وضعها مثقفون في صالون ابن رشد: “خريطة طريق”… لإخراج التيار الليبرالي من أزمته

In صالون بن رشد by CIHRS

وضعها مثقفون في صالون ابن رشد:

“خريطة طريق”… لإخراج التيار الليبرالي من أزمته

يمر التيار الليبرالي في مصر – مثله في ذلك مثل باقي التيارات السياسية – بأزمة حادة، لكن المنتمين إليه يؤكدون أن المستقبل له، بل ويذهب بعضهم إلى التأكيد علي أنه لا مستقبل لمصر بدون هذا التيار، وفي المقابل فإن خبراء ومحللين ممن هم علي أرضية فكرية مختلفة مع التيار الليبرالي يرون أن علي القوي المنتمية له تقديم استحقاقات فيما يشبه “خريطة الطريق”، تجعل منه التيار الرئيسي في المجتمع.

مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أطلق في إطار صالون ابن رشد سلسلة من الندوات حول مستقبل التيار الليبرالي، وفي حلقتها الأولي قال مدير المركز بهي الدين حسن أنه سبق للمركز أن صاغ في التسعينات سلسلة ندوات حول تجديد الفكر السياسي من منظور الديمقراطية وحقوق الإنسان، وفي هذه الفترة لم يكن ممكنا الحديث عن وجود تيار ليبرإلى رغم وجود حزب الوفد، مشيرا إلى أنه أصبح الآن هناك تيار ليبرإلى صاعد علي المستوي العربي بشكل عام وليس المصري فقط، وصارت له تأثيراته الواضحة في الحياة السياسية.
وقد طرح بهي عددا من التساؤلات عما إذا كان هناك بالفعل مستقبل للتيار الليبرالي في مصر، وما هي المعوقات أمامه، وما إذا كان هناك طلب حقيقي علي الديمقراطية في المجتمع المصري، وإلى أي حد يمكن أن يكون هناك مستقبل لهذا التيار بدون أن يحدث نوع من أنواع الاندماج بين قواه المختلفة؟ وما هي أولويات هذا التيار الخمسة وما هو الموقف العملي من التعاون مع الحزب الحاكم من ناحية ومع جماعة الإخوان من ناحية أخري؟

