لجنة الدفاع عن الديمقراطية

In صالون بن رشد by CIHRS

شهد شهر نوفمبر الماضي إعلان أربعة أحزاب معارضة مصرية وخمس منظمات لحقوق الإنسان إنشاء “لجنة الدفاع عن الديمقراطية” وهذه الأحزاب هى:
العربي الناصري والتجمع “التقدمي” والوفد “الليبرالي” والحزب الشيوعي “تحت التأسيس”، أما منظمات حقوق الإنسان فهى المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، ومركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء، ومركز هشام مبارك للقانون، ومركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي، ودار الخدمات النقابية.
وقد جاء تشكيل اللجنة من الأحزاب والمنظمات التي أعلنت معارضتها لقانون الجمعيات الأهلية رقم 84 لسنة 2002 والذي تم إقراره رغم المعارضة الشديدة التي واجهها من قبل أحزاب المعارضة ومنظمات حقوق الإنسان، ورغم أن “لجنة الدفاع عن الديمقراطية” قد حددت مهامها وأهدافها منذ اللحظة الأولى لإنشائها وهى المطالبة بتحقيق ضمانات الحريات العامة والحقوق الأساسية للمواطنين وتوفير ضمانات التقاضي وإلغاء حالة الطوارئ وتعديل الدستور لكي يصبح دستورا ديمقراطيا يجعل الأمة مصدرا حقيقيا للسلطات وتحول الإدارة المحلية إلى حكم شعبي حقيقي وإطلاق حرية تكوين الأحزاب والجمعيات وتعديل النظام الخاص بانتخابات رئاسة الجمهورية، إلا أن اللجنة أثارت عددا من التساؤلات والاختلافات أيضا حول أهداف وتشكيل اللجنة، وهو ما ظهر واضحا في ندوة دعا إليها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في إطار صالون بن رشد تحت عنوان “كيف ستدافع “لجنة الدفاع عن الديمقراطية” عن الديمقراطية”؟، حيث بدأت الندوة بإشارة بهي الدين حسن مدير المركز إلى أن إنشاء هذه اللجنة يمثل بادرة هامة للغاية لقضية تطور الكفاح من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، لافتا إلى أن تشكيل اللجنة جاء بعد شهور قلائل من صدور تقرير التنمية الإنسانية الذي كان محل اهتمام واسع النطاق في العالم العربي، حيث خلص التقرير إلى أن غياب الحريات هو العائق الأساسي أمام التنمية والتقدم في المنطقة العربية.
أوضح بهي أن إنشاء اللجنة أثار ويثير عددا من التساؤلات حول دروس المحاولات والتجارب السابقة التي طرحت أهدافا مماثلة والسلبيات التي يجب تجنبها إلى جانب طبيعة التحديات التي ترى اللجنة أن عليها مواجهتها في هذه المرحلة في ظل اعتبارات متعددة يأتي في مقدمتها مقاومة المنطقة العربية للتغير الديمقراطي، وأثار بهي تساؤلات أخرى عن عدم وجود جدول زمني لتنفيذ أهداف اللجنة المعلن عنها، وذكر أن هناك تساؤلات أخرى أثيرت في الأوساط الإعلامية وبخاصة فيما يتعلق بعضوية “الإخوان المسلمين” فيها والممارسات التي تقوم بها بعض الأحزاب في إطار عقد صفقات مع الحكومة”.
وبدأ حافظ أبو سعدة أمين عام المنظمة المصرية لحقوق الإنسان حديثه بالإشارة إلى وجود تجارب سابقة عديدة لإنشاء لجان مشابهة إلا أنه اعتبر أن اللجنة الحالية تتميز بأنها خرجت من رحم مواجهة قانون الجمعيات الأهلية الأخيرة والذي توج حزمة تشريعية متكاملة تقيد الحريات والحقوق العامة.
أوضح أبو سعدة أن المنظمة بدأت بالفعل حملة ضد قانون الطوارئ وذلك لتأثيراته السلبية على الحقوق والحريات، حيث إنه يقيد مجمل الحقوق والحريات الخاصة الواردة في الدستور المصري ويضع هذه الحقوق والحريات “على الرف”.
ودلل على ذلك بضعف وهزال المظاهرات التي خرجت في مصر للاعتراض على الحرب في حين أنها في مختلف بلاد العالم شهدت حشودا ضخمة من المواطنين.
وأكد أن البنية التشريعية والقانونية في مصر هى السبب في تراجع المشاركة للمواطنين إلى جانب التأثيرات على عمل الأحزاب وحرية الصحافة، وقال إن اللجنة تركز على القوانين المقيدة للحريات العامة في مصر وتعمل على تطوير التشريعات والقوانين الموجودة، لكي تكون متسقة مع الدستور والمواثيق الدولية التي وقعت عليها مصر.
