كالنار في الهشيم: نمو التطرف العنيف داخل السجون المصرية

In برنامج مصر ..خارطة الطريق, تقارير متخصصة by CIHRS

كالنار في الهشيم

نمو التطرف العنيف داخل السجون المصرية

تقرير جديد يحذر: السجون في مصر حاضنة للمتطرفين

أصدر مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان اليوم 8 مايو 2019 الترجمة العربية لتقرير "كالنار في الهشيم: نمو التطرف العنيف داخل السجون المصرية"، الصادر عن منظمة هيومن رايتس فيرست، والمنشور في فبراير الماضي. يستند التقرير إلى شهادات مروعة جمعها باحثون هيومن رايتس فيرست من سجناء سابقين في مصر، تعكس كيف أن السجون المصرية قد تحولت- في السنوات الأخيرة في ظل حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي - لبؤر تجييش لجماعات التطرف العنيف.

تتوافق استنتاجات تقرير منظمة هيومن رايتس فيرست مع استنتاجات مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في كتابه الصادر عام 2017 "النُظم التسلطية العربية حاضنة الإرهاب"،* والذي درس العلاقة بين السياسات الاستبدادية والأسباب الجذرية للإرهاب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. 

التقرير المترجَم يعد وثيقة ومرجع هام للمنظمات والباحثين والأكاديميين والصحفيين الاستقصائيين المعنيين بدراسة ظاهرة التطرف العنيف ونموها في مصر والمنطقة ككل، مسلطًا الضوء على دور السياسات القمعية عمومًا والسياسات المتبعة في السجون على وجه التحديد في دعم الإرهاب والتحريض عليه. كما يثير التقرير بعض الإشكاليات المتعلقة باستغلال الديكتاتوريات في المنطقة للإرهاب من أجل تأسيس وتعزيز شرعياتها؛ ومن ثم تغذية هذا الإرهاب بسياستها الوحشية، كما يتضح بشكل صارخ في سجون مصر وأوضاع السجناء غير الإنسانية.

يتحول ضحايا حرب الحكومة المصرية على الإرهاب إلى مقاتلين ينضموا بأعداد متزايدة للجماعات المتطرفة العنيفة. هذه نتيجة متوقعة للسياسات الوحشية التي تتذرع بمكافحة الإرهاب في منطقة سيناء، والتي تستهدف بشكل متزايد المواطنين المسالمين الذين وإن لم يكنوا أي تعاطف مع ممارسات التطرف العنيف من قبل، قد يدفعهم القمع إلى تبني أيديولوجيات راديكالية. إذ ينقل التقرير مثلاً تجربة لرجل من سيناء قُتلت أسرته ودُمر منزله في تفجير عسكري، وشاب أخر- ابن ضابط جيش - تم اعتقاله وتعذيبه لمجرد وجوده صدفة في المكان الخاطئ، وقد طور كلاهما داخل السجن علاقات مع متطرفين وأعضاء في تنظيم داعش، انتهت بتورط الشاب في ارتكاب الهجوم الانتحاري الذي شنه تنظيم داعش عام 2016 على كنيسة قبطية في القاهرة، وخلّف عشرات القتلى المدنيين.

لقد مثلت الجماعات المتطرفة العنيفة بالنسبة للرجلين _للاسف الشديد_  الوسيلة الوحيدة  الواضحة للانتصاف والانتقام من الظلم الجسيم بحقيهما.هذا الاستنتاج المحزن والمرفوض . لهؤلاء وغيرهم- ممن يعرض التقرير قصصهم- ليسوا مجرد حالات فردية استثنائية، بل هم نتاج طبيعي لـ "النهج التقليدي الذي لا يرى إلا الجانب الأمني العسكري والذي ينتهي إلى إشعال التطرف في ظل المظالم السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتفشية في المنطقة العربية، ما يخلق سياقا متقلبا يزيد من تفاقمه السياسات القمعية والمهمِّشة."

إن تأثير الجماعات المتطرفة العنيفة واضح بشكل خاص في سجون مصر، التي أصبحت، في السنوات الأخيرة وحشية وغير إنسانية بشكل لم يسبق له مثيل. الأمر الذي منح تنظيم داعش قوة مضاعفة في ظل الظروف المتدهورة للسجون المصرية ملبيًا رغبة السجناء - بعد تعرضهم للتعذيب وسوء المعاملة - في الحماية والانتقام، مستغلاً مشاعر اليأس والخذلان السائدة بينهم، ومعولاً على غياب أي بديل سلمي يمكن أن يؤدي إلى التغيير في مصر.

 كان المجتمع الدولي، بما في ذلك بعض الدول الصديقة لمصر- قد فطّن مؤخرًا إلى الأدلة المتزايدة المؤكدة على تنامي الإرهاب والتطرف العنيف بسبب سياسات السيسي القمعية عمومًا وظروف السجون المصرية على وجه خاص. ففي 2017 كتب أعضاء من مجلس الشيوخ من الحزبين الأمريكيين خطابا يحث الإدارة الأمريكية على مواجهة انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، وإلا فعليها أن تقبل خطر "إدامة الظروف التي تساعد على تنامي التطرف العنيف والإرهاب." هذا التحذير الأمريكي عزز وجهة نظر مدير مركز القاهرة بهي الدين حسن، في مقدمة كتاب النُظم التسلطية العربية حاضنة الإرهاب، بأنه لم يعد بإمكاننا تجاهل العلاقة بين انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم الإنسانية التي ترتكبها بعض الحكومات وبين تصاعد التطرف وانتشار الإرهاب."


*يدرس كتاب "النُظم التسلطية العربية حاضنة الإرهاب العلاقة بين السياسات والممارسات السلطوية لمعظم الحكومات العربية، من خلال تحليلات متعمقة لخبراء وأكاديميين وحقوقيين من مختلف أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تركز على السياقات والأسباب الجذرية للإرهاب في سوريا والعراق ومصر وتونس، وتقترح سبل مختلفة لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف. يتحدى الكتاب النهج التقليدي الذي يركز على الجوانب الأمنية والعسكرية في مواجهة الإرهاب، وينتهي إلى أن المظالم السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتفشية في المنطقة العربية تشعل التطرف، لاسيما في ظل السياسات القمعية والمهمِّشة. تمثل فصول الكتاب مجموعة من الأوراق المقدمة خلال ورشة عمل للخبراء نظمها مركز القاهرة لحقوق الإنسان وهيومن رايتس فيرست، في نيويورك سبتمبر 2015 على هامش قمة قادة الجمعية العامة للأمم المتحدة لمكافحة داعش والتطرف العنيف.


شارك

ملخص تنفيذي

في كلمته بالقاهرة 10 يناير 2019، أثنى مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي، على جهود الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي النشطة في ”مكافحة خطر الإرهاب المستمر والإسلاموية المتطرفة التي تغذيه.“ متابعًا: ”يتفق دوره القيادي، وتأكيده على هذا الدور، مع حقيقة الدور التاريخي لمصر كدولة قائدة ... ستستمر معركتنا القوية ضد داعش وتنظيم القاعدة والجماعات الإرهابية الأخرى.“[1] ورغم ثناء بومبيو، إلا أن الحقيقة أن قمع السيسي الوحشي للمعارضة يغذي نمو تنظيم داعش،[2] الذي صار بوسعه تجنيد مؤيدين جدد في السجون المصرية وبوتيرة متسارعة.

يسيطر تنظيم داعش اليوم بشكل فعال على العديد من السجون المصرية، وتنتشر مبادئه في السجون كالنار في الهشيم، حسبما صرح سجين سابق لهيومن رايتس فيرست.[3] بينما أكد سجين سابق أخر، أنه بنهاية فترة حبسه ”كان التطرف قد انتشر بسرعة كبيرة ... فمن زنزانة تضم 200 شخصًا، تطرف 100 على الأقل، هذا فقط في مكان واحد حيث كنت محتجزًا.“[4]

في عهد السيسي، اعتقلت السلطات المصرية واحتجزت الآلاف من المصريين لأسباب زائفة، ما بين معارضين سلميين، وسجناء سياسيين، وسجناء غير سياسيين بالمرة، ربما تم احتجاز بعضهم لمجرد اختلاف مع ضابط شرطة محلي!

يتعرض هؤلاء جميعًا في السجون -بشكل روتيني- للتعذيب وغيره من أشكال المعاملة الوحشية، على النحو الذي يصفه أحدث تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان في مصر أنه ”ظروف سجن قاسية أو تلك التي قد تهدد الحياة.“[5]

يستغل تنظيم داعش معاناة السجناء، وأحاسيس الذل والغضب جراء سوء المعاملة، مغذيًا لديهم الرغبة في الانتقام من السلطات المصرية، موفرًا لهم الحماية من اعتداءات الحراس والسجناء الآخرين. ففي ظل زيادة عدد سجناء التنظيم، تزداد سطوتهم وقوتهم داخل نظام السجون، وابتزازهم للحراس، وفي بعض الحالات يسيطرون فعليًا على أجزاء من السجن.

يعتمد هذا التقرير بالأساس على المقابلات الشخصية مع سجناء سابقين في السجون المصرية، قدموا خلالها تقارير مفصلة وموثوقة ومتسقة، شملت روايات تصويرية بشعة، عن التعذيب والأوضاع داخل السجون المصرية. وقد اشترط بعضهم حذف أسمه قبل تضمين شهادته بالتقرير، بينما طلب اَخرون استخدام أسماء افتراضية لحماية هوياتهم. [6]

يرتب الرئيس السيسي حاليًا لإجراء تعديل دستوري لتمديد فترة رئاسته. بعدما وافق البرلمان المصري من حيث المبدأ في 14 فبراير 2019 على تدابير بعيدة المدى لتغيير الدستور تسمح بتمديد ولاية السيسي حتى عام 2034. ومن المفترض أن نتيجة استفتاء مفروغ منها تأتي لصالح السيسي خلال الأشهر المقبلة، بعد تسامح شكلي مع أقل القليل من المعارضة.[7]

وعلى ما يبدو لا توجد فرصة حقيقية لكبح جماح السياسات القمعية التي تعزز نمو داعش في مصر،[8] ومن غير المرجح أن تواجه حكومة السيسي ضغوطًا للقيام بذلك من قبل إدارة ترامب، التي - رغم حجبها جزءًا من المساعدات العسكرية لمصر في 2017 - بالغت في مدح السيسي في الأشهر الأخيرة.

التهديد الذي تمثله سياسات السيسي للأمن القومي لم يغب عن أعين بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي. ففي يونيو 2017، كتبت مجموعة من 10 أعضاء بمجلس الشيوخ من الحزبين، بقيادة ماركو روبيو (جمهوري - فلوريدا) وبن كاردان (ديموقراطي - مريلاند)، إلى الرئيس ترامب، تستنكر تجاهل الإدارة الأمريكية لملف حقوق الإنسان في مصر، والذي وصفته المجموعة بأنه ”يهدد بتمكين مصر من إدامة الظروف التي تساعد على نمو التطرف العنيف والإرهاب.“ [9] ومع ذلك، تستمر المساعدات الأمنية الأمريكية في التدفق لمصر، ثاني أكبر متلق للتمويل العسكري الخارجي الأمريكي بعد إسرائيل. فقد تلقت مصر إجمالاً حوالي 47 مليار دولار في شكل تمويل عسكري خارجي منذ عام 1979.[10]

يحافظ قانون اعتمادات الدولة والعمليات الأجنبية للعام المالي 2019[11] بشكل أساسي على الشروط المفروضة عام 2018 على المساعدات العسكرية المقدمة سنويًا للقاهرة. فبموجب قانون السنة المالية 2019، فإن 300 مليون دولار من إجمالي 1.3 مليار دولار هي قيمة المعونة، مرهونة بشروط تتعلق بحقوق الإنسان، ويُسمح- حسب التشريع- لوزير الخارجية الأمريكي بالإفراج عن الأموال المقيدة إذا رأى أن ذلك يخدم المصلحة الوطنية.[12] ورغم أن الحكومة المصرية لا تفي بشروط حقوق الإنسان الواردة في هذا التشريع، والتي لا تشير مثلاً إلى إصلاح أوضاع السجون، وغيرها من الخطوات الضرورية لمواجهة نمو داعش داخل النظام العقابي المصري، ستفرج الولايات المتحدة مرة أخرى عن جميع الأموال المجمدة، ما سيعتبر تصويتًا بالثقة على زعيم تهدد سياساته أمن المواطن الأمريكي.

وفي ذلك توصي هيومن رايتس فيرست ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بأن تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية المساعدات العسكرية وغيرها من أشكال النفوذ للضغط على السيسي لإنهاء الاعتقالات التعسفية والتعذيب وتحسين أوضاع السجون، من بين خطوات أخرى لإصلاح وضع حقوق الإنسان المتدهور في البلاد ككل، هذا بالإضافة لتوصيات أخرى مدرجة بنهاية هذا التقرير.

