ليبيا: بعد الإبلاغ عن أول حالة وفاة جراء وباء كوفيد 19، التقاعس عن الإفراج عن المحتجزين بمثابة حكم بالقتل الجماعي

In البرنامج الدولي لحماية حقوق الإنسان, دول عربية by CIHRS

تحديث[1] في 21/04/20

مع أول حالة وفاة جراء الإصابة بفيروس كوفيد-19 تم الإبلاغ عنها في ليبيا خلال الشهر الجاري تجدد منظمات ائتلاف المنصة الليبية[2]  مطلبها بضرورة وضح حد للتكدس المفرط في أماكن الاحتجاز الليبية للحد من انتشار الفيروس بين السجناء، وفي البلاد ككل.

فبعد تسع سنوات من غياب المؤسسات الحكومية المركزية الفعالة، وبعد صراع عنيف في معظم بقاع البلاد لا سيما المتكدسة بالسكان المدنيين خلال العام المنصرم، من المرجح أن يكون لتفشي الفيروس تأثير مدمر في ليبيا، وخاصة بالنسبة لأولئك الذين يعيشون في ظروف محفوفة بالمخاطر مقيدة حريتهم في التنقل، مثل اللاجئين والمهاجرين في مرافق الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية، والنازحين داخليًا، والمساجين، والمحتجزين تعسفيًا بمعزل عن الإجراءات القانونية الواجبة.

الأوضاع في السجون الليبية تعاني من تردي مجحف، حيث يحتجز أكثر من 8,000 ليبيًا وأجنبيًا  لأسباب واهية أو دون أسس قانونية، على خلفية ممارسة حقوقهم المشروعة في التعبير عن رأي مخالف أو بسبب عملهم في المجتمع السياسي أو المدني أو الإعلامي أو القانوني، يعانون من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، بالإضافة إلى التكدس وسوء الصرف الصحي وغياب الرعاية الطبية. الأمر نفسه ينسحب على أكثر من 3,000 لاجئًا ومهاجرًا  في أماكن الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية، حيث الحرمان من المياه النظيفة ومرافق الصرف الصحي.

إن إبقاء هؤلاء الأشخاص رهن الاعتقال غير الضروري في ظل هذه الظروف المروعة وانتشار الوباء قد يعد بمثابة حكم بالقتل الجماعي للمحتجزين، فضلاً عن كونه يهدد الصحة العامة في جميع أنحاء ليبيا وخارجها. ومن ثم فالسلطات الليبية ملزمة بحماية حق هؤلاء المحتجزين في الحياة، وحق الليبيين كافة في الصحة والوقاية، دون استثناء أو تمييز. وعلى المجتمع الدولي أن يطالبها بسرعة الإفراج عن هؤلاء المحتجزين في السجون الليبية فورًا وبدون تأخير.

فبعد مرور عام على التصعيد الأخير للقتال، يواجه المدنيون في ليبيا تهديدًا جديدًا لحياتهم وصحتهم. فرغم الضغوط التي يفرضها تفشي هذا الوباء على كل دول العالم، لا يمكن للمجتمع الدولي أن يغض الطرف عن أثره المضاعف في البلدان التي تشهد صراعات محتدمة مثل ليبيا. فضلاً عن أن تفشي الوباء في ليبيا قد يهدد بدوره بمزيد من الخسائر والضحايا في شمال أفريقيا وجنوب أوروبا، ما يقوض الجهود العالمية لمواجهة الأزمة.

وفيما تثني منظمات المنصة على توصيات المجلس الأعلى للقضاء بالإفراج عن بعض المحتجزين في ليبيا، وقرارات النيابة العامة بالإفراج عن 1300 محتجزًا في المنطقة الغربية  وكذلك الإفراج عن 350 سجيناً على الأقل في الشرق[3] تجدد المنظمات دعوتها باتخاذ التدابير اللازمة للإفراج عن جميع المحتجزين في كل المدن الليبية لمنع التكدس والحد من خطر تفشي فيروس كوفيد 19، والحيلولة دون عواقب انتشاره الوخيمة بين صفوف المحتجزين والعاملين بمرافق الاحتجاز على حد سواء. كما تحث منظمات المنصة السلطات الليبية على اتباع الإجراءات الوقائية في جميع مرافق الاحتجاز  والتي طرحتها بعض المؤسسات الدولية  وبإمكانها التقليل من أثار الوباء والحد من انتشاره وتقليل الخسائر في الأرواح.

وعليه، تطالب منظمات ائتلاف المنصة وزارتي الداخلية والدفاع وجميع الأطراف المعنية بوقف أي احتجاز جديد للمهاجرين أو اللاجئين، كما تطالب مجلس القضاء الأعلى وممثلو القضاء في الشرق والغرب بسرعة تفعيل كل القرارات والإجراءات اللازمة للإفراج عن عدد كبير من السجناء والمحتجزين الليبيين والأجانب، وذلك بالتعاون مع قوات الأمن التي تدير مرافق الاحتجاز، لا سيما:

