لابد من ضمان استجابة ذات مصداقية لمجلس حقوق الإنسان بشأن السودان

In البرنامج الدولي لحماية حقوق الإنسان, دول عربية by CIHRS

إلى الممثلين الدائمين للدول الأعضاء والدول المراقِبة بالأمم المتحدة

أصحاب السعادة،

قبل انعقاد الجلسة العادية الـ42 لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، نحثكم نحن منظمات المجتمع المدني الموقعة أدناه، على ضمان اتخاذ المجلس الاجراءات اللازمة للتصدي لانتهاكات حقوق الإنسان الخطيرة المستمرة والمتصاعدة في السودان. كما ندعو المجلس لدعم إجراءات إصلاح النظام في البلاد.

وكما هو مفصل أدناه، يجب على المجلس صياغة استجابة شاملة لتدهور الوضع في البلاد، بما في ذلك ضمان التحقيق في الانتهاكات المرتكبة منذ ديسمبر 2018، وتجديد ولاية الخبير المستقل المعني بالسودان، ودعم عمليات الرصد والتقرير من قِبل المفوضية السامية لحقوق الإنسان. 

في 17 أغسطس، وقّعت قوى الحرية والتغيير والمجموعات الجامعة للمعارضة والمجلس العسكري الانتقالي المتولي السلطة بعد الإطاحة بالرئيس عمر البشير اتفاقية حول ترتيبات الحكم الانتقالي للسنوات الثلاث المقبلة، على أن تليها الانتخابات. ومع ذلك، لا يزال وضع حقوق الإنسان في السودان يمثّل مصدر قلق بالغ، بما في ذلك العنف ضد المتظاهرين والافتقار المستمر للمساءلة عن الانتهاكات والتجاوزات، على نحو يشكل خطرًا كبيرًا على الاستقرار على المدى الطويل في البلاد، وفي مناطق شرق إفريقيا والشرق الأوسط.[1]

ومع ذلك، منذ بدء الاحتجاجات السلمية التي دعت للحكم المدني، في ديسمبر 2018، أضاع المجلس العديد من الفرص للمساهمة في صياغة استجابة دولية ذات مغزى للأزمة السودانية. وظل المجلس صامتًا خلال جلسته الـ40 (في فبراير- مارس 2019)، وبعد مذبحة 3 يونيو 2019، وخلال الجلسة الـ41 (يونيو – يوليو 2019)، وفشل في عقد جلسة خاصة، أو مناقشة عاجلة، أو حتى اعتماد قرار بشأن الوضع الاستثنائي لحقوق الإنسان في السودان.

الصمت لم يعد خيارًا. كما أن الاتفاق الانتقالي لا يضمن تحسين وضع حقوق الإنسان.

فبصفته الهيئة الأعلى لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، ينبغي على المجلس التصرف بما يتماشى مع ولايته لتعزيز وحماية حقوق الإنسان، والوفاء بمسئولياته تجاه الشعب السوداني، والإسهام في ضمان الامتثال لحقوق الإنسان والإصلاحات المنهجية كأساس للحل السياسي المستدام للأزمة واحترام الترتيبات الانتقالية السلمية. ومع اقتراب موعد انعقاد الجلسة الـ42 للمجلس، ينبغي على الدول الأعضاء والدول المراقِبة العمل بجدية من أجل اعتماد قرار بتوظيف الأدوات المتاحة للتصدي لتحديات تردي حالة حقوق الإنسان في السودان على المدى القصير والمتوسط والطويل. كما ينبغي أن يتصرف المجلس وفقًا لولايته لمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان، وأن يسترشد بالحاجة الشاملة لحماية حقوق وحريات الشعب السوداني.( تجدون مرفقًا بهذه الرسالة تفصيلاً للتطورات الرئيسية في مجال حقوق الإنسان في السودان منذ ديسمبر 2018.)

