مركز القاهرة في مداخلة أمام اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان:
على دول شمال أفريقيا تبني إطارًا قانونيًا لضمان حق مواطنيها في الحصول على المعلومات

In اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب by CIHRS

اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب – الدورة  546565

بانجول – 27أكتوبر 2013

مداخلة شفهية مقدمة من مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان

البند 10: حرية التعبير والحصول على المعلومات

ألقاها: كريستوفر روبيرتس

 

يعرب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان عن تقديره للعمل المثالي الذي أنجزته اللجنة الأفريقية في اعتماد قانون نموذجي بشأن الحصول على المعلومات. وبناءً على هذه المبادرة، قد أجرى مركز القاهرة دراسة استقصائية لتحديد مدى امتثال تشريعات دول الشمال الأفريقي لهذا القانون النموذجي، ولكن للأسف كانت النتيجة تشير إلى أن تونس، فقط، تمتلك إطارًا قانونيًا يحكم عملية الحصول على المعلومات، استنادًا إلى المرسوم رقم 41 الصادر في 26 مايو 2011.

يجب على الدول التي لا يتوافر فيها أساسًا قانونيًا للحق في الحصول على المعلومات أن تسن القوانين اللازمة لإعمال هذا الحق، على أن تمتثل تلك القوانين للمعايير الدولية لحقوق الإنسان. واستنادًا لتقييم مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان للقوانين المتعلقة بالحصول على المعلومات في شمال أفريقيا والمنطقة العربية بأسرها، فإنه يود أن يشدد على الأهمية الخاصة للعناصر التالية في القوانين الخاصة بالحصول على المعلومات:

أولًا: لا ينبغي للقانون أن يحدد مَن الذي من حقه تقديم طلبات للحصول على معلومات، و يجب أن يحدد “المعلومات” بأوسع العبارات الممكنة. وبالمثل، يجب أن تبدي القوانين أنها تشمل جميع السلطات الحكومية والهيئات الأخرى المرتبطة بالحكومة، ويجب أن تشترط، صراحةً، تفسيرًا يحبذ الكشف عن المعلومات، وذلك من أجل مقاومة النزعة نحو تفسير قوانين الحصول على المعلومات عل نحو ضيق ومقيِّد. ولكن للأسف، صادفنا قوانين خاصة بالحصول على المعلومات تضع –إما عن طريق القصد أو التقصير– تعريفًا ضيقًا للمعلومات، مما يحد بشدة من فعالية القوانين. وفي حين أن المرسوم التونسي يتسم بالإيجابية فيما يخص الأشخاص الذين يمكنهم تقديم طلبات، يمكن إدخال تحسينات عليه من خلال توسيع وتوضيح نطاق المعلومات والهيئات التي يشملها القانون.

ثانيًا: لكي يكون قانون الحصول على المعلومات فعالًا، يجب أن يجعل عملية طلب المعلومات بسيطة وسهلة المنال. وفي هذا الصدد، يتسم القانون التونسي بالإيجابية حيث أنه ينص على نموذج مبسط لطلب المعلومات؛ بل وينبغي تعزيزه أكثر من خلال قبول أي شكل من أشكال الطلبات، بما فيها الطلبات الشفوية. ولا ينبغي أن يُطلب إبداء أي أسباب لتقديم طلبات الحصول على معلومات، على العكس من أحكام القوانين الأخرى التي شملتها دراستنا. وينبغي للدول أيضًا أن تحذو حذو المثال الإيجابي المنصوص عليه في المادة 9 من المرسوم التونسي، والتي تطلب من السلطات الحكومية مساعدة مقدمي الطلبات بالمعلومات حيثما كان ذلك مناسبًا. وينبغي للقانون أن ينص بالتفصيل على الخطوات التي يجب على السلطات اتخاذها للاستجابة لطلبات الحصول على المعلومات؛ وهنا أيضًا يبرز المثال التونسي بشكل إيجابي عمومًا، حيث يشترط من جملة أمور أخرى سرعة تلقي الردود على الطلبات.

