مستخدمو الجيل الثاني للإنترنت والإصلاح السياسي

In مواقف وبيانات by CIHRS

بنجاح غير مسبوق، تمكن مستخدمو الجيل الثاني من الإنترنت خصوصا مواقع الفيس بوك والمدونات واليوتيوب من المشاركة في صنع لحظة دالة في مسيرة الإصلاح السياسي في مصر وهي إضراب 6 أبريل
الماضي. وبغض النظر عن مؤشرات نجاح أو فشل هذا الإضراب وطبيعة الإستعدادات الحكومية المكثفة لوأده منذ بداية الإعلان عنه، فإن النتائج المباشرة لإستخدام الإنترنت في الدعوة للتحرك السياسي قضايا ذات طابع سياسي كانت مذهلة. فقد جرى تسليط الضوء على دور الوسائط التفاعلية غير التقليدية في إمكانية إحداث التغيير السياسي في البلاد، فضلا عن أن سير الإضراب وطبيعة إستجابة الحكومة المصرية بلورا حقيقة فشل النظام في إنتاج أشكال جديدة من السيطرة والضبط السياسي تختلف عن الممارسات التقليدية الرامية لتحجيم دوائر حركة الفاعلين السياسيين عن طريق إستخدام الجهاز الأمني. وأخيرا بات واضحا أن هناك دورا أكبر يلعبه مستخدمو الإنترنت عموما والمدونون خصوصا في عملية الإصلاح السياسي في البلاد.
دفع دور هذه الفئات المتصاعد جهاز الدولة (مثلا في الأجهزة الأمنية والإعلامية الرسمية) إلى محاولة تحجيمهم عبر عدد من آليات التضييق الحكومي. فمثلا جرى إعتقال بعض المدونين (حالة المدون عبد المنعم محمود، محرر مدونة أنا إخوان)، وفى الإضراب الأخير جرى إعتقال الناشطة إسراء عبد الفتاح التي صممت صفحة على موقع “الفيس بوك” تدعو إلى الإنضمام لإضراب 6 أبريل. وتعرض المدون وائل عباس (محرر مدونة الوعي المصري) لسيل من الإتهامات والتشهير في أجهزة الإعلام الرسمية بسبب نجاحاته البارزة في رصد إنتهاكات الشرطة المصرية داخل مقار الإحتجاز. وصولا إلى الحكم بالسجن لمدة أربعة سنوات على المدون كريم عامر بسبب إنتقاداته التي أطلقها في مدونته للرئيس حسنى مبارك وللتشدد الديني والمجتمعي في البلاد.
وبقراءة سريعة لخبرة السنوات القليلة الماضية يمكن رصد أربع مساحات أساسية للدور الذي لعبه المدونين ومستخدمي الإنترنت في قضية الإصلاح السياسي في مصر.
في المساحة الأولى، يمكن القول إن مستخدمي الإنترنيت لعبوا دورا على صعيد إبداء الآراء المناوئة لنظام الرئيس مبارك. فمثلا لم يكتف المدونون بنقد شكل صياغة المادة 76 من الدستور، والتي تنظم عملية الترشيح للإنتخابات الرئاسية، وإنما قاموا بالتحرك لرصد التجاوزات الصارخة التي شابت الاستفتاء على هذه المادة في مايو 2005.
وتجلى مظهر المعارضة السياسية أيضا في تسليط الضوء على جريمة التحرش الجنسي ضد الصحفيات المعارضات لشكل التعديل الدستوري هذا، وإتهام المدونين للنظام الحاكم الذي آثر إستخدام آلية العنف (أو البلطجة) للقضاء على أي شكل من أشكال المعارضة السياسية. وهناك بالطبع الموقف التضامني الذي أبداه المدونون مع حركة القضاة الإصلاحيين الذين كانوا هدفا لهجوم منظم من قبل الدوائر المقربة من النظام.
ووجدت مجلة الإيكومونيست البريطانية في أبريل 2007 أن هذه المواقف كافية لوصف المدونين ليس بأنهم أحد مساحات المعارضة السياسية في مصر فحسب، بل ربما جماعة المعارضة الرئيسية فيها. وهو ما تجلى واضحا في 6 أبريل الماضي عندما نجح مستخدمو الإنترنت غير المنضوين تحت لواء يافطات حزبية (بما فيها الإخوان المسلمين) في الدعوة لإضراب عام في البلاد إحتجاجا على الآثار السلبية لإرتفاع أسعار السلع الغذائية وعجز الحكومة عن وضع حد لهذا الإرتفاع.