وبناء على هذه الاعتبارات ومع وضع حالة حقوق الإنسان في السودان في الاعتبار، يتعين على المجلس في جلسته الـ42 الآتي:

أولاً: فتح تحقيق مستقل- في شكل لجنة لتقصي الحقائق أو ما شابه ذلك- في جميع انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، المرتكبة في سياق الاحتجاجات السلمية من ديسمبر 2018. على أن يكون التحقيق:

  • مستقلاً ومحايدًا وشفافًا وشاملاً وفعالاً. يعالج أنماط الانتهاكات ويتعامل مع سلسلة القيادة لجميع أجهزة الدولة ذات الصلة؛ ويفحص دور جميع هذه الأجهزة، بما في ذلك المجلس العسكري الانتقالي، وقوات الدعم السريع، وجهاز المخابرات والأمن الوطني، والعناصر المرتبطة بهم جميعا؛ وأن يسعي لتحديد المسئولين عن الانتهاكات، بغض النظر عن رتبتهم أو مكانتهم الاجتماعية؛
  • معتمدًا على معايير أدلة وإثبات تتيح تحديد هوية الجناة، بما يضمن محاكمتهم جنائيًا في المستقبل، مع التوصية بطرق مساءلة الجناة؛
  • معالجًا للفجوات المتكررة في التحقيق الوطني الجاري[2] وذلك من خلال تغطية جميع الانتهاكات المرتكبة فيما يتعلق بالاحتجاجات السلمية منذ ديسمبر 2018، بما في ذلك ما بعد مذبحة 3 يونيو 2019؛
  • متضمنًا لمختلف أنماط الانتهاكات، بما في ذلك الإطار القانوني والمؤسسي والسياسي الذي يبيح الانتهاكات المرتبطة بمواجهة الدولة للاحتجاجات السلمية وممارسة المواطنين لحقوقهم الإنسانية وحرياتهم الأساسية؛
  • شاملاً أيضًا للانتهاكات المرتكبة في الخرطوم وبقية البلاد على السواء، بما في ذلك مناطق النزاع في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.

وعلى المجلس أن يطلب من آلية التحقيق مشاركة تقريرها وتوصياتها مع الاتحاد الأفريقي، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية، وجميع أجهزة الأمم المتحدة ذات الصلة.

ثانيا: تجديد وتعزيز ولاية الخبير المستقل وضمان ولاية قوية للمراقبة والتقرير العام للمفوضية طوال عام 2020 وما بعده، وذلك من خلال:

  • تجديد وتعزيز ولاية الخبير المستقل إلى أن يتم الإعلان عن مكتب قُطري مفوض بالكامل من قبل المفوضية السامية لحقوق الإنسان وحكومة السودان؛
  • الاستمرار في تقديم المساعدة التقنية وبناء القدرات للسودان، بما في ذلك تدريبات على الامتثال لحقوق الإنسان لهيئات الأمن وإنفاذ القانون، والمشورة الفنية بشأن موائمة التشريعات والسياسات والممارسات مع المعايير الدولية والتزامات السودان، بما في ذلك تعديل أو إلغاء القوانين واللوائح وإصلاح أجهزة الدولة؛
  • نظرًا لأن التعاون التقني يواكب ويعتمد على تقييم شامل ومستمر لحالة حقوق الإنسان والقضايا والتحديات، يحتاج المجلس إلى ضمان تمتع المفوضية بقدرة قوية على الرصد والتقرير. كما يجب أن تتضمن هذه التقارير توصيات للإصلاحات المنهجية (بما في ذلك التشريعية والمؤسسية والسياسية) اللازمة لتحسين وضع حقوق الإنسان في السودان، ولإحداث تغيير تحولي لصالح الشعب السوداني، بما في ذلك النساء والفتيات والفئات المهمشة والمعرضة للخطر؛
  • ضمان المناقشة العلنية لحالة حقوق الإنسان في السودان والإصلاحات المنهجية اللازمة لتحسينها من خلال حوار تفاعلي معزز، مرة كل عام، يجمع الخبراء المستقلين والمفوض السامي لحقوق الإنسان وحكومة السودان والجهات الفاعلة ذات الصلة في الأمم المتحدة وممثلي المجتمع المدني، بالإضافة إلى الحوارات التفاعلية المنتظمة في دورات المجلس في سبتمبر؛
  • على المجلس أن يتمسك بوضوح بإمكانية وصول الأمم المتحدة والجهات الفاعلة المستقلة إلى جميع الأماكن والأشخاص ذوي الاهتمام في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك مناطق النزاع في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وأن الحكومة السودانية ملزمة بإنشاء والحفاظ على بيئة آمنة تسمح للمجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان ووسائل الإعلام والجهات الفاعلة المستقلة الأخرى بالعمل في أمان ودون عقبات أو مخاوف من الانتقام.

