masress.com

مصير البرلمان تحدده قواعد اللعبة بين “الوطني” و”الإخوان”

In صالون بن رشد, ندوات ومحاضرات by CIHRS

masress.com

حول تقييم المشروعية السياسية والقانونية للانتخابات البرلمانية التي شهدتها مصر مؤخرا، وما أسفرت عنه من نتائج، نظم مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ندوة ساخنة تحت عنوان “كم يعيش البرلمان الجديد؟”، أدارها بهي الدين حسن مدير المركز.

تجاوزات
وفى أولى مداخلات الندوة أكد المستشار هشام البسطويسي نائب رئيس محكمة النقض أنه لم تكن هناك إرادة سياسية لإجراء انتخابات حرة ونزيهة فى مصر مدللا على ذلك بأن جميع التشريعات التى تخص الانتخابات كانت تدل بيقين على عدم توافر هذه الإرادة وأنه على العكس من ذلك كان هناك سعي لفتح مزيد من الثغرات لتزييف هذه الانتخابات. وأضاف أن غالبية النصوص التشريعية الصادرة غلب عليها الغموض ومنها بدعة اللجان العليا المشرفة على الانتخابات سواء الرئاسية أو البرلمانية والتي جعلت الانتخابات -حسب المستشار البسطويسي- أسوأ مما كانت تجري تحت إشراف وزير الداخلية وحده، مشيرا إلى أنه كان هناك تعمد أن تكون هذه اللجان غير محايدة وغير مستقلة، مشيرا إلى أن اللجنة العليا للانتخابات أعطت صلاحيات ومهام كثيرة وعُمد في تشكيلها على نحو معين يغلب عليه التشكيل ذو الطابع التنفيذي.
أضاف البسطويسي أن الدليل على عدم حياد واستقلال هذه اللجان أنها لم تتخذ أي إجراء يتعلق بإعداد جداول انتخابية جديدة وكان هناك تعمد أن تظل الجداول كما هي مع التلاعب فيها بين كل جولة انتخابية، مشيرا إلى أن الدليل الثاني كان واضحا في اختيار اللجنة قضاة بعينهم لدوائر انتخابية بعينها بما وضع هؤلاء القضاة في موضع شبهه خاصة وأن طريقة اللجنة في تشكيل اللجان الانتخابية واستبعاد قضاة بعينهم لمواقفهم الخاصة باستقلال القضاء كانت تثير شبهات كثيرة.
استطرد البسطويسي مشيرا إلى أن اللجنة المشرفة على الانتخابات لم تتخذ إجراء جديا لتمكين منظمات المجتمع المدني والمرشحين في الانتخابات من مراقبة الانتخابات وكانت ترسل تعليمات شفوية سرية أحيانا تخالف ما أعلنت عنه من السماح بوجود هذه الرقابة مؤكداٌ في إطار ذلك أنه لا أحد يستطيع القطع بأن نتيجة الانتخابات كانت مطابقة لما كان في الصناديق الانتخابية حقيقة لأن العملية الانتخابية جرت في غياب الرقابة الفعلية وثارت شبهات حقيقية حول 25 دائرة، لافتاً إلي أن المصادفة كانت في أن عدد القضاة الذين أشرفوا علي هذه الدوائر الـ 25 لم يتعد 15 قاضيا بما يعني أن بعضهم أشرف علي أكثر من دائرة من هذه الدوائر بما يلقي بظلال من الشك حول عملهم .
أوضح البسطويسي أن لجنة الانتخابات تجاهلت مطالب نادي القضاة باستبعاد القضاة المنتدبين لوزارات وجهات إدارية من الإشراف على الانتخابات حتى لا يكونوا في موضع شبهة، موضحاً أنه على العكس من ذلك ركزت اللجنة على استخدام هؤلاء القضاة لمباشرة عمليات رصد الأصوات تحديداً بما أثار شبهة أخرى حولهم كما حدث في دوائر بدمنهور ودمياط وبندر المنصورة.
وتناول البسطويسي ظاهرة منع الناخبين من الإدلاء بأصواتهم مشيرا بسخرية إلى أن الدولة أنفقت ملايين الجنيهات على الدعاية الانتخابية لحث المواطنين على المشاركة فى الانتخابات ثم أنفقت ملايين أخري من الجنيهات لمنعهم من هذه المشاركة ومن الإدلاء بأصواتهم وخاصة فى المرحلتين الأخيرتين للانتخابات البرلمانية .
وأوضح البسطويسي أن البلطجة لم تكن مسألة عفوية فى هذه الانتخابات لكنها تكاد تكون كالمليشيات المنظمة التى يحركها شخص أو جهة ما فى ساعة صفر محددة لتؤدي أداء ما بطريقة ما ثم تنسحب وذلك فى حماية الشرطة.
أضاف المستشار البسطويسي أن ما حدث فى دائرة بلطيم بكفر الشيخ كان لافتا للنظر حيث كانت هذه الدائرة هي الأعنف فى جولتها الأولى ووقع فيها قتلى وجرحى وكانت المفاجأة في جولة الإعادة بها أنها كانت الدائرة الأكثر هدوءاً، مشيرا إلى أن السبب في ذلك يرجع إلى قيام نائب السفير البريطاني بالمبيت في بلطيم ليلة جولة الإعادة، ومراقبة الانتخابات فيها بنفسه.
أكد البسطويسي أن القضاء في حاجة لدعم كل منظمات المجتمع المدني والشعب المصري في مواجهة ما يتعرض له القضاة من ضغوط ومحاولات ترهيب مضيفا أنه لن تجري انتخابات حقيقية في مصر بدون تحقيق استقلال القضاء.