شارك

خلفية

يستند هذا التقرير إلى عشرات المقابلات على مدى عدة أشهر مع محامين ونشطاء ودبلوماسيين كانوا رهن الاحتجاز في السجون المصرية منذ عام 2014، اتفقوا بصفة عامة على أن سياسات الحكومة المصرية تقوّي تنظيم داعش. ورغم اختلاف تفاصيل القصة من سجين لآخر، فإن روايات أولئك الذين شهدوا التطرف بشكل مباشر تُظهر أوجه تشابه لافتة فيما يتعلق بعملية التجنيد ومحفزات الانضمام لتنظيم داعش. وقد لجأ معظمهم لمصطلح ”التطرف“ واصفًا عملية التحول إلى الالتزام العنيف، على نحو يتفق مع تعريف اللجنة الأوروبية للتطرف بأنه ”... يُفهم كظاهرة معقدة يتبنى فيها أشخاص معينين أيديولوجية راديكالية يمكن أن تؤدي إلى ارتكاب أعمال إرهابية.“ [13]

جذور تنظيم داعش في مصر تكمن في سيناء، حيث جماعة أنصار بيت المقدس المتطرفة العنيفة، التي نفذت بين عامي 2011 و2013 سلسلة من الهجمات في جميع أنحاء مصر. بعض قادة هذا التنظيم قاتل في السابق مع تنظيم القاعدة، وفي 2014، تعهد معظم أعضاء أنصار بيت المقدس رسميًا بالولاء لداعش، وأصبح اسم المجموعة ”ولاية سيناء“ (ما يعني مقاطعة داعش في سيناء)، أو داعش مصر.

ينتشر أعضاء تنظيم داعش في جميع السجون المصرية، حيث بيئة التجنيد الخصبة لزملاء جدد وضمهم للتنظيم.[14] وقد أفاد أولئك الذين قابلتهم هيومن رايتس فيرست أن دوافع السجناء الرئيسية للانضمام لداعش كانت الثأر من السلطات، والتمتع بالحماية التي يكفلها سجناء التنظيم داخل السجون. وفي الآونة الأخيرة، ونظرًا لأن التنظيم أصبح أكثر قوة، صار بإمكانه تقديم المزيد من المزايا للسجناء من أنصاره، بما في ذلك الكتب والطعام المميز والوصول إلى الهواتف.

وفيما لا توجد أرقام محددة متاحة لعدد المحتجزين لأسباب سياسية في السجون وأماكن الاحتجاز في مصر، أدعى الرئيس السيسي في مقابلة تلفزيونية بثها برنامج سي بي إس الإخباري ”60 دقيقة“ في يناير 2019، أن مصر لا تحتجز أي سجناء سياسيين، بينما تقدر هيومن رايتس ووتش عدد السجناء السياسيين بأكثر من 60,000.[15]

في عام 2016، قدرت منظمة ورلد بريزون بريف عدد السجناء في مصر –سياسيين وغير سياسيين- بحوالي 90,000 سجينًا، إلى جانب 16,000 محتجزًا.[16] وبغض النظر عن الرقم ومدى دقته، فإن لنظام السجون في مصر تاريخ طويل من تفريخ العنف المتطرف. إذ يُعتقد، على سبيل المثال، أن زعيم القاعدة أيمن الظواهري تحول إلى التطرف بعدما تعرض للتعذيب والإهانة في السجون المصرية ثمانينيات القرن الماضي.[17]

أما محمود شفيق، نجل أحد ضباط الجيش المصري، الذي قُبض عليه في 2013 عن عمر يناهز 16 عامًا، أثناء مروره مصادفة في محيط مظاهرة لجماعة الإخوان المسلمين في طريقه للمدرسة، فقد قال السيسي في ديسمبر 2016، أنه مرتكب هجوم انتحاري لتنظيم داعش على كنيسة القديس بطرس والقديس بولس(البطرسية) في القاهرة، أسفر عن مقتل 26 شخصًا. وبحسب التقارير، فقد تطرف شفيق بعد تعرضه للتعذيب خلال مدة حبسه التي امتدت لعام واحد.[18]

بشكل عام تؤكد أبحاث هيومن رايتس فيرست على تحول السجون المصرية لبيئة تُنتج التطرف، وهي مشكلة وثقتها وسائل الإعلام وواضعوا السياسات في السنوات الأخيرة. وتطرق لها في أغسطس 2015، وزير الخارجية الأمريكي آنذاك جون كيري خلال زيارة لمصر، معربًا للمراسلين الأجانب عن مخاوفه من ”التطرف خلال الحبس“ وعن قلقه ”من تطور أشكاله ضمن الحلقة المفرغة من الإرهاب.“[19]

قبل أسابيع من تصريحات كيري في 2015، أجرى القيادي الثوري السجين أحمد ماهر، عضو حركة 6 أبريل،[20] مقابلة صحفية من سجن مصري. قال فيها: ”السجن فعلًا أصبح حاضنة للمتطرفين وأصبح مدرسة للإجرام والإرهاب معًا، فهناك مئات الشباب مكدسين في أماكن ضيقة، الجهادي مع الإخوان مع الثوري مع المتعاطف، وهناك نسبة ضخمة أيضًا من الشباب الذين تم القبض عليهم عن طريق الخطأ ولا ينتمون لأي فكر.“ وأضاف: ”الجميع يتعرض للظلم والتنكيل داخل السجون، والكل متهم بأنه إخواني أو إرهابي، وهو ما يؤدي إلى تحول الشباب المقبوض عليهم بالخطأ ولا ينتمون لأي فكر إلى الفكر الجهادي المتطرف، وكذلك الإخوان مع الوقت يتحولون للفكر المتطرف، فالكل يتعرض لمعاملة غير إنسانية بالمرة داخل السجون؛ والسلطات تعامل المساجين مثل العبيد، مما يولد لديهم الرغبة في الانتقام، بجانب المعاملة غير الآدمية التي يعاني منها الأهل عند الزيارات.“[21]

في أبريل 2016، نشر موقع الشروق، وهو موقع مصري خاص، تحقيقًا متعمقًا بعنوان ”هنا طرة.. مركز حكومي لتجنيد الدواعش.“ نقل التحقيق عن أحد السجناء أنه في مجمع سجون طرة سيء السمعة، يمكن أن يتحول بعض الشباب للتطرف على أيدي سجناء داعش في أقل من عشرة أيام. ”وذكرت الصحيفة أن رجلاً قال إنه قضى خمسة أشهر في سجن العقرب القاسي، وأن الظروف المعيشية اللاإنسانية والمعاملة القاسية للسجناء جعلت العديد من الشباب يرون أن داعش هم الأبطال الشجعان الذين سيأتون ويحطمون جدران السجن، وذلك لأنهم فقدوا الأمل في الخروج من السجن بأي شكل قانوني.“ وتابع: ”بعض الشباب يمكن أن يتطرفوا في جلسة واحدة فقط مع أعضاء داعش بعد سماعهم وعودًا بالانتقام.“[22]

في مايو 2017، صرح المفوض السامي السابق لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، زيد بن رعد الحسين، أن ”حالة الطوارئ في مصر، وتقارير التعذيب، والاعتقالات التعسفية المستمرة - كل هذا نعتقد أنه يسهل التطرف في السجون.“[23]

هذه التحذيرات لم تدفع الحكومة المصرية إلى التعامل مع المشكلة بجدية، ولم تقنع إدارة ترامب بإثارة القضية مع السلطات المصرية، بناءً على البيانات المنشورة للإدارة.

شارك

الانتقام والحماية

” توفر أيديولوجية داعش طريقًا عمليًا للانتقام، ومكافآت في الجنة، وحماية في السجن، بدرجات أقوى مما تقدمه المجموعات الأخرى... إنها طريقة العصابات الإجرامية، وهي فعالة للغاية. “

السجون المصرية أماكن خطيرة وعنيفة، لذا فالانتقام والحماية كانا- بحسب مقابلات هيومن رايتس فريست- أكثر محفزات الانضمام لداعش، قبل الأيديولوجيا. فالرغبة في الانتقام من سلطات السجن، وأجهزة الأمن المصرية بشكل عام، إلى جانب الحماية التي يقدمها تنظيم داعش لأولئك المنضمين له هما أبرز الأسباب، خاصة في ظل الشيوع النسبي للمشاجرات الجماعية بين سجناء داعش وسجناء الإخوان المسلمين، إذ يشعر باقي السجناء بحماية أكبر إذا انضموا لأحدى المجموعتين.

بحسب السجين السابق محمد نبيل العضو بحركة 6 أبريل، أنه أثناء احتجازه عام 2015، كان المحتجزون ينتقلوا لزنازين سجناء داعش بعد تعرضهم للتعذيب بالصدمات الكهربائية، إما بالهراوة الكهربائية أو باستخدام سلكين موصولين بالجدار ومثبتان على الجلد العاري. هذا بالإضافة إلى اغتصاب بعض المعتقلين بهراوة كهربائية، وتعليق بعضهم من الأطراف في السقف وصعقهم بالكهرباء. ويؤكد نبيل: ”رأيت ذلك بعيني.“ ويتابع: ”قابلت في السجن رجلاً يطلق عليه أمير سيناء، قصفت القوات الجوية المصرية منزله في سيناء، مما أدى لمقتل زوجته وأطفاله وحروق في جسده، وتم اعتقاله لمدة عام وتعذيبه على أيدي قوات الأمن، وبمجرد مغادرته السجن انضم فورًا لداعش.“ وتابع نبيل: ”وكنت في زنزانة مع رجل آخر من القاهرة، كان متظاهرًا سلميًا لكنه احتُجز لمدة عامين، معظمهم في زنزانة انفرادية، قبل أن ينتقل لزنزانتنا، حيث أخبرني أنه تعرض للتعذيب وانضم لتنظيم الدولة الإسلامية.“ [24]

سجين سابق آخر يُشار له باسم ”ليث“ أمضى شهورًا في السجن بتهمة التظاهر، يقول: ”أن مجموعة عرّفت نفسها على أنها داعش كانت تجند المساجين. تعكف على الحديث المستمر عن الجهاد، خاصة مع المدانين بأحكام طويلة المدة.“ وتابع: ”يدفعون السجناء للاستماع لأغانيهم، ومشاهدة مقاطع فيديو لهجماتهم الإرهابية الناجحة على هواتفهم المسربة، ويستغلوا فقدان الأمل في أي تغيير، حين يصبح السلاح هو السبيل الوحيد للتغيير.“[25] ويضيف ليث الذي سُجن 9 أشهر على مدى فترتين في عامي 2015 و2016، أن ”تعذيب النظام للسجناء العاديين يحرضهم على الانتقام.“ [26]

اتفق سجناء سابقون آخرون على أن الانتقام يعد دافعًا قويًا لأولئك الذين ينضموا لداعش في السجن. ففي أغسطس 2013، أُلقي القبض على المصري الأمريكي محمد سلطان- أُطلق سراحه مايو 2015- أثناء تغطيته لاعتصام جماعة الإخوان المسلمين بميدان رابعة العدوية في القاهرة كصحفي مستقل. قضى سلطان رهن الاحتجاز ما مجموعه 22 شهرًا في ثلاث مراكز للشرطة وثلاث سجون. كما احتُجز لفترة مع والده الذي ما زال رهن الاحتجاز. وقد جذبت قضية سلطان وإضرابه عن الطعام في محبسه اهتمام وسائل الإعلام الأمريكية والسياسيين الأمريكيين.

وفي مقابلة سلطان مع هيومن رايتس فيرست، قال: ”التطرف ليس مفتاح إضاءة. إنما عملية معقدة، تحدث عادة بشكل تدريجي. إذا تعرضت للإساءة، فأنت أكثر عرضة للتخلي عن أفكارك بشأن السلمية والديمقراطية.“ وتابع: ”في عامي 2013 و2014، كان رجال داعش وحدهم يتلقوا أخبارًا جيدة في السجن. بينما البقية منا، نحن المؤمنون بالديمقراطية والتغيير السلمي، نسمع طوال الوقت كيف تخلى عنا المجتمع الدولي وانحاز للسيسي. كان رجال داعش يتجولوا بنشوة الانتصار، بعد تداول أخبار هجماتهم في مصر وسوريا وفي كل مكان، بينما نشعر نحن بالهزيمة. أضف إلى ذلك التحرش والتعذيب والظروف الرهيبة في السجن.“ [27]

أما أيمن عبد المجيد السجين خلال عامي 2015 و2016 فقال: ”في بعض الأحيان يتخلل الاستجواب تعذيب جسدي، بما في ذلك التعذيب الجنسي. وقد خرج كثيرون من تلك الاستجوابات برغبة في الانتقام.“ وتابع: ”في الزنازين التي تجمعك برجال داعش، ستسمع عن فرصة حقيقية للانتقام، وإذا لم تُرِد الانتقام فهذا شأنك، لكن سيتعين عليك التعايش مع شعور دائم بالغضب، وفي النهاية أنت تعيش وتأكل مع هؤلاء الأشخاص، ولا خصوصية في السجون المصرية، وبمرور الوقت قد تجد كلامهم عن الانتقام مقنعًا للغاية.“ [28]

احتجزت السلطات المصرية الناشط ”سالم“ لعدة أشهر عام 2016 بسبب عمله في مجال حقوق الإنسان، وفي مقابلته مع هيومن رايتس فيرست حكى سالم كيف قابل في السجن شباب كانوا فريسة سهلة لداعش، بعد أقناعهم- خاصة الشباب من سيناء- ”أن الجيش أهانهم، وعليهم أن يهينوا الجيش.“

ويتابع سالم: ”في السجن، هناك من قبض عليه لمجرد مروره في توقيت معين بمحيط نقطة تفتيش، أو بسبب تدوينة صغيرة على موقع فيس بوك، هؤلاء يتعرضون للصعق بالكهرباء في الفم، أو في أعضائهم التناسلية. وبعدها يصبحوا على استعداد تام للانصياع لداعش.“ [29]

غادر ”فهد“ السجن في نوفمبر 2018. ويتذكر كيف نال بعض رجال داعش إعجاب بعض السجناء، وخاصة هؤلاء ”الذين قاتلوا السوفييت في السبعينيات في أفغانستان، القابعون اليوم في السجون، مرموقون جداً ويتمتعون بالهيبة.“ ويؤكد فهد: ”الإخوان المسلمون لديهم خيارات مختلفة لمعارضة النظام، أما تنظيم داعش فلديه خيار واحد أكثر وضوحًا، هو العنف.“ [30]

قُبض على ”محمد حسانين“ في مايو 2013 ووجهت له عدة تهم ذات دوافع سياسية - بما في ذلك إدارة منظمة غير مرخصة وتحريض أطفال الشوارع على المشاركة في الاحتجاجات. قضى حسانين وزوجته، آية حجازي، المواطنة المصرية الأمريكية، ثلاث سنوات في السجن بعد تأسيسهما منظمة غير حكومية، أطلقوا عليها مؤسسة بلادي، لحماية أطفال الشوارع. وقد تم إطلاق سراح الزوجين مع أربعة آخرين من المؤسسة نفسها في أبريل 2017، بعدما قضت المحكمة ببراءتهم.

