منظمات حقوقية ترفض تقرير لجنة الحقوق غير القابلة للتصرف التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية

In البرنامج الدولي لحماية حقوق الإنسان by CIHRS

انضم مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان إلى عشرات المنظمات الحقوقية الأمريكية والدولية في رفض تقرير لجنة الحقوق غير القابلة للتصرف التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية. إذ يشعر المركز بقلق بالغ إزاء مساع الحكومة الأمريكية لتفسير المعايير العالمية لحقوق الإنسان وفقًا لتفضيلاتها الأيدولوجية، في الوقت الذي تسعى فيه العديد من الحكومات- خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا- من التهرب من الالتزام بهذه المعايير الضامنة لحريات الشعوب دون تمييز.

المنظمات الرافضة للجنة وتقريرها أعربوا عن مخاوفهم بشأن استعداد اللجنة للتعامل مع إطار عمل حقوق الإنسان على أنه مفتوح للتفسير الأحادي، الأمر الذي سيتيح المجال للعديد من الحكومات في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، للمضي قدمًا في الترويج للتفسيرات النسبية الثقافية لحقوق الإنسان من أجل تبرير سياساتها القمعية.

ماري آن جليندون
رئيسة لجنة الحقوق غير القابلة للتصرف
رعاية دونكان هـ. ووكر
وزارة الخارجية الأمريكية
واشنطن العاصمة
20520

السيدة: ماري آن جليندون[1]

في 23 يوليو 2019، كتبت المئات من منظمات حقوق الإنسان والمنظمات المعنية بالحريات المدنية والعدالة الاجتماعية وكذا المنظمات الدينية والقادة على مستوى العالم، بمن فيهم العديد من الموقعين على هذه الرسالة، إلى وزير الخارجية الأمريكية “مايك بومبيو” للاعتراض على إنشاء وتشكيل لجنة الحقوق غير القابلة للتصرف التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية، وذلك بعد مراجعة مسودة “تقرير لجنة الحقوق غير القابلة للتصرف” الصادر في 16 يوليو، وخطاب وزير الخارجية الذي أعلن فيه عن تشكيل اللجنة.  واليوم نكتب لكم مجددًا لنبدي اعتراضنا الشديد على نتاج عمل هذه اللجنة التي هي بالأساس معيبة وغير ضرورية.

نقدم لكم، نحن 111 منظمة و119 فردًا (الموقعين أدناه) هذه الرسالة كتعليق رسمي مشترك على مسودة التقرير الخاص باللجنة، وذلك رغم تحفظنا على الإطار الزمني غير المناسب والمخصص للتعليق العام على التقرير، إذ أن أسبوعين مدة غير كافية لتقديم استجابة موضوعية مناسبة لوثيقة من 60 صفحة.

كان وزير الخارجية مايك بومبيو قد أمر في توجيه رسمي، في 20 يوليو2020، جميع موظفي وزارة الخارجية بقراءة التقرير جيدًا. وقد جاء هذا التوجيه لموظفي وزارة الخارجية بينما تستمر الوزارة في التماس التعليقات العامة من المجتمع المدني على وثيقة توصف بأنها “مسودة”، الأمر الذي يعكس سوء النية التي ينبني عليها هذا المشروع. وفي هذا السياق، نكرر مجددًا التأكيد على استحالة فصل عمل اللجنة، الذي نعتقد أنه يقوض عقودًا من التقدم في مجال حقوق الإنسان، عن الأجندة السياسية التي تخدمها واللحظة التاريخية التي كتبت فيها تقريرها.

يؤكد التقرير أنه على الولايات المتحدة “أن تدافع بقوة عن حقوق الإنسان في سياستها الخارجية”، وأن “أمريكا لا يمكن أن تكون مدافعة فعالة عن حقوق الإنسان في الخارج إلا إذا أظهرت التزامها بهذه الحقوق نفسها في الداخل.” ومع ذلك، فإن سياسات وخطاب إدارة الرئيس ترامب، واستنتاجات تقرير اللجنة نفسه، تقوض هذه التأكيدات.

كان إعلان وزير الخارجية عن غرض إنشاء هذه اللجنة للتمييز بين الحقوق “غير القابلة للتصرف” وبين غيرها من الحقوق “المخصصة”، فضلاً عن خطابه التحريضي وقت إطلاق تقرير اللجنة، انعكاسًا واضحًا لجدول الأعمال السياسي الذي يستند له عمل اللجنة، على نحو مثير للقلق. إذ استخدم الوزير خطاب من المفترض أنه عن حقوق الإنسان ليوحي بأن كل من جريدة نيويورك تايمز -الفائزة بجائزة بوليتزر- والمتظاهرين السلميين ضد الظلم العنصري، هما جزء من “الاعتداء” المستمر على تقاليد الحقوق في أمريكا، الأمر الذي يدعو للتشكيك في الفرضية التي يقوم عليها عمل هذه اللجنة.