وفي بداية حديثه، أكد مؤسس حزب الغد الدكتور/ أيمن نور أنه كان لدى الحركة الليبرالية المصرية دائما مشاكل سواء بنيوية أو متعلقة بالتوجه وبطبيعة الحركة التي تجاوزت قرن من الزمن وكانت بدايات نشأتها في أحضان الأزهر الشريف، مشيرا إلى مساهمة الكثيرين من الرموز في نقل مشاعل الليبرالية إلى مصر، واستطاعت هضمها في “معدة” مصرية وأضافت إليها أفكارا يغلب عليها الخصوصية المصرية ومن هؤلاء الشيخ محمد عبده والشيخ حسن العطار، معتبرا  أن التركيبة المصرية أميل إلى الوسطية والفكر الليبرالي.
وأضاف نور أن الفترة الأخيرة تشهد تعرض مؤيدي هذا التيار لمشكلات كثيرة، في مقدمتها السطو علي الشعار الليبرالي، حيث هناك تيار يتحدث عن أنه ليبرالي وفي الحقيقة لا تستشف من ممارساته وأفعاله الحد الأدنى من الأفكار التي يتبناها التيار الليبرالي، موضحا أن الحديث عن ليبراليين داخل السلطة يكشف عن ذلك، فالليبرالية ليست طرحا اقتصاديا مجردا، لكنها مجموعة من الأفكار والقيم الفكرية التي لا تتجزأ، وقال نور أنه لا يمكن تصور وجود ليبرالي يؤيد تمديد العمل بالطوارئ مثلا، مضيفا أن هناك شعارات ليبرالية يتم استخدامها بطريقة مغشوشة  ومشوهة تسيء  كثيرا  لهذه الأفكار.
وأكد نور في الوقت نفسه أن الحركة الليبرالية واعدة ، مدللا علي ذلك بوجود تنظيمات أهلية، وتجمعات شبابية ومنظمات مجتمع مدني تطرح رؤى شديدة الرقي، وهو ما يضعنا في موقف مرتبك – حسب نور – مشيرا إلى أنه قبل  ثورة يوليو 1952 كان هناك مثلث لتيار ليبرالي واضح علي قمته الوفد وأضلاعه الأحرار الدستوريين والسعديين في تنظيمات واضحة، أما الآن فالحركة الليبرالية أوسع بكثير، ولا تقتصر علي الوفد الذي يمثل جزءا مهما منها وكذلك لا تقتصر علي حزبي الجبهة أو الغد، ولا الحزب الوطني الحاكم، مشيرا إلى أن ممارسات الأخير لا يمكن أن تكشف عن وجه ليبرالي وإنما تساهم في أزمة هذا التيار، خاصة مع سعي القائمين عليه إلى تطبيق  بعض الأفكار الليبرالية  بشكل شائه.
وقد تناول نور التحديات التي تواجه التيار الليبرالي، مشيرا إلى أن في مقدمتها الإشكاليات الخاصة بالبناء التنظيمي، حيث أن التيار غير منظم كاليسار مثلا، ولا يوجد بناء تنظيمي حقيقي له وهناك حاجة لإعادة بنائه، وتوصيف وتصنيف القوي التي يمكن أن تنضوي تحت لوائه، وإعادة البناء الداخلي لكل منها من حيث القيادة والأنشطة والعضوية، خاصة في ظل وجود تيارات أخري أكثر تنظيما، وذات وجود حقيقي وأكثر قدرة علي الحشد في أي وقت؛ مضيفا أن التحدي الثاني يتمثل في الأزمة الاقتصادية التي طرحت كما من التحديات،  وتصور البعض معها أن التيار انتهي، مؤكدا أن هناك حاجة للمراجعة وأن تطرح الحركة الليبرالية رؤية أكثر اجتماعية فيما يتعلق بالبعد الاقتصادي، ورؤية أكثر تقدمية وأكثر استجابة لمطالب الأمة خاصة فيما يتعلق بالعلاقة بين الفردية والجماعية، حيث لم تعد فكرة الفردية المطلقة مقبولة الطرح.
ثم تابع نور أن هناك تحدي آخر يواجه الحركة الليبرالية، ويتمثل في إشكالية العلاقة الجدلية بين الدين والعلمانية، موضحا أن التيار الليبرالي لابد أن  يتبني رؤية جديدة تتفق مع رؤية  وطبيعة المجتمع ومشاعره، دون التخلي عن ثوابته – التيار – المتعلقة بالدولة المدنية وحقوق الأقليات والمرأة والأقباط، مشيرا إلى أن “خصوصية المجتمع” من القضايا الجدلية التي تستدعي إعادة بناء الأجندة فيما يتعلق بصياغة الديمقراطية وفق خصوصية المجتمع المصري، وقال أن هناك إشكاليات أخري خاصة بالأطروحات الاقتصادية في ظل الأزمة الأخيرة، و أن هناك أجندة يتم الحوار حولها بشأن إعادة تنظيم الأفكار وفقا للتطورات الاقتصادية الأخيرة، دون فزع أو تهويل، أو إدعاء بأن الأمور كلها يجب أن تستمر علي ما هي عليه، فلا توجد ثوابت ويجب أن تكون الحركة ديناميكية قادرة علي تطوير نفسها بشكل دائم.
وأكد نور أن التيار الليبرالي إذا ما قدم استحقاقات المستقبل فسيكون له مستقبل، أما إذا فرط فيها فلا مستقبل له، مشددا علي أن الديمقراطية بمفهومها الشامل قيمة مهمة جدا للمجتمع المصري، وهي موجودة ولازالت قائمة وإن كانت المشاكل اليومية تعطي انطباعا بأن الناس مهمومة بقضايا أخري، ومؤكدا علي حاجة القوي الليبرالية للتواصل وليس بالضرورة الاندماج، حيث لا توجد مؤشرات بنجاح الاندماجات في المجتمع المصري، ومطروح أن يكون هناك مشروعات مشتركة والاندماج قد يأتي فيما بعد.
وأرجع بعض المشكلات داخل التيار الليبرالي إلى ما وصفه “بالمسائل الشخصية”، وقال أن هذا الأمر انعكس بالسلب علي العمل الجماعي لقوي المعارضة في كثير من الأحيان.
وحول الحوار مع أطراف وتيارات أخري، قال نور: نحن مع الحوار مع كل الأطراف والقوى، ومع التواصل والتلاقي ودعم النقاط المشتركة، حتى لو كان ذلك مع الحزب الوطني الحاكم، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن السلطة تتعامل مع حوار الآخرين علي أنه “حوار أسياد وعبيد”، مؤكدا علي رفض هذا المنطق والسعي إلى الحوار المتكافئ.
وبشأن الموقف من جماعة الإخوان المسلمين، قال نور: نحن لدينا احترام وتقدير لجماعة الإخوان، ولدينا كذلك نقاط استفهام غير واضحة كالموقف من الأقباط والمرأة والمواطنة ومفهومهم للدولة المدنية والأقليات وما أثير عن حكم مجلس العلماء، وهو ما ينسف الأساس الخاص بالحكم الديمقراطي، مؤكدا عدم وجود عداء شخصي مع الإخوان و قال: “ليس دورنا  أيضا أن نحاربهم”.