يقول حسانين: ”لدى جماعة الإخوان المسلمين شبكة اجتماعية تعتني ببعض السجناء، ويستهدف تنظيم داعش أولئك الذين هم خارج رعاية هذه الشبكة، ويدعمهم ماديًا، ثم يستهدف أولئك الذين تعرضوا للتعذيب الوحشي في غرف جهاز الأمن الوطني، يقنعهم أن تعذيبهم كان نتيجة عدم تمكن الدولة الإسلامية بعد من إحكام سيطرتها، فهي لا تزال ضعيفة، لكن متى أصبحت قوية، فلن يتمكن أحد من تعذيب جنودها الأقوياء، الذين لن يستطع أحد قهرهم.“ [31]

”إبراهيم حلاوة“ الإيرلندي المولد، تم اعتقاله في مصر لأربع سنوات في 2013، على خلفية اتهامات مختلفة، من بينها التحريض على الشغب والتخريب. وقد خضع للمحاكمة مع ما يقرب من 500 آخرين،[32] قبل أن تقضي المحكمة ببراءته في أكتوبر 2017.

يقول حلاوة: أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها عن داعش. كنا ننتظر عودة أحد السجناء جاءته زيارة من أحد أفراد أسرته منتصف عام 2014، فلما عاد للزنزانة قال: ”هناك مقاطع مصورة على الإنترنت لأشخاص تعرضوا لهجوم دامي في العراق وسوريا من قبل مجموعة تسمى داعش.“ ويتابع حلاوة: ”استغربنا جميعا، مّن هؤلاء؟ أليس ما يحدث في سوريا ثورة ضد بشار؟ فقال: لا. العالم يتغير. هؤلاء الرجال انفصلوا عن القاعدة.“

ويستكمل حلاوة: ”بنهاية عام 2014، كان بعض السجناء قد بدأوا يهتموا بالتعرف على أيديولوجية داعش، وإن لم تكن لديهم شجاعة الحديث عن ذلك علنًا. ولكن بعدما اكتسب التنظيم مزيدًا من القوة، أصبح أعضائه بالسجن أكثر ثقةً وقوة. ورأيت الكثير من شباب داعش يدخلون السجن بنهاية 2014 عندما كنت في سجن المرج ... ورأيت لأول مرة زنزانة تخصص لأعضاء تنظيم داعش نهاية 2015 في سجن 440 في مجمع سجون وادي النطرون.“ [33]

ويتطرق ”حلاوة“ للظروف المروعة في نظام السجون، والتي ساعدت داعش على الإيقاع بالسجناء الشباب، فيقول: ”بعدما استقرت سلطة السيسي، بدأت الشرطة تتصرف بشكل أسوأ، فألقت بالرجال في السجون بسبب مشكلة في ركن السيارة أو كسر إشارة مرور، حيث تعرضوا للتعذيب، وتفاجئوا بقائمة من تهم الإرهاب، هؤلاء كانوا الأكثر عرضة للتطرف بعد تعرضهم للضرب والتعذيب.“ ويتابع: ”زادت كثافة السجناء في الزنازين، حتى وصلت 50 شخصًا في زنزانة 3.5 متر × 5.5 متر.. والمجرم الذي كان مسئولاً عن الزنزانة كان يجبر السجناء على النوم على الأرض على جنبهم، مضغوطين في بعضهم البعض، ثم يجلس على مؤخرته ويحشر نفسه على أحد الجدران ويضغطهم بساقيه للخلف، ضد الجدار المواجه حتى تكفيهم مساحة الزنزانة، كان هذا في سجن 440، هكذا كانوا يناموا، مهروسين، فإذا كنت تنام بهذا الشكل لثلاث سنوات، فغالبًا ستسمع لداعش.“

وبحسب ”حلاوة“ كان سجناء التظاهر يتعرضون أحيانًا أيضًا للتعذيب والضرب، وكثيرًا ما كانت عائلاتهم تتعرض للتعذيب أمامهم، أو يتم إخفاء أحد أفراد عائلتهم قسريا كوسيلة للضغط، وكان الشباب والرجال الأميين هم الأكثر عرضة لذلك. [34] ”توفر أيديولوجية داعش طريقًا عمليًا للانتقام، ومكافآت في الجنة، وحماية في السجن، بدرجات أقوى مما تقدمه المجموعات الأخرى. على سبيل المثال، لنفترض أن سجينا لكمك في وجهك في مشاجرة، عادةً يتدخل الجميع لمحاولة تهدئة الموقف قبل تصاعده، وقد ينتهي الحال بكما في الحبس الانفرادي كعقوبة. ولكن إذا كنت مع داعش، سيتكاتف كل رجال التنظيم لمساعدتك، حتى لو تعرضوا للضرب من حرس السجن... وهو ما يدفع البعض لأن يفكر: نعم، أريد أن أكون جزءًا من هذا، أريد هذا الدعم. إنها طريقة العصابات الإجرامية، وهي فعالة للغاية.“[35]

ويختتم حلاوة: ”عرض المساعدة على الانتقام مع داعش دائمًا بسيط وفعال، لذا يتحول بعض الرجال بسهولة إلى التطرف ويحملوا السلاح - ليس دائما دفاعًا عن المعتقد. فقد رأيت بين السجناء من شباب سيناء، من يقولوا نحن لا نهتم بهوية من يعطينا السلاح، إذا جاء من داعش فليكن. كل من يجلب لي السلاح هو صديقي.“

وعن ذلك يقول ”شريف“ الذي أُطلق سراحه في أكتوبر 2018: ”في سجن الجيزة، رأيت طفلًا يبلغ من العمر 18 عامًا ... كان صعب المراس بسبب إدمان المخدرات، ودائمًا يورط نفسه في المشاكل. لما وصل للسجن، لقب بـ ”الشبابي“ فقد كان مراهقًا مندفعًا من النوع الذي كثيرا ما تراه في حفلات الشباب الصاخبة. لكنه تعرض لتعذيب مبرح من الحراس، علقوه من السقف ويداه خلف ظهره، وجلدوه وصعقوه بأسلاك كهربائية. ولما عاد للزنزانة تحدث معه أحد رجال داعش، وعرض عليه الانتقام. فانضم إليهم فورًا وتغير لقبه إلى صديري الانتحار.“[36]

شارك

السيطرة

”بالتأكيد يحصل رجال داعش على معاملة تفضيلية. إما بسبب خوف الحراس منهم؛ وخاصة بسبب ما يحظى به سجناء داعش من احترام من البلطجية في السجون ودعم متبادل، أو لأن النظام في حاجة لهم لتبرير القمع والعنف، فهذه المعاملة من سلطات السجن لا يمكن أن تكون محض صدفة.“

اكتسب تنظيم داعش شهرةً سياسة بسبب صلابته داخل السجون وعدم تعاونه مع سلطاتها، مما حقق فوائد لأعضائه. بينما السلطات، التي تعلن تحدي المتطرفين وتهدد بالعنف، تقدم في الحقيقة تنازلات لمطالبهم. يقول حسانين: ”يبدأ داعش أولاً في تجنيد المتهمين في القضية الواحدة، وبمجرد أن يشكلوا قاعدة قوة صلبة، يتحركون لاصطياد الآخرين.“ [37] وبحسب نبهان: ”يتوسط سجناء داعش لأنصارهم من السجناء لدى سلطات السجن، التي غالبا ما تمتثل لمطالبهم.“ [38]

فيصل محامي في الأربعينيات من عمره، له موكّلون منتشرون في مختلف سجون مصر، تطرف بعضهم، ورفض أي تمثيل قانوني له أمام المحكمة. يقول فيصل: ”تقدم مجموعات داعش في السجون طعامًا أفضل للسجناء الأكثر فقراً، وتوفر حماية أفضل ضد الحراس والسجناء الآخرين، فضلاً عن مزايا أخرى مثل القدرة على استخدام الهواتف المحمولة المهربة وأحيانًا الكتب، بل أن التنظيم يوفر نوعًا من التعليم، يحصل السجين بموجبه على (دبلوم داعش).“ ويتابع: ”بعض حراس السجون يخشوا انتقام مجموعات داعش وثأرهم حال أُطلق سراحهم، والمتدينون من الحراس يخشوا دعائهم المستمر لله بالانتقام لهم، ويطلبون منهم أن يتوقفوا عن الدعاء عليهم.“[39]

وفي هذا الصدد يشرح سلطان: ”في الأشهر الستة التي قضيتها في السجن، تمكن اثنان أو ثلاثة من رجال داعش من التواصل معي بينما كنت معزول بشكل كامل في حبس انفرادي وعلى باب زنزانتي حارسين، لكن يبدو أن السلطات مكنت وصولهم لي بطريقة أو بأخرى. وبينما كان من الصعب جدًا أن يحصل أحد السجناء على هاتف محمول في السجن، كانت هواتفهم المهربة معهم، حتى أن أحدهم جاء يومًا لزنزانتي يسأل عن أفضل شبكات VPN لتثبيتها على هاتفه.“ [40]

ويتابع سلطان كيف أن موقف داعش العدواني تجاه السلطات، يمنحهم معاملة أفضل ومزايا أكثر. ويقول: ”بالتأكيد يحصل رجال داعش على معاملة تفضيلية. إما بسبب خوف الحراس منهم؛ وخاصة بسبب ما يحظى به سجناء داعش من احترام من البلطجية في السجون ودعم متبادل، أو لأن النظام في حاجة لهم لتبرير القمع والعنف، فهذه المعاملة من سلطات السجن لا يمكن أن تكون محض صدفة.“ [41]

ويضيف حلاوة: ”أعضاء داعش يتحدون الحراس مباشرة، سنقاتلكم إذا حاولتم السيطرة علينا، ونحن على أتم استعداد للموت، من هذا المنطلق يحظوا بالاحترام والقوة في السجن، وهو ما يفسر كيف أصبحوا أقوياء، وتمكنوا من إدخال كتب تساعدهم على نشر التطرف، وحصلوا على الطعام والملابس والضروريات الأساسية لمجموعتهم.“[42]

يقول شريف عن تلك العلاقة المتوترة بين حراس السجون وسجناء داعش: ”لا يردون التحية على حارس الزنزانة، ويرفض معظمهم ترك الزنزانة لحضور جلسة المحكمة، فإذا رضخوا ووافقوا على استقلال سيارة السجن من مقر احتجازهم، رفضوا النزول منها على باب المحكمة. كما يرفض أعضاء التنظيم الاستعانة بمحامين مما يهدد سير المحاكمات، ويأبوا الحديث أو الاعتراف أمام سلطات التحقيق وفي المحاكم، وفي ذلك كله على سلطات السجن إما أن تأخذهم للمحكمة بالقوة أو بالتفاوض، الأمر الذي يزيد سجناء داعش هيبة ويحقق لهم بعض المكاسب، لأن سلطات السجن تدخل معهم في تفاوض في كثير من الأحيان.“ [43]

هذا السلوك، حسب شريف، يزيد من قوة تنظيم داعش في السجن، وخاصة أن بعض سجناء التنظيم يهددون الحراس بالانتقام من أسرهم ومهاجمة منازلهم، لذا يفضل معظم الحراس الاستجابة لمطالب سجناء التنظيم خوفًا من بطشهم، فلا يفتشوا زنازينهم بشكل جاد، ويتغاضون عن احتفاظ بعضهم بالهواتف المحمولة المهربة، الأمر الذي قطعا يثير اعجاب باقي المظاليم في السجون ويحقق رواجًا لأفكار داعش الراديكالية بين بقية السجناء، بعدما يروا بشكل يومي كيف تتحدى داعش سلطات السجن، وكيف تحتفل زنازينهم بأي هجوم كاسح للتنظيم خارج أسوار السجن دون اعتراض سلطات السجن، بما فيهم الضباط. ومن ثم فبإمكانهم وحدهم إدخال احتياجات السجناء من الكتب، وضمان أن يحصل أنصارهم بالسجن على حصص طعام مناسبة، وتوفير الحماية والانتقام لكل من يقبل الانضمام لمظلتهم في السجن.“ [44]

تقول سيدة ثلاثينية كانت تترد على سجن طرة في 2018 لزيارة أحد أفراد أسرتها: ”تنص القواعد على أنه لا يُسمح إلا لثلاثة أفراد من العائلة بالزيارة، ويخرج السجين لرؤيتهم مقيد اليدين، ويتم تفتيشه قبل الزيارة وبعدها. لكن في زياراتي، كنت أرى أحد سجناء داعش يدخل لمكان الزيارة بلا قيود، ودون تفتيش، حيث يلتقي بأكثر من 15 فردًا من أفراد أسرته، وقد سمح له بالبقاء معهم لفترة أطول بعد انتهاء مدة الزيارة، رغم اجبارنا وباقي الأسر على المغادرة في موعد انتهاء الزيارة.“ [45]

