تلويح الحكومات بالإصلاح .. استجابةً لنداء الشعوب أم تفاديًا للتدخل الأجنبي؟!

In صالون بن رشد by CIHRS

خلال الآونة الأخيرة تحركت مياه راكدة كثيرة وبدا العالم العربي يشهد تطورات متسارعة، فمن جانب شهدت لبنان تحركات شعبية فوارة بالحيوية أجبرت الحكومة فيها على الاستقالة في مشهد فريد لم تعرفه المنطقة لسنوات طويلة، ومن جانب آخر انضمت كل من مصر والسعودية –بعد صمت طويل- إلى المطالبين بانسحاب القوات السورية من لبنان وتطبيق اتفاق الطائف دون تأجيل ثم الانسحاب السوري المتسارع بعد تلكؤ غير مبرر استمر 14 عاما، ومن جانب ثالث شهدت مصر تعديلا دستوريا بعد طول عناد ورفض لأي مساس بالدستور وتخوين وإرهاب للمطالبين بالتعديل.
هناك أيضا الانتخابات الفلسطينية والتي اعتبرت نموذجا للديمقراطية، حيث حصل منافس الرئاسة على نسبة 20% من الأصوات، وهناك أيضا توقيع اتفاق سلام تاريخي في السودان برعاية المجتمع الدولي وغياب كامل للجامعة العربية.
في هذا الإطار تثار بعض التساؤلات ومنها: لماذا بدأت الحكومات العربية تلين الآن بعد أن ظلت أنظمتها السلطوية لعقود طويلة تقاوم مطالب الشعوب في قضايا كالانسحاب من لبنان وتحقيق سلام متكافئ في السودان، وتبني بعض مطالب الإصلاح الديمقراطي في البلدان العربية، وهل تمثل مواقف الأنظمة العربية استجابة لنداء الشعوب أم تفاديا للتدخل الدولي؟ أم أن تصاعدا في الكفاح الوطني من أجل الديمقراطية صار من الصعب إدارة الظهر له؟.
حول هذه القضايا عقد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ندوة في إطار صالون ابن رشد تحت عنوان : تلويح الحكومات بالإصلاح .. استجابة لنداء الشعوب أم تفاديا للتدخل الأجنبي؟! أدارها مجدي النعيم المدير التنفيذي للمركز، والذي أكد في بدايتها أن العالم مر عليه أكثر من موجة للديمقراطية أحدثت تحولات في أكثر من إقليم به، وأن العالم العربي كان هو الاستثناء، مشيرا إلى أن ثمة مؤشرات حاليا تدفع البعض للقول بأن العالم العربي على أعتاب تحول ما، وأضاف النعيم أن هذه المؤشرات تواكب معها ضغوط شديدة من المجتمع الدولي، وتحديدا من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، مشيرا إلى أن هذه الضغوط أخذت أشكالا مختلفة وأصبحت من مفردات الحديث اليومي.
أضاف النعيم أن التعامل مع قضية أيمن نور في مصر، وطريقة إدارة ملف دارفور في السودان، وغيرها من القضايا يدفع للتساؤل حول ما إذا كانت التحركات الحكومية العربية الأخيرة تمثل استجابة للمطالب الداخلية بالإصلاح أم تمثل خضوعا للضغوط الدولية؟!
وبدأت محاولات الإجابة على هذه التساؤلات من جانب الدكتور حسن أبو طالب الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية والذي حدد مفهومه للإصلاح باعتباره عملية تغير اجتماعية وسياسية وثقافية تدرجية، ولها هدف واضح وتعكس فلسفة معينة في الانتقال من حال إلى حال، مشيرا إلى أن ذلك يعني أن الإصلاح هو عملية لتفكيك السمات السلطوية في المجتمعات العربية، وصولا إلى نموذج ديمقراطي قليل القيود وتشاركي.
وأكد أبو طالب أن الحديث عن نموذج ديمقراطي واحد في العالم العربي كهدف للإصلاح يبدو أمرا غير واقعي، وأن المطلوب هو نماذج ديمقراطية مختلفة، حسب سمات كل مجتمع واستقبال واستعداد الثقافة السياسية فيه لعمليات التحول، لافتا إلى أن الكويت شهدت جدلا وصراعا حول مسألة حقوق المرأة، رغم كون الكويت بلدا منفتحا وبه حرية إعلامية ومنفتحا اقتصاديا، وأرجع أبو طالب حالة الجدل هذه إلى وجود قوى سياسية داخل الكويت استطاعت الفوز في الانتخابات البرلمانية الأخيرة وأن هذه القوى لها موقف من حقوق المرأة.
انتقد أبو طالب التذرع بالخصوصية كمبرر لعدم اتخاذ خطوات إصلاحية، أو اتخاذ إجراءات ذات طابع شكلي جدا. لافتا إلى ما شهدته مصر من جدل سياسي وهمي حول نقطة البدء بالإصلاح وهل يبدأ من الثقافي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي.. الخ. مشيرا إلى أن قرار تعديل المادة 76 من الدستور عكس الآية قليلا. وأكد وجود مجال للإصلاح يرتبط بالدخول في المجال السياسي والذي ينعكس بدوره على بقية المجالات.
تناول د. أبو طالب ضغوط الخارج فيما يتعلق بالإصلاح والتغيير فأكد بداية على ضرورة تفكيك ضغوط الخارج، لافتا إلى أن التوزيع الداخلي للتمويل الأمريكي فيما عرف بمشروع “الشرق الأوسط” الذي تحول إلى مشروع “الشراكة”، تناول تخصيص 293 مليون دولار توزعها كالتالي: 28% للإعلام والمجتمع المدني والديمقراطية، 23% للمجال الاقتصادي، 26% لتحسين التعليم، 23% لتمكين المرأة، مشيرا إلى أن الأمريكيين يرون الأولوية في مجال الديمقراطية والإعلام وتبني برامج لتدريب الشخصيات السياسية على المهارات القيادة ومهارات المنافسة السياسية وتعزيز ما يسمى بالإعلام المستقل والمهارات والمعرفة للبرلمانيين المحليين على القضايا التشريعية.
وأكد أبو طالب أن الإصلاحات في العالم العربي متناثرة وتفتقد النموذج، وفي نفس الوقت تبدو بين الحين والآخر كما لو كانت مجرد “رد فعل”؛ مدللا على ذلك بأنه لم يذكر أحد في مصر سبب اللجوء لتعديل المادة 76 من الدستور.
وقال إن غياب النموذج العربي مشكلة تجعلنا نميل إلى القول بأن حكوماتنا ليست أمينة على مراعاة مطالب الحركة الوطنية في بلادنا، مؤكدا على أن الحكومات والمجتمعات العربية كليهما في ورطة، وأن النخب في ورطة، إلى جانب وجود حالات ضغط خارجي لا يمكن إنكارها، وبالتالي تكون الخطوات المتخذة من جانب الحكومات موزعة بين الاستجابة لهذه الضغوط وإرضاء بسيط للحركة الوطنية في الداخل.

