بهي الدين حسن

كم محمد عطا في الطريق؟.. محاربة الإرهاب من خلال مساندته!

In مقالات رأي by CIHRS

s920112415468عندما علم أيمن الظواهري الزعيم “المصري” لتنظيم القاعدة في 25 ديسمبر الماضي بقرار الحكومة المصرية باعتبار جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، فإنه على الأرجح قطع جدول أعماله، وسجد لله شكرا. جاء قرار الحكومة المصرية ردا على تفجير مديرية أمن محافظة الدقهلية في فجر اليوم السابق، برغم أن منظمة أخرى “أنصار بيت المقدس” كانت قد أعلنت مسئوليتها عن هذه العملية. جرى تقديم القرار الحكومي باعتباره تعزيزا لمكافحة الإرهاب، بينما هو في واقع الأمر يقدم أكبر مساندة لجماعات الإرهاب في مصر وخارجها، على النحو الذي يشهده المصريون كل يوم، آخرها- وليست الأخيرة-تفجير قلب المؤسسة الأمنية أمس الجمعة في قلب العاصمة.

منذ قيام المؤسسة العسكرية في 3 يوليو الماضي بعزل الرئيس السابق محمد مرسي عن الحكم، وخطاب الجماعات الإسلامية الإرهابية يتمحور حول مسألتين: الأولى لوم أعضاء وأنصار الإخوان المسلمين على إيمانهم بجدوى النشاط السياسي السلمي، والثانية دعوتهم للالتحاق بالجماعات المسلحة بعد إقصائهم عن السلطة، باعتباره الطريق الوحيد لإعادة محمد مرسي للحكم. لقي هذا الخطاب التحريضي مصداقية أكبر بعد مقتل المئات من أنصار وأعضاء الإخوان المسلمين خلال فض قوات الأمن لاعتصامهم في ميدان رابعة العدوية في 14 أغسطس الماضي، والذي لم يعقبه أي تحقيق قضائي جدي أو حتى شكلي!

في 3 يوليو الماضي، بررت المؤسسة العسكرية تدخلها، بمنع حدوث حرب أهلية محتملة. منذ ذلك التاريخ ومخاطر اندلاع الحرب الأهلية تزداد ولا تتراجع، والأنشطة الإرهابية تتوسع وتصبح أكثر جرأة ومبادرة. بدلا من أن تبادر الحكومة ببلورة خطة وخطاب سياسي يساعد على انتشال أعضاء وأنصار الإخوان المسلمين من التطرف الديني والسياسي، ويعزل قياداتهم المتطرفة،بدلا من ذلك جرى تنظيم حملة أمنية إعلامية (أو إعلامية أمنية) على الذين يدعون إلى ذلك-على رأسهم زياد بهاء الدين نائب رئيس الوزراء “المعزول” فعليا بسبب ذلك منذ وقت طويل- ليقدم قرار اعتبار جماعة الإخوان المسلمين تنظيما إرهابيا ما بين نصف مليون إلى 2 مليون مصري على طبق من فضة إلى جماعات الإرهاب المسلح، وهى مساندة أكبر من أن تستوعبها طاقة النشاط الإرهابي في مصر، لذا من المؤكد أن “الفائدة” –أو الخراب- ستعم على أماكن أخرى في عالمنا. ترى كم محمد عطا وظواهري في الطريق؟

قد يبدو هذا القرار حماقة من الأجهزة الأمنية التي تدير فعليا مصر منذ الثالث من يوليو –وفقا لاعتراف رئيس الوزراء- ولكنه في واقع الأمر يتسق مع الفشل المزمن للسياسة الأمنية المصرية في مكافحة الإرهاب قبل ثورة يناير وبعدها.

توضح المراجعة الملموسة لأولويات السياسة الأمنية في مصر بعد ثورة يناير، أنها لا تكترث كثيرا بمكافحة الإرهاب، قدر اهتمامها بتصفية الحساب مع خصومها السياسيين من مختلف الاتجاهات من “غير الإرهابيين”. لذا توسع النشاط الإرهابي في سيناء وامتلك زمام المبادرة، حتى صار قادرا على ضرب المقار الأمنية والعسكرية الرئيسية كل يوم في سيناء وخارجها، وعلى اصطياد كل يوم عددا متزايدا من الجنود والضباط، وعلى نقل عمليات الإرهاب إلى قلب القاهرة ومدن قناة السويس وشمالي مصر. هذه المدن لم تكن ميدانا للنشاط الإرهابي في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، الذي اقتصر على القاهرة والصعيد.