هذا التمييز الواضح في المعاملة النابع بالأساس من خوف سلطات السجن من أعضاء التنظيم، يعكس قوتهم داخل السجون إلى حد يصل للتهديد بالعصيان الجماعي إذا امتنعت السلطات عن تحقيق مطالبهم، على النحو الذي عاينه ”فهد“ سجين وادي النطرون السابق الذي أكد لهيومن رايتس فيرست أن: ”هناك المئات من تنظيم داعش في سجن وادي النطرون، وهم أقوياء حقًا، مسيطرين على كثير من ترتيبات إدارة السجن. يمكنهم بسرعة تحديد السجناء المستهدفين بالتجنيد وتمتثل السلطات لطلبهم بالنقل لزنازينهم. يهددون سلطات السجن بالعصيان الجماعي إذا امتنعت عن تنفيذ مطالبهم، ولا يلتفت أحد لمساعيهم في نشر التطرف داخل السجن.“ [46]

شارك

مواجهة التطرف

 ”ظروف سجن أفضل يمكن أن تحرم داعش من توظيف بعض المظالم لتجنيد السجناء -إنها ليست ضمانة-، لكن إذا أوقفت التعذيب والضرب، فستُضعف كثيرا من قوة داعش.“

بحسب شهادات بعض السجناء السابقين، حاول بعضهم مواجهة تأثير داعش وخطابه المتطرف في السجن، من خلال التقرب من المستهدفين بالتجنيد، أو تنظيم مجموعات قراءة ونقاش حول موضوعات بعيدة عن التطرف، كما لجأ بعضهم لشرح خطورة الوضع لسلطات السجن، الذين تجاهلوا تحذيراتهم. إذ يبدو أنه لم يكن هناك أي جهد منظم من جانب مسئولي السجون لمنع التطرف، إما بدافع عدم الاهتمام، أو خوفًا من نفوذ داعش المتنامي في السجن. يقول نبيل: ”عندما تم استجوابي، أخبرت الضابط بشأن انضمام السجناء بعد تعرضهم للتعذيب لتنظيم داعش. لكنه لم يعر الأمر اهتمامًا.“ [47] ويؤكد محمود المحامي والسجين السابق: ”حاولت أنا وآخر مواجهة ما يقوله رجال داعش للسجناء في الزنزانة، في مبادرة منا لوقف التطرف، لكن سجناء داعش هددونا بالأذى البدني. ولما أبلغنا سلطات السجن لم يهتموا.“ [48]

وفي ذلك يرى ليث أنه: ”على السلطات عزل سجناء داعش عن الآخرين، وتنظيم حملات توعية في السجون ضد التطرف، كما يجب أن تعاد محاكمة هؤلاء الذين صدرت ضدهم أحكام قاسية لمجرد الاحتجاج أو معارضة النظام.“ [49]

يقول حسانين، المعتقل السابق والقيادي بإحدى المنظمات: ”تلقي السلطات القبض على كثير من المتعاطفين – ربما بشكل مؤقت- مع داعش، هؤلاء لم يتبنوا أيديولوجية داعش بشكل كامل، وربما انضموا للتنظيم أسميًا بسبب بعض الإحباط المؤقت، أو للانتقام من شخص معين أو على سبيل الدعم لشخص أو لمجموعة يرونها ضحية بسبب ما تكبدت أمامهم من معاناة. هؤلاء المتعاطفون بقليل من المناقشة حول أفكار داعش المرفوضة، أو بمجرد تواصلهم مع سجناء أخرون من حركة 6 أبريل مثلاً، تتطور بينهم علاقات إنسانية ودية ويذوب الجليد، ويتراجع معظمهم عن أفكار التطرف. هذا الاختلاط يقلل من انتشار داعش، وخاصة أن أيديولوجيتهم الدينية ضعيفة للغاية. رجال داعش ليسوا الأكثر تعليماً ولا يملكون أفضل الحجج، وبالتالي فإن الاختلاط بغيرهم يقلل من تأثيرهم.“ [50]

وفي ذلك يذكر حسانين واقعة محددة عن شخص: ”لم يكن يعرف كيف يقرأ النصوص الدينية الأساسية، لكنه يتحدث بشكل مستمر عن قضايا الجهاد الفقهية المعقدة، وما أن بدأت معه مناقشة قضية الديمقراطية معه حتى جن جنونه- كمعظم أعضاء التنظيم- فقلت له أن للديموقراطية أمثلة في الإسلام، ورغم انه لم يصدق ما رويته له من وقائع، إلا أن شيوخه أكدوا صدق ما أخبرته، فطفق يعيد التفكير في كل شيء وجاءني بالعديد من الأسئلة.“ [51]

ويتابع حسانين: ”ثم بدأ يتحدث عن المقاتلات في البشمركة (الكردية)، حيث يقاتل تنظيم داعش في العراق، وقال إنه يتمنى الانضمام لصفوف المقاتلين هناك. ذلك لأن جزء كبير من محفزات داعش للقتال تتعلق بالوعود الجنسية والجواري من النساء في الحياة الدنيا وفي الآخرة. ولما سألته لماذا تريد محاربة البشمركة، بينما هم مسلمون سنة، أصر أنهم شيعة، فاحتكمنا لشيخ داعش في السجن (الأمير) الذي أكد بدوره أنهم من السنة، فأصبح الرجل أكثر تشككا، خاصة عندما أدرك أن المعركة مع البشمركة هي معركة على السياسة والأرض، ولا تتعلق بالدين.“[52]

محاولة أخرى من سالم السجين السابق قال عنها: ”في 2016 حاولت تشكيل مجموعة مناقشة حول بعض الكتب التي سمح حراس السجن بإدخالها لنا بالرشوة، بما في ذلك كتب لكافكا وأورويل.“ ويتابع: ”أعطتنا الكتب موضوعات مختلفة للحديث والنقاش، بعيدة عن أفكار التطرف، هذا ساعد على تفتح العقول قليلا ومواجهة رجال داعش وأفكارهم بين السجناء، إلا أنه سرعان ما تمت مصادرة الكتب، ومعاقبتي بالحبس الانفرادي.“ [53] ويختتم سالم حديثه: ”الدبلوماسيون في السفارة الأمريكية بالقاهرة عليهم الذهاب للسجون ورؤية الحقيقة بأنفسهم، وكذلك أعضاء الكونجرس الذين يأتون لمصر.“ [54]

بحسب معتقلين سابقين، ثمة برنامج لنبذ التطرف العنيف داخل السجون بدأ منذ سنوات لكنه فشل. يقول محمود، المحامي والسجين السابق: ”في 2016، وقّع مئات السجناء وثيقة نبذ العنف والأفكار الراديكالية بعد وعدهم بالإفراج المبكر، فلما لم يطلق سراحهم حسب الوعد رغم تخليهم عن مزايا الانضمام لصفوف داعش في السجن، أصبحوا عرضة للخطر والانتقام من سجناء داعش، وصار من الضروري فصلهم في زنازين بعيدة عن سجناء التنظيم حفاظًا على سلامتهم.“ [55] وأضاف معتقلون سابقون أن ما يسمى ببرنامج ”المراجعة والتخلي“ كان يستهدف ضمان ولاء سجناء الإخوان المسلمين لنظام السيسي، لكن هذا لا ينفي أن بعض السجناء وقعوا الوثيقة طمعًا في بعض المزايا مثل مشاهدة التلفزيونات أو السماح لهم بممارسة الرياضة، ولم يكن لديهم نية حقيقية للتخلي عن العنف.“ ويضيف نبهان: ”في يوم من الأيام أحضرت السلطات عالمًا دينيًا معتدلًا للحديث مع السجناء، لكنه كان سطحيًا للغاية.“ [56]

إن التدابير التي من شأنها كبح التطرف تشمل بالأساس وقف التعذيب، وتحسين ظروف الاحتجاز وأوضاع السجون، وتمكين السجناء من التواصل مع ذويهم، وبذلك يمكن الحد من انتشار أفكار تنظيم داعش بين هؤلاء السجناء ضحايا العزلة. هذا بالإضافة إلى مزيد من زيارة الأقارب والتواصل الأسري بين السجناء وعائلاتهم، فضلاً عن السماح للسجناء بالاطلاع على النصوص الدينية المعتدلة والتواصل مع متخصصين، وكذا السماح للطلاب منهم بمواصلة دراساتهم أثناء الاحتجاز.

يقول فهد أن ”ظروف سجن أفضل يمكن أن تحرم داعش من توظيف بعض المظالم لتجنيد السجناء - إنها ليست ضمانة، لكن إذا أوقفت التعذيب والضرب، فستُضعف كثيرا من قوة داعش.“ [57]

ويضيف فيصل: ”تستطيع السلطات اتخاذ خطوات فورية لوقف التطرف، بعدما تعترف أولاً أن التطرف في السجون واقع لا يمكن إنكاره، وذلك بوقف الاعتقالات العشوائية، ووقف التعذيب، والسماح لهم بالتمتع بحقوقهم القانونية دون أن يضطروا للانضمام لصفوف داعش بحثًا عن حقوقهم أو ضمانًا لحمايتها.“ [58]

أما شريف فأختصر الحل في: ”أوقفوا التعذيب، واعزلوا داعش عن غيرهم.“

وهو ما كرره حلاوة مؤكدا أنك ”لو خلطت بين المساجين في الزنازين، وأحالتهم للمحكمة معًا، بالتهم نفسها، فأنت تلقائيا تجعلهم تابعين لتنظيم داعش.“ [59] ويتابع: ”تسمح السلطات للتطرف بالنمو ولا تواجهه، ربما لأنه يدعم هراء السيسي - فهو يخلق المشكلة التي يريدها السيسي باقية، ويلبي احتياجه لوجود خطر كخطر تنظيم الدولة الإسلامية في سيناء أو في أي مكان.“ [60]

وبحسب حلاوة فمعظم السجناء- بما فيهم الراديكاليين- يتطلعون فقط لحياة طبيعية، فقط أعطهم التلفزيون والصحف والهواتف- حدث هذا بشكل محدود في عهد مبارك- وهذا وحده كفيل بتحجيم تطرفهم ومقاومة عزلتهم، التي تجعلهم عرضة فقط للتجنيد. فمزيد من الزيارات العائلية والكتب، من شأنه أن يجعل التجنيد أكثر صعوبة.[61]

من جانبه يقترح سلطان أيضًا: ”الإشراف الدولي على السجون كوسيلة لمواجهة التطرف العنيف.“ ويتابع: ”يمكن للمسئولين الأمريكيين أن يطلبوا زيارة السجون، وليس فقط سجون العرض الناعمة، بل داخل طرة والأماكن القاسية.“ [62] ويضيف سلطان: ”سيكون الوضع أفضل أيضًا لو تمكن السجناء من الوصول لمكتبات السجون، واختلط السجناء مع قيادات فكرية وديمقراطيين، بدلاً من احتجاز هذه القيادات بشكل منفصل، رغم قدرتهم على تشكيل قوة اعتدال في السجون ضد مجموعات داعش، باعتبار أفكارهم هي أفضل خط دفاع ضد داعش.“ [63]

واختتم سلطان كلامه: ”إن الإحساس بأن العالم قد تخلى عنك إحساس بالغ الصعوبة، يستغله رجال داعش. فلما أخبرني أحد زواري يوما أن السناتور السابق [جون] ماكين تحدث عن قضيتي، وفي طريق عودتي لزنزانتي بعد الزيارة، بينما كان أحد رجال داعش يدفعني على كرسي المُقعدين، قلت له أن العالم الخارجي يتابعنا، ولم يتركنا. كم يمكن لكلمة من مسئول أن تحدث فرقًا كبيرًا، تحميك من شعور أنك منسيّ، إلق خطابًا، اختر حالة، إصدر بيانًا، واظهر اهتمامًا.“[64]</a

شارك

النفوذ الأمريكي

كان السيناتور الراحل جون ماكين (جمهوري - أريزونا) من أبرز منتقدي سجل مصر في مجال حقوق الإنسان، خاصة بعد الانتفاضات الشعبية التي أجبرت الرئيس الأسبق حسني مبارك على التنحي في2011، هذا بالإضافة إلى السناتور ليندسي جراهام (جمهوري - كارولينا الجنوبية) والسيناتور باتريك ليهي (ديمقراطي - فيرمونت)، وآخرين من أعضاء الكونجرس، هؤلاء مارسوا ضغوطًا قوية من أجل حجب جزء من المساعدات العسكرية عن القاهرة ورهنها بالإصلاح.[65]

منذ السنة المالية 2012، أصدر الكونجرس تشريعًا للاعتمادات الخارجية، وبموجبه رهن جزء من المساعدات العسكرية لمصر بشهادة وزير الخارجية الأمريكي بأن الحكومة المصرية تتخذ خطوات مختلفة وحقيقة نحو دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وقد تضمن التشريع استثناء يتعلق بالأمن القومي يسمح للإدارة بالتنازل عن شرط شهادة وزير الخارجية في ظروف معينة.[66] وبناء عليه، في السنة المالية 2018، رهن قانون الاعتمادات الموحدة لعام 2019 الإفراج عن مبلغ 300 مليون دولار من التمويل العسكري الأجنبي لمصر بعدة شروط يتعين على الحكومة المصرية استيفائها، تتمحور حول أن ”تتخذ حكومة مصر خطوات مستدامة وفعالة من أجل:

(1) النهوض بالديمقراطية وحقوق الإنسان، بما في ذلك الحكم بطريقة ديمقراطية وحماية الأقليات الدينية وحقوق المرأة، والتي تضاف إلى الخطوات المتخذة خلال السنة التقويمية السابقة للأغراض نفسها؛

(2) تنفيذ الإصلاحات التي تحمي حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي، بما في ذلك تمكين منظمات المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان ووسائل الإعلام من العمل دون عوائق؛

(3) إطلاق سراح السجناء السياسيين وضمان اتباع الإجراءات القانونية الواجبة مع جميع المحتجزين؛

(4) مساءلة قوات الأمن المصرية، بما في ذلك الضباط المتهمين بانتهاك حقوق الإنسان؛

(5) التحقيق في حالات القتل خارج نطاق القانون والاختفاء القسري ومقاضاة المسئولين عنها؛

(6) تمكين مسئولي الولايات المتحدة من مراقبة هذه الإجراءات وضمان صرف هذا الدعم في الأوجه المخصصة له. [67]

وبينما تتعامل هذه الشروط مع العديد من انتهاكات حقوق الإنسان المستوطنة في ظل حكم السيسي القمعي، لكنها لا تشير بشكل مباشر إلى الإصلاح الجنائي والإجراءات الأخرى التي يمكن اتخاذها للحد من التطرف المتنامي في السجون.

