هل يمكن أن تصبح القنوات الفضائية بديلا للأحزاب السياسية؟

In صالون بن رشد, ندوات وورش تدريبية by CIHRS

نظم مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في الرابع من مايو 2004 أمسية ثقافية في إطار صالون بن رشد تحت عنوان “هل حلت القنوات الفضائية العربية محل الأحزاب السياسية في توجيه الشارع العربي”؟ أدارها بهي الدين حسن مدير المركز، وأشار في بداية الندوة إلى التراجع الواضح في دور الأحزاب السياسية في العالم العربي منذ سنوات طويلة دون أن يكون ذلك مرتبطا بظهور الفضائيات العربية، وفي الوقت نفسه فإن الفضائيات العربية بدأت تلعب دورا متزايدا في توجيه الشارع العربي خاصة ما يتعلق بالقضايا القومية وبشكل خاص القضيتين الفلسطينية والعراقية.
عدد الدكتور صفوت العالم أستاذ العلاقات العامة والإعلان بكلية الإعلام جامعة القاهرة سمات للقنوات الفضائية تجعلها تؤثر في الرأي العام بدرجة تعطي التساؤل حول إمكانية أن تحل هذه القنوات محل الأحزاب في توجيه الشارع بعدا واقعيا. وذكر من هذه السمات: العمومية والاتساع والانتشار في كل مكان على امتداد ساعات الليل والنهار بما يفوق قدرة أي حزب سياسي على أن يكون له القدرة ذاتها في التأثير ونشر مواقفه على نطاق واسع. أضاف العالم أن السمات الأخرى تتمثل في تجاوز حدود الدولة الواحدة بما يخلق حالة من الامتداد الجغرافي للقنوات الفضائية والقدرة على خلق حالة من التجانس المعرفي الإخباري للمواطنين حول العديد من القضايا والموضوعات المختلفة إلى جانب السرعة والتزامن في العرض وهو ما يبرز في وقت الأزمات السياسية وأيضا عرض مختلف وجهات النظر في القضية الواحدة وتجاوز الرقابة إلى حد انعدامها في حين قد يتأثر الحزب بأبعاده التنظيمية والبرنامج السياسي والانتخابي الذي يلتزم به كل الأعضاء والقيادات.
أشار العالم إلى أن من السمات أيضا التعدد في القوالب الفنية والأساليب الخاصة بعرض الرسالة الإعلامية وتعدد وتنوع المضمون في الرسائل الإعلامية واقتصاديات التشغيل التي قد تدفع القنوات الفضائية بشكل أو بآخر إلى أن تعظم من احتياجات المعلن وأن يتأثر مضمونها باعتبارات التشفير واحتياجات المشاركين. وبالنسبة للأحزاب السياسية أوضح العالم أنها تتميز عن القنوات الفضائية بوحدة الخطاب الفكري ووضوح الأجندة الخاصة بالحزب إلى جانب افتراض أن الحزب مدرسة للتربية والثقافة السياسية والتجنيد السياسي إلى جانب عمق وشمولية التأثير في الرأي العام وخصوصية الشكل التنظيمي للحزب وسهولة أشكال الاتصال على المستوى التنظيمي داخل الحزب في حين أن الاتصال بين المواطنين والقنوات الفضائية قد يتم بأشكال عشوائية وحسب التأثر بالقناة.
وختم العالم بالتساؤل عما إذا كان يمكن للنظام الإعلامي العربي أن يسمح بوجود قنوات فضائية بديلة فعليا عن الأحزاب السياسية أم أن ما قد يوجد هنا أو هناك هو مجرد استثناءات لبعض القنوات التي لم تتأثر بخصائص النظام الإعلامي العربي الذي يفترض فيه أنه يعكس طبيعة النظام السياسي في كل دولة عربية، مؤكدا أن أخطاء الإعلام هى انعكاس لكل ممارسات النظام السياسي في العالم العربي.