وأخيرًا، على المجلس أن يشجع، على وجه السرعة، توقيع مذكرة تفاهم بين حكومة السودان ومفوضية حقوق الإنسان، فيما يتعلق بفتح وتشغيل مكتب قُطري تابع للمفوضية مكلف بالكامل بالمراقبة الشاملة لنطاق حقوق الإنسان في السودان، بما في ذلك التحقيق المحلي في الانتهاكات ضد المتظاهرين في 3 يونيو، على النحو المشار إليه في الميثاق الدستوري.

كما نحثكم على اتخاذ إجراءات فورية طال انتظارها لضمان أن يقدم المجلس استجابة صادقة لحالة حقوق الإنسان في السودان، ونحن على استعداد لتزويد وفدكم بأي معلومات إضافية.

مع تأكيدنا على أسمى معاني الاحترام،

 المنظمات الموقعة: 

  1. أطباء لحقوق الإنسان
  2. الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان
  3. الخدمة الدولية لحقوق الإنسان
  4. المبادرة الاستراتيجية للمرأة في القرن الأفريقي (شبكة SIHA)
  5. المبادرة السودانية لحقوق الإنسان
  6. المركز الإفريقي لدراسات العدل والسلام
  7. منظمة هيومن رايتس ووتش
  8. مشروع المدافعين عن حقوق الإنسان في الشرق والقرن الأفريقي (ديفيند ديفيندرز)
  9. مرصد حقوق الإنسان السوداني
  10. مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
  11. مشروع ماجكا ساما
  12. منظمة العفو الدولية
  13. مّنا رايتس جروب
  14. هيومن رايتس ووتش
  15. CSW
  16. REDRESS

 

ملحق: تطورات حقوق الإنسان في السودان منذ ديسمبر 2018في ديسمبر 2018، أدت زيادة أسعار الخبز لثلاثة أضعاف إلى احتجاجات جماعية سلمية ضد المصاعب الاقتصادية والفقر والتفاوت الاقتصادي والاجتماعي. توسعت الاحتجاجات بسرعة لتشمل المظالم المتعلقة بالحكم الاستبدادي وانتهاكات حقوق الإنسان وانعدام الحكم الرشيد في السودان. بدأ عشرات الآلاف من السودانيين في الاحتجاج السلمي بشكل يومي، ونظموا اعتصامات، لا سيما في العاصمة الخرطوم، وطالبوا بتغيير سياسي مستدام. وأصبح يشار للاحتجاجات باسم “الانتفاضة السودانية” أو “الثورة السودانية”.

ردّت السلطات السودانية باستخدام القوة المفرطة والمميتة، فأطلقت بشكل عشوائي الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع على حشود المتظاهرين المسالمين، مما أسفر عن مقتل العشرات من المدنيين. وفي رسالة مشتركة نُشرت في يناير 2019، دعت المنظمات غير الحكومية والمدافعين عن حقوق الإنسان المجلس إلى إرسال بعثة تقصي حقائق إلى السودان. كتب الموقعون: “هذه الهجمات لا تقع في فراغ: إنها تتبع عقودًا من الانتهاكات والهجمات المنهجية الواسعة النطاق على المدنيين – ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية – في سياق الاحتجاج الشعبي والصراعات المتعددة ضد السكان في أطراف السودان، ومع ذلك، لا يزال المجلس في جلسته الـ 40 العادية صامتًا على الوضع.”[3]

في 5 مارس 2019، اعتمدت اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب قرارًا بشأن حالة حقوق الإنسان في السودان. أعربت فيه عن قلقها بشأن “استخدام القوة المفرطة وغير المتناسبة لتفريق الاحتجاجات، مما أدى إلى مقتل وإصابة العديد من المتظاهرين.” دق القرار أيضًا ناقوس الخطر “بشأن التقارير التي تفيد بأن قوات الأمن أطلقت الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع على مباني مستشفى، حيث كان المتظاهرون يحتمون. كما عبر القرار عن القلق بشأن “الادعاءات المتعلقة بالاعتقال التعسفي والاحتجاز والتعذيب وسوء المعاملة للأشخاص المشتبه في مشاركتهم في الاحتجاجات أو دعمها.” وقد قدمت اللجنة الأفريقية سلسلة من التوصيات للحكومة السودانية ودعتها إلى تفويض اللجنة للقيام بمهمة لتقصي الحقائق إلى البلاد. [4]