شارك

ختام

تعكس روايات السجناء السابقين في مصر، كما جمعتها هيومن رايتس فيرست، مشكلة خطيرة، تتمثل في تعاظم قدرة تنظيم داعش على تجنيد المزيد داخل سجون مصر، مستغلاً إساءة معاملة المعتقلين وتعذيبهم، واعدًا مناصريه بالتمكين من الانتقام. وبينما تتجاهل السلطات المصرية هذه الأزمة، يبدو أن الجماعة المتطرفة توسع من سيطرتها على السجون في مصر.

هذه الظاهرة- حسب المحامين والسجناء السابقين- ليست قاصرة على بعض أماكن الاحتجاز دون غيرها، وإنما تكاد تمتد في نظام السجون بأكمله. الأمر الذي لا يهدد بنمو التطرف العنيف في مصر فقط، وإنما يهدد المنطقة والولايات المتحدة أيضًا. فإذا كانت إدارة ترامب جادة في مكافحة الإرهاب، عليها أن تحقق على الفور في أوضاع السجون المصرية، وتحدد الدوافع الرئيسية للتطرف داخلها، وتحث السلطات المصرية على تغيير سلوكها الذي يزيد من التطرف.

يأتي التطرف كنتيجة للتعذيب المتفشي في السجون المصرية وغيره من أشكال سوء المعاملة، وظروف السجن الرديئة، والاختلاط بين محترفي الإجرام والمتطرفين من تنظيم داعش وبين معتقلي المعارضة السلمية أو المتهمين في جرائم سياسية، فضلاً عن عوامل أخرى يحتمل أن تغذي ماكينة التطرف في أماكن الاحتجاز.

شارك

التوصيات

  • على الحكومة الأمريكية أن تحذر – بشكل مباشر وعلني- الحكومة المصرية من أن أوضاع السجون في مصر تغذي التجنيد في داعش، وأن الإصلاح العاجل مطلوب.
  • يتعين على مسئولي السفارة الأمريكية بالقاهرة تقديم طلبات بزيارة وتفقد أماكن الاحتجاز لتقييم الأوضاع وتقديم توصيات تحسينها، وكذلك أعضاء الكونجرس من زائري مصر.
  • على إدارة ترامب تعيين سفير مناسب ومؤهل في مصر في أقرب وقت ممكن.
  • على الكونجرس أن يقلل بشكل كبير من مقدار التمويل العسكري الأجنبي لمصر في قانون اعتمادات السنة المالية 2020، ويزيد مقدار الأموال المشروطة بالتقدم في مجال حقوق الإنسان إلى أكثر من 300 مليون دولار.
  • على الكونجرس أن يحد بدرجة أكبر من قدرة وزير الخارجية، في حالة عدم وجود حالة طوارئ وطنية، على استخدام الاستثناءات تحت مزاعم الأمن القومي للالتفاف على إرادة الكونجرس.
  • على الكونجرس أن يدرج شروط إصلاح السجون في نصوص الاعتمادات المتعلقة بالتمويل العسكري الأجنبي لمصر، بما في ذلك وضع حد للتعذيب وسوء المعاملة في أماكن الاحتجاز، وتقديم دليل على العزل الفعال لسجناء داعش المتشددين عن بقية نزلاء السجون.
  • على الإدارة الأمريكية معاقبة كل مسئول مصري ثبت تورطه في انتهاكات حقوق المعتقلين في مصر - بما في ذلك جرائم التعذيب - وفقًا للسلطة المنصوص عليها في قانون ماجنتسكي للمحاسبة العالمية عن جرائم حقوق الإنسان، على أن تكون مثل هذه الإجراءات وغيرها- بما في ذلك حجب المعونة أو جزء منها- مصحوبًا باستراتيجية دبلوماسية قوية تهدف إلى تحسين سجل مصر في مجال حقوق الإنسان والمساهمة في الأمن الإقليمي والدولي.

شارك

ملحق: مجموعة مختارة من الشهادات من المحامين والسجناء السابقين

محمد نبيل [68]ناشط ليبرالي ومدافع عن حقوق الإنسان وعضو في المكتب السياسي لحركة شباب 6 أبريل. ألقي القبض عليه بسبب نشاطه السياسي، وتم احتجازه بمعسكر الأمن المركزي- الكيلو عشرة ونص- لأكثر من شهر عام 2015 في القسم السياسي- حيث تم فصل المحتجزين هناك - السجناء السياسيين والمشتبه بهم في قسم، والجنائيين العاديين في أخر.

يقول لنبيل: ”داخل القسم السياسي، تم احتجاز المعتقلين الليبراليين والإخوان المسلمين معًا، وكانت هناك زنزانة منفصلة لسجناء داعش. بعدما وصلت دخلت في مشادة مع حارس الزنزانة الذي أودعني زنزانة داعش كعقوبة لعدة أسابيع، حيث يقبع ما بين 35 إلى 50 سجين في الزنزانة.

جاءت خبرة سجناء آخرين مع داعش بالطريقة نفسها، بعد وضعهم في زنزانتهم كعقاب، وغالبًا ما يتم ذلك بعد تعذيبهم مباشرة. يشمل التعذيب الصدمات الكهربائية، إما بهراوة كهربائية أو بسلكين موصولين بالجدار يثبتان على الجلد العاري. اضطررت لمشاهدة المحتجزين وهم يتعرضون للتعذيب بهذه الطريقة، بمن فيهم مراهق صغير السن. كما تم اغتصاب بعض المعتقلين بهراوة كهربائية. وتم تعليق الآخرين من السقف والصعق بالكهرباء. رأيت ذلك بعينيّ.

ما رأيته لم يشمل المعتقلين الذين يسئلون عن معلومات، بل كان التعذيب مجرد عقاب، وعادة ما يقوم به فريق مكون من خمسة أو ستة أشخاص، أحدهم ضابط والآخرون أقل رتبا.

في زنزانة داعش قابلت رجلاً أطلقوا عليه اسم ”أمير سيناء.“ تحدث إليّ قبل بضع سنوات من قصف القوات الجوية المصرية لمنزله في سيناء، مما أدى إلى مقتل زوجته وأطفاله وترك جسده محترقًا من أحد جوانبه. قال لي إنه تم اعتقاله وتعذيبه على أيدي قوات الأمن المصرية، التي احتجزته لأكثر من عام. وبمجرد مغادرته السجن، انضم فورًا إلى داعش بسبب ما حدث له.

وكنت في زنزانة مع رجل آخر من القاهرة، كان متظاهرًا سلميًا لكنه احتُجز لمدة عامين، معظمهم في زنزانة انفرادية. وعندما قابلته، أخبرني أنه تعرض للتعذيب وانضم إلى داعش.

أثناء استجوابي، أخبرت الضابط عن انضمام الأشخاص الذي يتعرضون للتعذيب إلى داعش. لكنه لم يعر الأمر اهتمامًا.“

محمد سلطان، صحفي مستقل ألقي القبض عليه من ميدان رابعة العدوية بالقاهرة في أغسطس 2013، بعدما أصيب بطلق ناري خلال تغطية فض الاعتصام. أمضى 22 شهرًا رهن الاحتجاز في ثلاثة مراكز للشرطة وثلاثة سجون، حتى تم إطلاق سراحه في مايو

يقول سلطان: ”رأيت رجال داعش طوال فترة سجني. بدأ التفاعل معهم في أوائل 2014 عندما تداخلت أوقات الراحة الخاصة بهم مع باقي المساجين، ثم أصبح وقت الراحة موحدًا للجميع.

في أواخر 2013، كان هناك شخص واحد من داعش معي في استقبال طرة، وكان في إضراب عن الطعام ولا يقبل إلا السوائل، وقد اعتدنا أن نطلب من الحراس منحه المشروبات. نقلوه إلى مستشفى السجن، ثم انتهى به المطاف في الجناح الذي كنت فيه، بجوار المستشفى، حيث كانت زنزانته أسفل زنزانتي بدورين. أتذكر عندما عرض والدي عليه بعض الطعام والملابس، وجدناها صباح اليوم التالي على باب الزنزانة مع ورقة: ”لا أقبل هدايا من كفار.“ وقد برر ذلك لاحقا في حديث مع أبي قائلا: ”أنت وابنك كنتما لطيفان معي وبدأت أرتاح لكما، لكنني أعرف أنه عندما تصل الدولة الإسلامية للقاهرة ستكونان أول من يطلب مني قتلهما، لذا لا أريد أن أحمل أية عواطف لكما.“

في ذاك الوقت، في عامي 2013 و2014، كان رجال داعش هم الوحيدون الذين يتلقون أخبارًا جيدة في السجن. بينما كان البقية منا، نحن المؤمنون بالديمقراطية أو التغيير السلمي، يسمعون طوال الوقت كيف تخلى عنهم المجتمع الدولي وانحاز للسيسي. كان رجال داعش يتجولون بنشوة الانتصار، بعد تداول أخبار هجماتهم في مصر وسوريا وكل مكان، بينما نشعر نحن بالهزيمة. أضف إلى ذلك التحرش والتعذيب والظروف الرهيبة في السجن، إنها بالفعل أرض خصبة للتطرف.

في السجن، كان رجال داعش يأتون باستمرار محاولين التحدث معي عن إضرابي عن الطعام، يخبرونني أن العالم لا يهتم، وأن العنف هو اللغة الوحيدة التي يفهمها العالم.

كانت لديهم سلطة داخل السجون أيضًا، فقد تمكن اثنان أو ثلاثة من رجال داعش من سيناء من الوصول إليّ عندما لم يستطع أي شخص آخر، بعد عزلي عزلة تامة، وتعيين حارسين خارج زنزانتي. مكّنت السلطات وصولهم لي بطريقة أو بأخرى. أخبرني رجال داعش أنهم في الجناح المجاور لأبي، وأنه يتعرض للتعذيب، وأنه ينبغي عليّ أن أنهي إضرابي عن الطعام وأن أتخلى عن سلميتي. كانوا قادرين على الوصول لي ورؤيتي عشرة مرات أو أكثر خلال 6 أشهر.

كان من الصعب جدًا بالنسبة لنا الحصول على هواتف محمولة مهربة في السجن، ولكن لم يكن الحال كذلك مع رجال داعش. جاء أحدهم إلى زنزانتي ليسألني عن أفضل شبكات VPN حتى يتمكن من تثبيتها على هاتفه. كما تعهد أحد السجناء المجندين بالولاء للتنظيم عبر الهاتف خلال فترة الاستراحة.

بالتأكيد يحظى رجال داعش في السجن بمعاملة تفضيلية، إما بسبب خوف الحراس منهم؛ وخاصة بسبب الاحترام والدعم المتبادل بينهم وبين البلطجية في السجون، أو لأن النظام في حاجة لهم لتبرير القمع والعنف، إذ لم يكن لأحد المساجين- غيرهم- القدرة على مواجهة سلطات السجن، وخاصة أن السجناء الديمقراطيين أكثر سلمية. فهذه المعاملة من سلطات السجن لا يمكن أن تكون محض صدفة

في 16 مارس 2015، كان الكثير منا من زنازين مختلفة على موعد للذهاب للمحكمة للمثول أمام قاضي واحد ينظر في قضايانا المختلفة. وكان هناك سجين واحد بيننا من داعش، أحد هؤلاء الذين اعتادوا الوصول إلىّ في زنزانتي. وبينما نجلس جميعًا في المحكمة، أكد القاضي على ان هذا الذي من داعش مذنب لكونه جزءا من هذا التنظيم، ارتكب كذا وكذا..الخ، وبنهاية الجلسة حكم القاضي بإخلاء سبيله بكفالة، بينما قضى في قضيتنا بإعدام ـ13 شخصًا، بمن فيهم والدي. كان التباين لا يُصدّق، لم أفهم كيف يمكن تفسيره، لكنه كان بالنسبة لي مؤشر واضح على أن النظام يحتاج إلى أن تطرف هؤلاء الرجال، وأن تستمر مصانع التطرف في السجون.

الإحساس بأن العالم قد تخلى عنك إحساس بالغ الصعوبة، يستغله رجال داعش. لذا لما أخبرني أحد زواري يومًا ما أن السناتور ماكين تحدث عن حالتي، وفي أثناء عودتي للزنزانة يدفعني على كرسي المُقعدين رجل من داعش، قلت له أن العالم الخارجي يتابعنا، ولم يتركنا.

كم يمكن لكلمة من مسئول أن تحدث فرقًا كبيرًا، تحميك من شعور أنك منسيّ - إلق خطابًا، اختر حالة، إصدر بيانًا، واظهر اهتمامًا.