الأبطال الثلاثة
وأشار الدكتور مجدي عبد الحميد مدير الجمعية المصرية لدعم المشاركة المجتمعية إلى أن سلاح المال كان هو الحصان الأسود وفرس الرهان الأساسي في المعركة الانتخابية، مشيرا إلى أن استخدام هذا السلاح بدأ مبكراً ومنذ الانتخابات الرئاسية، وقال عبد الحميد إن فترة الدعاية فى الانتخابات البرلمانية لم تشهد تدخلا من أى نوع وأضاف أن أبطال المعركة الانتخابية كانوا ثلاثة أطراف هم المال والأمن والبلطجة معتبرا أن النسبة المنطقية للمشاركين في الانتخابات الأخيرة لا تتجاوز 10 % من جملة من يحق لهم التصويت ولفت إلى أنه لم تكن هناك مشاركة جماهيرية حقيقية واسعة وإنما كانت مشاركة من كتل انتخابية كجماعة الإخوان المسلمين التى استطاعت تجييش قواها جيدا ثم كتلة العصبيات الأرياف ثم كتلة المهمشين الذين تم استخدامهم جيداً من النساء المعيلات والشباب والرجال العاطلين والذين احترفوا الارتزاق من بيع أصواتهم فى فترة الانتخابات.
وقال إن الصراع فى هذا الانتخابات اتسم بأنه كان بين الحزب الوطني نفسه في المستوي الأول ثم بين الحزب الوطني والإخوان فى المستوي الثاني أما المعارضة الليبرالية واليسارية فتكاد تكون غائبة تماما عن المعادلة، اللهم إلا بعض العناصر التى اعتمدت على صفاتها وتاريخها الشخصي، مشيرا إلى أن التحالفات الانتخابية كانت متغيرة ومتبدلة طبقا لطبيعة المكان حيث كانت هناك تحالفات بين الإخوان والوطني أحيانا أو بين الإخوان والتجمع أحيانا أخرى ومعارك ضارية بين هؤلاء وهؤلاء فى أحيان ثالثة بما يعني أن التحالفات لم تتم إدارتها على أسس سياسية وإنما على أسس انتخابية بحتة. ودعا عبد الحميد تيار الإخوان إلى حل الجماعة وتشكيل حزب سياسي يؤمن بالدولة العلمانية على غرار ما حدث في تركيا.
وأكد الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح القيادي بجماعة الإخوان المسلمين أن الأمن ترك لمرشحي الإخوان عقد المؤتمرات وتنظيم المسيرات بمشاركة عشرات الأولوف من المواطنين كما ترك لجميع المرشحين دون استثناء حرية توجيه الانتقادات للنظام السياسي فى مؤتمراتهم الانتخابية، مضيفا أن الدولة لجأت فى المرحلة الأولى من الانتخابات إلى مسألة القيد الجماعي للناخبين لصالح مرشحي الحزب الوطني وكذلك لجأ مرشحوها لسلاح المال وشراء الأصوات بشكل علني.
وأضاف أن ما حققته المعارضة في المرحلة الأولى من الانتخابات تسبب فى حالة إزعاج شديدة للحزب الوطني حيث بدأت المرحلة الثانية بعكس الأولى باعتقالات مسبقة لأنصار مرشحي الإخوان ثم اللجوء للبلطجة دون تدخل من جانب الشرطة مشيرا إلى أن ظواهر المرحلة الثانية استمرت فى المرحلة الثالثة والأخيرة مع زيادة عدد معتقلي الإخوان إلى 1500 معتقل وزيادة عمليات البلطجة ثم تدخل الشرطة بنفسها لمنع الناخبين والاعتداء عليهم.
ونفى أبو الفتوح وجود صفقة بين جماعته والحكومة وقال إنه لو كانت هناك صفقة لما تم اعتقال أعداد كبيرة من الإخوان.
وانتقل إلى الحديث عن أداء أحزاب المعارضة عنها يجب أن يرفق مع الحديث عن الظروف الموضوعية التى وضعت فيها المعارضة، مشيرا إلى أن العمل العام فى مصر يعيش في ظروف سيئة وغير طبيعية وأن المعارضة تعمل في ظروف فى منتهي السوء مشيرا إلى أنه ليس وارداً أن النظام السياسي فى مصر يريد من أحد مشاركته الحكم حتى ولو كان من القوى السياسية التى حازت 20 % من مقاعد البرلمان معتبرا أن من أطلقوا عبارات مثل “الإخوان قادمون” يعيشون الوهم لأن البلاد تعيش نظاما سلطويا أحاديا لا يسمح بالمشاركة.