ثالثًا: يجوز للسلطات –في حالات معينة– أن ترفض الاستجابة للطلبات. والمرسوم التونسي إيجابي للغاية في هذا الصدد أيضًا، حيث اشترط وجود مبرر للرفض، وسمح بالطعون الإدارية وكذلك الطعن أمام المحاكم في نهاية المطاف. وفي حين أن هذا الإجراء محبذ، إلا أن نتائج الدراسة الاستقصائية التي قمنا بها للقوانين أظهرت أن الأسباب التي يمكن للبلدان رفض تقديم المعلومات بموجبها غالبًا ما تُحدد على نطاق واسع للغاية، وتونس ليست مستثناة، حيث تسمح بعدم الكشف عن المعلومات إذا ما كانت تتعلق “بالاستراتيجية السياسية للحكومة”، فضلًا عن حماية “الأسرار” وفئة تُعرّف بأنها “معلومات محمية بموجب تشريعات أخرى”. ولكننا شهدنا استثناءات نصت عليها قوانين أخرى شملتها الدراسة استنادًا إلى أن “سرية” التشريعات، وإلى حماية المعلومات الخاصة بالدفاع الوطني والأمن، أو لأسباب تتعلق بالسياسة الخارجية، مع وجود قيود قليلة على نطاق هذه الأسانيد. عمليًا يؤدي النص على قيود استنادًا إلى هذه الأسباب إلى حجب قدر أكبر بكثير من المعلومات عن الحد المقبول، ونحن نشجع كافة الدول على أخذ المعايير الدولية في عين الاعتبار، لا سيما العمل الذي قامت به اللجنة الأفريقية، من أجل وضع معايير أفضل في هذا الصدد.

رابعًا: لكي يكون قانون الحصول على المعلومات فعالًا، يجب أن ينص على الهياكل الإدارية المناسبة. والمرسوم التونسي لا ينص سوى على القليل في هذا الصدد، ونحن نشجع السلطات التونسية على النظر في تلك المسألة التي تستوجب تعيين موظفين متخصصين في مجال المعلومات، فضلًا عن إنشاء هيئة مستقلة يُناط بها مهمة تعزيز الحصول على المعلومات. وينبغي أن يُعهد إلى تلك الهيئة، من بين السلطات والمهام الأخرى الموكلة إليها، بتلقي الطعون على قرارات حجب المعلومات قبل التقدم بالطعون إلى المحكمة، وإجراء عمليات تفتيش عندما يُشتبه في سلوك غير لائق يتعلق بعملية الوصول إلى المعلومات، وإصدار عقوبات نقدية في حالات إخلال الحكومة بواجباتها بموجب قانون الحصول على المعلومات حيثما كان ذلك مناسبًا، وإخطار البرلمان وعموم الجماهير بشكل منتظم بالأمور التي تخص التنفيذ الفعال للحق في الحصول على المعلومات.

خامسًا: ينبغي لقانون الحصول على المعلومات أن ينص على الكشف الاستباقي عن فئات واسعة من المعلومات، بشكل مفهوم وعلى نحو يسهل الوصول إليه. و ينص المرسوم التونسي على هذا الكشف أو الإفصاح، ولكن ينبغي تعديله بحيث يوفر قدرًا أكبر من الوضوح فيما يتعلق بفئات المعلومات التي يجب الكشف عنها، والطريقة التي ينبغي الكشف بها عن المعلومات؛ وذلك لضمان تنفيذه بالكامل.

سادسًا: ينبغي فرض عقوبات على من يقيدون الحصول على المعلومات. فبينما تشترط المادة 20 من المرسوم التونسي اتخاذ إجراءات إدارية، ينبغي تعزيز هذه الخطوة عن طريق إدراج عقوبات جنائية على الإخفاء المتعمد للمعلومات أو إفسادها، أو تقديم معلومات مضللة، أو محاولات تخويف طالبي المعلومات. وينبغي أن ينص القانون في الوقت نفسه على عدم المعاقبة على الإفصاح عن المعلومات بالمخالفة لقانون الحصول على المعلومات في الحالات التي يتصرف فيها من يبوح بالمعلومات بنية حسنة، وأن تشمل العقوبة المحددة المضايقات ورفع الدعاوى القضائية وما شابه ذلك، حيثما يكون الدافع فيها هو الإفصاح عن المعلومات. ولكن هذا المبدأ يُنتهك للأسف في القوانين التي شملتها دراستنا الاستقصائية بنية واضحة وهي الإبقاء على السيطرة التقديرية للحكومة على السماح للجمهور بالوصول للمعلومات من عدمه.