أما تأكيد وزير الخارجية على أن “حقوق الملكية والحرية الدينية هما الأهم بين حقوق الإنسان” فيفضح نيته استخدام التقرير لإنشاء تسلسل هرمي للحقوق – رغم تأكيده على العكس – بناءً على معتقداته السياسية والدينية الشخصية، متجاهلاً عقود من قوانين حقوق الإنسان المحلية والدولية. كما فشل الوزير واللجنة في الاعتراف بأن العديد من سياسات إدارة ترامب تقوض بشكل كبير قيادة أمريكا في مجال حقوق الإنسان، على نحو يضعف بدوره موقف اللجنة والتقرير نفسه.

وبعيدًا عن هذه الحقائق، لم تكشف اللجنة أبدًا أي سبب مقنع لوجودها، في حين أوقفت وزارة الخارجية تحقيقًا شرعيًا في الكونجرس بشأن تفويض اللجنة وسبب إنشائها وأعمالها.

وفي سياق متصل، رفعت بعض المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان دعوى قضائية ضد الإدارة الأمريكية بشأن قانونية هيئة تم تشكيلها لتقديم المشورة لوزير الخارجية حول الكيفية التي يمكن للولايات المتحدة أن تتخلى بها عن التزامها بالتفسيرات القديمة لحقوق الإنسان لصالح إطار قائم على “القانون الطبيعي”. وبحسب الدعوى، وكما سبق وأوضح عدد لا يحصى من منظمات حقوق الإنسان والأكاديميين والمدافعين- لا تستطع الولايات المتحدة أن تعيد وحدها تفسير محددات إطار حقوق الإنسان. وبالتالي، فإن عمل اللجنة لا يزيد عن كونه مجرد مثال على “انتشار المعايير غير القانونية” الذي ينتقدها التقرير نفسه – وهو تناقض داخلي يفضح الغرض الحقيقي لهذا الجهد.

لكل هذه الأسباب، فإن تقرير اللجنة سيرفضه المجتمع الدولي لحقوق الإنسان بشكل قاطع.

وفيما يلي نستعرض الجوانب الأكثر إثارة للقلق في هذا التقرير.

أولاً، نرفض فكرة أن انتشار المطالب بالحقوق قوض شرعية ومصداقية إطار حقوق الإنسان، وهي فكرة أساسية في تقرير اللجنة. والواقع أن حركة حقوق الإنسان تتعرض لضغوط هائلة من الحكومات القمعية، والجماعات العنيفة من غير الدول، والقادة الشعبويين الحريصين على تقويض الحكم القائم على الحقوق، ومن الساعين لتفاقم الانقسامات الاجتماعية من أجل تحقيق مكاسب سياسية خاصة. ولكن، ورغم هذه الضغوط، فإن شرعية حقوق الإنسان لا تتأثر بأي حال من الأحوال بالعدد المتزايد من المطالب بالحقوق التي قدمها أولئك الذين حُرموا من حقوقهم تاريخيًا. بل على العكس، وكما ذكرنا في رسالتنا في يوليو 2019، “إن قصة الحركة الدولية لحقوق الإنسان هي بالأساس قصة تعميق الاعتراف بالحقوق وتمديد الحماية التي تضفيها على أصحابها، وذلك كله جاء نتيجة العمل المضني للحركات الاجتماعية والباحثين والدبلوماسيين، تطبيقًا للاتفاقات الدولية والقانون.” هذا الانتشار في استيعاب حقوق الإنسان ودورها يستحق الاحتفال كإنجاز، كما يستحق الحماية كتطور يفي بوعد حقوق الإنسان، لا أن يتم تشويهه كتهديد.

ثانياً، نرفض فكرة وجود درجة من عدم اليقين لا يمكن الدفاع عنها فيما يتعلق بمعنى ونطاق إطار حقوق الإنسان، ما يتطلب تهميش المعاهدات الملزمة. فخلال خطابه، ذكر وزير الخارجية مرارًا وتكرارًا أن الغرض من هذه اللجنة هو إنشاء “إطار” لـ “الفهم الصحيح للحقوق غير القابلة للتصرف”، موضحًا رأيه بأن هذه الحقوق تأتي من الله. ومع ذلك، كما سبق وأوضح الكثير منا، فإن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعاهدات التسع الأساسية لحقوق الإنسان التي تم التفاوض عليها بين الدول، وخاصة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تقنّن حقوق الإنسان بموجب قواعد القانون الدولي المعترف بها على نطاق واسع. هذه المعاهدات هي نتاج عقود من المفاوضات متعددة الأطراف، وتمثل إجماعًا دوليًا بشأن نطاق حقوق الإنسان. ولكن هذه المعاهدات لم تُذكر تقريبًا بأي إشارة أو تحليل في مسودة التقرير، ما يشير إلى نهج أساسه معيب ومنحرف بشكل مقصود، تجاه مسألة ما يشكل وما لا يشكل حقًا من حقوق الإنسان. إن عدم موافقة الإدارة الحالية على هذه الصكوك والتزاماتها، كليًا أو جزئيًا، لا يعني بحد ذاته وجود ارتباك بشأن حقوق الإنسان.

