حول قانون العمل الأهلي الجديد القانون يقضي على نشاط المنظمات غير الحكومية المصرية

In برنامج مصر ..خارطة الطريق, مواقف وبيانات by CIHRS

حول قانون العمل الأهلي الجديد

القانون يقضي على نشاط المنظمات غير الحكومية المصرية

بيان مشترك

تعرب المنظمات الموقعة أدناه عن بالغ إدانتها للتصديق على القانون المصري الجديد المنظم لعمل الجمعيات غير الحكومية، الصادر في 24 مايو الجاري، والذي يشرع لمستويات غير مسبوقة من القمع، ويجرم عمل العديد من المنظمات غير الحكومية، ويجعل استقلالها بمثابة أمر مستحيل. كما تشمل الآثار المترتبة على تطبيقه، تغييب مبادرات هامة للتنمية البشرية والأعمال الخيرية، وغياب الشفافية عن وسائل الإعلام، وانعدام المساءلة حول الانتهاكات الحكومية.

هذه المهام الأساسية والضرورية التي يفترض أن تضطلع بها المنظمات غير الحكومية المصرية، تكتسب أهمية خاصة في ظل الأزمات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية الراهنة، لاسيما في ظل اعتماد مزيد من الفئات المستضعفة والمهمشة المصرية واللاجئين على الدعم المقدم من تلك المنظمات، وما توفره لهم من خدمات اجتماعية واقتصادية للتخفيف من وطأة الفقر وأثاره، فضلاً عن الدعم القانوني أو الطبي أو النفسي وجهودها في مقاومة العنف القائم على النوع الاجتماعي.

هذا القانون- رقم 70 لسنة 2017- مطابق للتشريع الذي صادق عليه البرلمان المصري في29 نوفمبر2016، وتم التحفظ عليه وقتها بعد موجة من الانتقادات الدولية. وبموجبه يحظر على جميع المنظمات غير الحكومية القيام بأية أنشطة “تضر بالأمن القومي للبلاد أو النظام العام أو الآداب العامة أو الصحة العامة”، دون تعريف أو تصنيف، وبمصطلحات فضفاضة، يمكن أن يساء استعمالها لفرض قيود على أنشطة شرعية.

يقضي القانون أيضًا بتشكيل ما يسمى بـ “الجهاز القومي لتنظيم عمل المنظمات الأجنبية غير الحكومية” والذي يضم ممثلين عن كافة الأجهزة الأمنية في مصر (جهاز المخابرات العامة ووزارتي الدفاع والداخلية) فضلاً عن ممثلين عن وزارة الشئون الخارجية والبنك المركزي المصري. ويشرف هذا الجهاز على عمل المنظمات غير الحكومية، بما في ذلك تلقي التمويلات أو التعاون بين المنظمات المصرية وأي كيان أجنبي، كما يحظر القانون على أي هيئة حكومية مصرية إبرام أية اتفاقيات شراكة أو تعاون مع المنظمات غير الحكومية دون موافقة هذا الجهاز.

يسيطر القانون بشكل صارم على  تمويل المنظمات غير الحكومية، اذ ينص على وجوب حصول الجمعيات على ترخيص من طرف “الجهاز القومي” قبل 30 يوم من تلقي التبرعات والتمويلات، سواء من جهات أو من أفراد مصريين داخل مصر، وذلك بعد إبلاغ وزارة التضامن الاجتماعي عند تلقيها . كما ينص القانون على إمكانية تلقي الجمعيات لتمويلات أو منح من جهات أجنبية داخل مصر أو جهات مصرية أو أجنبية خارج مصر طالما يتم إخطار الجهاز قبل ذلك بمدة لا تزيد عن 30 يوم من تاريخ استلامها، ويحق للسلطات بعد ذلك أن ترفض التمويل في غضون 60 يوم من تاريخ إخطارها. ولا يجوز للجمعيات التصرف في هذه الأموال خلال فترة المراجعة التي تدوم 60 يوما.

يمنح القانون الحكومة سلطة مراقبة ومعارضة الأنشطة اليومية للمنظمات غير الحكومية، بداية من اختيار القيادات داخل المنظمة مرورًا بجدول الاجتماعات الداخلية وصولًا إلى أي تحرك أو شأن إداري حتى تغيير مقر المنظمة. إذ يعتبر القانون أن نقل مقر المنظمة من مبنى لآخر دون إبلاغ السلطات مخالفة تستوجب العقوبة. كما يعطي القانون للحكومة المصرية الحق في إلغاء تراخيص المنظمات غير الحكومية الأجنبية في أي وقت إذا تبين لها أن عمل المنظمة غير الحكومية ضار بـ “الأمن القومي أو السلامة العامة، أو يخل بالنظام العام أو بموجب مبدأ المعاملة بالمثل. ومن ثم يصبح للحكومة المصرية وأجهزتها الأمنية- ممثلة في هذا الجهاز- سلطة التدخل في كل جوانب وجود المنظمات غير الحكومية وكل ما يتعلق بإدارتها وأنشطتها.

