صعود الإخوان المسلمين ومستقبل الإصلاح

In صالون بن رشد by CIHRS

يظل ما حققه جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية لعام 2005 مثاراً لجدل كبير وممتد الأثر، فالجماعة التي لا تزال الدوائر الرسمية وبعض الدوائر غير الرسمية تصفها بالمحظورة حصدت 20 في المائة من مقاعد البرلمان الذي يشهد غياباً شبه تام للمعارضة الرسمية، لتصبح هذه الجماعة هي الكتلة المعارضة الرئيسية في البرلمان، الأمر الذي يثير التساؤل حول ما ستقدمه جماعة الإخوان تحت قبة البرلمان الذي يفترض أن يشهد مناقشة للعديد من مشروعات القوانين وثيقة الصلة بقضايا الإصلاح.
وتحت عنوان “جماعة الإخوان المسلمين في البرلمان الجديد”: جماعة دينية لتقييد الحريات أم قوة معارضة سياسية؟!” عقد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ندوة في إطار صالون ابن رشد أدارها بهي الدين حسن مدير المركز وأشار في بدايتها إلى أن العلاقة بين المشروعية السياسية والمشروعية القانونية حقيقة أفرزتها الانتخابات الأخيرة، حيث جماعة الإخوان غير المشروعة قانوناً تتمتع بشعبية كبيرة مكنتها من الحصول على 88 مقعداً رغم عدم نزاهة الانتخابات فيما كان نصيب الأحزاب السياسية المعارضة المشروعة قانوناً محدوداً لم يتجاوز 12 مقعداً.
وأشار بهي الدين إلى أن هناك تحليلات أفرطت في التساؤل عما سيفعله الإخوان حين يحكمون مصر في حين أن السؤال الحقيقي هو: ماذا سيفعل الإخوان حتى نهاية فترة البرلمان الحالي؟!.
وقال بهي الدين إن هناك واحدا من سيناريوهين يواجهان هذه التساؤلات أولهما أن تصبح الجماعة قوة معارضة تسعى لتغيير الوضع الحالى لتتمكن من تنفيذ برنامجها والثاني أن تتوافق الجماعة مع مقتضيات الوضع السياسي الحالي من منطلق الأرضية المشتركة بينها وبين الحزب الوطني الحاكم.
وبدأ الدكتور عصام العريان القيادي البارز بجماعة الإخوان المسلمين الحديث مشيراً إلى أن ضحايا الانتخابات والمواطنين الذين انتخبوا الجماعة ينتظرون منهم الكثير مشيراً إلى أن هؤلاء النواب أتوا من وسط هؤلاء الناس الطيبين”.
ورأي العريان أن نتائج الانتخابات تحمل الإخوان مسئولية قيادة الإصلاح والتغيير مؤكداً أن الإخوان سيقومون بذلك إذا ما تقاعس الآخرون عن ذلك وسيقومون بالمشاركة مع هؤلاء الآخرين إذا أرادوا الإصلاح منتقداً خوف النخبة من الجماهير رغم أن الجماهير هي التي تدافع عن مصالحها وحقوقها. وانتقد العريان بعض التحليلات التي تسعى لنشر اليأس بين الجماهير بعد فوز الإخوان كما انتقد مقولة التصويت الاحتجاجي لصالح الإخوان متسائلاً: لماذا كان هذا التصويت لصالح الإخوان تحديداً ولم يذهب لآخرين غيرهم؟!.

أولويات

استطرد العريان مشيراً إلى أن الدلالة الثانية للانتخابات تتمثل في نهاية النظام الحزبي في مصر بجناحيه الرسمي والمعارض فيما لم تنته القوى الإسلامية أو الليبرالية أو القومية مشيراً إلى أن الدلالة الثالثة تتمثل في ضعف أداء العمل الجبهوي في مصر مؤكداً أن الإخوان لم ولن يكونوا سبباً في انهيار جبهة المعارضة لحاجة المرحلة إلى التوافق.
انتقل العريان إلى الحديث عما سيقدمه الإخوان داخل البرلمان وقال إن الإخوان سوف يسعون إلى تفعيل دور البرلمان الذي تم تغييب دوره منذ عام 1954 مشيراً إلى أن الجدل حول التعديلات الدستورية ينصب على دور وسلطات رئيس الجمهورية وهو أمر مهم لكن الأهم –والكلام للعريان- هو ما يتعلق بدور مجلس الشعب وضرورة تفعيله في مواجهة السلطة التنفيذية.
قال العريان إن أولويات عمل الإخوان داخل البرلمان كثيرة وفي مقدمتها الإصلاح السياسي والدستوري مشيراً إلى أن الإخوان سيبدأون بالمطالبة بإلغاء قانون الأحزاب الحالي ليكون تأسيس الأحزاب بالإخطار بشروط موضوعية كألا تقوم هذه الأحزاب على أساس التمييز الديني أو يكون لها مليشيات عسكرية وذلك لإضافة قوى جديدة للساحة السياسية، وأضاف أن الأولوية الثانية لنواب الإخوان تتمثل في العمل على إثارة قضايا محاربة الفساد.
انتقد العريان اتهام البعض للإخوان بمحاربة حرية الفكر والإبداع وقال إن نواب الإخوان قدموا في البرلمان الماضي استجوابات وطلبات إحاطة حول كثير من القضايا فيما لم يتم التركيز سوى على إثارة الإخوان للقضايا المتعلقة ببعض إصدارات وزارة الثقافة.