  • المحتجزين القصّر، المحتجزين المسنين ممن تزيد أعمارهم عن 50 سنة، والمحتجزين المصابين بأمراض مزمنة وخاصة أمراض الجهاز المناعي أو الجهاز التنفسي، والمحتجزين أصحاب القدرات الخاصة، وكذلك المحتجزات الحوامل النساء،
  • المحتجزين على خلفية جرائم منخفضة الخطورة، والمحتجزين الذين قضوا معظم فترة العقوبة.
  • جميع سجناء الرأي والنشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان والمحتجزين على خلفية تعبيرهم الحر عن الرأي بشكل سلمي، والمحتجزين بدون تهمة أو سند قانوني كافٍ، أو المحتجزين بسبب جرائم غير معترف بها بموجب القانون الدولي، دون استثناء مطلق للأشخاص المسجونين بتهمة ارتكاب جرائم إرهابية. إذ ان التعريف الواسع وغير المنضبط لهذه الجرائم في القانون قد تسبب في احتجاز الكثيرين دون ثبوت ارتكابهم فعليًا لأي جرائم عنف؛ [4]

أما بالنسبة للمحتجزين الذين لا يمكن الإفراج عنهم، تحث المنصة وزارة الداخلية ووزارة العدل ووزارة الدفاع وجميع الجهات ذات الصلة على ضمان تنفيذ الإجراءات اللازمة التي توصي بها المؤسسات الدولية لحمايتهم، بما في ذلك منع التكدس وتوفير المياه النظيفة وأماكن الصرف الصحي النظيفة والرعاية الصحية الكافية. كما يجب على وزارة الداخلية ووزارة العدل ووزارة الدفاع ضمان توفير المعلومات الكافية لأسر المحتجزين حول حالة ذويهم الصحية في أماكن الاحتجاز، والسماح لهم بالتواصل بانتظام معهم عبر الهاتف. كما يفترض أن تسمح سلطات السجون لعائلات المحتجزين بإمدادهم بالطعام النظيف والملابس المناسبة والأدوية ومستلزمات النظافة، بعدما تتأكد سلطات الاحتجاز من سلامتها قبل توصيلها للمحتجزين.

وبالمثل يتعين على كافة المجموعات المسلحة التي تحتجز ليبيين أو أجانب في مرافق احتجاز غير رسمية، الكشف الفوري عن أسماءهم وأماكن احتجازهم، والسماح بتقديم الرعاية الطبية لهم. وتحث منظمات المنصة النائب العام على اتخاذ جميع الخطوات اللازمة للتحقيق في حالات الاختفاء القسري، والكشف عن أماكن المختفين وضمان إطلاق سراحهم.

كما تعتبر منظمات ائتلاف المنصة أن ثمة ضرورة ملحة في اللحظة الراهنة لتلبية مطلبها بشأن السماح لمنظمات المجتمع المدني الليبي والهلال الأحمر الليبي بزيارة أماكن الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية، والمساعدة في توفير احتياجاتها من مستلزمات النظافة الأساسية والإمدادات الطبية الضرورية وتقديم المساعدة الطبية للحالات الحرجة.


[1] تم تحديث هذا البيان يوم 20 ابريل 2020 لمراعاة معلومات جديدة حول إطلاق سراح المعتقلين.

[2]  تأسس ائتلاف المنصة عام 2016 بمبادرة من مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان. وترتكز رؤية الائتلاف على خلق فضاء للالتقاء والتحاور والتنسيق من أجل تطوير ورفع كفاءة المجتمع المدني الليبي وتمكينه من القيام بدور فعال في تعزيز الحريات العامة وحقوق الإنسان ووضع استراتيجية متكاملة للتغيير والتأثير على مختلف الأصعدة. وحاليًا يضم الائتلاف 11 منظمة ليبية حقوقية.

[3]حسب مصادر غير رسمية.

[4] للمزيد، راجع بيان منظمة هيومن رايتس ووتش، “ليبيا: تعديل قانون مكافحة الإرهاب”، (13 مايو 2015). يمكن الوصول إليه هنا.

“لا يجب استبعاد الأشخاص المحبوسين في جرائم الإرهاب بشكل منهجي من الإفراج المحتمل، لأن القانون الحالي لمكافحة الإرهاب [3/2014] يحتوي على أحكام غامضة تُستخدم لاعتقال أي فرد لممارسته حقوقه في حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات، أو لقيامه بأي جناية عادية أو حتى جنحة. يستخدم قانون مكافحة الإرهاب تعريفًا واسعًا للغاية للعمل الإرهابي، فهو يتضمن الإضرار بالبيئة وحظر أو عرقلة عمل السلطات العامة أو الإدارات الحكومية أو الوحدات البلدية. وهذا يسمح باتهام الأشخاص الذين يتظاهرون أمام المرافق الحكومية أو تنظيم إضراب بالإرهاب، ما يشكل تهديدًا مباشرًا لحرية التعبير والتجمع السلمي. وتنص المادة 15 على عقوبة بالسجن من خمس إلى عشر سنوات “لكل من يقوم بالدعوة أو الدعاية أو الخداع لارتكاب عمل إرهابي، سواء بالقول أو الكتابة أو أي وسيلة أخرى للبث أو النشر أو الرسائل أو التفاعل عبر الإنترنت.”

علاوة على ذلك، منذ اعتماد القانون [4/2017] بشأن تعديل بعض أحكام قانون العقوبات العسكرية والقانون العسكري للإجراءات الجنائية من قبل مجلس النواب، تتم محاكمة جرائم الإرهاب بموجب ولاية المحكمة العسكرية التي لا تضمن حقوق الدفاع الكافية أو الإجراءات الواجبة، لا سيما في حالة الحرب وحالة الطوارئ. للمزيد: راجع تقرير اللجنة الدولية للحقوقيين، “المساءلة عن الجرائم الخطيرة بموجب القانون الدولي في ليبيا: تقييم لنظام العدالة الجنائية”، ص 91، (ديسمبر 2019). يمكن الوصول إليه هنا.

Share this Post