تغيرات

وتناول الدكتور حسن نافعة رئيس قسم العلوم السياسية السابق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة أطراف الحديث، فأشار بداية إلى اتفاقه مع وصف ما تتخذه الحكومات العربية من خطوت في الفترة الأخيرة بأنه مجرد تلويح بالإصلاح، مشيرا إلى أن هذا التلويح لا ينم بالضرورة عن أن هناك رغبة في الإصلاح أو اتجاهاً إليه.
وأكد نافعة أن الحكومات العربية لو كانت تتحرك تجاه الإصلاح استجابة لضغوط الشعوب لديها لكانت –الحكومات- قد استجابت منذ فترة طويلة لمطالب هذه الشعوب، مستبعدا بذلك أن يكون هذا التلويح نتيجة للضغوط الداخلية لكون هذه الضغوط قديمة، واعتبر نافعة أن ما يجري هو مجرد “مناورة” مطالبا بالبحث عما إذا كانت تلك المناورة هى للتخفيف من ضغوط دولية أم لا؟ وشكك نافعة في أن تكون الضغوط الدولية تستهدف تحقيق الديمقراطية بالفعل في العالم العربي، مطالبا بالبحث في أسباب هذه الضغوط وكيفية تعامل الدول العربية معها؟ مشيرا إلى أنه في النظام ثنائي القطبية كانت الدول الكبرى تسعى إلى الحصول على تأييد الدول الأخرى بصرف النظر عن طبيعة النظم السياسية في هذه الدول، حيث كانت هذه الدول استبدادية وغير ديمقراطية، رغم الاختلافات فيما بينها، غير أنه بسقوط الاتحاد السوفيتي صار هناك قطب واحد لم يعد مضطرا لهذه اللعبة، موضحا أن أحداث 11 سبتمبر 2001 كان لها أثر في إحداث تغير عميق داخل المجتمع الأمريكي وخروج نظريات تؤكد أن الاستبداد، هو الذي يصنع الإرهاب خاصة عندما يكون له بعد ديني وأنه ليس من مصلحة أمريكا –حسب هذه النظريات- حماية تلك الأنظمة التي تشكل معامل تفريخ للإرهاب.
وأوضح نافعة أن الولايات المتحدة يحكمها حاليا اليمين المتطرف الذي لا يؤمن هو نفسه بالديمقراطية، وقام باستغلال أحداث 11 سبتمبر في تبني قوانين وإجراءات لا علاقة لها بالديمقراطية، بل تفرض المزيد من القيود على الحريات الديمقراطية، وتهدر ما أنجزته حركة الحريات المدنية والسياسية في أمريكا ذاتها.
واعتبر نافعة أن الضغوط الحالية تبدو كما لو كانت تصفية حساب مع الدول المعادية للسياسة الأمريكية، مشيرا إلى أن إيران على سبيل المثال -والتي تعاديها واشنطن- بها تعددية جزئية ولا تقارن بدولة كقطر الحليفة لواشنطن، مؤكدا أن واشنطن ليس لها موقف يمكن الاقتناع به، أو القبول بالقول بأنها تبني مواقفها الخارجية وفقا لمبدأ إعمال الديمقراطية، مؤكدا أننا أمام عملية ابتزاز متبادلة بين الحكومات العربية والولايات المتحدة، حيث تسعى الأولى إلى إخافة الثانية “بفزاعة الأصولية الإسلامية”، على أمل أن تدرك واشنطن أنه ليس أمامها بديل سوى استمرار هذه الحكومات، والاعتماد عليها في تقديم التنازلات في المجالات المختلفة وتمرير السياسات الأمريكية، حيث تقدم هذه الحكومات والنظم نفسها على أنها الأكثر قدرة على حماية المصالح الأمريكية بالمنطقة، في حين تدرك الولايات المتحدة أن الغالبية العظمى من هذه النظم قد استنفدت أغراضها، وهى –واشنطن- لا تريد الانتظار لحين حدوث هبات شعبية حقيقية لأنها تدرك أن هذه الهبات قد تأتي بنظم راديكالية، كما أن الولايات المتحدة توحي بأنها تطلب الإصلاح وتطلب تقديم إجراءات شكلية من هذه النظم وحياة ديمقراطية ظاهرية وليست حقيقية.
وشدد نافعة على أن التدخل الدولي لن يصنع أبدا ديمقراطية حقيقية وأن الذين يراهنون على الدبابات الأمريكية يجب أن يدركوا أن كل تجارب التاريخ تقول إن الديمقراطية لا تتحقق أبدا بدبابة خارجية، مذكّرا بأن من أجهض التحول الديمقراطي في مصر كان هو الاحتلال الإنجليزي لها.