لا وجود للأحزاب
وبدأت الدكتورة ليلى عبد المجيد -عميد كلية الإعلام جامعة 6 أكتوبر سابقا- حديثها بالتعبير عن قناعة شخصية بعدم وجود أحزاب سياسية حقيقية في العالم العربي وأنه حتى في الدول التي قبلت بالتعددية السياسية ظهرت فيها الأحزاب بشكل فوقي، وأن كثيرا من هذه الأحزاب مازال يعيش خارج الزمن في ظل أنظمة لا تعترف أساسا بالتعددية السياسية مشيرة إلى أنه منذ العودة إلى نظام التعددية الحزبية في مصر عام 1976 لم تستطع الأحزاب القائمة إقناع المواطن العادي أو النخبة -بالانضمام بقناعة- بفكر جديد بعينه. ثم انتقلت إلى الحديث عن الفضائيات العربية، فلفتت إلى وجود ما يزيد على 120 قناة عربية يغلب على معظمها وظيفة الترفيه والتسلية.
أوضحت الدكتورة ليلى أن هناك عددا من القضايا يرتبط بالفضائيات العربية، خاصة الإخبارية منها، في مقدمتها عدم تمكن فئات كثيرة من التعرف على هذه القنوات، والشكوك حول المشاركات التي يقوم بها المواطنون في برامجها، وهل هى حقيقية أم مفتعلة من جانب القناة، إلى جانب أن الخطاب الإعلامي للفضائيات العربية في ظل ما وصفته الدكتورة ليلى بغلبة طابع الانفعال والحماس غير المبرر لآراء القنوات الفضائية وتناقضاتها في الوقت نفسه مع الخطاب الإعلامي العربي الرسمي.
وأضافت د. ليلى عبد المجيد أن هناك فئات عريضة ليس لديها إمكانية متابعة الفضائيات، الأمر الذي يثير قضية ديمقراطية الاتصال وفحوى وقيمة الثقافة الديمقراطية التي يمكن أن تقدمها هذه الفضائيات. ولفتت الدكتورة ليلى أيضا إلى غياب الشفافية فيما يتعلق بملكية الفضائيات الإخبارية العربية المختلفة وكذلك غياب الشفافية فيما يتعلق بمصادر تمويل هذه القنوات ومدى استقلاليتها. وذهبت إلى أن بعض هذه الفضائيات يلعب دورا في إثارة ما يوصف إعلاميا بالقطيع، حيث لا تقدم هذه القنوات معلومات متوازنة أو كاملة وتقوم بالخلط بين الرأي والمعلومة في نوع من التعبئة والحشد والغوغائية –حسب وصفها- في كثير من الأحيان وليس التوجه المبني على المعلومات. ولم تغفل الدكتورة ليلى وجود إيجابيات لهذه الفضائيات خاصة في الإعلان عن كثير من الحقائق التي تخفيها وسائل الإعلام المملوكة للدولة ودعت إلى أن يكون للفضائيات دور حقيقي في توجيه الشارع العربي في ظل غياب أحزاب حقيقية تقوم بهذا الدور.
اختلاط الأدوار
وانطلق الدكتور وحيد عبد المجيد نائب رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب في حديثه من التأكيد على وجود خلل واضح في أداء كل من الفضائيات والأحزاب العربية لدور كل منهما المنوط به، وأشار إلى مشكلة أساسية تتعلق بهذا الموضوع وهى وجود المجتمعات العربية في مرحلة أسماها مرحلة الانتقال من “الرعايا” إلى “المواطنين” معتبرا أن جزءا كبيرا من الخلل في أداء الفضائيات العربية يرجع إلى طبيعة المرحلة التي تمر بها المجتمعات العربية ووجود قطاع من الرأي العام العربي يقوم على التعامل بالطريقة الغوغائية مع كثير من الأحداث.
