وروحا مع الجرائم والاتهامات الخطيرة التي تضمنتها الأقسام الأخرى من التقرير.
من جانبه أكد السفير مخلص قطب الأمين العام للمجلس القومي لحقوق الإنسان أن هناك انتقادات كثيرة وجهت للتقرير وللمجلس ومنها طريقة توزيع التقرير وصياغته وتركيزه على موضوعات والتوسع فيها وإغفال موضوعات أخرى.
وقال قطب إن من هذه الانتقادات أيضا إغفال تقارير الحالة الثقافية وبعض ما تتضمنه تقارير المنظمات الحقوقية وتناقض التقرير بالإشادة بالحكومة في أحد فصوله وبانتقادها في فصول أخرى، مشيرا إلى أن هذه الانتقادات ما زالت قائمة حتى الآن.
ولفت قطب إلى ضرورة التفريق بين المنظمة الأهلية ومجلس صدر بقانون من الدولة حسب معايير دولية تنص على استقلاليته تم مراعاة بعضها، واصفا المجلس بأنه جهة استشارية.
وأوضح أنه بالرغم من حجم الانتقادات التي وجهت للتقرير، فإنه كان هناك بعض الأصوات الإيجابية التي رحبت به.
وأشار إلى أن مجلس الوزراء منذ أيام قليلة أصدر توجيهات لكل الوزراء والمحافظين والمسئولين بالدولة وطالبهم بالرد على التقرير والتعاون مع المجلس. وقال قطب إن بعض الوزراء “زعلوا مننا” عقب صدور التقرير، مشيرا إلى أن هناك تحركاً ايجابياً من مؤسسات الدولة لم يصل بعد إلى حد الكمال.
واعترف قطب بتجاهل الجهات المسئولة والوزارات للمجلس وقال: في البداية لم نتلق ردوداً على شكاوى المجلس ثم بدأنا نتلقي ردودا شحيحة ثم بدأت الردود من الجهات المختصة والمعنية بالدولة في الزيادة.
وأوضح أن المجلس اعتمد في تقريره على تقارير المنظمات الأهلية العاملة في مجال حقوق الإنسان ووصف ذلك بأنه إضافة للمجلس. واعتبر السفير قطب المنظمات الأهلية وغير الحكومية العاملة في مصر بمثابة الهيكل الرئيسي لعمل المجلس، مشيرا إلى أنه بدون العمل مع هذه المنظمات لم يكن هناك وجود للتقرير أو المجلس.
واعترف قطب بأن التقرير أغفل أشياء وبه نواقص كثيرة، مشيرا إلى أن التقرير يعتبر الأول للمجلس ومن الصعب أن يتضمن كل المجالات.
وكشف عن قيام المجلس بإجراء اتصالات مع المنظمات الحقوقية في مصر لعقد اجتماع يوم 27 يونيو 2005 لوضع خطة قومية خلال الفترة من عام 2007، وحتى 2012 لتعزيز حقوق الإنسان وبحث سبل نشر وترسيخ قيم حقوق الإنسان في المجتمع.
ونوه قطب إلى أن الميراث الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والضغط السياسي يؤكد على ضرورة أن يكون هناك تركيز على نشر ثقافة حقوق الإنسان، مشيرا إلى أن التدريب وحده لا يكفي وأن المطلوب هو استخدام وسائل الإعلام لنشر ثقافة حقوق الإنسان والاستفادة منها.
ورحب أحمد سيف الإسلام مدير مركز هشام مبارك للقانون بتقرير المجلس، مشيرا إلى أن التقرير وما تضمنه من رصد لأبرز للانتهاكات، كان مفاجأة غير متوقعة.
ولكنه انتقد بعض ما تضمنه التقرير خاصة ما يتعلق بالاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر، مشيرا إلى أن التقرير لم يعلق على التحفظات المصرية غير المبررة على بعض هذه الاتفاقيات كما تجاهل إشكالية موقع الاتفاقيات الدولية في التشريع المصري ومدى إلزاميتها ولم يتضمن مقارنة للتشريعات مع الاتفاقيات الدولية.
ولفت سيف الإسلام إلى أن التقرير استعرض التطور السياسي في مصر وتناول واقعة تعديل الدستور عام 1980، مشيرا إلى أن التقرير ذكر ايجابيات هذا التعديل، ولم يشر إلى سلبياته، ومنها أنه جعل مرجعية الدولة دينية وجعل من الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، فضلا عن تعديل المادة المتعلقة بتحديد فترة الرئاسة وجعلها مدداً مفتوحة بدلا من مدتين.