تطورات
“لا يوجد مستقبل لمصر إلا في التيار الليبرالي وهذه ليست مبالغة”… هكذا بدأ الدكتور/ أسامة الغزالي حرب رئيس حزب الجبهة الديمقراطية حديثه، مشيرا إلى أن كلمة “ليبرالية” سيئة الحظ، وليست ذات شعبية أو جماهيرية، مؤكدا أن التيار الليبرالي هو ثاني أقدم تيار سياسي في مصر بعد الفكر الإسلامي.
وأوضح الدكتور حرب أنه في عهد محمد علي حدث أول اتصال لمصر بالحضارة الغربية من خلال البعثات، والتي عاد أفرادها حاملين الفكر الليبرالي، الذي كان سائدا في أوروبا، ومنذ ذلك الوقت عرفت مصر الالتقاء بين التوجه الإسلامي والفكر الوافد من أوروبا مع البعثات، وظلت طوال القرن 19 كذلك، ومع بداية القرن العشرين وفد عليها  الفكر الاشتراكي، وأصبح هناك ثلاث تيارات، ثم ظهر التطور داخل الفكر الإسلامي مع ظهور جماعة الإخوان المسلمين، وفي العشرينات بدأت إرهاصات الفكر القومي، وكانت ضعيفة في مصر، حتى تبناه عبد الناصر بعد ثورة يوليو 1952.
أكد الدكتور/ حرب أن مصر كلها وبتياراتها ومؤسساتها تعيش في أزمة، وأن التيار الليبرالي هو الأكثر قدرة علي تجديد نفسه، موضحا أن الليبرالية مذهب سياسي موجود منذ أكثر من مائتي عام، وارتبط بمجموعة من المفكرين العظام في أوروبا، وجوهر الفكرة  فيها هو حرية الفرد وحقه في أن يكون له مجال لا يجوز لسلطة أن تتدخل فيه، موضحا أن من التحديات التي واجهت الليبرالية كان ظهور الفاشية والشيوعية، حتى سقط النظام الشيوعي، وساد إحساس في العالم بأن القيم الليبرالية هي السائدة، لافتا إلى أن الليبرالية استفادت من    الأفكار الناقدة لها، مثل الأفكار الاشتراكية والماركسية، وأكد حرب أن مصر أحوج ما تكون الآن إلى التيار الليبرالي، وإلى نظام بديل للنظام الحالي، خاصة مع التدهور في مختلف المجالات في البلاد، ووجود تفاوت طبقي هائل، إضافة إلى عجز النظام السياسي عن القيام بالحد الأدنى من الوظائف المنوطة بأي نظام سياسي، مشددا علي أن الليبرالية الآن هي الخيار الوحيد للمستقبل في مصر، وجوهر التحول في البلاد لابد أن يكون ليبراليا، لافتا إلى أن الحزب الوطني الحاكم لا يعد حزبا وإنما تجمعا للمصالح، ولا يمكن التعويل عليه، مشيرا إلى أنه لابد من القبول بحق أي قوة سياسية في تنظيم نفسها وممارسة حقوقها ورأيها، وذلك في إطار الدستور والقانون، علي أن تقبل بقواعد اللعبة، مشيرا إلى أن الديمقراطية والليبرالية شيء و جماعة الإخوان شيء مختلف تماما.