في ليلة 10-11 أبريل 2019، أدت حركة الاحتجاج، مع تغير موازين القوى داخل الجهاز السياسي والعسكري والأمني، إلى الإطاحة بالرئيس السوداني عمر البشير، الذي حكم السودان لنحو 30 عامًا، والمطلوب من المحكمة الجنائية الدولية بشأن عدة تهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، والإبادة الجماعية في دارفور[5]. وفي أعقاب ذلك، نصّب الجيش السوداني مجلس عسكري انتقالي لإدارة البلاد. ولكن استمرت الاحتجاجات السلمية، حيث طالب المتظاهرون وممثلوهم، بما في ذلك اتحاد المهنيين السودانيين والجمعيات المدنية والمهنية الأخرى، بالانتقال السريع إلى الحكم المدني من خلال عملية انتقالية يقودها المدنيون.

في 14 مايو 2019، في قرار آخر بشأن السودان، أعادت اللجنة الأفريقية التأكيد على بياناتها وتوصياتها وكذلك التزامات السودان بموجب الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب. كما دعت اللجنة السلطات السودانية الانتقالية إلى “حماية حق المواطنين في المشاركة بحرية في حكومة بلدهم من خلال ممثلين يتم اختيارهم بحرية، واحترام حقوق الإنسان وحريات المواطنين الأساسية، لا سيما الحق في التجمع، والحرية، والأمن، والإجراءات القانونية الواجبة، ووقف ممارسات التعذيب وسوء المعاملة، أثناء وبعد الانتقال إلى سلطة انتقالية يقودها المدنيون.”  كما أوصت اللجنة بـ “الامتناع عن استخدام القوة المفرطة ضد المحتجين، والبدء فورًا في إجراء تحقيقات نزيهة ومستقلة في انتهاكات حقوق الإنسان المزعومة ومحاسبة مرتكبيها، بما في ذلك عناصر أمن الدولة، وضمان حصول ضحايا الانتهاكات وعائلاتهم على تعويض كامل ومناسب.” [6]

ومع ذلك استمرت المواجهة بين المحتجين المسالمين والجهاز العسكري والأمني للدولة. ففي 3 يونيو 2019، هاجمت قوات الدعم السريع المتظاهرين السلميين في اعتصام في الخرطوم. وهي قوات شبه عسكرية خاضعة لسلطة اللواء محمد حمدان دجالو، والمعروف باسم “حميدتي” والذي يشغل أيضًا منصب نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي، ويطلق عليها أيضا قوات “الجنجويد”. أسفر الهجوم عن مقتل أكثر من مائة مدني وإصابة المئات، كما تعرض المحتجون للضرب والاحتجاز التعسفي، والاغتصاب، بما في ذلك الاغتصاب الجماعي، وغيرها من أشكال الترهيب والإهانة.

وقعت الهجمات في الصباح الباكر للغاية، إذ فتح الجنود النار على المتظاهرين ثم طاردوهم في المباني. وفي ذلك تعرضت ثلاث مستشفيات للهجوم أو للمنع من تقديم الرعاية، فضلاً عن تعرض الأطباء للاعتداء وفقا لما أفادت بعض التقارير.[7] أحرقت القوات المهاجمة ايضًا خيام الاعتصام ونهبت كل ما فيها، كما تشير التقارير إلى أن قوات الدعم السريع نفذت هجمات مماثلة على متظاهرين مسالمين في دارفور وأجزاء أخرى من البلاد.

إن الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتُكبت خلال حملة القمع التي وقعت في 3 يونيو صدمت العاصمة، كما ذكّرت بالانتهاكات التي ارتكبتها القوات الحكومية وقوات الدعم السريع في أنحاء أخرى من البلاد على مدى العقود الماضية، بما في ذلك في مناطق النزاع في النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور. [8]

بعد الهجوم، تعثرت المحادثات بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير، والتي يسّرها سعادة الدكتور أبي أحمد، رئيس وزراء إثيوبيا (بصفته رئيس الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية). وفي 6 يونيو 2019، علق الاتحاد الأفريقي مشاركة السودان في جميع أنشطة الاتحاد لحين اختيار سلطة انتقالية بقيادة مدنية.