ثالثاً، نرفض الطريقة التي يعزز بها التقرير التسلسل الهرمي للحقوق من خلال تركيزه على مجموعة فرعية معينة من الحقوق المدنية والسياسية. فبينما يقر التقرير نفسه أن حقوق الإنسان “عالمية وغير قابلة للتجزئة ومترابطة ومتشابكة”، فإنه يعطي الأولوية لحقوق الملكية والحرية الدينية على الحقوق المدنية والسياسية الأخرى، ويدعو إلى سحب الأولوية عن الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وذلك بزيادة التركيز على الحقوق المفسَّرة من وثائق أمريكية محددة، بدلاً من تلك المضمونة في المعاهدات الدولية التي تلزم الولايات المتحدة والحكومات الأخرى. إن “أمركة” إطار حقوق الإنسان هو عمل ضار وغير ضروري. نحن ندرك أن حكومة الولايات المتحدة – مثل جميع الحكومات – تتخذ قرارات السياسة الخارجية على أساس الموارد وأولويات السياسة، لكننا نرفض توصية التقرير بأن تتبنى الولايات المتحدة سياسة خارجية تمنح أهمية لحقوق معينة على حساب حقوق أخرى. فترتيب الحقوق هرميًا يفتح الباب أمام عدد لا نهائي من الإجراءات الإشكالية من قبل الحكومات التي تسعى لتقويض التزاماتها في مجال حقوق الإنسان وانتهاك الحريات الفردية.

رابعاً، نندد بشدة برفض اللجنة لبعض الحقوق باعتبارها “خلافات اجتماعية وسياسية مثيرة للانقسام”. إذ يميز التقرير بشكل مقلق للغاية بين “الحقوق غير القابلة للتصرف” وما يصفه بـ “الخلافات الاجتماعية والسياسية” حول “سياسة التمييز الإيجابي الخاصة بالإجهاض”، [و] الزواج من نفس الجنس. وحتى يكون الأمر واضحًا، هذه القضايا يضمنها القانون الدولي والمحلي، بما في ذلك المحكمة العليا الأمريكية. والاقتراح بخلاف ذلك هو سعي إلى استبدال إيديولوجية الإدارة ورأي 11 فردًا فيها بالقوانين المحلية والدولية لحقوق الإنسان، التي تحدد وتعترف بوضوح بحماية حقوق المثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية والحقوق الجنسية والإنجابية، بما في ذلك الإجهاض، كحقوق أساسية.

خامساً، نرفض تركيز التقرير على ما يسمى بالحقوق الجديدة ومعايير الاعتراف بها. فبحسب التقرير، شرعية إطار حقوق الإنسان مهددة بالاعتراف بحقوق جديدة وتطبيقات “جديدة” للحقوق الموجودة. مثل هذا النهج من شأنه أن يتجاهل معاهدات ومناقشات ما بعد عام 1948 التي تم خلالها تفسير حقوق الإنسان بشكل واضح وصحيح لتغطية الفئات المهمشة والظروف التي لم يتم تناولها بشكل صريح في المعاهدات على نحو يتفق مع مبادئها. وبدلاً من ذلك، طورت اللجنة معاييرها التقييدية الخاصة بها للاعتراف “بالحقوق الجديدة” التي ستحد عملياً من قدرة جميع الأشخاص على المطالبة بحقوقهم الكاملة. هذا الجهد المفضوح وغير الضروري للحيلولة دون تمديد الحقوق العالمية لجميع الناس ليس له مكان في وثيقة يفترض أن تهدف إلى توفير معلومات للحكومة الأمريكية.

باختصار، هذه اللجنة وتقريرها يعكسان نمطًا أوسع فيما يتعلق بتراجع الإدارة الأمريكية عن إطار حقوق الإنسان. ونحن نعتقد أن العمل الذي أنتجته اللجنة سيقوض الالتزامات الأمريكية بحقوق الإنسان، ويوفر الغطاء لأولئك الذين يرغبون في مصادرة حقوق فئات معينة والتضييق عليهم، مما يؤدي إلى إضعاف النظام الدولي لحقوق الإنسان وقدرته على حماية أصحاب الحقوق.

قائمة الموقعين هنا


[1] تم إرسال نسخة من هذه الرسالة أيضًا إلى وزير الخارجية الأمريكية “مايك بومبيو”، وإلى مدير تخطيط السياسات بوزارة الخارجية الأمريكية “بيتر بركويتز”.

Share this Post