تحديات
المفكر عبد الغفار شكر القيادي بحزب التجمع التقدمي الوحدوي أشار إلى أن مصر الآن في اشد الحاجة إلى الديمقراطية السياسية بالمفهوم الليبرالي، وفي حاجة إلى الاعتراف بالتعددية الليبرالية لكل الطبقات، وتعدد المصالح وحق كل طبقة في الدفاع عن مصالحها بالوسائل الديمقراطية، مع ضرورة أن يكون لليبرالية وجه إنساني ورؤية للعدالة الاجتماعية.
وأكد شكر أن هناك مستقبل للتيار الليبرالي، مشيرا أن الظروف الدولية الراهنة أدت إلى انفراد الرأسمالية بالساحة الدولية، وحدوث تحولات رأسمالية في معظم دول العالم، لافتا إلى أن الحزب الوطني الحاكم في مصر يبني أسس الاقتصاد الحر، وفي نفس الوقت يحافظ علي السلطوية السياسية، بما يعني أنه يقود تطورا رأسماليا مشوها يضمن استمراره، منتقدا عدم استثمار القوي الليبرالية في مصر الإمكانيات المتاحة لها، ما أدي إلى فشلها في أن تتحول إلى تيار أساسي ورئيسي في المجتمع المصري، وقال أن هناك تحديات أمام القوي الليبرالية، يتمثل أولها في حاجتها إلى أن تقدم نفسها للمجتمع، كنموذج ديمقراطي يتحقق في سلوكه وأنماط علاقاته الديمقراطية وهو ما فشلت فيه الأحزاب الليبرالية الثلاثة – الغد والوفد والجبهة الديمقراطية – والتي عانت من الصراعات الداخلية الدامية والانشقاقات، وبات عليها أن تعيد بناء نفسها كقوي ديمقراطية، مضيفا أن علي التيار الليبرالي أن يبدع ويبتكر مساحة خاصة به في ساحة العمل السياسي، كما أن عليه أن يسعي إلى اجتذاب  الحامي الاجتماعي للرأسمالية والقوي المستفيدة منها، والذين ينتظرون خيرا منها، وهم رجال الأعمال والطبقة الوسطي والطبقات المهمشة.
وشدد شكر علي أنه لا يوجد تحول رأسمالي حقيقي بدون مجتمع مدني مستقل وحر، حيث هو الرافعة لأساس أي تطور ديمقراطي، مطالبا الأحزاب الليبرالية الثلاثة بالتنسيق فيما بينها حول معارك متصلة بالناس، وذات أولوية لدي القوي الاجتماعية التي تسعي لكسبها في صفها، ومن ذلك الدعوة لدستور جديد وخوض معركة سياسية وجماهيرية من أجل ذلك الهدف، إضافة إلى إمكانية خوض معارك حول استقلال النقابات المهنية والتعامل مع القطاعات الجديدة التي تعمل بالتكنولوجيا الحديثة.

Share this Post