حوار مع وزير الدولة السوداني للشئون الداخلية حول أزمة حقوق الإنسان في دارفور

In صالون بن رشد by CIHRS

شهد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أمسية ساخنة استضاف فيها أحمد محمد هارون وزير الدولة السوداني للشئون الداخلية وحضرها عدد كبير من السودانيين المقيمين بالقاهرة وعدد من المهتمين المصريين بالشأن السوداني وأدارها مجدي النعيم المدير التنفيذي للمركز.
أكد الوزير السوداني في بدية اللقاء أن الخرطوم تعاملت بإيجابية مع أي ادعاءات تتعلق بانتهاكات قيل إنها ارتكبت في إقليم دارفور واصفا تعامل حكومته مع هذه الادعاءات بأنه تميز بقدر كبير من الشفافية؛ مدللا على ذلك بتشكيل لجنة تقصي حقائق في دارفور –لجنة مولانا دفع الله الحاج يوسف- والتي حشد بداخلها عدد كبير من ذوي المواقف المعارضة للحكومة السودانية.
قال هارون إن هذه اللجنة استمعت لإفادات الكثير من المواطنين والجهات المتعددة وطلبت انتداب عدد كاف من القضاة والمستشارين للتحقيق في هذه الإفادات، مشيرا إلى أن الإدارة السودانية استقبلت أيضا وسهلت مهمة لجنة حقوق الإنسان التي أتت من جنيف، وجابت إقليم دارفور بولاياته الثلاث وتحدثت مع من أرادت موضحا أن تقرير هذه اللجنة أثبت عددا من القضايا في مقدمتها إثبات صحة ارتكاب أعمال عنف بالإقليم لكن –وحسب التقرير- لا يمكن إدراجها تحت وصف الإبادة الجماعية أو التطهير العرقي.
أضاف هارون أن اللجنة استمعت إلى ادعاءات عن حالات اغتصاب واكتفت في تقريرها بإشارة بسيطة هى أن معظم الإفادات الواردة في موضوع الاغتصاب متماثلة ومتطابقة، وطالب هارون بالتعامل مع الادعاءات المتعلقة بالاغتصاب بقدر عال من الحساسية والموضوعية لأنها ببساطة –وحسب تعبيره- لا تشبه سلوك المواطن السوداني.
وقال هارون إن هذه الجريمة تمس أخلاقيات وقيم أمة لذا يجب الحفاظ على سقف وطني يمس مجتمعنا السوداني بشكل عام ولا يمس الحكومة وحدها.
أكد الوزير السوداني أن الطريق الأمثل لحل نزاع دارفور أو أية نزاعات مشابهة هو مائدة التفاوض، مطالبا متمردي دارفور بأن يقبلوا على الجولة المقبلة للمفاوضات في أبوجا بحسن نية وبقصد الوصول إلى اتفاق؛ مفسرا ذلك بضرورة ألا يكرر المتمردون السلوك ذاته الذي حدث في جولة المفاوضات في أديس أبابا حين أرسلوا وفدا غير مفوض وكانت مهمته هى إبراز جملة من الاشتراطات التي لا تعين على إدامة الحوار.
أشار هارون إلى أن هروب المتمردين من جولة مفاوضات أديس أبابا جعل وسيط الاتحاد الأفريقي يحملهم مسئولية فشل تلك الجولة؛ معتبرا أن الحكومة سجلت عددا من النقاط الإيجابية فيما يتعلق باستعدادها للتفاوض وإقبالها عليه في حين كان العكس هو ما حدث من المتمردين وقال هارون إن الحرب هى المتسبب الأساسي في معاناة الإنسان في دارفور ووقوع أحداث متعلقة بممارسة الإنسان هناك لحقوقه، لذا يجب وقف هذه الحرب وبأعجل ما يمكن.
وفي تعقيبه أبدى بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة عددا من الملاحظات والتحفظات في مقدمتها التأكيد على أن واقع السودان يؤكد أنه لم تكن هناك فرصة حقيقية للعمل السياسي السلمي الحر متاحة هناك وإلا ما كانت هناك حرب في الجنوب وفي دارفور ولما لجأت فصائل المعارضة الرئيسية في الشمال إلى العمل في المنفى ومن خارج السودان.