التطرف ليس مفتاح إضاءة. إنما عملية معقدة، تحدث عادة بشكل تدريجي. وإذا تعرضت للإساءة، فأنت أكثر عرضة للتخلي عن أفكارك بشأن السلمية والديمقراطية

هناك حاجة إلى إشراف دولي على السجون، لا يمكنك ترك المصريين لإدارتها على هذا النحو. ويمكن للمسؤولين الأمريكيين طلب زيارة السجون، بما في ذلك سجون طرة والأماكن القاسية.

سيكون الوضع أفضل أيضًا لو تمكن السجناء من الوصول لمكتبات السجون، واختلط السجناء مع قيادات فكرية وديمقراطيين، بدلاً من احتجاز هذه القيادات بشكل منفصل، رغم قدرتهم على تشكيل قوة اعتدال في السجون ضد مجموعات داعش، باعتبار أفكارهم هي أفضل خط دفاع ضد داعش

أيمن عبد المجيد،[69] ناشط سياسي ليبرالي مصري يعيش حاليًا في المنفى في أوروبا، تم اعتقاله على خلفية انتمائه لحركة 6 أبريل بتهمة المشاركة في حركة محظورة وتنسيق مسيرة دون تصريح.

يقول عبد المجيد: كنت في السجن لمدة ثلاثة أشهر بين نهاية عام 2015 وبداية عام 2016. كما تم احتجازي وعزلي في الحبس الانفرادي في عدة سجون وأماكن احتجاز مختلفة، بما في ذلك سجن الكيلو عشرة ونصف، وسجن القناطر، وسجن الجيزة، بالإضافة إلى العديد من أقسام الشرطة. وقد تم استجوابي من قبل أمن الدولة ثلاث مرات. كنت فيها معصوب العينين مكبل الأيدي، وهددوا بكسر كتفي المصاب؛ كما وجهوا تهديدات لي ولزوجتي.

بعض الأشخاص في السجن ليسوا سياسيين على الإطلاق، ربما تصادف فقط وجودهم في محيط المسيرة وقتما تم الاقتحام، أو لديهم صلة أو قرابة بشخص متورط في الإسلام السياسي.

تشمل الاستجوابات في معظم الأحيان تعذيب جسدي، بما في ذلك التعذيب الجنسي، فيخرج هؤلاء المعذبون من الاستجوابات بشهية مفتوحة للانتقام.

في سجن الكيلو عشرة ونصف، توجد خمسة زنازين للسجناء السياسيين، ولكن إن تصادف أن تم احتجازك مع رجال داعش وكنت تريد بالفعل الانتقام من السلطات، فلن تسمع إلا صوتهم: ”تعال إلينا وسنمنحك فرصة حقيقية للانتقام.“ وإذا لم تُرِد فهذا شأنك، لكن سيتعين عليك دائمًا التعايش مع شعور الغضب. وبالنهاية أنت تعيش وتأكل مع هؤلاء الأشخاص، ولا خصوصية في السجون المصرية، وبمرور الوقت سيصبح كلامهم مقنع للغاية.

المجرمون العاديون، والسجناء غير السياسيين، وهؤلاء المحتجزون بسبب تدخين الحشيش مثلاً أو في مشاجرة مع ضابط محلي يبهرهم التزام شباب داعش، ويعتبروا أنهم ”رجال الله“ يقدمون طريقًا للتدين وحياة مليئة بالصلاة والتواضع أمام الله. قال لي أحدهم: لقد تخلصت من حياتي القديمة وانضممت إلى داعش. كان هذا الرجل يملك متجراً بجوار متجر يملكه رجل شرطة. نشب بينهما خلاف، انتهى إلى وضع الرجل رهن الاحتجاز لمدة ثلاث سنوات دون أي محاكمة. فقد الرجل عمله، وترك زوجته مفلسة. قال لي: ”أعطني سلاحاً وقنبلة وسأذهب إلى أقرب مركز شرطة وأفجره.“

ينجذب الإسلاميون المعتدلون أيضًا لداعش، بعدما يتراجع ايمانهم بالسياسة والديمقراطية، يقولوا إنهم ربحوا الانتخابات لكن انتهى بهم المطاف في السجن، فلماذا لا يحاولون رفع السلاح؟

رأيت رجال داعش يختلطون بالسجناء الآخرين في أماكن مختلفة كنت محتجزًا فيها. إنه من الهراء ادعاء أنهم مفصولون عن غيرهم. كما أن الأشخاص الذين تجندهم داعش يجندون بدورهم آخرين، كان الأمر أشبه بانتشار النار في الهشيم.

فيصل[70]محامي في الأربعينيات من عمره، حكى له موكلوه كيف تنجح داعش في التجنيد داخل السجون. وكغيره من المحامين الذين تحدثوا لهيومن رايتس فيرست، تخلى بعض الموكلون عن تمثيل فيصل القانوني لهم بعدما أصبحوا متطرفين وانضموا للتنظيم.

يقول فيصل: تقدم مجموعات داعش في السجون طعامًا أفضل للسجناء الأكثر فقراً، وتوفر حماية أفضل بكثير ضد الحراس وضد السجناء الآخرين. تشمل المزايا الأخرى، حسب السجن، القدرة على استخدام الهواتف المحمولة المهربة وأحيانًا الكتب. حتى أن التنظيم يوفر نوعًا من نظام التعليم، يمكّن السجين من الدراسة للحصول على ”دبلوم داعش.“

يخشى بعض الحراس سجناء داعش بسبب تهديدات الثأر منهم وعائلاتهم بعد إطلاق سراحهم، كما يخاف بعض الحراس المتدينون من رجال داعش بسبب دعائهم المستمر لله بالانتقام من ظالميهم.

رسالتهم أكثر بساطةً وضوح من رسالة جماعة الإخوان المسلمين، فهي تتمركز حول الانتقام. ويسمى رئيس داعش في السجن بـ ”الأمير“ وهو شخص له سلطة كبيرة.

على السلطات اتخاذ خطوات فورية لوقف التطرف. وأولاً عليها الاعتراف بأن التطرف في السجون واقع. ثم يجدر بالسلطات وقف الاعتقالات العشوائية، ووقف تعذيب السجناء ومنحهم حقوقهم. فلا ينبغي أن يضطر السجناء للانضمام لداعش لضمان الحصول على حقوقهم وحمايتها.

سالم[71] ناشط في مجال حقوق الإنسان، في الثلاثينيات من عمره، وقد قضى عدة أشهر في السجن عام

يقول سالم: قابلت العديد من السجناء الشباب الذين كانوا فريسة سهلة لداعش، فالرجال الأكبر سنًا محصنون بدرجة ما ضد كلام داعش، ولكن التنظيم يستطيع اجتذاب الشباب بسرعة، بدعوى أنهم سبق وجربوا السياسة والانتخابات ولم تنجح، مقدمين لهم عرضًا بسيطًا بالانتقام – فيقولوا مثلاً لشباب سيناء من السجناء، اهانكم الجيش، وعليكم اهانته.

في بعض الأحيان، يوجد أشخاص في السجن لمجرد كتابات على موقع فيس بوك، أو لتواجدهم بمحيط نقط تفتيش، هؤلاء يتعرضوا في السجن للصعق بالكهرباء في الفم، أو في أعضائهم التناسلية. بعدها يصبحوا على استعداد للانصياع لداعش.

كان أحد أعضاء التنظيم الذي شاركني الزنزانة نشطا جدا - يقول لشباب الإخوان المسلمين أنه في الانتخابات تكون الحجة مقابل الحجة، لكن بمجرد دخول السلاح اللعبة، فلابد لك من سلاح ترد به. وقد رأيت الكثير في السجن راق لهم هذا المنطق.

في عام 2016 بدأت مجموعة نقاش لبعض الكتب الذي سمح الحراس- بالرشوة- بدخولها للسجن، بما في ذلك كتب لكافكا وأورويل. وقد أعطتنا الكتب مواضيع مختلفة للنقاش، بعدما كان قاصرًا على أفكار التطرف. تفتحت العقول قليلاً بالقراءة والمناقشة في مواجهة رجال داعش، لكن سلطات السجن صادرت الكتب وعاقبتني بالحبس الانفرادي.

الدبلوماسيون في السفارة الأمريكية بالقاهرة عليهم الذهاب للسجون ورؤية الحقيقة بأنفسهم، وكذا أعضاء الكونجرس خلال زياراتهم لمصر.

محمد حسانين[72] قُبض عليه في مايو 2013 ووجهت له سلسلة من التهم ذات الدوافع السياسية - بما في ذلك إدارة منظمة غير مرخصة وتحريض أطفال الشوارع على المشاركة في التظاهرات. قضى حسانين وزوجته، آيه حجازي، المواطنة المصرية الأمريكية، ثلاث سنوات في السجن بعد إنشاء منظمة ”بلادي“ لحماية أطفال الشوارع في القاهرة. وقد تم إطلاق سراح الزوجين وأربعة آخرين من المنظمة نفسها في أبريل 2017، بعد تبرئتهم من جميع التهم.

يقول حسانين: في 2014، لم يكن هناك الكثير من رجال داعش في السجن، لكن كان لديهم قاعدة معقولة، كما لم يكن هناك ضباط أمن وطني بين سلطات السجن، فقط ضباط شرطة، لكن في2015، وفي تطور سيئ أصبح من بين سلطات السجن ضباط أمن وطني.

لكل سجين ملف يطلق عليه تذكرة، يضم كل تفاصيله، أضاف له ضباط الأمن الوطني خانة لتصنيف ”الفكر“، فبعدما كان السجناء مختلطين، الليبراليون مع أنواع مختلفة من الإسلاميين وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين ورجال داعش، سمح ضباط الأمن الوطني لبعض السجناء باختيار من سيشاركهم الجناح أو الزنزانة. وبذلك سمحوا لشباب داعش أن يكونوا مع بعضهم البعض، بينما كانوا أقل مرونة مع الليبراليين. وفوجئت السلطات برغبتي البقاء في زنزانة شباب داعش إذ اعتقدت أنها فرصة لفهمهم ومعرف طريقة تفكيرهم. تجمعهم في مكان واحد صنع منهم نواة صلبة. وبمجرد أن شكلوا قاعدة قوة، تحركوا لاصطياد الآخرين. وقد تمكنوا أولاً من تجنيد المتهمين معهم في القضايا نفسها.

لدى جماعة الإخوان المسلمين في السجون شبكة اجتماعية للاعتناء بالسجناء، لكن داعش تستهدف أولئك الذين هم خارجها، وتبدأ في دعمهم ماديا. ثم يستهدف أعضاء داعش هؤلاء الذين تعرضوا للتعذيب الوحشي في غرف جهاز الأمن الوطني. يخبرونهم أنه حينما تصبح الدولة الإسلامية قوية، لن يتمكن أحد من تعذيب جنودها الأقوياء.

كانت الخلية الأولى التي كنت فيها تضم شخصًا من حركة 6 أبريل ومن غيرها من الجماعات المعتدلة السلمية، وأيضا بعض من جماعة الإخوان المسلمين ومن داعش.

تلقي السلطات القبض على كثير من المتعاطفين – ربما بشكل مؤقت- مع داعش، هؤلاء لم يتبنوا أيديولوجية داعش بشكل كامل، وربما انضموا للتنظيم أسميًا بسبب بعض الإحباط المؤقت، أو للانتقام من شخص معين أو على سبيل الدعم لشخص أو لمجموعة يرونها ضحية.

هؤلاء المتعاطفون عندما يسمعون كيف يرفض الآخرون أيديولوجيتهم، أو بمجرد تواصلهم مع سجناء أخرون من حركة 6 أبريل مثلا، تتطور بينهم علاقات إنسانية ودية ويذوب الجليد، وهذا له تأثير إيجابي حقيقي عليهم. فهذا الاختلاط يقلل من انتشار داعش، وخاصة أن أيديولوجيتهم الدينية ضعيفة للغاية.

فإذا اختلط السجناء مع الإسلاميين السلميين سيحظو بمناقشة مختلفة حول شئون الدين، وإذا تواصلوا مع سجناء حركة 6 أبريل مثلا سيتعرفون على مبادئ السياسة وحقوق الإنسان، ويحدث تبادل للأفكار، خاصة أن رجال داعش ليسوا الأكثر تعليماً ولا يملكون أفضل الحجج، وبالتالي فإن الاختلاط بغيرهم يقلل من تأثيرهم.

في السجن التقيت بشخص بسيط أنضم لداعش، لم يكن يعرف كيف يقرأ النصوص الدينية الأساسية، لكنه يتحدث باستمرار في قضايا الجهاد الفقهية المعقدة. وما أن بدأت معه مناقشة قضية الديمقراطية حتى جن جنونه -كمعظم أعضاء التنظيم- فقلت له أن للديموقراطية أمثلة في الإسلام، ورغم انه لم يصدق ما رويته له من وقائع، إلا أن شيوخه أكدوا صدق ما أخبرته، فطفق يعيد التفكير في كل شيء وجاءني بالعديد من الأسئلة. ثم بدأ الحديث عن المقاتلات في البشمركة (الكردية)، حيث يقاتل تنظيم داعش في العراق، وقال أنه يتمنى الانضمام لصفوف المقاتلين هناك. ذلك لأن جزء كبير من محفزات داعش للقتال تتعلق بالوعود الجنسية والجواري من النساء في الحياة الدنيا وفي الآخرة. ولما سألته لماذا تريد محاربة البشمركة، بينما هم مسلمون سنة، أصر أنهم من الشيعة، فاحتكمنا لشيخ داعش في السجن (الأمير) وكان من بين مقاتلي التنظيم في سوريا، فأكد بدوره أنهم من السنة، وأصبح الرجل أكثر تشككا، خاصة عندما أدرك أن المعركة مع البشمركة هي معركة على السياسة والأرض، ولا تتعلق بالدين. ثم تحدثنا عن جدوى بناء الدولة على أساس الدين، وناقشنا من الذي يختار قيادات الدولة، وفي النهاية بدأنا في التواصل على المستوى الإنساني. بدأ يراني شخص آخر (أبعد من مجرد سجين يساري)، ويعتبر حديثنا ”دردشة“ بسيطة في أمور الحياة بين رجلين من نفس العمر.