في رسالة إلى مجلس حقوق الإنسان، كتبت مجموعة من المنظمات غير الحكومية: “هذه الأعمال المروعة تدل بوضوح على عدم التزام المجلس العسكري الانتقالي بالانتقال السلمي إلى حكومة مدنية، وتصميمه بدلاً من ذلك على تعزيز سيطرة العناصر الأكثر قسوة في الأجهزة الأمنية. كما تسلط هذه الأعمال الضوء على خطر المزيد من الاستقطاب السياسي والمواجهة الجماعية العنيفة إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة لدعم الانتقال السلمي إلى الحكم المدني.” وحث الموقعون المجلس على عقد جلسة خاصة واعتماد قرار يطلب من المفوض السامي للأمم المتحدة تشكيل بعثة لتقصي الحقائق. [9]

وفي رسالة أخرى موجهة إلى مجلس الأمن بالأمم المتحدة، أبرزت المنظمات غير الحكومية [10]أن قوات الدعم السريع وشرطة مكافحة الشغب ومسئولي الأمن الوطني الذين هاجموا موقع الاحتجاج “استخدموا الذخيرة الحية وحالوا دون الخروج حتى لا يتمكن المتظاهرون من المغادرة بسهولة. وبحسب ما ورد، ألقى مسلحون جثثًا في النيل، بعد أن أثقلوها بالطوب. ووفقًا للجنة المركزية للأطباء، تم انتشال 40 جثة من المياه[11]. كما ورد أن المهاجمين اغتصبوا المتظاهرين. وتعرض ما لا يقل عن ثلاث مستشفيات لهجوم، كما تعرض الأطباء للاعتداء. كما أدت المضايقات المستهدِفة للعاملين الطبيين إلى إغلاق ثمانية مستشفيات، وذلك وفقًا للجنة المركزية للأطباء.[12]

وفي هذا السياق، نشير إلى دعوة مجموعة من المنظمات غير الحكومية مجلس الأمن لدعم الجهود الإقليمية عن طريق إدانة العنف، ودعم فتح تحقيق مستقل، والمطالبة بنقل سريع للسلطة إلى السلطات المدنية، وفترة انتقالية يقودها مدنيون، وتجميد خطط إسقاط قوات البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في السودان، كما طالبت بتسريح قوات الدعم السريع تحت إشراف دولي، وتوسيع نطاق فرض عقوبات مستهدِفة في السودان تركز الآن فقط على دارفور، ضد الأفراد الأكثر مسئولية عن العنف بحق المتظاهرين السلميين والمعارضة السلمية. وفي الوقت نفسه، ارتكبت قوات الدعم السريع المزيد من انتهاكات حقوق الإنسان في دارفور. إذ تؤكد أدلة من الأقمار الصناعية وشهادات جديدة أن القوات الحكومية، بما في ذلك قوات الدعم السريع والميليشيات المرتبطة بها، دمرت أو ألحقت أضرارًا بـ45 قرية على الأقل في جبل مرّة في الفترة ما بين يوليو 2018 وفبراير 2019. [13]

ومع ذلك، قبل وخلال جلسته الـ41، فشل مجلس حقوق الإنسان في اتخاذ أي إجراء بشأن السودان. ولم يعقد جلسة استثنائية أو مناقشة عاجلة، كما فشل المجلس في اتخاذ أي قرار بشأن تدهور الوضع.  ومن ثم استمرت الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها القوات التابعة لقيادة المجلس العسكري الانتقالي، وفي 30 يونيو 2019، وخلال انعقاد الجلسة الـ41 للمجلس، هاجمت قوات الدعم السريع المتظاهرين في أم درمان، وقتلت عشرة أشخاص على الأقل.[14] وفي 29 يوليو 2019، فرقت قوات الأمن احتجاجات طلابية في مدينة الأبيض، مما أدى إلى مقتل ستة محتجين على الأقل، بينهم ثلاثة قُصر[15]. كما تكررت عمليات قتل المدنيين في مناطق أخرى من البلاد.

في 5 يوليو 2019، تم الاتفاق على تقاسم السلطة بين المجلس العسكري الانتقالي وممثلي حركة الاحتجاج المدني من قوى الحرية والتغيير. رسمت الصفقة طريقًا مدته 39 شهرًا كفترة انتقالية يقودها مجلس السيادة برئاسة تدور بين المجلس العسكري الانتقالي وبين قوى الحرية والتغيير، يعقبها الانتخابات. كما دعا الاتفاق إلى إجراء تحقيق في مذبحة 3 يونيو وغيرها من حالات العنف، بالإضافة إلى إطار زمني مدته ستة أشهر (وهو ما يبدو غير واقعي) لمحاولة التوصل إلى اتفاق سلام مع جميع الجماعات المتمردة المسلحة في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك النيل الأزرق ودارفور وجنوب كردفان.