وتحدث حسين عبد الرازق الأمين العام المساعد لحزب التجمع وأحد القيادات الرئيسية باللجنة فأشار بداية إلى أن لجنة الدفاع عن الديمقراطية ليست هى الأولى التي تتشكل لهذا الغرض وذكر أن أولى المحاولات في هذا الشأن نشأت بعد توقيع السادات لاتفاقية كامب ديفيد بإنشاء ما سمى “بلجنة المائة” وأنه منذ ذلك الوقت جرت نحو سبع محاولات لإنشاء لجان مماثلة من بينها لجنة التنسيق بين الأحزاب والنقابات المهنية والمؤتمر الوطني من أجل الديمقراطية ولجنة الإصلاح السياسي والدستوري.
واعتبر عبد الرازق أن اللجنة الحالية تتميز بأنها لأول مرة تجمع بين الأحزاب ومنظمات حقوق الإنسان بعد مرور العمل بينها بفجوة لتصور البعض بأن هذه المنظمات نشأت في مواجهة الأحزاب، خاصة أنه كان من مؤسسي هذه المنظمات شخصيات كانت في مواقع مختلفة بأحزاب المعارضة، مما خلق علاقة غير صحية بين الجانبين.
وأرجع عبد الرازق غياب جماعة الإخوان وحزب العمل عن عضوية اللجنة إلى عدم مشاركتهم في أول اجتماع ظهر فيه اقتراح تشكيل اللجنة، وكان يهدف إلغاء قانون الجمعيات رقم 32 لسنة 1964 إلى جانب أن نواب الإخوان في البرلمان أعلنوا موافقتهم على القانون؛ مشيرا إلى أن رؤساء أحزاب الوفد والتجمع والناصري اتفقوا على تأجيل موضوع مشاركة الإخوان في اللجنة لبعض الوقت نتيجة لحساسيات وتجارب سابقة أدت إلى توقف لجنة التنسيق والقوى السياسية وأزمة رواية “وليمة لأعشاب البحر” التي فجرها حزب العمل.
وأشار إلى أن اللجنة تواجه في عملها عددا من التحديات الخاصة بالممارسة الحكومة والتشريعات المقيدة للحريات إلى جانب غياب التقاليد الديمقراطية داخل الأحزاب والنخبة الثقافية والسياسية وتفاوت الاعتماد على الديمقراطية داخل الأحزاب والتنظيمات السياسية والثقافية.
واعتبر أن اللجنة أعلنت عن وجودها منذ إنشائها بشكل لا بأس به مدللا على ذلك بأنها قادت حملة ضد المد لقانون الطوارئ وجمعها توقيعات على ذلك لتقديمها إلى مجلس الشعب، إلى جانب إعداد دراسة عن قانون الأحزاب وقانون مباشرة الحقوق السياسية والانتخابات، وقال إنه على القوى الديمقراطية خارج اللجنة أن تحتضنها وألا يثير انتباهها فقط كل ما يمكن أن يقلل من عملها منتقدا في ذلك موقف بعض الصحف الحزبية والصحف الخاصة من اللجنة.
من جانبه أكد فاروق العشري أمين التثقيف بالحزب الناصري وممثل الحزب داخل اللجنة أن اللجنة لم تبدأ عملها من فراغ وإنما استأنفت جهود نضال متعاقب شاركت فيه أحزاب ومنظمات أهلية في مراحل مختلفة من التاريخ المصري.
لكن العشري اعتبر أن هناك سلبية في تشكيل اللجنة تتمثل في أنها لا تضم كافة الأحزاب والقوى السياسية، مشيرا في ذلك إلى استبعاد جماعة الإخوان المسلمين وحزب العمل من عضويتها، ودعا العشري اللجنة إلى معالجة هذه السلبية في أقرب وقت ممكن وعدم استبعاد الآخرين تحت أي مبرر، وقال إنه يتعين توجيه خطاب لكافة الأحزاب والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني لتحديد موقفها من الانضمام لعضوية اللجنة.
قال العشري إن المهمة كبيرة جدا ولن تستطيع خمسة أحزاب وخمس منظمات القيام بها وحدها مبديا أسفه في نفس الوقت لعدم تأييد بعض الأحزاب للجنة.
وحول ما يثار عن إنشاء اللجنة في وقت إعلان وزير الخارجية الأمريكي كولن باور لمبادرة الشراكة والديمقراطية في الشرق الأوسط أوضح العشري أن لجنة الدفاع عن الديمقراطية بدأت عملها قبل صدور هذه المبادرة وأنها فوجئت بالمبادرة وأصدرت بيانا يستنكرها ويطالب الحكومة ومنظمات العمل الأهلي بعدم تبنيها.