وأخيرًا ينبغي استكمال القوانين المتعلقة بالحصول على المعلومات بالنص على حماية المبلغين عن المخالفات. فنُظُم الحصول على المعلومات نادرًا ما تكون مثالية؛ ومن ثم يُعزَّز إعمال الحقوق في هذا المجال من خلال توفير إطار قانوني قوي يتمكن بموجبه الأفراد الذين يشهدون مخالفات من تبادل المعلومات بشأنها دون إيقاع عقوبة عليهم أو الانتقام منهم. ويجب على الدول أن تمتثل –وبشكل حاسم وبات– للمبادئ العالمية بشأن الأمن القومي والحق في الحصول على المعلومات في هذا الصدد، من خلال حماية الكشف عن المعلومات للصالح العام، وإقرار القدرة المُعززة على عرض المعلومات علنًا حيثما كانت آليات رفع التقارير والإبلاغ الداخلية غير كافية أو غير ملائمة. كما ينبغي أيضًا اعتبار الإجراءات العقابية المفرطة ضد المبلغين عن المخالفات – بما فيها توجيه تهم التجسس أو إثارة الفتنة إليهم – انتهاكًا لحقوق الإنسان، وبحق المبلغين عن المخالفات الذين يعانون من مثل هذا الانتهاك لحقوقهم في الحصول على سبل انتصاف مناسبة.

وختامًا، نود أن نؤكد مجددًا أنه على الرغم من توصياتنا بإجراء بعض التعديلات على النظام القانوني التونسي، إلا أن تونس هي البلد الوحيد في شمال أفريقيا الذي يمتلك إطار قانوني للحصول على المعلومات، والمرسوم التونسي يحتوي على العديد من العناصر الإيجابية، على النقيض من بعض القوانين الأخرى التي شملتها الدراسة التي قمنا بها، والتي بدا أنها تهدف في المقام الأول إلى تعزيز صورة الدولة دون إحداث تغيير جوهري. وعلى هذا النحو، ينبغي أن يُحتذى بالنموذج التونسي، ويمكن لتونس أن تعزز دورها كمثال على الممارسة الجيدة في هذا المجال، لاسيما من خلال إجراء التعديلات الموصى بها. والواقع أن الحكومة التونسية تقوم حاليًا بعملية استعراض ومراجعة للمرسوم بقصد تمرير قانون يستند إلى الإطار المعمول به حاليًا ويُدخل تحسينات عليه؛ ونحن نؤيد هذا الجهد، ونحث الحكومة التونسية على إدراج الاقتراحات المذكورة أعلاه في قانونها الجديد. ونحن نحث الدول الأخرى في شمال أفريقيا وفي القارة الأفريقية بشكل عام على ملاحظة هذا المثال الإيجابي، جنباً إلى جنب مع القانون النموذجي الذي اعتمدته اللجنة الأفريقية، وعلى سن تشريعات فعالة للحصول على المعلومات في بلادها كذلك.

وتجدر الإشارة إلى أن مركز القاهرة لفت الانتباه سابقاً إلى التحديات المتعلقة بحرية الرأي و التعبير في شمال أفريقيا، بما في ذلك القيود غير المشروعة المفروضة على الخطاب الذي يتحدى من هم في السلطة أو الأعراف الاجتماعية والدينية السائدة. وتُعَد القدرة على إبداء الرأي بحرية عنصرًا واحدًا فقط من العناصر المكونة للحق في حرية التعبير، ولكن من أجل الممارسة الكاملة للحق في حرية الرأي والتعبير، يجب أن يكون الأفراد قادرين على التماس المعلومات وتلقيها، لاسيما من حكوماتهم وفيما يخصها، وذلك من أجل تكوين وجهات نظرهم الخاصة على نحو مستقل ومستنير. وبينما يناضل مواطنو شمال أفريقيا على وجه الخصوص لتحديد مستقبل ديمقراطي لبلادهم، تكتسب إمكانية الحصول على المعلومات أهمية أساسية، لأن المواطنين المستنيرين فقط هم الذين يمكنهم المشاركة بنشاط وفعالية في الحياة السياسية لبلادهم، والتحقق من الانتهاكات التي يرتكبها من يملكون مقاليد السلطة، ومكافحة الفساد، واتخاذ إجراءات هادفة لتحسين الرفاهية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للمجتمع ككل.

Share this Post