في 4 أغسطس، وقّع الطرفان ميثاقًا دستوريًا ينص على الهيئات الانتقالية، ويحدد المهام والفترات الزمنية المطلوبة. وفي 17 أغسطس، وقّع الطرفان اتفاقية تقاسم السلطة التي تضم الاتفاقيات السياسية والدستورية. وفي 21 من الشهر نفسه، أدى أعضاء المجلس الأعلى الجديد، برئاسة الجنرال بالجيش والرئيس السابق للمجلس العسكري الانتقالي، عبد الفتاح برهان، اليمين الدستورية مع رئيس الوزراء.  وقد كان من المقرر تعيين حكومة جديدة في 1 سبتمبر 2019(المحرر: تم تشكيل الحكومة يوم  سبتمبر 5 )، كما من المقرر تعيين مجلس تشريعي يضم 300 عضو في غضون 3 أشهر. [16]

يشمل الاتفاق العديد من الأهداف الطموحة لإصلاح المؤسسات وحماية الحقوق، ولكنه لا يضع معيارًا للتقدم[17]. إذ تتمثل الفجوة الحرجة في الاتفاق في عدم وجود أي آلية لضمان تنفيذه أو عواقب لخرقه. كما تفتقر الاتفاقية إلى حد كبير إلى المساءلة بشكل عام عن انتهاكات حقوق الإنسان. فرغم أن الاتفاق يدعو إلى إنشاء “لجنة وطنية مستقلة” جديدة للتحقيق في مذبحة 3 يونيو 2019 بدعم أفريقي محتمل[18]  – لكن من غير الواضح ما إذا كان سيتم محاسبة المسئولين (بما في ذلك القادة الحاليين في المجلس السيادي) وما إذا كان سيتم التحقيق معهم في جرائم بموجب القانون الدولي وغيره من انتهاكات حقوق الإنسان الخطيرة المرتكبة فيما يتعدّى مذبحة 3 يونيو، بما في ذلك قبل ديسمبر 2018.

لذلك تبقى العديد من الأسئلة، وتشمل في جملة أمور، الإنفاذ القانوني للإعلان الدستوري وعواقب خرقه؛ تفاصيل بشأن لامركزية الدولة؛ آلية اتخاذ القرار في المجلس السيادي (وحق النقض بحكم الأمر الواقع من قبل أي من الطرفين، وكذلك طرق تجاوز هذا الحق)؛ وضع قوات الدعم السريع وعلاقتها بالقوات المسلحة السودانية؛ وتفاصيل عملية تفكيك وسائل سيطرة النظام السابق؛ وكيفية إنشاء وضمان الحفاظ على قضاء مستقل.


[1]   انظر المرفق

[2]   انظر المرفق

[3] Defend Defenders et al., “Joint Letter from Nongovernmental Groups: Human Rights Council Should Create Independent Fact-Finding Group for Sudan,” 31 January 2019, https://www.defenddefenders.org/statement/joint-letter-from-nongovernmental-groups-human-rights-council-should-create-independent-fact-finding-group-for-sudan/ (accessed on 6 August 2019

[4] African Commission on Human and Peoples’ Rights, “413 Resolution on the Human Rights Situation in the Republic of The Sudan – ACHPR/Res. 413 (EXT.OS/ XXV),” 5 March 2019, https://www.achpr.org/sessions/resolutions?id=431 (accessed on 6 August 2019).

[5] Al Bashir Case: The Prosecutor v. Omar Hassan Ahmad Al Bashir,”International Criminal court

As of 6 August 2019, ICC-02/05-01/09 https://www.icc-cpi.int/darfur/albashir. (accessed on 6 August 2019)

[6] , African Commission on Human and People’s Rights, “421 Resolution on the Human Rights Situation in the Republic of the Sudan – ACHPR\ Res. 421 (LVIV) 2019, 14 May 2019 https://www.achpr.org/sessions/resolutions?id=445 (accessed on 6 August 2019)

[7] Physicians for Human Rights, “With Sudan Power-Sharing Plan, PHR Urges Renewed Focus on Accountability, Independent Investigation and Long-Term International Monitoring,” 5 July 2019,

https://phr.org/news/with-sudan-power-sharing-plan-phr-urges-renewed-focus-on-accountability-independent-investigation-and-long-term-international-monitoring/ (accessed on 2 August 2019)