وقال أبو الفتوح إن وجود مائة معارض فى البرلمان جزء بسيط من المعركة وأنه غير متفائل به ولا يراه أمرا ضخما نظرا لهيمنة السلطة التنفيذية على جميع السلطات معتبرا أن ما حققه الإخوان يمثل رصيداً للمعارضة ككل، وليس لأنفسهم فقط ويجب استثماره لصالح مصر.
وتناول حسين عبد الرازق أمين عام حزب التجمع الظروف التى جرت فيها الانتخابات البرلمانية فقال إنها جرت بداية فى ظل استمرار العمل بحالة الطوارئ منذ 24 عاماً متصلة جري خلالها ممارسات مختلفة للتعذيب. وأضاف أن مصر تحكم منذ ثلاثين عاما بحزب واحد وأن رئيس هذا الحزب وبصفته رئيس الدولة ظل طوال السنوات الماضية هو صاحب القرار السياسي والتنفيذي والتشريعي الوحيد في مصر، إلى جانب أنه ومنذ بدء التعددية السياسية المقيدة فى عام 1976 جرى حصار الأحزاب السياسية وتحديد إقامتها فى المقر والصحيفة وفرض عليها حصاراً مادياً يمنعها من استثمار أموالها في أي نشاط اقتصادي، كما تم منع اتصالها بالجماهير في الجامعات والشركات والمصانع، كما منعت الأحزاب من عقد المؤتمرات وتنظيم المسيرات وتوزيع البيانات، وأدى إلى الانصراف عن ممارسة أي شكل من أشكال العمل السياسي بما فيها أبسط هذه الأشكال وهو التصويت الانتخابي واعترف عبد الرازق بوجود مسئولية للأحزاب المدنية عن تدني نسب الناخبين منها فى الانتخابات الأخيرة مرجعا ذلك إلى قبول هذه الأحزاب بالقيود والخطوط الحمراء التى حددتها لها الحكومة وذلك من جانب جميع الأحزاب، لافتا إلى أن خروج حزب التجمع عن ذلك الأمر بتنظيمه 13 مظاهرة ومسيرة فى العامين الأخيرين كان الاستثناء الذي يؤكد العكس.
وعزا حسين عبد الرازق النتائج التى حققتها جماعة الإخوان المسلمين إلى عدة عوامل وفى مقدمتها تغيير الجماعة لخطابها السياسي حيث أصبحت هناك نغمة حادة وعالية في هذا الخطاب في نقد النظام السياسي.
أضاف عبد الرازق أن هناك سبباً آخر يتمثل فى خلط الجماعة الواضح بين الخطاب السياسي والديني بحيث استقر في أذهان كثيرين أنهم بانتخابهم لمرشحي الإخوان ينتخبون الإسلام مؤكدا أن الجماعة ساعدت في الترويج لذلك. واستطرد مشيرا إلى أن الجماعة كان لديها من المال ما مكنها من الإنفاق الكبير على الانتخابات لافتا إلى أن أموال الجماعة لا تخضع كالأحزاب لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات إلي جانب ما كسبته الجماعة من تعاطف جماهيري نتيجة المحاكمات العسكرية والاعتقالات والحملات الإعلامية الغبية ضدهم، وأشار عبد الرازق إلى أن الجماعة خاضت المعركة ليس ضد الحزب الوطني فقط وإنما خاضدتها بنفس القوة ضد اليسار مدللا على ذلك بخوض الجماعة معركة ضارية ضد خالد محيي الدين زعيم حزب التجمع رغم إعلان مرشد الجماعة مبكرا عدم ترشيح أحد من الجماعة فى دوائر الوزراء وكبار المسئولين وقادة الأحزاب السياسية.
وأكد عبد الرازق أن الحكومة اتخذت قراراً بإسقاط كل من خالد محيي الدين زعيم حزب التجمع وضياء الدين داوود رئيس الحزب الناصري لرفضهما الترشيح في انتخابات الرئاسة رغم الضغوط التي مورست ضدهما وشدد على أن حزب التجمع يعيد حاليا النظر في أخطائه مطالبا كل الأحزاب السياسية بالنقد الذاتي لأخطائها.