اختلال الديمقراطية

وبدأ عصام سلطان القيادي بحزب الوسط “تحت التأسيس” حديثه منتقداً ما وصفه باختلال فكرة الديمقراطية لدى النخبة بما فيها الأقباط والليبراليون مشيراً إلى أن على هؤلاء تحديد موقفهم من الديمقراطية وهل يقصدون ديمقراطية بدون وجود أطراف أخرى غيرهم كالإخوان أو الشيوعيين أو الناصريين؟!
قال سلطان إنه ربما أتي الوقت الآن ليدافع الآخرون عن أنفسهم بعد أن ظل الإسلاميون لسنوات طويلة متهمين ومطعوناً في أفكارهم حول الديمقراطية حيث جاء الوقت لسؤال الليبراليين أنفسهم عن موقفهم من فكرة الديمقراطية ومن قبول الآخر وتناول أحداث الانتخابات الأخيرة فقال إن الناخب ذهب للصندوق وأمامه شعاران الأول هو: “الإسلام هو الحل” وهو شعار حمّال أوجه وبه غموض فيما الشعار الثاني هو “الفساد هو الحل” وهو شعار واضح ومحقق على أرض الواقع فاختار الناخب الشعار الأول مشيراً إلى أنه لا يمكن إنكار دقة تنظيم الإخوان وإخلاصهم لفكرتهم واستعدادهم للتضحيات الأمر الذي كان دافعاً للكثيرين للتصويت لهم”.
وتساءل سلطان عن مدى استعداد الإخوان لتقديم مصلحة الأمة على مصلحة التنظيم؟ مشيراً إلى أن أدبيات الجماعة وسلوكيات مؤسسيها كالبنا والهضيبي والتلمساني كانت دائما ما تصب في مصلحة الأمة متسائلاً في ذلك الإطار: هل مصلحة الأمة في غياب رموز برلمانية كخالد محيي الدين وضياء الدين داوود والبدري فرغلي وأبو العز الحريري وفكري الجزار وغيرهم وهل كان الأفضل لجماعة الإخوان دعم ومساعدة وجود مثل هؤلاء الرموز الوطنية داخل البرلمان أم حصول الجماعة على 88 مقعداً داخل البرلمان؟!.
كما تساءل سلطان: هل جماعة الإخوان ومنذ طرحت نفسها في عام 1928 جماعة دعوية أم تنافسية؟! منتقداً ما وصفة بخطاب قيادات الجماعة وحديث العريان الذي يحمل – حسب سلطان- خيلاء وكبراً على الأحزاب السياسية الضعيفة. وتساءل سلطان عما إذا كان نواب الإخوان الـ88 سيطرحون أنفسهم في هذا الإطار التنافسي أم سيعيدون الجماعة إلى الإطار الدعوى الإصلاحي؟!.