الكابوس السوري

وركزت الكاتبة اللبنانية دلال البذري مداخلتها على تداعيات ما يحدث في الساحة اللبنانية، مشيرة إلى أنه منذ الإعلان عن الانسحاب السوري من لبنان بات هناك شعور أكبر بحرية الكلمة وحرية الصحافة، مشيرة إلى أن اللبنانيين قد ظلوا لسنوات مكرهين على الصمت تحت وطأة الوجود السوري، متهمة سوريا بمصادرة القرار الوطني للبنانيين منذ دخولهم لبنان، وأشارت إلى أن الأمر وصل بالمخابرات السورية حتى التحكم في تعيين الأساتذة بالجامعات اللبنانية.
وقالت إن أجيالا كثيرة من السوريين تربت على أن لبنان ملكٌ خاصٌ لهم وأنهم لا يصدقون الآن إمكانية الانسحاب منه، مؤكدة أنه منذ حرب العراق في عام 1990، لم تكن هناك وصاية سورية قط على لبنان، ولكن كان هناك نهب له وهيمنة على كل مؤسساته الأمنية والثقافية، كما حمّلت البذري السلطات السورية مسئولية العديد من الاغتيالات الكبرى، واستهدفت شخصيات مناوئة للوجود السوري ورافضة للوصاية السورية ومتطلعة إلى تحقيق سيادة لبنان على أرضه وقراره.
وحذرت من أن سلاح المقاومة قد يقود لبنان إلى حرب أهلية، معتبرة أن هذا السلاح لم تعد هناك حاجة له أو حاجة لإبقائه بكميات كبيرة في يد طائفة يديرها حزب منظم –حزب الله- زاعمة أن قيادته إيرانية، واصفة زعيم الحزب حسن نصر الله بأنه الوكيل الشرعي للإمام خامنئ في لبنان.
وأضافت البذري أن سوريا تعتبر لبنان ساحتها للحرب مع إسرائيل في حين أنها جمدت جبهة الجولان منذ أكثر من ثلاثين عاما، واعتبرت ما يحدث في لبنان بمثابة انتفاضة.

تماس

وركز الكاتب والباحث صبري سعيد على ما وصفه ب”التماس” بين الأحداث التاريخية مشيرا إلى أن الإنجليز لم يحققوا ديموقراطية في مصر وأن ما حدث هو أن الفترة الليبرالية من1923 إلى عام 1952 كانت في ظل الاحتلال الإنجليزي لمصر مشيرا إلى أن قادة ثورة 1952 قادوا مصر مرة أخرى لفكرة الدولة المغلقة.
وأوضح أن ما يجري في مصر هو أن نظاما يشيخ، ولكن في نفس الوقت تزداد سيطرته وتحكمه في البلاد عن طريق ما وصفه سعيد بـ “دولنة” المؤسسات؛ أي أن تصبح كل المؤسسات خاضعة لسيطرة الدولة بما يؤدي إلى حالة من التيبس “وإنتاج نظام مستبد، وأكد سعيد أن القوى الخارجية غير جادة في فكرة الضغط على النظم، كما أنها غير جادة في التدخل متفقاً مع وصف ما يجرى حاليا بأنه لعبة ابتزاز بين أمريكا كصاحبة استراتيجية كونية تدافع عنها والنظم العربية، معتبرا أن بعض التلويحات تؤدي إلى إصباغ درجة من الشرعية على الديكتاتوريات عبر تبني الأخيرة آليات ديموقراطية شكلية.

Share this Post