أحزاب وسيناريوهات
وأكد الكاتب الصحفي مجدي مهنا حديثه بالتأكيد على أن أي حديث عن الإصلاح لن يصدقه أحد بعد اليوم حيث لا يمكن الحديث عن إجراء انتخابات بهذا الشكل وهذه التجاوزات تعني أن ملف الإصلاح قد تم إغلاقه وأشار إلى أن فترة ما بعد الانتخابات تواجه واحد من عدة سيناريوهات أولها أن تسير الأمور في اتجاه صحيح وهو ما يفترض أن تفكر الأحزاب والقوي السياسية القائمة في تصحيح أوضاعها ودراسة الأخطاء التى وقعت فيها وأن يفكر الحزب الوطني تحديدا في التجربة بكل سلبياتها وإيجابياتها إن كانت موجودة ويتم السماح بسرعة بقيام أحزاب ليبرالية جديدة تحقق توازناً في المعادلة السياسية، مؤكداً أنه بدون هذا الأحزاب، فإن المركب تسير في اتجاه الانهيار الكامل.
أضاف أن السيناريو الثاني يتمثل في عدم حدوث أي من هذه المراجعات سوي في إطار شكلي وعدم إجراء أية إصلاحات حقيقية خاصة داخل الحزب الوطني وبالتالي تصبح البلاد أمام قوتين هما الدولة وجماعة الإخوان المسلمين ودور أقل أو هامشي للمعارضة بما سيؤدي لبروز دور الإخوان بشكل أكبر بحيث إذا أجريت أية انتخابات سيقترب التيار الإسلامي من نسبة الـ 50 % من مقاعد البرلمان إذا استمرت اللعبة الحالية بنفس الشكل والآليات.
السيناريو الثالث فهو حدوث الانتكاسة والردة على الديمقراطية مشيرا إلي أن هذا الأمر ليس بمستبعد.
وفي ختام الندوة أشار بهي الدين حسن إلى أنه على الأرجح فلا مستقبل للأغلبية من الأحزاب القائمة وأنه ستولد أحزاب جديدة وستنشق الأحزاب القائمة مالم تعالج صراعاتها معتبرا أن عمر البرلمان واستمراره سيتوقف على أداء نواب الإخوان وليس على الحكومة وأنه إذا تحول الإخوان لقوة معارضة حقيقية فسوف يكون عمر هذا البرلمان قصيرا لأن النظام السياسي لن يتحمل وجود معارضة جادة وممتدة لفترة طويلة متوقعا أن يكون هناك توافق بين الحكومة والإخوان على أرضية ما هو مشترك بما يجعل البرلمان الحالي مستمراً طوال الخمس سنوات القادمة.

Share this Post