وأشار كذلك إلى أن التقرير قد تجاهل أن وسائل الانتصاف مشلولة بصورة فعلية بموجب قانون الطوارئ وصلاحيات الحاكم العسكري.
أما الدكتور محمد السيد سعيد نائب مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، فقد بدأ مداخلته بالتأكيد على أهمية إنشاء المجلس القومي لحقوق الإنسان وضرورة الاشتباك بشكل إيجابي مع أعماله مضيفا أن التقرير يشكل مناسبة مهمة لمراجعة الأنماط التاريخية الراسخة لانتهاكات حقوق الإنسان والأوزان النسبية لها. وأضاف: وفي هذا الإطار فإن العقاب الجماعي لم يأخذ حقه في التقرير، رغم أنه النمط الأكثر شيوعا، والذي يجتمع داخله أنماط متعددة من الانتهاكات.
وأضاف أن التقرير كان ينبغي أن يحدد لنفسه وظيفة نوعية تميزه عن تقارير الرصد التقليدية، وأن يحسم عددا من القضايا الإشكالية، فالتقرير وإن كان قد رصد العديد من الوقائع المتصلة بالتعذيب، إلا أنه كان عليه أن يوضح هل هو يمارس بشكل منهجي أم لا؟
وأكد سعيد شيوع التعذيب في مصر واعتبره سياسة معتمدة من جهاز الدولة من بعد اغتيال السادات، مشيرا في ذلك إلى أن السادات عندما قرر منع التعذيب أصدر أمرا تنفيذيا للسلطات المختصة بإيقاف عمليات التعذيب، وقال جملة واحدة “امنعوا التعذيب”. مضيفا أن نظام مبارك لم يقدم على أي خطوة لمنع التعذيب، لأنه لم يرغب في وضع حد له، مثلما فعل السادات.
وانتهى سعيد بالقول إن ما يتعرض له البلد الآن أنه يحكم بكامله خارج نطاق القانون، الأمر الذي يجعل الوضع في مصر أقرب وأشبه بجمهوريات الموز.
وانتقد سعيد استمرار العمل بقانون الطوارئ، مشيرا إلى أنه لم يمكن لبلد العيش في ظل الطوارئ مثل مصر، والتي تعيش في ظله منذ 68 عاما.
وتناول صلاح عيسى رئيس تحرير جريدة القاهرة طريقة توزيع التقرير والإعلان عنه، مشيرا إلى أن قيمة هذا التقرير أنه صادر عن المجلس القومي الذي أنشئ بأمر من الدولة.
ووصف عيسى التعتيم الإعلامي على التقرير والإهمال له بأنه تعتيم مقصود جاء نتيجة “مؤامرة صمت” على التقرير.
وقال: لا قيمة لهذا التقرير دون أن يكون موضوع مناقشة في جميع وسائل الإعلام المختلفة. واعتبر أن التعتيم الرسمي على ما جاء بالتقرير من انتهاكات من شأنه أن يعزز الانطباعات التي تقول إن المجلس القومي لحقوق الإنسان جاء إنشاؤه لتحسين صورة مصر في الخارج. مضيفا أن الحكومة المصرية لم تهتم بالتقرير إلا بعدما أظهرت الدوائر الأمريكية والغربية ترحيبا بما تضمنه من وقائع لانتهاك حقوق الإنسان.
واعتبر حافظ أبو سعدة الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان وأمين لجنة الشكاوى بالمجلس سابقا أن التقرير اعتمد في الأساس على الشكاوى التي وردت للمجلس.
وانتقد أبو سعدة تجاهل الوزارات والجهات المختصة وعدم ردها على شكاوى المجلس، مشيرا إلى أنه تم الحرص على ذكر صيغة الردود الواردة على سبيل المثال من وزارة الداخلية، كما هى وذلك بهدف إبلاغ الرأي العام بطبيعة هذه الردود، وحتى تقوم تلك الجهات في المرة القادمة بالتعاون الإيجابي.
وأكد أبو سعدة أن كل الردود لم تكن إيجابية لكي تكون شهادة إدانة لهؤلاء المسئولين الذين ينتهكون حقوق الإنسان ويتجاهلون أيضا المجلس.
وأشار إلى أن التقرير الأول للمجلس حقق عدة أشياء أهمها أنه وجه رسالة إلى منظمات حقوق الإنسان في مصر، وأكد أن العلاقة تكاملية بين المجلس والمنظمات، وليست تصادمية.
واختتم حديثه بأن التقرير أوضح أن مجلس حقوق الإنسان لن يستخدم كآلية للتغطية على انتهاكات حقوق الإنسان في مصر.

Share this Post