د. علي الدين هلال في صالون ابن رشد

In صالون بن رشد by CIHRS

أثارت الدعوة التي أطلقها الحزب الوطني في نهاية مؤتمره السنوي الأول للحوار مع أحزاب المعارضة ومؤسسات المجتمع المدني جدلا كبيرا في الشارع السياسي المصري حيث التساؤلات حول مدى جدية الحوار وأهدافه والنتائج التي يمكن أن يتمخض عنها في مضمار الإصلاح والتطور الديمقراطي.وحول آفاق التغيير في مصر في ضوء المؤتمر السنوي الأول للحزب الوطني، دارت مداولات الأمسية التي نظمها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في إطار صالون ابن رشد واستضاف خلالها لأول مرة د.علي الدين هلال وزير الشباب وعضو هيئة مكتب الحزب الوطني.

واستهل بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة الحوار بطرح التساؤلات التي تثيرها دعوة الحوار التي أطلقها الحزب الوطني، مشيرا إلى وجود اختلافات في الرؤى تجاه توجهات الحزب الوطني نحو التغيير والحوار حيث هناك اتجاه يرى أن هناك مؤشرات حقيقية للتغيير وأن التغيير قادم، سواء أراد الحزب الوطني أم لم يرد. واتجاه آخر يشير إلى بطء الإصلاحات واستمرار سيطرة الوجوه القديمة وأن الحوار لا يهدف سوى لتجميل الحزب الوطني في حين يتمنى اتجاه آخر أن يكون الحزب الوطني جادا في الاتجاه نحو التغيير.
في بداية حديثه رصد على الدين هلال عددا من سمات النظام السياسي المصري خلال الخمسين عاما الأخيرة أهمها: ضعف المشاركة الشعبية وظاهرة العزوف السياسي، سواء عن المشاركة في عضوية الأحزاب أو في الانتخابات، وضعف الحياة الحزبية لافتا إلى أنه منذ انتخابات 1977 كان عدد المرشحين المستقلين أكثر من عدد مرشحي الأحزاب وما يقترن بذلك من قضايا كقضية الالتزام الحزبي ومدى التزام المرشحين ببرامج أحزابهم أو تعبير النواب عن هذه البرامج والسياسات.
وأشار د. هلال إلى أن الجزء الذي تشغله الأحزاب من الفضاء السياسي أقل كثيرا من المستهدف وهو ما يجعل جانبا كبيرا من الفضاء السياسي متروكا لالتزامات عشائرية وقبلية وولاءات دينية وأنشطة جماعات وقوى غير حزبية، مؤكدا أن الأصل في الأمور هو أن تشغل الأحزاب الجانب الأكبر من هذا الفضاء السياسي.
وأضاف د. هلال لذلك ضعف الوعي السياسي العام حيث نتيجة نقص في المعرفة السياسية أو انقطاع كامل عنها لدى قطاع كبير من الناس.
واستطرد د. هلال مشيرا إلى أن هذه السمات يظللها مجموعة اختلالات دستورية وقانونية وتشريعية، مصنفا أن الحرص على مستقبل البلاد يقتضي تشخيص التحديات التي تواجهنا والعمل على استعادة ثقة المواطن في العملية السياسية. موضحا أن التحدي الأكبر على ضوء ما يحدث في مصر من تحولات اقتصادية وسياسية هو قضية توسيع دائرة المشاركة السياسية والمشاركة العامة، مؤكدا أنه لا يمكن وجود ضمان للإصلاح السياسي أو المؤسسي أو الاقتصادي بدون مشاركة شعبية.
قال هلال إن هذا درس لا يمكن أن نقفز عليه حيث إن ضمان استمرار أي سياسة أو أي برنامج وضمان الأداء الناجح لهذه البرامج يأتي من خلال الشفافية والمحاسبة الاجتماعية والتقييم حيث إن المشاركة هى آلية رقابية وضمان للاستمرار.
وحول الإصلاح السياسي الذي يروج له الحزب الوطني لاحظ د. هلال أن كلمة الإصلاح السياسي لم تكن من الكلمات المتداولة أول المقبول تداولها بين النخبة الحاكمة منذ ثلاث سنوات، مضيفا إلى ذلك ما طرأ على خطاب الحزب من تغيير باستخدام تعبير المجتمع المدني بدلا من المجتمع الأهلي. وقال إنه بالنسبة لمفهوم حقوق الإنسان فإن هناك تغييراً ليس بالقليل وتم وضعه على جدول الأعمال حيث لم يعد ممكنا لأحد أن يتهرب من هذه القضايا أو لا يتكلم فيها.