سيناريوهات

من جانبه اعتبر الدكتور عمار علي حسن مدير وحدة البحوث بوكالة أنباء الشرق الأوسط أن مصر مقبلة على واحدة من ثلاثة سيناريوهات، أولها يتمثل في حدوث ثورة إصلاحية داخل النظام السياسي نفسه يستعيد بها زمام الأمور في البلاد، مشيرا إلى أن صعوبة تحقيق هذا السيناريو ترجع إلى أن النظام قد تيبست مفاصله، أما السيناريو الثاني فيتمثل في سقوط الدولة المصرية جثة هامدة وثمرة عطنة في حجر جماعة الإخوان المسلمين، لترث هذه الدولة مشبعة بالفساد والاستبداد، ويكون عليهم عبء إصلاحها، فيما يكون على الآخرين عبء النضال ضد تحول الإخوان لقوة فساد واستبداد جديدة.
أما السيناريو الثالث فيتمثل في حدوث تحالف بين الإخوان والحرس القديم في الحزب الوطني الحاكم. وقال إن هذه السيناريوهات تفرض علينا النضال ضد النظام من أجل أن يصلح نفسه أو يرحل، والنضال ضد الإخوان لدفعهم إلى ترشيد خطابهم السياسي، إلى جانب النضال من أجل تمكين القوى الأخرى ليصبح بالخريطة المصرية أكثر من قوة وليس قطباً واحداً.
لفت حسن إلى ظاهرة أخرى تتمثل في ثنائية الخطاب الإخواني، مشيرا إلى وجود حرس قديم وجناح إصلاحي داخل الجماعة، وأن الجناح الإصلاحي محدود الانتشار، وإن كان هو الأعلى صوتا، ذاهبا إلى وجود تكتيك لدى الإخوان واستراتيجية لمجاراة الواقع الحالي، تجعلهم يطلقون خطابا مطمئنا لا يعكس الاستراتيجية الحقيقية التي يجب الكشف عنها.
انتقد د. عمار حسن ما وصفه بإعطاء كل التيارات والرموز حق نقد الذات وحرمان جماعة الإخوان من ذلك الحق مؤكدا أنه من الظلم محاسبة الجماعة على تاريخها فقط والاعتماد على المعطى التاريخي لتفسير سلوكها الراهن وتجاهل التغيرات الحاصلة بها ودعا حسن الجماعة إلى التماهي داخل المجتمع وجعل مصلحة الجماعة المصرية فوق مصلحة جماعة الإخوان.
وأكد على أن المطلوب من الإخوان هو خطاب تصالحي وأكثر ملاءمة للواقع وأكثر اهتماما بالثقافة بمعناها الواسع.
وانتقل إلى قضية علاقة الإخوان بالأقباط فذهب إلى أن الأقباط يحصلون فى ظل حكم الإخوان على مكاسب أكثر من تلك التى حصلوا أو يمكن أن يحصلوا عليها فى ظل حكم الحزب الوطنى، مدللا على ذلك بتخوف الحكومة من التصريح ببناء الكنائس خوفا من الجماهير المسلمة فيما لن يكون هذا الخوف موجودا لدى جماعة الإخوان.
عبر د. عمار حسن عن خشيته من عودة الإخوان إلى دور المتردد والمريض والخائف، ولعب دور الكومبارس في فيلم كبير بعد خروجهم من هذا الدور في الانتخابات الأخيرة، مشيرا إلى أن مصر ستكون خاسرة بعودة الإخوان للتردد، ولافتا إلى أن هذه العودة ربما تكون بدأت بالتصويت لصالح استمرار د. فتحي سرور رئيسا للبرلمان. وأكد على ضرورة استيعاب جماعة الإخوان داخل إطار الشرعية السياسية، لأن استمرار استبعاد الجماعة من الممكن أن يعيدها لممارسة العمل السري ويعطل التيار الإصلاحي داخلها. كما طالب الجماعة –الإخوان- بتحديد موقفها من قضايا الإمامة الكبرى أو الرئاسة، وتقديم المصلحة العامة على النص.