قال بهي إننا أمام مأساة إنسانية هائلة في دارفور في حين أن الحكومة السودانية تتعامل مع الموضوع بشكل مجرد كما لو كنا إزاء حرب بين طرفين متكافئين في حين أننا –والكلام لبهي- نتكلم عن حرب شنتها حكومة على شبعها واستخدمت فيها الطائرات، مما أدى لقتل عدد هائل من المدنيين، وتشريد 1.2 مليون داخل وخارج البلاد وتهجير أكثر من 200 ألف شخص إلى تشاد إلى جانب الاغتصاب الجماعي.
واعتبر بهي أن ما يجري في دارفور هو نفس النمط الذي كانت تجري به الحرب في البوسنة في عام 1995 معبرا عن خشيته من لجوء الحكومة السودانية لسلاح استهلاك الوقت لحسم صراعها السياسي والعسكري مع فصائل محدودة القوة في دارفور في حين أنه كانت هناك أكثر من فرصة أمامها –أي الحكومة- لتطبيق التزاماتها وفقا لاتفاق نجامنيا. كما أنه كان ممكنا لها أن تستجيب لنداءات ودعوات الاتحاد الأفريقي، معتبرا أن الأسوأ من ذلك هو ما تمثل في موقف الخرطوم من تقرير بعثة الجامعة العربية الذي حمل إدانات واضحة لسوء الأوضاع في دارفور وحمل الحكومة المسئولية الرئيسية عن هذا السوء في الأوضاع.
وذهب بهي إلى أن الحكومة السودانية مارست ضغطا على الجامعة العربية لمنع نشر هذا التقرير. وقاطع الرئيس السوداني عمر البشير القمة العربية الأخيرة بتونس في حين وصف وزير الخارجية السوداني التقرير بأنه ترديد لنفس مزاعم المنظمات الغربية.
وقال بهي إن أول خطوة يتوقع أن تقوم بها الحكومة السودانية للبرهنة على جديتها هى أن تتخذ وتتبع سياسة مختلفة عن تلك التي اتبعتها في الشهور الماضية وبشكل خاص أن تبدأ بنزع سلاح الجنجويد الذين اعترف قائدهم بأنه كان يتلقى الأوامر من قيادة الجيش السوداني!.
وذهبت الدكتورة إجلال رأفت رئيس لجنة السودان بحزب الوفد إلى أن مشكلة دارفور هى بالأساس مشكلة اجتماعية سياسية اقتصادية لكن الحكومة السودانية أخذت في التصدي لها بشكل أمني محض. وقالت إن المظهر العسكري للمشكلة مستمر مدللة على ذلك بتركيز الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب بالقاهرة منذ أيام على المسألة الأمنية والإغاثات الإنسانية معتبرة أن هذا هو الطرح الذي قدمته الحكومة السودانية لاجتماعات الجامعة العربية.
كما وصفت قرارات اجتماع وزراء الخارجية العرب بأنها لا تعالج المشكلة، معتبرة أن المعالجة يجب أن تكون شاملة للجوانب الاقتصادية والسياسية ومواجهة التهميش لبعض الفئات والسكان.
وأكدت الدكتورة إجلال رأفت وجود أعمال عنف رهيبة من مظاهرها القتل والحرق والاغتصاب وأن الحكومة السودانية وحدها هى التي تنكر وجود هذه الكارثة معربة عن اعتقادها بأن هذا الإنكار لا يفيد في حل المشكلة وأن الحل هو في الاعتراف بالأخطاء والبدء الفوري في حلها.
وأشادت بأخلاق الشعب السوداني، لكنها قالت إن المعروف من أخلاق الشعوب شئ وما يحدث في الحروب شئ آخر مختلف تماما.
ورأى مجدي النعيم أن الحكومة السودانية تقدم نموذجا للفشل في حماية مواطنيها بسبب تغييبها للحريات المدنية والسياسية، معتبرا أن الحكومات في الخرطوم لو كانت أكثر انفتاحا لتفادت الكثير من الكوارث والمجاعات التي تعرض لها السودان.
وذهب النعيم إلى أن دارفور أصبحت خطا أحمر بالنسبة للصحافة والصحفيين السودانيين متسائلا عما إذا كان ممكنا للحكومة إعادة النظر في مواقفها تجاه حرية الصحافة والمجتمع المدني وإعطاؤه الفرصة للمساهمة في تخفيف بعض معاناة شعب السودان.