وأضاف د. هلال أن هناك إدراكا متزايدا داخل الحزب الوطني بوجود علاقة وثيقة بين الإصلاح الاقتصادي والإصلاح السياسي، واقتناع بأهمية وجود تعددية سياسية حقيقية وذلك لصالح الحزب الوطني والمستقبل الديمقراطي والحياة السياسية في مصر، مشيرا إلى أن وجود حياة حزبية قوية أصبح هدفا مركزيا معتبرا أن جزءا من تنشيط الحزب الوطني ذاته يتمثل في تنشيط أحزاب المعارضة.
أضاف أن الحزب الوطني يستهدف أيضا توسيع المشاركة الشعبية في كل المجالات وفي مقدمتها المجالات السياسية مع التركيز على المرأة المصرية وقال نحن غير راضين عن حجم مشاركة المرأة في الحياة السياسية وغير راضين عن حجم مشاركة الأقباط في الحياة السياسية ونعتقد أن ذلك من عورات الحياة السياسية المصرية.
وأشار هلال إلى أن الحزب في مجال الإصلاح السياسي قد أعد ورقة “حقوق المواطنة” وطرحها للنقاش وهى تقدم تصورا يتم طرحه على كل المجتمع وأحزابه ونقاباته لبحث ترجمة هذه الوثيقة لإجراءات أو قواعد معينة مضيفا أن تحقيق ذلك سيشكل خطوة كبرى في هذا المجال.
وثيقة المواطنة
وأشار إلى أن الوثيقة تتناول أربعة موضوعات هى: إحياء مفهوم المواطنة وتحديث بنية العلاقة بين المواطن والدولة ثم العدالة الناجزة وتحديث البنية الثقافية وتفعيل بنية الحياة السياسية.
وأشار إلى أن هذه تعد مسألة جديدة في فكر الحزب بعد أن انقطعت منذ ثورة 1952 حيث كان حزب الوفد قبل الثورة هو الذي يحمل مفهوم الوطنية أو الأمة المصرية مؤكدا أن هذا لا يعني انتقاصا من عروبة أو إسلام أو مسيحية مصر وأن المهم هو نقطة البداية وهى أننا مصريون.
وأشار إلى انخفاض معدل مستوى المعيشة في مصر، حيث لا يأتي وراء مصر في الترتيب العربي في مستوى المعيشة سوى موريتانيا والصومال وجيبوتي والسودان وحتى عام 2000 كان الفلسطينيون تحت الاحتلال أعلى في مستوى المعيشة من مصر وذلك قبل اندلاع الانتفاضة.
أكد هلال أن الوثيقة التي تعطي للمصريين حقوقهم وتبين لهم واجباتهم هى الدستور وقال إنه لسبب ما توارى الدستور وهو الوثيقة العليا في أي مجتمع محترم وأية وثيقة أخرى لا تضن لأحد أي شئ وأن حصن الأمان للمواطنين هو الدستور وليس لأحد مصلحة منع التقليل من شأنه وأن المفترض هو أن يدخل الدستور فلي كل البرامج الدراسية حيث هو الوثيقة التي تضمن للمصريين المساواة وتكافؤ الرص بغض النظر عن المولد أو الدين أو الانتماء الحزبي.
أوضح د. هلال أن المجال الثاني في الوثيقة هو تحسين العلاقة بين المواطن والجهاز الإداري، مشيرا إلى أن هذا الموضوع رغم أنه لا يحظى بالقدر الكافي من الاهتمام إلا أنه يمثل الشغل الشاغل بالنسبة للمواطن ويمثل الجزء الأكبر من معانات المواطنين، مدللا على ذلك بأن ورقة الحزب تذكر وجود ¾ مليون قضية هى عبارة عن خلافات بين مواطنين وجهاز الدولة وهناك اقتراحات لحل هذه المشكلة بأن تتنازل الدولة عن أي خلاف يدور حول مبلغ مالي معين وذلك للإسراع بحسم القضايا ووجود تشريع لحل الموضوعات المتشابهة بصيغة واحدة.