كان بعض نواب بالبرلمان قد اعتبروا أن القانون سيجعل قطاع العمل الأهلي أكثر “أمنا” من خلال تأمين رقابة شديدة عليه، ولكن ثمة شكوك عديدة حول توافر القدرة الكافية لدى هذا الجهاز للإشراف الفعال على قطاع المجتمع المدني المزدهر والنشيط، ومخاوف حقيقية من أن يفضي تطبيق القانون بشكل تام إلى شلّ ثم غلق العديد من الكيانات بقطاع المجتمع المدني، وأن تبقى طلبات الترخيص والموافقة على التمويل دائمًا بلا إجابة، ومن ثم تعتبر مرفوضة بصفة تلقائية.

إن المواطنين المصريين في حاجة ماسة ومتزايدة للخدمات التي يقدمها المجتمع المدني، بل أن مصلحة مصر تقتضي نمو هذا القطاع غير الهادف للربح وتطوره، لا أن يذبل ويتقلص.

يعاقب القانون على جملة من المخالفات بالسجن لمدد تتراوح بين عام و5 أعوام، وغرامة تتراوح بين 50 ألف ومليون جنيه مصري، ومن بين الأنشطة المحظورة التي قد تفضي إلى مثل هذه العقوبات:

  • إنشاء منظمة غير حكومية تخلّ بالوحدة الوطنية أو الأمن القومي أو النظام العام أو الآداب العامة.
  • مساعدة منظمة غير حكومية أجنبية، أو العمل معها في نشاط بمصر دون ترخيص.
  • إنشاء أو إدارة كيان يمارس نشاط منظمة غير حكومية دون إتباع الأحكام التي ينص عليها هذا القانون
  • بعث أو تلقي تمويل أجنبي، بصفة رئيس منظمة غير حكومية أو كعضو فيها، في مخالفة لأحكام القانون.

 

ويعاقب بالسجن لمدة لا تزيد عن سنة وغرامة تتراوح بين 20 ألف و500 ألف جنيه مصري كل من أصدر ترخيصًا لمنظمة غير حكومية يخالف نشاطها القانون، أو عرقل تحقق الحكومة من أوراق ومستندات المنظمة، أو كل من أجرى استطلاعات للرأي العام أو بحوث ميدانية، أو نقل مقر منظمة غير حكومية دون موافقة.

يخالف هذا القانون الجديد التزامات مصر بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي ينص على عدم فرض قيود على الحق في حرية تكوين الجمعيات باستثناء تلك “التي ينص عليها القانون والتي تشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم.”ويجب ألا تسفر أية قيود إلى تقويض أساس الحق في حرية تكوين الجمعيات نفسه.

المنظمات الموقعة تدعو الحكومة المصرية إلى إسقاط كافة التحقيقات الجنائية القائمة بحق المنظمات غير الحكومية، وإلغاء هذا القانون اتساقًا مع التزامات مصر الداخلية والدولية بشأن حماية الحق في حرية تكوين الجمعيات.

إن التضييق على المجتمع المدني المصري لهذا الحد يقضي على جسر أخير للمصريين نحو ممارسة حقهم في التعبير عن الرأي والمعارضة ومحاسبة الحكومة على انتهاكات حقوق الإنسان، ويصادر حقهم في الاستفادة من مبادرات التنمية الإنسانية في أوقات الأزمة الاقتصادية الحادة. إذ تحول هذه القيود دون قدرة المنظمات غير الحكومية على الاستجابة للاحتياجات الاجتماعية التي قد يؤدي غيابها إلى نشوب اضطرابات قياسا على ما حدث مؤخرا بعد ارتفاع أسعار الخبز.  كما تؤدي السيطرة الحكومية على المنظمات غير الحكومية المصرية إلى غياب المعلومات الكافية حول التهديدات الأمنية والهجمات الإرهابية، وإعطاء الجناة فرصة لفرض روايتهم حول الصراع بين الدولة والمتطرفين المسلحين.

نحن ندعو شركاء مصر الدوليين، وخاصة مقدمي المساعدات الأجنبية والمعونة الاقتصادية، مثل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، لاستخدام نفوذهم لحث الحكومة المصرية على تمكين المنظمات غير الحكومية من الاضطلاع بدورها. كما نشجع الكيانات الدولية مثل الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان التابع لها، والدول الأعضاء بالأمم المتحدة،على التدخل كوسطاء لتحميل الحكومة المصرية المسئولية عن هذا التشريع المقيد للمجتمع المدني لأبعد الحدود.

فلا يجب أن تعتبر الدعوة لاحترام حقوق الإنسان والعمل على التنمية في مصر جريمة. ولا يفترض أن يجرم القانون هذا الدور، وإلا تجمد نشاط المجتمع المدني المصري في السنوات القادمة.

المنظمات الموقعة:

  • معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط
  • منظمة هيومن رايتس ووتش
  • مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
  • تحالف سيفيكوس
  • المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب في إطار مرصد حماية المدافعين عن حقوق الإنسان
  • الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، في إطار مرصد حماية المدافعين عن حقوق الإنسان
  • جمعية الإبداع والثقافة الإيطالية
  • منظمة “أون بونتي بير”

 

 

Share this Post