أشار النعيم إلى صحة اتخاذ إجراءات حكومية ضد الجنجويد حاليا لكنه لفت إلى أن الحكومة أخذت الكثير من هؤلاء الجنجويد في أجهزة الشرطة والجيش. وأثار نقطة أخرى تتعلق بالمخاوف المحيطة بعودة النازحين إلى دارفور مشيرا إلى أن البعض يتخوف من أن تقوم الحكومة بإعادة هؤلاء النازحين قبل توفير الشروط الملائمة لاستقرارهم، وذلك لمجرد السعي لتحقيق مكسب سياسي بما يضع هؤلاء النازحين تحت رحمة الجنجويد مرة أخرى أو تحت رحمة الظروف الطبيعية السيئة.
وفي تعقيباتهم شن عدد من الحضور السودانيين هجوما حادا على حكومة الخرطوم فأكد أحدهم وجود إبادة جماعية بالفعل في دارفور وجرائم منظمة وتطهير عرقي. وقال إن الحكومة تجند قبائل بعينها وتضرب القبائل الأخرى بالطيران وترحل الفتيات إلى جهات مجهولة، في حين ذهب آخر إلى التأكيد على أن السلاح أصبح هو اللغة الوحيدة التي تفهمها الحكومة في الخرطوم مدللا بأن جارنج حصل على معظم حقوقه بالسلاح.
وقال سليمان يوسف شاوي من رابطة أبناء دارفور إن الحكومة تأخذ من دارفور ولا تعطيها حيث تحصل منها على الموارد التي تحتاجها ولا توفر لأبنائها أية إمكانات. وذهب آخر إلى أن الجنجويد ليست قبائل، ولكنها عناصر نهب مسلح وقطاع طرق استخدمتهم الحكومة ضد قبائل أخرى وأن استخدامهم هذا تم بشكل “عروبي”.
وعاد الوزير السوداني أحمد هارون للتعقيب، فنفى أن تكون فرص العمل السياسي كانت معدومة في السودان ورد على ذلك بالتساؤل عن أسباب استمرار بعض الأطراف في حمل السلاح، حتى في الفترة من 86- 1989 وهى التي عرفت بفترة الديمقراطية الثالثة..
وقال هارون إن محاولة إضفاء مشروعية للمتمردين لحمل السلاح أمر لا يستقيم خاصة وأن حمل السلاح هو الذي أدى للأحداث الجارية الآن في دارفور وحمل الوزير السوداني المتمردين مسئولية استمرار هذه الأحداث، مستنكرا ما وصفه بالمحاولات العاطفية لاستدرار تأييدهم بادعاء أنهم طرف ضعيف، ورد على ذلك بأن هؤلاء المتمردين –الذين وصفهم البعض بأنهم ضعاف- أسقطوا في لحظة واحدة ست طائرات للقوات المسلحة السودانية، وهو أمر لم يحدث طيلة الحرب مع الجنوب، وقال إنه لذلك كان لابد للدولة من أن تضطلع بواجبها في بسط الأمن، وهو أمر مشروع بالنسبة لها.
وسخر الوزير من القول بأن حكومة السودان منعت نشر تقرير للجامعة العربية أو فرضت طرحها على اجتماع وزراء الخارجية العرب. وقال إن هؤلاء وزراء لدول مستقلة تستطيع تمييز الأشياء، وليسوا غائبي الإرادة حتى يفرض السودان عليهم شيئا.
وأكد هارون أن مسارات الحل تسير في مسارات متوازية وأن الحكومة تسير في الاتجاه السياسي بكل ثقة واقتدار. كما تسير في اتجاه الحل الاجتماعي والتنموي، مشيرا إلى أن تقارير المنظمات الدولية لم تذكر أبدا وجود إبادة جماعية.
دعا الوزير السوداني إلى تقصي الحقائق على الأرض وليس من أي جهات أخرى والتحقيق في كل الادعاءات التي تثار بشأن وجود انتهاكات في دارفور.
وحول مخاوف عودة النازحين أشار هارون إلى وجود لجنة فرعية لتقصي الحقائق وهى مشتركة مع الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة. وقد أقرت بأن عودة النازحين طوعية وأن أماكن إقامتهم تتوافر فيها الاشتراطات الموضوعية لاستقبالهم.
أكد أن السودان لديه قانون يكفل حرية الرأي والتعبير وأن هناك لجنة مكونة من الحكومة وأطراف مستقلة تتولى إنفاذ هذا القانون، مشيرا إلى عدم وجود رقابة على صحافة الخرطوم. وقال إن المنظمات الأهلية الراغبة في التسجيل يتم قبولها فور تقديمها أوراقها ثم تعطي مدة 90 يوما لتوفيق أوضاعها

Share this Post