اعترف د. هلال بأن الجهاز الإداري يتعامل مع المواطن باعتباره متسولا أو متجاوزا وقال إن حل ذلك يمثل جزءا من الإصلاح السياسي وذلك بالتأكيد على حق المواطن في الحصول على حقوقه الأساسية بكرامة.
أضاف هلال بأن هناك اهتماما أيضا بتحديث نظام الإدارة المحلية وقال نحن نعتقد أن الديمقراطية تبدأ من القرية وأنها ليست فقط مؤسسات فوقية، مشيرا إلى أن هناك مطالب بنقل أكبر قدر من السلطات من عواصم المحافظات إلى المستويات الأدنى وتدعيم اللا مركزية وربط المجتمع بإدارة شئونه العامة وذلك لضمان مشاركة أكبر قطاع من المواطنين حيث المستوى المحلي هو الأكثر قدرة على تحديد أولوياته ومعرفة المشاكل التي تواجهه.
وقال إن هناك أهدافا لابد من التعامل معها للوصول إلى تحقيق هذه النتائج ومن هذه الأهداف التحديث التشريعي، مشيرا إلى وجود قوانين وصفت قبل أكثر من خمسين عاما إلى جانب العمل على تحديث إدارة العدالة لأن القانون ينفذ نفسه من خلال أجهزة معينة وأخطر شئ في إدارة العدالة أنه حتى بعد صدور الحكم لا توجد الآلية المنضبطة لتنفيذه أو لضمان تنفيذه.
أضاف أن نم الأمور المؤلمة موضوع نفقة المرأة وهناك صندوق لذلك الغرض ولكن لم يتم ضمان وجود موارد له وأن من ضمن الأفكار المطروحة وضع ضريبة على كل عقد زواج بمبلغ جنيه أو اثنين تكون مخصصة لهذا الصندوق.
تعددية
وأكد هلال إنه لا ديمقراطية بدون ديمقراطيين أو إيمان بها وأن الديمقراطية ليست مجرد مؤسسات وقوانين، ولكنها مجموعة قيم ومعارف وسلوكيات، كما أنها ليست فقط في المجال السياسي، ولكنها أيضا في العلاقات الاجتماعية، وأكد أنه لا توجد ديمقراطية إذا ادعى شخص أو تيار لنفسه العصمة، حيث إن الديمقراطية تقوم على النسبية والقبول بالتعددية السياسية وسيادة قيم التسامح.
واستطرد مشيرا إلى السعي لإعادة النظر في قانون الأحزاب وكذلك إلغاء الشق الأكبر من الأوامر العسكرية تمهيدا لإلغاء قانون الطوارئ وقال نحن لدينا ملاحظات جسيمة حول تمويل العملية الانتخابية، مؤكدا ضرورة توافر قدر عال من الشفافية حول مصادر تمويل العملية الانتخابية لكل الأحزاب إلى جانب العمل على تنقية الجداول الانتخابية والسعي لأن يصبح الرقم القومي تدريجيا هو الأساس ويتم الانتخاب به.
وأعرب هلال عن أسفه إزاء ربط الدعوة للحوار بضغوط خارجية، مضيفا خارجية، مضيفا أن الواجب الوطني يقتضي رفض أية ضغوط لا تتماشى مع ما نقتنع به واستطرد قائلا أنه حتى لو كانت هناك ضغوط لا يستطيع رفضها علانية، فهناك مائة بديل للمناورة في تطبيقها.
وأكد هلال على أن التغيير ليس سهلا لأن الفضاء السياسي تشغله قوانين وأجهزة وقوى شرعية وغير شرعية، ومن غير المتوقع –حسب قوله- أن يخلي أصحاب المصالح الساحة.