أزمة

وأكد الدكتور عمرو الشوبكي الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية فى بداية حديثه أنه لا يمكن فصل خطاب أى جماعة أو قوى سياسية عن طبيعة النظام السياسي القائم والواقع السياسي الموجود مشيرا إلى أن هذا الواقع كشف ومن خلال الانتخابات الأخيرة عن مروره بعدد من المشاهد والظواهر فى مقدمتها انهيار دور الأحزاب السياسية، مؤكدا أنه وعلى مدار الخمسة والعشرين عاما الماضية تحملت الأحزاب نفسها جزءا من المسئولية عن هذا الوضع فيما تحمل النظام الحاكم الجزء الأكبر منها بحصاره لهذه الأحزاب وفرض قيادات بعينها عليها وقتل مبادرات كثير من القوى كما حدث مع حزبي الكرامة والوسط ثم فى تجربة حزب الغد.
وأشار الشوبكي إلى أن المعركة الانتخابية لم تكن سياسية ولم تكن بين تيار الدولة المدنية الذي تدافع عنه الدولة وتيار ظلامي يمثله الإخوان كما حاولت الدولة تصويرها مدللا على ذلك بأن استخدام بعض المرشحين المستقلين ومرشح حزب الوطنى للشعارات الدينية كان أكثر من استخدام الإخوان لها أحيانا.
وأضاف الشوبكي أن جماعة الإخوان ذات تركيب خاص، فهي جماعة دينية دعوية يقوم أحد أهم شروط الانضمام إليها على مجموعة من المعايير الدينية كالالتزام الديني وممارسة الشعائر والتعمق فى الفقه والسيرة النبوية. كما أن هناك مستويات للعضوية داخلها، انطلاقا من هذه المعايير، مضيفا أن الدمج بين السياسي والدعوي فى مراحل لاحقة مثّل وجها خاصا فى تنظيم هذه الجماعة.
وأكد الشوبكي على ضرورة أن تفصل الجماعة بين كونها جماعة دعوية والتنظيم السياسي داخلها، مشيرا أيضا إلى عدد من الإشكاليات التى يجب على الجماعة مواجهتها والرد عليها، وفى مقدمتها موقف الجماعة من طلب أى مواطن مسيحي أو مواطن مسلم لا يمارس الشعائر الدينية الانضمام إليها، إلى جانب تحديد مواقفهم من قضايا المرأة والسياحة والأقباط. وقال إن على الإخوان طرح هذه الإشكاليات ومناقشتها بجرأة.
وقال الشوبكى إنه غير متفائل بنشأة حزب سياسي للإخوان فى المستقبل المنظور، مشيرا إلى أن فكرة التنظيم السياسي تتطلب استحقاقات وتحتاج مواقف واضحة فى الفترة القادمة من قضايا أخرى، كتوريث الحكم فى مصر وتقديم رؤية اقتصادية أكثر تماسكا.
وأكد الشوبكي أنه لا بديل عن التعامل مع الإخوان كحركة سياسية مدنية داخل النظام السياسي بما يطرح استحقاقات متبادلة بين الجماعة وهذا النظام.

ابتزاز

وتدخل بهي الدين حسن بالتعقيب فأشار إلى أن الإخوان مدعوون لمراجعة استراتيجيتهم ووضع استراتيجية ربما تكون جديدة معبرا عن خشيته من أن تكون الاستراتيجية التى أوصلت الإخوان للـ 88 مقعدا ليست هي الصالحة حتى للحفاظ على هذه المقاعد، وليس للوصول إلى الحكم. وأشار إلى أن الابتزاز بحل البرلمان سيكون واحدا من التحديات التى ستواجه الإخوان فى الفترة القادمة، خاصة مع تزايد الحديث عن وجود مشروع قانون جديد للانتخابات يمكن للحزب الوطنى إقراره فى أية لحظة، وحل البرلمان على أساسه.
وفي تعقيبه الختامي أكد عصام العريان أنه لا يمانع فى إنشاء حزب سياسي ذي مرجعية مسيحية، مشيرا إلى دعوة الإخوان لترشيح ألف قبطي على قوائم الجماعة فى انتخابات المحليات القادمة. ورفض الجانب المسيحي الشديد لذلك المطلب لأن الكنيسة لن توافق عليه.
وأكد أن الإخوان غير حريصين على الدخول فى موضوع رئاسة الدولة وأن ما يهمهم هو أن يكون الترشيح لهذا المنصب متاحا أمام جميع المواطنين، دون تمييز وبشروط موضوعية.
وقال العريان إنه إذا نجحت جهود الإخوان لفتح الباب أمام العمل الحزبي فسيكون اختيارهم هو الفصل بين الدعوي والسياسي داخل الجماعة، مشيرا إلى تركيز الإخوان على إصلاح الحكم وليس الوصول إليه.

جدل وشروط

وعاد عصام سلطان للتعقيب فجدد التأكيد على أن الديمقراطية هى الحل لإنقاذ البلاد من أزمتها الراهنة، وأكد أن أمام الإخوان ثلاث قضايا لو لم يتحدثوا فيها لكان الأفضل عدم دخولهم البرلمان، ولو تحدثوا فيها ولم ينتجوا فمن الأفضل لهم الاستقالة من البرلمان، ذاكرا أن هذه القضايا الثلاث هى: شرعية الحكم الحالي، وقضايا الحريات، وقضايا الفساد.
وأشار الدكتور عمرو الشوبكى إلى وجود جدل سياسي مشروع حول شروط دمج أي تيار سياسي فى العملية الديمقراطية، ومنها مدى احترامه للدستور والقوانين الأساسية للدولة، مشيرا إلى أنه فيما يتعلق بقضايا المرأة والأقباط فهناك قضايا ومواقف ملتبسة لدى الإخوان يجب عليهم مواجهتها بسعة صدر.

Share this Post