وفى مساحة ثانية لعب المدونون دورا مهما في الكشف عن مظاهر الخلل في بعض الأجهزة المفصلية في النظام السياسي مثل الأجهزة الأمنية، وطبيعة علاقتها غير الحيادية بالنظام الحاكم. فكان من نتائج شيوع تقنية تحميل الفيديوهات القصيرة من على أجهزة المحمول أن تمكن المدونون من الكشف عن حالات التعذيب في عدد من أماكن الإحتجاز. وهى الحالات التي أضحت لاحقا قضايا ماثلة أمام القضاء. هذا السياق—أي القيام بدور دفاعي ضد التعذيب—هو الذي مد جسور التواصل ما بين المدونين والجماعات الحقوقية في الداخل، فقامت بعض المدونات مثلا بتبني منهجية رصد خريطة بأماكن الإحتجاز التي يشيع فيها الإنتهاك البدني للمحتجزين، الأمر الذي وفر لقوى المعارضة المختلفة فرصة ذهبية لتوجيه سهام النقد للنظام الحاكم لإستخدامه التعذيب ليس كوسيلة لقمع الأصوات السياسية المناوئة فحسب، بل لإستخدامه أيضا كأداة لإحكام قبضته على الحراك السياسي والإجتماعي في البلاد. يضاف إلى هذا دور المدونات في المتابعة اللصيقة للتظاهرات السلمية بما فيها تصرفات الأجهزة الأمنية حيال المتظاهرين، سواء بإستراتيجية الشرطة القمعية في أحيان كثيرة لفض التظاهرات بالقوة أو إعتقالها المشاركين فيها.
تتعلق المساحة الثالثة بقضية شديدة الحساسية سياسيا وهي أوضاع الأقليات الدينية في البلاد. فخلال السنوات الثلاث الماضية تخصصت مدونات في نقل رؤى وتصورات الأقليات الدينية في البلاد ومطالبها وأشكال التمييز الممارس ضدها. ولعل المثال الأبرز في هذا الإطار هو المدونات التي دشنها أفراد يعتنقون الديانة البهائية، حيث مثلت المدونات بالنسبة لهذه الطائفة المنبر الوحيد تقريبا لرصد وتفصيل أوجه التقييد الحكومي ضد تمتعهم بحرية المعتقد. وأضحت مدونات مثل “بهائي مصري”، و”من وجهة نظر أخرى” مصدرا ليس فقط للمعلومات حول الطائفة البهائية وأوضاعها في مصر، بل أيضا في حشد وتعبئة الأنصار لدعم مطالب المنتمين لهذه الطائفة. وهناك أيضا المدونات “المسيحية” التي حاولت رصد أوجه التمييز الديني ضد المسيحيين في البلاد، وذلك من خلال إستخدام لغة نقدية تختلف جذريا عن الخطاب السياسي “المهادن”—إذا صح التعبير—للمؤسسة الكنسية المصرية.
وفي هذا لعبت مدونة (مدونة أقباط بلا حدود لمحررتها هالة بطرس) دورا في التعبير عن خطاب سياسي يرى في أن التمييز ضد المسيحيين لا يعد سياقا مجتمعيا فحسب بل جزء من بنية الدولة، وهو ما يختلف كلية عما يعرف في القاموس السياسي الرسمي بـ “خطاب الوحدة الوطنية”.
أما رابع هذه المساحات فيتمثل في دخول المدونين في آتون الصراع حول الرؤى والإستراتيجيات السياسية المختلفة للفاعلين السياسيين. ظهر هذا واضحا في حالة مدونات العناصر المنتمية لجماعة الإخوان المسلمين وموقفها من مشروع الحزب الذي قدمه مكتب الإرشاد. ففي النقاش حول هذا البرنامج لم تكتف المدونات الإخوانية بدورها الذي عرفت به مثل التعبير عن الأفكار والأطروحات السياسية للجماعة وتجنيد عناصر جديدة على مستوى القطاعات الطلابية مثلا. بل نجحت في بلورة إضافية لصراع جناحي الإصلاحيين (مثال مدونة أنا إخوان) في مقابل المحافظين، حيث إنضمت معظم المدونات الإخوانية إلى الجناح الأول من خلال رفضهم لقضايا البرنامج الجدلية مثل الهيئة المنتخبة لعلماء الدين الذين يراقبون عمل الحكومة والبرلمان، والموقف ألإقصائي من النساء والأقباط في تولى منصب رئيس الدولة. كما ينسب لمدوني الإخوان نجاحهم في نقل الخلافات حول هذا البرنامج إلى خارج الغرف المغلقة بالرغم من عدم ترجمة نجاحاتهم هذه إلى تغيير مسودة برنامج الجماعة النهائي ربما بسبب هيمنة الجناح المحافظ في الجماعة وضعف جناح الإصلاحيين نسبيا.

Share this Post