[8]  هيومن رايتس ووتش، “رجال بلا رحمة” قوات الدعم السريع السودانية تهاجم المدنيين في دارفور السودان، 9 سبتمبر 2015 تجدونه على الرابط التالي: https://www.hrw.org/ar/report/2015/09/09/290980  

[9] Sudan Consortium et al., “Killings of Peaceful Sudanese Democracy Protesters Demand Accountability,”  June 20196  http://sudanconsortium.org/2019/06/06/killings-of-peaceful-sudanese-democracy-protesters-demand-accountability/ (accessed on 2 August 2019)

[10] Act for Sudan, African Federation Association AFA WFM UGANDA, African Centre for Justice and Peace Studies (ACJPS), AlKhatim Adlan Centre for Enlightenment and Human Development (KACE), Atrocities Watch Africa, Cairo Institute for Human Rights Studies (CIHRS), CSW, Darfur Bar Association (DBA), DefendDefenders (the East and Horn of Africa Human Rights Defenders Project), Euro-African Forum on Rights and Development (EAFRD), Horn of Africa Civil Society Forum, Human Rights Watch, Human Rights Institute of South Africa (HURISA), International Federation for Human Rights (FIDH), International Refugee Rights Initiative, Investors Against GenocideJustice Centre for Advocacy and Legal Consultations, Kamma Organization for Development Initiatives (KODI), The MagkaSama Project, Massachusetts Coalition to Save Darfur, MENA Rights Group, Never Again Coalition, Nubsud Human Rights Monitors Organisation (NHRMO), Skills for Nuba Mountains, Stop Genocide Now, Sudan Consortium, Sudan Unlimited, Sudanese

[11]  Central Committee of Sudan Doctors (CCSD), “June 5th, 2019”, 5 June 2019, https://www.facebook.com/Sudandoctorscommittee/posts/central-committee-of-sudan-doctors-ccsdjune-5th-2019-urgentwe-sadly-report-that-/2339370886348814/%20 (accessed on 26 August 2019)

[12] African Centre for Justice and Peace Studies et al., “30 CSOs Appeal to UN Security Council for Urgent Intervention to Prevent further Bloodshed in Sudan,” 11 June 2019 https://www.acjps.org/30-csos-appeal-to-un-security-council-for-urgent-intervention-to-prevent-further-bloodshed-in-sudan/ (accessed on 26 August 2019)

[13]  منظمة العفو الدولية، السودان: دليل جديد ضد الحكومة الداعمة للجرائم في دارفور يُظهر أن قرار سحب قوات حفظ السلام سابق لأوانه وغير مسئول، 11 يونيو 2019،تجدونه على الرابط التالي: https://www.amnesty.org/ar/latest/news/2019/06/sudan-fresh-evidence-of-government-sponsored-crimes-in-darfur-shows-drawdown-of-peacekeepers-premature-and-reckless/

[14] UN News, “Restrictions, unmet promises, unbridled violence in Sudan, a ‘recipe for disaster’, says Bachelet”, 3 July 2019 https://news.un.org/en/story/2019/07/1041802 (accessed on 26 August).

[15]  African Centre for Justice and Peace Studies, “North Kordofan: Urgent call to investigate the killing of six peaceful protesters including 3 minors in El Obeid,” 2 August 2019, https://www.acjps.org/north-kordofan-urgent-call-to-investigate-the-killing-of-six-peaceful-protesters-including-3-minors-in-el-obeid/ (accessed on 26 August)

[16] Reuters, “Sudan factions initial pact ushering in transitional government,” 4 August 2019, https://uk.reuters.com/article/uk-sudan-politics-idUKKCN1UU09P (accessed on 6 August 2019).

[17]   بيان إخباري لهيومن رايتس ووتش، 23 أغسطس 2019 “على السودان إعطاء الأولوية للعدالة والمساءلة https://www.hrw.org/ar/news/2019/08/23/333180/

[18] See Radio Dabanga, “Sudan: Singing of Constitutional Declaration heralds start of comprehensive peace Process” 5 August 2019 https://www.dabangasudan.org/en/all-news/article/sudan-signing-of-constitutional-agreement-heralds-start-of-comprehensive-peace-process (accessed on 6 August 2019).

Share this Post