إبراهيم حلاوة[73] إيرلندي المولد، قبض عليه أثناء إجازته في القاهرة عام 2013 خلال غارات أمنية على مسجد كان يحتمي به مع أسرته أثناء الاحتجاجات المناهضة للحكومة. تم اتهامه بالتحريض على العنف والشغب والتخريب، وأحيل للمحاكمة ضمن 500 متهم أخر. نجح اهتمام وسائل الإعلام الدولية والاهتمام السياسي في أيرلندا وفي أماكن أخرى في إلقاء الضوء على قضيته لأكثر من أربع سنوات. وقد تم تأجيل محاكمته أكثر من 30 مرة قبل تبرئته أخيرًا وإطلاق سراحه في أكتوبر 2017، بعدها عاد إلى إيرلندا.

يقول حلاوة: ”احتُجزتُ لأكثر من أربع سنوات، في تسعة أماكن مختلفة. أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها عن داعش. كنا ننتظر عودة أحد السجناء جاءته زيارة من أحد أفراد أسرته منتصف عام 2014، فلما عاد للزنزانة قال إن هناك مقاطع مصورة على الإنترنت لأشخاص تعرضوا لهجوم دامي في العراق وسوريا من قبل مجموعة تسمى داعش. استغربنا جميعا، مّن هؤلاء بحق الجحيم - أليس ما يحدث في سوريا ثورة ضد بشار؟“ فقال: لا. العالم يتغير. هؤلاء الرجال انفصلوا عن القاعدة.

وبنهاية 2014، كان بعض السجناء قد بدأوا يهتموا بالتعرف على أيديولوجية داعش، وإن لم تكن لديهم شجاعة الحديث عنها علنًا. ولكن بعدما اكتسب التنظيم مزيدًا من القوة، أصبح أعضائه بالسجن أكثر ثقةً، وقوة. ورأيت الكثير من شباب داعش يدخلون السجن بنهاية 2014 عندما كنت في سجن المرج.

في ذلك الوقت، كان هناك حوالي 6 من أعضاء داعش، وآخرين في تنظيم القاعدة، وغيرهم من جماعة الإخوان المسلمين، بالإضافة لأعضاء حركة 6 أبريل، وبعض أعضاء حركة ”مسيحيون ضد الانقلاب.“ مجموعات مختلفة في الزنزانة نفسها، لكن في زوايا منفصلة بما يسمح بهمس الأعضاء بعضهم لبعض. وبزيادة المجموعات لجأت السلطات للفصل، ورأيت لأول مرة زنزانة تخصص لداعش في نهاية عام 2015 في سجن 440 في مجمع سجون وادي النطرون. وبمرور السنين، زاد الاضطهاد في السجون، وزاد في المقابل التجنيد لصالح داعش.

في البداية، كان الوضع السياسي غير واضح المعالم، وكان الضباط أكثر حذرًا في تعاملهم معنا، ولكن عندما استقرت سلطة السيسي بالفعل، بدأت الشرطة تتصرف بشكل أسوأ، فألقت بالرجال في السجون بسبب مشكلة في ركن سيارة أو كسر إشارة مرور، حيث تعرضوا للتعذيب، وتفاجئوا بقائمة من تهم الإرهاب، هؤلاء كانوا الأكثر عرضة للتطرف بعد تعرضهم للضرب والتعذيب.“

زادت كثافة السجناء في الزنازين، حتى وصلت 50 شخصًا في زنزانة 3.5 متر × 5.5 متر، رأيت هذا بأم عيني - والمجرم الذي كان مسؤولاً عن الزنزانة كان يجبر السجناء على النوم على الأرض على جانبهم، مضغوطين في بعضهم البعض، ثم يجلس على مؤخرته ويحشر نفسه على أحد الجدران ويضغطهم جميعا بساقيه للخلف، ضد الجدار المواجه حتى تكفيهم مساحة الزنزانة، كان هذا في سجن 440 - هكذا كانوا ينامون، مهروسين. فإذا كنت تنام بهذا الشكل على مدى ثلاث سنوات، فستستمع إلى داعش.“

سجناء التظاهر كانوا يتعرضون أحيانًا أيضًا للتعذيب والضرب، وكثيرًا ما كانت عائلاتهم تتعرض للتعذيب أمامهم، أو يتم إخفاء أحد أفراد العائلة قسريا كوسيلة للضغط على السجين، وكان الشباب والرجال الأميين هم الأكثر عرضة لذلك. هؤلاء كانوا أبعد من أن يفهموا سبب كل هذه الكراهية، كل ما فهموه هو أن هذا الرجل يهاجمني، لذلك فهو يستحق أن يُقتل ولكني أحتاج إلى تبرير ذلك بطريقة ما. وهنا يأتي رجل داعش ليعرض المساعدة، ويبدأ بتطمينك أولا بأنه في حالة موتك فمصيرك الجنة على أي حال.

قال لي أحد رجال داعش: ”أنت لست مسلماً حقًا، ووالدك ليس مسلمًا. فقلت: أبي رجل دين مسلم. ماذا تقول؟ ومن الغريب أن يقول مسلم لآخر أنه غير مسلم، الأمر كأن يقول مسيحي لأخر أنت لست مسيحيًا، لكنهم يبررون ذلك مثلا بالنسبة للضباط، بان هذا الضابط الذي ارتكب بحقك كذا وكذا، ولأن المسلم لا يفعل ذلك بأخيه المسلم لمجرد أنه يدعوا للحرية، فهذا التصرف معاد للإسلام، وبالتالي هؤلاء الضباط لا يمكن أن يكونوا مسلمين حقيقيين ويجب أن يُقتلوا.

وكلما زاد التعذيب وسوء المعاملة داخل السجن وخارجه، زاد عدد الرجال الأميين -البعيدين عن أي توجه ديني- المؤيدين لأيدولوجية داعش الانتقامية. هم في الغالب مجرد أشخاص عاديين، قد يكون أحدهم صديقًا لي، يأكل معي وينام بجانبي في الزنزانة. لقد رأيت شقيقين من العائلة نفسها يتشاجران لأن أحدهما تطرف والآخر يرفض.

توفر أيديولوجية داعش طريقًا عمليًا للانتقام، ومكافآت في الجنة، والحماية والولاء في السجن، بدرجات أقوى مما تقدمه المجموعات الأخرى. على سبيل المثال، لنفترض أن سجينا لكمك في وجهك في السجن. عادةً ما يتدخل الجميع لمحاولة تهدئة الموقف قبل أن يتصاعد، وينتهي الحال بمعاقبة كلا منكما بالحبس الانفرادي. ولكن إذا كنت مع داعش، سيتكاتف كل رجال التنظيم لمساعدتك، حتى لو تعرضوا للضرب من الشرطة وحرس السجن. لقد رأيت ذلك يحدث، هذا الدعم المضمون من داعش هو ما يدفع البعض بأن يفكر: ”نعم، أريد أن أكون جزءًا من هذا، أريد هذا الدعم.“ إنها طريقة العصابات الإجرامية، وهي فعالة للغاية.

تتفاوض المجموعات المختلفة الأخرى مع الضباط طوال الوقت بشأن الأشياء اليومية - الطعام، الحصول على الورق والأقلام، الوصول للكتب، بل أنه في بعض الأحيان، إذا جائتني زيارة، وأحضرت أسرتي بعض احتياجاتي الأساسيات – من الملاعق والكؤوس أو أي شيء آخر، فلن يُسمح لي باستخدام والاحتفاظ بهذه الأشياء أو بعضها إلا بعد التفاوض مع الضباط، وكلما زادت الأموال التي أوزعها على الحراس، كلما سُمح لك بأشياء أكثر.

أما رجال داعش فقد رفضوا المشاركة في ذلك من البداية، رفضوا رشوة الحراس، ولجأوا عوضًا عن ذلك لتهديدهم حتى القتل لو حاولوا السيطرة عليهم، فهم دائما على أتم استعداد للموت. ومن هذا المنطلق حصل سجناء داعش على المزيد من الاحترام والقوة في السجن، وأصبحوا أقوياء، وتمكنوا من الحصول على كتب تساعدهم على نشر التطرف - وأدخلوا الطعام والملابس والضروريات الأساسية لمجموعتهم.

هناك الكثير من المشاكل اليومية بين السجناء، مثل ”جاء دوري في المرحاض، أو أنت نائم مكاني.“ يتعامل رجال داعش مع مشاكلهم دون استدعاء الضباط. لذلك، جزء مما يجمعهم هو حل مشاكلهم داخل مجموعتهم، ويحترم الضباط ذلك.

وحتى عندما يتم الفصل بين المجموعات في السجون، يظل رجال داعش قادرين على الوصول للسجناء الآخرين، ربما في الاستراحة أو خلال الزيارات. يلتقطون أولئك الذين سقطوا من مجموعاتهم، ويقولون لهم: ”ليس عليكم أن تتبنوا أيديولوجيتنا في البداية، فقط انضموا إلينا ثم انظروا في الأمر لاحقا.“

بحلول الوقت الذي خرجت فيه من السجن، كان التطرف ينتشر بسرعة كبيرة. ففي زنزانة تضم 200 شخص، يمكن أن يتطرف بنهاية العام 100 منهم على الأقل. كان ذلك يحدث في كل مكان احتُجزت فيه.

الأمر لا يتعلق بالمال، فداعش لا تدفع لعائلات المنضمين لها مدفوعات شهرية مثلاً، وإنما الأيديولوجيا المغلفة بطبع ديني هي عامل الجذب الأساسي. تنبني هذه الأيديولوجية على رغبتك الداخلية في الانتقام، ولأنه ليس لديك الكثير لتفعله في السجن، يتحول بعض الرجال للتطرف ويصبحوا مسلحين، ليس دائما دفاعًا عن قضية أو معتقد أيديولوجي أو ديني، فقد رأيت شباب من سيناء يقولون علنًا نحن لا نهتم بهوية من يعطينا السلاح، إذا جاء من داعش فليكن. فكل من يجلب لي السلاح هو صديقي.

يتساءل بعض الشباب في السجون عن أهمية التمسك بالسلمية إن كانت كل إنجازات أوروبا مثلا تحققت بالسلاح، فيطلب منهم الشيوخ الأكبر سننًا أن يتحلوا بالصبر، لأن الأمر قد يحتاج إلى 25 عامًا، تبدو للشباب عمرهم كله. وهنا تأتي لهم داعش بالسلاح، ووعد بفرصة تمكين قريبة بمجرد إطلاق سراحهم.

لا تواجه سلطات السجون ذلك، بل على العكس تسمح للتطرف بالنمو، ربما لأنه يدعم هراء السيسي، ويخلق المشكلة التي يريدها السيسي باقية، فهو يحتاج لوجود تنظيم الدولة الإسلامية في سيناء وفي أماكن أخرى ليبرر سياساته.

معظم الناس في السجون- حتى الراديكاليين منهم- تريد فقط أن تعيش حياة طبيعية، فقط أعطهم التلفزيون والصحف والهواتف- حدث هذا بشكل محدود في عهد مبارك- وهذا وحده كفيل بتحجيم تطرفهم ومقاومة عزلتهم، التي تجعلهم عرضة فقط للتجنيد. فمزيد من الزيارات العائلية والكتب، من شأنه أن يجعل التجنيد أكثر صعوبة.

شريف[74] في الثلاثينات من عمره، أمضى ما مجموعه أكثر من عام في السجن في فترات مختلفة من تم إطلاق سراحه في أكتوبر 2018 بعد حبس عدة أشهر بسبب احتجاجه السلمي على ارتفاع أسعار تذكرة المترو في القاهرة.

يقول شريف: يستهدف رجال داعش مجموعتين أساسيتين، الأعضاء الأصغر سنًا في جماعة الإخوان المسلمين، وأطفال من جماعة الأولتراس (تنظيم لمشجعي كرة القدم المتعصبين).

ففي سجن الجيزة، رأيت شابًا يبلغ من العمر 18 عامًا من أولتراس وايت نايتس، وهم أنصار نادي الزمالك لكرة القدم، كان صعب المراس بسبب إدمان المخدرات، ودائمًا يورط نفسه في المشاكل. لما وصل إلى السجن، لقب بـ ”الشبابي“ فقد كان مراهقًا مندفعًا من النوع الذي كثيرا ما تراه في حفلات الشباب الصاخبة. لكنه تعرض لتعذيب مبرح من الحراس، علقوه من السقف ويداه خلف ظهره، وجلدوه وصعقوه بأسلاك كهربائية. ولما عاد للزنزانة تحدث معه أحد رجال داعش، وعرض عليه الانتقام. فانضم إليهم فورًا وتغير لقبه إلى صديري الانتحار. أولئك الذين لديهم تاريخ طويل في السياسة يتمتعون ببعض الحصانة من هذه الأفكار، لكن الأولتراس- وكذلك الأطفال في سن الـ14- لا يعرفون الكثير عن السياسة.