أما الدكتورة عايدة سيف الدولة مدير مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي فقد لامت على اللجنة استبعادها المنظمات غير الحكومية التي ساهمت في موضوع مواجهة قانون الجمعيات الأهلية وقالت إنه كان من البديهي عدم دعوة القوى التي دافعت عن القانون في إشارة واضحة لجماعة الإخوان المسلمين.. وقالت إن هذه اللجنة لم تدعي أنها الوحيدة للدفاع عن الديمقراطية مطالبة المعترضين على أهداف وعمل اللجنة بتشكيل لجان خاصة بهم وبالأهداف التي يرون ضرورة العمل لتحقيقيها.
ولم تعارض الدكتورة عايدة فتح باب العضوية في اللجنة، لكنها دعت القوى السياسية للانضمام بالموافقة أولا على ميثاق عمل اللجنة.
انتقدت سيف الدولة ما وصفته بأخذ القرارات بالتوافق داخل اللجنة والخوف من انسحاب أحد أعضائها إذا لم يتم الأخذ برأيه، ووصفت مبادرة باول بالوقاحة، باعتبار أن ما تقوم به الإدارة الأمريكية من ممارسات تجري في الاتجاه المعاكس للديمقراطية.
وعبر بهي الدين حسن عن خشيته من تحول مبادرة باول إلى شاغل رئيسي للجنة في ضوء ما صدر عنها من بيانات مؤكدا على اتفاقه الكامل مع إدانة المبادرة وقال إن اللجنة يجب أن تركز أكثر على ما يجب عمله في الداخل وعلى المهمة الضخمة التي تحملها وهى الإصلاح السياسي.
وشهدت مداخلات الحاضرين بالندوة استمراراً للخلاف والتحفظات على اللجنة حيث وصف الدكتور مجدي قرقر الأمين المساعد لحزب العمل بداية اللجنة بأنها بداية غير ديمقراطية مرجعا ذلك إلى استبعاد جماعة الإخوان وحزب العمل من عضويتها معتبرا أن ذلك يحمل مبدأ الإقصاء والاستبعاد، وقال إنه كانت بالفعل هناك تجارب سابقة حدثت فيها خلافات، لكن كان يمكن –والكلام لقرقر- البناء على هذه التجارب وليس إهدار العمل فيها.
أضاف أنه ربما كان الإخوان قد أخطأوا في التصويت لصالح قانون الجمعيات الأهلية، لكن هذا لا يعني –في رأيه- استبعادهم حيث يمثلون فصيلا كبيرا من المنظومة الوطنية والسياسية في المجتمع المصري.
وتحدث حازم منير الصحفي بجريدة الحياة اللندنية عن مفارقات تحيط بعمل اللجنة ذكر منها محدودية مشاركة الوفد وهو الحزب الليبرالي في اللجنة، وما وصفه بالاستسهال في ذكر تأثير مبادرة باول على عمل اللجنة، وعدم الإعلان عن وجود تباين داخلها في الموقف من المبادرة.
وتساءل كيف يمكن أن تضم اللجنة القوى الإسلامية وهى في جوهر مواقفها وممارساتها غير مؤمنة بالديمقراطية رغم رفعها لشعاراتها.
وكان نجاد البرعي المحامي والمدير السابق لجماعة تنمية الديمقراطية الأكثر حدة في انتقاد اللجنة، حيث بدأ بتشبيهها باجتماعات وزراء الخارجية العرب وقال إن وجه الشبه بين الاثنين أنهما يضعان على عاتقهما أهدافا ضخمة دون توافر الإمكانيات لتحقيقها. واعتبر البرعي أن لجة الدفاع عن الديمقراطية خرجت من رحم لجنة فاشلة هى لجنة الإصلاح السياسي والدستوري معتبرا أن اللجنة تفرغت لمهاجمة الحكومة الأمريكية بعد إعلانها مبادرة الديمقراطية، مشيرا إلى أن اللجنة أصدرت بيانا شديد اللهجة يرفض مقابلة مبعوث الحكومة الأمريكية في حين أن هذا المبعوث لم يطلب لقاء أحد من أعضائها.
ودعا البرعي منظمات حقوق الإنسان المشاركة في اللجنة إلى إعادة النظر في تواجدها باللجنة معتبرا أن المواقف السياسية تقود عمل هذه اللجنة.
في حين أكد فاروق العشري أن اللجنة تحتاج بالفعل إلى جدولة أولوياتها في حدود الإمكانات المتاحة لها، لكنه ناشد الجميع الانضمام للجنة.
أما حسين عبد الرازق فقد نفى تفرغ اللجنة للرد على مبادرة باول، وقال إن اللجنة أصدرت بيانا وحيدا حول المبادرة وبيانا لرفض مقابلة مبعوث الإدارة الأمريكية لمناقشة المبادرة دعت فيه الأحزاب والمنظمات الأهلية لعدم مقابلته.
وأكد أن العمل داخل اللجنة هو عمل جماعي لا تسعى فيه قوة للسيطرة على القوى الأخرى، وقال إنه لا يوجد استبعاد لآراء الآخرين داخل اللجنة، مشيرا إلى الترابط بين قضايا الحريات.

Share this Post