برغم أن أكثر الكلمات تكرارا الآن في الخطاب السياسي الحكومي والإعلامي هما “مكافحة الإرهاب”، إلا أنها شعار مرحلة أكثر منها حقيقة فعلية،إنها حرب ملتهبة فقط على صفحات الصحف وبرامج التوك شو، بينما الأجهزة الأمنية لا تجد حتى من يحميها! إنها وسيلة لصرف انتباه الرأي العام عن الأولويات الحقيقية للسياسة الأمنية بعد 3 يوليو. أي الانتقام من الخصوم السياسيين الذين جعلوا ثورة 25 يناير 2011 حقيقة ممكنة، سواء من بادروا بها من السياسيين والنشطاء الشباب، أو ممن حرثوا التربة لها كمنظمات حقوق الإنسان، أو ممن التحقوا بها متأخرين لأهداف خاصة كجماعة الإخوان المسلمين. لقد عادت الأجهزة الأمنية بعد 3 يوليو مشبعة بشهوة الانتقام والتعطش للدم وتصفية الحساب، لذلك لا يستوقفها كثيرا ضحايا الإرهاب من المدنيين والشرطة الذين يسقطون كل يوم، فهو ثمن “مقبول”، ليس لهزيمة الإرهاب، ولكن لتصفية الحساب مع ثورة 25 يناير التي اختارت يوم العيد السنوي للشرطة لتقوم بانتفاضتها. مما لا يخلو من مغزى أن مديرية أمن القاهرة التي جرى تفجيرها أمس هي التي انتقلت إليها النيابة- بالمخالفة الفاضحة للقانون- للتحقيق مع أحد رموز النشطاء السياسيين من الشباب. كان علاء عبد الفتاح مازال بملابس النوم وبدون حذاء، بعد أن تعرض هو وزوجته للضرب من قوة القبض عليه (أكثر من 20 ضابط وجندي ، بعضهم مقنعون لأنهم يحاربون “الإرهاب”) ، لمجرد أن علاء وزوجتا طلبا الاطلاع على تصريح النيابة بالقبض عليه ومصادرة بعض ممتلكاتهما الشخصية!

في الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير يحتفل بها علاء وأحمد ماهر ومحمد عادل ودومة فى زنازين حبس انفرادي، لا يخرجون منها لمدة ثلاثة أيام متصلة (كل سنة بيوم!) ، بينما يحتفل الإرهاب بعيد الشرطة بتفجير مديرية أمن العاصمة، وتحتفل أجهزة الأمن بعيد الشرطة بنجاحها منقطع النظير في قمع المعارضة السلمية، وفشلها منقطع النظير في حماية المصريين،ومقارها في العاصمة من الإرهاب!

أمس الخميس قال رئيس الجمهورية “القاضي” عدلي منصور، أن مصر لن تعود إلى الدولة البوليسية قبل ثورة يناير، وهذا صحيح بمعنى ما، لأن دولة مبارك البوليسية كانت هي التي كانت تدير الأجهزة الأمنية، أما الآن فالأجهزة الأمنية هي التي تدير الدولة، بمجلس وزرائها ووسائل إعلامها ومؤسساتها القضائية!

الدرس الوحيد الذي استخلصته الأجهزة الأمنية من سقوط مبارك، هو أنه كان أقل قسوة مما يجب مع معارضيه! لم تستخلص الدرس من سقوط صدام حسين في العراق، والقذافي في ليبيا، والثورة على بشار الأسد في سوريا، التي أنتجت نقيض ما تتوهم، أي تفكك الدولة، والفشل الذريع في الحفاظ على تماسكها. لم يقدم لنا التاريخ دولة بوليسية أو معسكرة نجحت في أن تجلب الخير أو الرفاهية أو حتى الاستقرار لشعبها، بل جلبت كلها في النهاية العار والهزائم التاريخية، سواء كانت ألمانيا النازية أو مصر 1967.

منذ عشرة أيام دُعي المصريين للاستفتاء على تعديلات على الدستور الذي وضعه الإخوان المسلمين في 2012. تتضمن هذه التعديلات صياغات إنشائية أفضل نسبيا في الباب الخاص بالحقوق والحريات. ولكن ممارسات الأجهزة الأمنية قبل وبعد 3 يوليو، والاقتراحات التشريعية القمعية التي وضعت أثناء إعداد هذه التعديلات تتناقض جوهريا معها، حتى ليبدو وكأن أجهزة الأمن تسخر منها، ولا تعتد بها أو بنتيجة الاستفتاء عليها، أو كأنها كتبت على ورق “تواليت”. في هذا السياق تبدو خريطة الطريق أشبه بلعبة “السلم والثعبان” التي تعود بنا إلى نظام مبارك، أو ما هو أسوأ. ويبدو جوهر الاستفتاء محاطا بالغموض؟

لقد سادت في الشهور الست الماضية خرافة تفسر كل مشاكل مصر بأنها ترجع إلى أن “الأيدي المرتعشة” هي التي تدير البلاد. منذ ذلك الحين يتأكد كل يوم أن الكارثة الحقيقية هي أن العقول المرتعشة هي التي تدير البلاد، قيادات زائغة البصر والبصيرة، تنظر تحت أقدامها ولا تجرؤ على النظر للأمام، فهي مهمومة بالانتقام وليس بمستقبل البلاد غدا، ولذا تدفع بها يوما بيوم إلى مزيد من جحيم الإرهاب وربما حربًا أهلية، ومن المؤكد في النهاية إلى دولة مريضة وفاشلة.

http://tahrirnews.com/columns/view.aspx?cdate=26012014&id=3d3c9f99-5e2b-4953-887e-710cd42f150f

Share this Post