وأوضح عبد المجيد أنه يقصد بذلك القوى السياسية الأصولية التي تركز بشكل أساسي على الفضائيات –كجزء من استراتيجيتها السياسية والإعلامية- وتعمل على الضغط بشكل مستمر على هذه القنوات ليكون صوت هذه التنظيمات موجودا بشكل مستمر في الفضائيات كاشفا عن تخصيص كوادر في هذه التنظيمات تقوم بمهمة الاتصال المستمر بالفضائيات الإخبارية لتفرض وجودها عليها. ولفت إلى أن بعض مقدمي البرامج في الفضائيات الإخبارية العربية، وخاصة قناة الجزيرة، يقدمون آراء تتناقض مع قناعاتهم الشخصية في كثير من القضايا.
وأضاف د. وحيد أن الفضائيات تعمل في سوق يرتبط في جانب منه بمستوى الوعي الذي تعيشه مجتمعاتنا، ويرتبط في جانب آخر بطبيعة المرحلة الحالية لهذه المجتمعات. مشيرا إلى أن وجود قيود حكومية على الأحزاب السياسية لا يفسر وحده حالة ضعف هذه الأحزاب؛ فهناك غياب التنافس السياسي الحقيقي والتخلف في الأداء السياسي على كل المستويات، معتبرا أن الإفرازات السائدة في المجتمع العربي حاليا هى التطرف والتعصب والخرافات بشكل غير مسبوق محذرا من أن المناداة بخصخصة الإعلام قد تؤدي إلى سيطرة تيارات مثل جماعة الإخوان المسلمين على وسائل الإعلام.
تأطير الفراغ
وحذر الكاتب الصحفي صلاح عيسى رئيس تحرير جريدة القاهرة، مما وصفه بالخلط بين أدوار مختلف المؤسسات في المجتمع، خاصة النقابات المهنية والأحزاب السياسية، مشيرا إلى أن كل دور له آلياته الخاصة. وقال إن هذه الآليات يجب أن تكون متكاملة وتؤدي كل آلية وظيفتها بشكل صحي ومتكامل حيث تقوم وسائل الإعلام بالنقل الحر للمعلومات والأخبار وينشط الحزب السياسي وسط الجماهير ويشكل قوة ضغط تعبر عن أفكاره في حين تقوم النقابات بتقديم الخدمات لأعضائها دون السعي للعب دور الحزب السياسي.
وأوضح صلاح عيسى أن الوضع العام في العالم العربي يقوم على فكرة “تأطير الفراغ”، بما يعني إنشاء تنظيمات وهمية تحت مسمى الأحزاب هى في حقيقتها أطر فارغة، مؤكدا أن نظم الحكم تتحكم فيما يتلقاه المواطن العادي من معلومات وآراء مدللا على ذلك بوجود الرقابة على المطبوعات الخارجية والتي تمتد إلى المطبوعات التي تصدر من داخل البلاد. وأضاف أن النظم العربية ترفض من الأصل فكرة الحزبية، وما هو قائم ليس إلا هوامش تتمثل في أحزاب تظل دائما أحزاب أقلية وهامشية ووظيفتها التنفيس فقط.
واعتبر عيسى أن إصلاح النظام السياسي كفيل بمواجهة التشوه وخلط الأدوار بين مختلف المؤسسات. وقال إن القنوات الفضائية خلقت نمطا من التفكير السياسي المشوش والمشوه على عكس ما كان يتوجب عليها أن تقوم به. كما لعبت دورا كبيرا في تكسير فكرة الحزبية واصفا الفضائيات الإخبارية العربية بأنها تعبوية تأخذ من الشارع وتصدر إليه.
وفي تعقيبها انتقدت الكاتبة الصحفية أمينة النقاش عضو المكتب السياسي لحزب التجمع ما اعتبرته توجها بتحميل الأحزاب السياسية مسئولية الفراغ السياسي في العالم العربي، وقالت إن هذا خلط كبير وظلم فادح للأحزاب السياسية لأن النظام السياسي العربي في مجمله استبدادي وضد حرية الفرد والمجتمع وضد التطور الديمقراطي الذي يحدث في العالم كله.

Share this Post