قيود
وفي إطار التعقيب على ما طرحه علي الدين هلال، أوضح حسين عبد الرازق الأمين المساعد لحزب التجمع، وأن ما طرح يوحي بالنية إلى إحداث تغيير محدود، مضيفا إنه يوافق على ذلك وليته يتحقق، مشيرا إلى أن النظام السياسي المصري مبني على أساس أن مصر دولة بوليسية يتحكم الأمن في كل شئ فيها، مدللا على ذلك بإلغاء الأجهزة الأمنية تجمعا سلميا من المواطنين والنشطاء لتقديم وثيقة نداء الإصلاح السياسي والدستوري التي تحمل سبعة مطالب عاجلة للإصلاح السياسي، وأضاف عبد الرازق أنه قد طالب وزير الداخلية بأن يقدم استقالته، لأنه من غير المقبول الحديث عن إصلاحات سياسية بينما أجهزة الأمن تحاصر مقار الأحزاب وتفرض قيودا مشددة على التحركات السلمية وأضاف عبد الرازق إن إلغاء الأوامر العسكرية لا صلة له بحالة الطوارئ وأن هذه الأوامر هى استخدام للطوارئ فيما لم تشرع له ويتم إلغاؤها بقرار من رئيس الجمهورية.
وأكد أنه للوصول إلى تحقيق المشاركة العامة فإنه ينبغي إزالة كافة القيود المفروضة على الأحزاب والإفراج عن المعتقلين السياسيين ووقف التعذيب وقال إن الناس لا تشارك في الانتخابات ولا تنضم للأحزاب لأنها تعلم أن الانتخابات يتم تزويرها، وأن الأحزاب مكبلة واعتبر أن القضايا الجوهرية بعيدة عن اهتمام مجموعة الفكر الجديد في الحزب الوطني وأن هذه المجموعة ستواجه بمعارك ضارية.
وتساءل أحمد عبد الحفيظ المحامي: عما إذا كانت مجموعة الفكر الجديد في الحزب الوطني واثقة من تنفيذ ما تطرحه من أفكار في وقت لا توجد فيه إمكانية ولو نظرية لتداول السلطة التنافس على منصب الرئيس من خلال الانتخابات، مشيرا لأن الحزب الوطني يكتسب نفوذه وقوته فقط من ثلاثة خصائص هى:
رئاسة الرئيس مبارك له واستطاعته استقطاب بعض الشخصيات الجيدة ثم الاندماج بينه وبين الدولة.
ودعا الدكتور مجدي عبد الحميد مدير المركز المصري الديمقراطي الاجتماعي إلى أن يكون هناك جدول للحوار الوطني وآليات لتنفيذ توجيهاته وألا يكون هناك استبعاد.
واعتبر بهي الدين حسن أن وثيقة المواطنة كان أكثر منطقية لها أن تكون وثيقة حقوق المواطن، مشيرا إلى أن الوثيقة لم تقدم بعض الإجراءات التي تعالج مشكلة، كضعف مشاركة الأقباط. وقال إن هناك احتفاءً في أوراق مؤتمر الحزب الوطني بالمجتمع المدني ولكن لا توجد أية إشارة لتعديل قانون الجمعيات الذي يكاد يكون هناك إجماع على تأثيره الخانق على المجتمع المدني، مشيرا إلى أنه ليس واضحا كيف سيجري الحوار مع مؤسسات المجتمع المدني وهل سيكون ذلك على نفس النمط الخاص بالأحزاب.
واعترف د. علي الدين هلال في تعقيبه الختامي أن الفكر الجديد بكل تداعياته لم ينتقل بعد إلى كل المستويات في الحزب الحاكم وقال نحن متواضعون ونعرف ما أنجزناه وما الذي نريد إكماله.
وأشار إلى أن العزوف السياسي لا يقتصر على المرحلة الحالية ولكنه موجود منذ عام 1952 مؤكدا أن التعددية الحزبية لم تغير هذا الأمر وأكد أنه لا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية بدون القبول بفكرة تداول السلطة.
وأكد أن الحوار سيكون مع الأحزاب السياسية والمجتمع المدني فقط، وأن أي تيار آخر سيكون ممثلا بشكل أو بآخر في هذه الهيئات نافيا أن يكون الحوار مقصورا على عدد معين من الأحزاب، ولكنه يبدأ بالأحزاب الممثلة في البرلمان وستشارك فيه جميع الأحزاب بدرجات مختلفة إلى جانب ممثلين للقطاع المدني.
وقال إن أي حوار له قواعد وأن هناك اجتماعات حاليا للتحضير للحوار والاتفاق على جدول أعماله حتى لا ينفرد حزب أو جريدة بوضع هذا الجدول، مشيرا إلى أن أطراف الحوار هم الذين سيحددون هذه القواعد.

Share this Post