تستخم داعش خطابا مختلفا مع شباب الإخوان المسلمين، يقولون لهم جربتم الديموقراطية، وفزتم بالانتخابات، لكنكم الآن في السجون، العنف هو الحل الوحيد. انضموا إلينا واحملوا السلاح حتى نقيم الدولة الإسلامية.

بدأ الفصل بين رجال داعش في السجون بشكل حقيقي في عام 2018، لكن لا يزال بإمكانهم الوصول إلى سجناء آخرين بعدة طرق. فالجميع يختلطون في الطريق للمحكمة، وداخل قاعتها، وخلال فترات التريض، والزيارات واوقات أخرى.

تنظيم داعش قوي جدا في معظم السجون، حتى في تلك التي يعتبروا فيها أقلية كسجن القناطر، حيث يشغلوا 5 زنازين فقط بين 32 زنزانة في السجن، تضم الواحدة منها من 20 إلى 25 سجينًا. وباستثناء رجال لقاعدة، يستهدف سجناء داعش الجميع سجناء وحراس.

لا يردون التحية على حارس الزنزانة، ويرفض معظمهم ترك الزنزانة لحضور جلسة المحكمة، فإذا رضخوا ووافقوا على استقلال سيارة السجن من مقر احتجازهم، رفضوا النزول منها على باب المحكمة. كما يرفض أعضاء التنظيم الاستعانة بمحاميين مما يهدد سير المحاكمات، ويأبوا الحديث أو الاعتراف أمام سلطات التحقيق وفي المحاكم، وفي ذلك كله على سلطات السجن إما أن تأخذهم للمحكمة بالقوة أو بالتفاوض، الأمر الذي يعزز من سمعة التنظيم في السجن، لأن سلطات السجن تدخل معهم في تفاوض في كثير من الأحيان.

بعض سجناء التنظيم يلجأ لتهديد الحراس بالانتقام من أسرهم ومهاجمة منازلهم، لذا يفضل معظم الحراس الاستجابة لمطالب سجناء التنظيم خوفا من بطشهم، فلا يفتشوا زنازينهم بشكل جاد، وفي بعض السجون، لا يمكن إلا لمجموعة داعش الاحتفاظ بالهواتف المحمولة المهربة. وبذلك تزداد العلامة التجارية الراديكالية جاذبية بين أصحاب المظالم. فهم يرون كيف تتحدى داعش السلطات، فلا يبدو أن هناك حاجة حقيقية حتى لوجود محامي أثناء المحاكمة. يحتفلوا علنًا وبصوت عالٍ في زنازينهم بأي هجوم ناجح للتنظيم، دون اعترضا من الحراس، أو من كبار الضباط. يحصلون على جميع الكتب التي يريدونها، ويتأكدون من حصول شبابهم على نصيب مناسب من الطعام، ويوفرون لأنصارهم الحماية والانتقام.

فهد[75] في منتصف العشرينات من عمره، أُفرج عنه من السجن في نوفمبر 2018 بعد احتجازه في ستة سجون مختلفة على مدى أربع سنوات تقريبًا بسبب التظاهر السلمي.

يقول فهد: رأيت داعش يجند مناصريه بنجاح في جميع السجون التي احتُجزتُ فيها، باستثناء فترة حبسي انفراديًا.

في بعض السجون، مثل سجن وادي النطرون، حيث يقبع المئات من تنظيم داعش، يتمتع التنظيم بقوة حقيقية ويسيطر على معظم ترتيبات إدارة السجن، ويمكنه بسهولة تحديد السجناء الضعفاء الأكثر قابلية للتجنيد، فينتقل أعضائه لزنازينهم بعدما تمثل إدارة السجن لطلب النقل، تحت وطأة التهديد بالعصيان الجماعي، إذا ما امتنعت عن منحهم ما أرادوا، بينما لا يلتفت أحد لأثر ذلك على نشر التطرف.

لدى الإخوان المسلمون خيارات متعددة لمعارضة النظام، بينما لتنظيم داعش خيار واحد فقط هو العنف. فهم أكثر وضوحا في ذلك، وقد تتعاون مجموعات داعش عن كثب مع مجموعات القاعدة، رغم أن مجموعات القاعدة أقل بكثير.

في البداية يدعوا السجين للصلاة معهم وقراءة القرآن معًا، ثم يبدأ الحديث حول أفغانستان وإسرائيل وسوريا والعراق والحرب ضد الشيوعيين وما يحدث في سيناء. وخاصة أن بعض مقاتلي السوفييت في السبعينيات في أفغانستان مازالوا موجودين ببعض السجون، وهم مرموقون جداً ويتمتعون بالهيبة.

بشكل فردي حاولت الحديث مع بعض رجال التنظيف حول أفكارهم المتطرفة، لكن لا يوجد برنامج منظم حقيقي لمواجهة التطرف في السجون، فقط عدد قليل من الأفراد مثلي هنا وهناك.

يستطيع سجناء داعش تهريب الكتب – من خلال تغيير أغلفة الكتب المتطرفة وتدخلها، وفي بعض الأحيان يحفظ سجناء داعش كتبًا كاملة ثم يكتبونها داخل السجن.

على مر سنين حبسي تفاقمت المشكلة بشكل ملحوظ لأن ظروف السجن كانت تزداد سوءًا. تختار داعش السجناء الصغار والغاضبين، عارضين عليهم التنفيس عن غضبهم بالانتقام.

تضع الشرطة مجموعات متنوعة من السناء في الزنزانة الواحدة، معظمهم ليسوا من داعش، لكن بمرور الوقت يتحولوا جميعا لأفكار التنظيم. شيء متوقع.

ظروف سجن أفضل ستحرم داعش من توظيف المظالم لتجنيد السجناء - إنها ليست ضمانة، لكن إذا أوقفت التعذيب والضرب، ستُضعف كثيرا من قوة داعش.

شارك

هوامش

[1] https://www.state.gov/secretary/remarks/2019/01/288408.htm
[2] داعش: المسمى المختصر لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (أو في العراق وسوريا) تنظيم إرهابي أصبح محط اهتمام العالم من 2013.
[3] أيمن عبد المجيد، مقابلة مع هيومن رايتس فيرست، أكتوبر 2018.
[4]إبراهيم حلاوة، مقابلة مع هيومن رايتس فيرست، ديسمبر 2018.
[5] https://www.state.gov/j/drl/rls/hrrpt/humanrightsreport/index.htm#wrapper
[6] شمل بحث هيومن رايتس فيرست النساء أيضا، لكنهن أكدن عدم تعرضهن لمساعي التجنيد نفسها لتنظيم داعش بسجون النساء، لذا فمعظم الشهادات المدرجة في هذا التقرير لرجال كانوا رهن الاحتجاز في سجون مصرية مختلفة منذ عام 2014.
[7] https://www.nytimes.com/2019/02/14/world/middleeast/egypt-sisi.html
[8] https://www.usnews.com/news/world/articles/2019-02-04/constitutional-proposals-could-allow-sisi-to-stay-in-power-till-2034-document
[9] https://www.rubio.senate.gov/public/index.cfm/press-releases?ID=7E6423EB-9612-4F6F-A49F-EF4211243298
[10] تاريخ المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر
[11] تم توقيعه ليصبح قانونًا في فبراير 2019 كجزء من قانون الاعتمادات الموحدة لعام 2019
[12] https://www.congress.gov/116/bills/hjres31/BILLS-116hjres31enr.pdf
[13] https://ec.europa.eu/home-affairs/what-we-do/policies/crisis-and-terrorism/radicalisation_en
[14] http://www.rulac.org/news/egypt-a-non-international-armed-conflict-in-the-sinai-peninsula-with-wilaya
[15] https://www.cbsnews.com/news/egypt-president-el-sisi-denies-ordering-massacre-in-interview-his-government-later-tried-to-block-60-minutes-2019-01-06/
[16] http://prisonstudies.org/country/egypt
[17] https://www.bbc.co.uk/news/world-middle-east-13789286
[18] https://bit.ly/2HVthcV
[19] https://www.nytimes.com/2015/08/29/world/middleeast/us-citizen-once-held-in-egypts-crackdown-becomes-voice-for-inmates.html
[20] مجموعة لعبت دوراً رئيسياً في الاحتجاجات الجماهيرية التي بدأت في 25 يناير 2011، وأدت إلى انهيار نظام حسني مبارك
[21] https://arabist.net/blog/2015/8/17/in-translation-april-6s-ahmed-maher-on-egypt-under-sisi
[22] https://cms.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=21042016&id=2b8f13ca-e5d8-4b0f-8868-d24288fa4161
[23] https://www.reuters.com/article/us-egypt-rights-un/u-n-rights-boss-says-egypt-crackdown-facilitates-radicalization-idUSKBN17X1MI
[24] محمد نبيل، مقابلة مع هيومن رايتس فيرست، أكتوبر 2018.
[25] ليث، شهادة استلمتها هيومن رايتس فيرست، فبراير 2019 (تم تغيير الاسم لحماية هوية المتحدث).
[26] نبهان، شهادة تلقتها هيومن رايتس فيرست، فبراير 2019 (تم تغيير الاسم لحماية هويته).
[27] محمد سلطان، مقابلة مع هيومن رايتس فيرست، يناير 2019.
[28] أيمن عبد المجيد، مقابلة مع هيومن رايتس فيرست، أكتوبر 2018
[29] سالم، مقابلة مع هيومن رايتس فيرست، يناير 2019 (تم تغيير الاسم لحماية هويته).
[30] فهد، مقابلة مع هيومن رايتس فيرست (تم تغيير الاسم لحماية هويته).
[31] محمد حسانين، مقابلة مع هيومن رايتس فيرست، يناير 2019.
[32] https://www.independent.co.uk/news/world/africa/ibrahim-halawa-freed-egypt-prison-death-penalty-release-cairo-a7954281.html
[33] إبراهيم حلاوة، مقابلة مع هيومن رايتس فيرست، ديسمبر 2018.
[34] المرجع السابق
[35] المرجع السابق
[36] شريف، مقابلة مع هيومن رايتس فيرست (تم تغيير الاسم لحماية هويته)
[37]حسانين، في مقابلة مع هيومن رايتس فيرست، يناير 2019.
[38] نبهان، شهادة وردت في فبراير 2019.
[39]فيصل، مقابلة مع هيومن رايتس فيرست (تم تغيير الاسم لحماية هويته).
[40] سلطان، في مقابلة مع هيومن رايتس فيرست، يناير 2019.
[41] المرجع السابق
[42]إبراهيم حلاوة، مقابلة مع هيومن رايتس فيرست، ديسمبر 2018.
[43]شريف، مقابلة مع هيومن رايتس فيرست، يناير 2019.
[44]المرجع السابق
[45]مقابلة مع هيومن رايتس فيرست، يناير 2019 (تم حجب الاسم لحماية هويتها).
[46]فهد، مقابلة مع هيومن رايتس فيرست، يناير 2019 (تم تغيير الاسم لحماية هويته).
[47]محمد نبيل، مقابلة مع هيومن رايتس فيرست، يناير 2019.
[48]محمود، مقابلة مع هيومن رايتس فيرست، يناير 2019 (تم تغيير الاسم لحماية هويته).
[49] ليث، شهادة تلقتها هيومن رايتس فيرست، فبراير 2019.
[50]حسانين، مقابلة مع هيومن رايتس فيرست، يناير 2019.
[51]المرجع السابق
[52]المرجع السابق
[53]سالم، مقابلة مع هيومن رايتس فيرست، يناير 2019.
[54] المرجع السابق
[55]محمود، مقابلة مع هيومن رايتس فيرست، يناير 2019.
[56]نبهان، شهادة وردت في فبراير 2019.
[57] فهد، مقابلة مع هيومن رايتس فيرست، يناير 2019.
[58]فيصل، مقابلة مع هيومن رايتس فيرست، يناير 2019.
[59]إبراهيم حلاوة، مقابلة مع هيومن رايتس فيرست، ديسمبر 2018.
[60]المرجع السابق
[61]المرجع السابق
[62]سلطان، مقابلة مع هيومن رايتس فيرست، يناير 2019.
[63] المرجع السابق
[64] المرجع السابق
[65] https://www.politico.com/story/2013/08/john-mccain-lindsey-graham-egypt-095236
كما ورد أن السناتور ليهي شَرَط المساعدات المقدمة لمصر بشروط إضافية لتلك المنصوص عليها في تشريع الاعتمادات، بما في ذلك تعويض المواطن الأمريكي أبريل كورلي، الذي أصيب بجروح خطيرة عندما قصفت قوات الأمن المصرية مجموعة من السياح عن طريق الخطأ في 2015.
[66] https://fas.org/sgp/crs/mideast/RL33003.pdf
[67] https://www.congress.gov/116/bills/hr648/BILLS-116hr648eh.pdf
[68] مقابلة مع هيومن رايتس فيرست، أكتوبر 2018
[69]مقابلة مع هيومن رايتس فيرست، أكتوبر 2018.
[70]مقابلة مع هيومن رايتس فيرست، يناير 2019. تم تغيير اسمه لحماية هويته.
[71]سالم، مقابلة مع هيومن رايتس فيرست، يناير 2019. تم تغيير اسمه لحماية هويته.
[72]محمد حسانين، مقابلة مع هيومن رايتس فيرست، يناير 2019.
[73]مقابلة مع هيومن رايتس فيرست، ديسمبر 2018.
[74] مقابلة مع هيومن رايتس فيرست، يناير 2019(تم تغيير اسمه لحماية هويته)
[75] مقابلة مع هيومن رايتس فيرست، يناير 2019(تم تغيير اسمه لحماية هويته)

قد يهمك ايضا

Share this Post