يدعو مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان إلى الإفراج الفوري غير المشروط عن المدافعة الحقوقية وعضو المجلس التشريعي الفلسطيني خالدة جرار ، والتي اعتقلتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في 2 نيسان/إبريل، كما يعرب المركز عن قلقه إزاء حالتها الصحية؛ حيث أنها تعاني من تميع في الدم وارتفاع في نسبة الكولسترول، مما يتطلب إشرافًا طبيًا مستمرًا.
كانت محكمة “عوفر” العسكرية الإسرائيلية قد عقدت جلسة –حددت في الساعات الأخيرة– في 29 نيسان/إبريل، للنظر فيما إذا كانت “جرار “ستبقى قيد الاعتقال إلى حين انتهاء الإجراءات القضائية/ الأمر الذي يعد محاولة لإضعاف قدرة الطاقم القانوني القائم على الدفاع عنها، بينما ستُعقد جلسة أخرى يوم الأربعاء القادم 6 أيار/مايو للطعن في أمر الاعتقال الإداري الصادر ضدها في 5 نيسان/أبريل.
ويعتقد مركز القاهرة أن اعتقال “جرار” والتهم الموجهة إليها يرتبطان ارتباطًا مباشرًا بعملها في مجال حقوق الإنسان، لاسيما فيما يخص مسألة دفاعها عن الأسرى الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية، إذ قامت “جرار” كمدافعة عن حقوق الإنسان بمناصرة قضية الأسرى السياسيين الفلسطينيين على مدى سنوات عديدة، حيث شغلت في السابق منصب المدير العام لمؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، وهي حاليًا نائب رئيس مجلس إدارة المؤسسة، بالإضافة إلى انتمائها السياسي، حيث عُيّنت “جرار” –إلى جانب عضويتها في المجلس التشريعي الفلسطيني– عضوًا في اللجنة الوطنية الفلسطينية المعنية بمتابعة انضمام فلسطين للمحكمة الجنائية الدولية.
وتتضمن لائحة الاتهام الموجهة بحق “جرار” والتي صدرت في 15 نيسان/إبريل، 12 تهمًا يُعتقد أنها تتعلق بعملها الحقوقي والسياسي، وذلك وفقًا لما أوردته مؤسسة الضمير الممثل القانوني لـها.
وتجدر الإشارة إلى أن “خالدة جرار” قد اعتُقلت يوم 2 نيسان/أبريل الماضي من منزلها الكائن في رام الله في حوالي الساعة الواحدة صباحًا، من قبل أفراد من القوات المسلحة، داهموا منزلها برفقة عدد كبير من الجنود المدججين بالسلاح، مما تسبب في ذعر قاطني المنزل، حيث قامت القوات باحتجاز زوجها في غرفة منفصلة، واقتادتها بعد ذلك إلى مستوطنة إسرائيلية، ثم إلى قاعدتين عسكريتين خضعت فيهما لاستجوابات مطولة، وذلك قبل نقلها إلى مركز اعتقال خارج الأرض الفلسطينية المحتلة. وتجدر الإشارة إلى أنه هذه ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها قوات الاحتلال “خالدة جرار“، ففي رصيدها تاريخ طويل من المضايقات تجلت في منعها من السفر وإصدار السلطات العسكرية أوامر بتقييد تحركاتها.
فيما أصدرت السلطات العسكرية الإسرائيلية أيضًا وبعد ثلاثة أيام من الاعتقال الاحترازي لها ، أمرًا باعتقال إداري ضدها، وقد عقبت المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة على قضية “جرار” بشكل خاص معربةً عن “قلقها المتزايد” إزاء استخدام إسرائيل لإجراءات الاعتقال الإداري.
يسمح القانون الدولي الإنساني بالاعتقال الإداري فقط في الحالات التي تستدعيها “أسباب أمنية قهرية” (وفقًا للمادة 78 من اتفاقية جنيف الرابعة). وتُعتبر ممارسة إسرائيل –بوصفها دولة احتلال– للاعتقال الإداري على نطاق واسع انتهاكًا في غاية الخطورة لمعايير القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. فقد اعتبرت لجنة الأمم المتحدة المعنية بمناهضة التعذيب في ملاحظاتها الختامية حول استعراض تقرير دولة إسرائيل عام 2009 أن هذه الممارسة تشكل انتهاكًا لحظر الأفعال أو صنوف المعاملة أو العقوبة، القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة. ويُعتبر الاعتقال الإداري أيضًا شكلًا من أشكال الاحتجاز التعسفي حيث أنه لا يستوفي المعايير الدولية للمحاكمة العادلة.
ويخضع حاليًا أكثر من 400 أسير فلسطيني لنظام الاعتقال الإداري. وتضمن هذا العدد في شباط/فبراير 2015، 9 من أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني، طبقًا لإحصائيات المنظمات الحقوقية فلسطينية. وتتسع القائمة أيضًا لتشمل نشطاء من المجتمع المدني ترغب السلطات العسكرية في إبقائهم خلف القضبان. أصدرت السلطات العسكرية الإسرائيلية منذ عام 1967 ما يربو على 50,000 أمر اعتقال إداري، نصفها تقريبًا (24,000 أمر) بين عامي 2000 و2014.
ويُعد اعتقال عضو المجلس التشريعي “جرار” أيضًا فرصة سانحة لتسليط الضوء على الانتهاكات الجوهرية في نظام المحاكم العسكرية الإسرائيلية للإجراءات القانونية الواجبة وللحق في محاكمة عادلة، مما يشكل انتهاكًا جسيمًا لما نص عليه القانون الدولي بشأن إعمال العدالة. ويستمر هذا النظام في محاكمة آلاف المدنيين كل عام، حيث أصبحت الاعتقالات والمحاكمات العسكرية أداة فعالة في يد الاحتلال الإسرائيلي لوأد أي نضال فعلي يقوده المجتمع المدني من أجل الكرامة وحقوق الإنسان. وتجري هذه الاعتقالات والمحاكمات في ظل غياب كامل للالتزام بإبداء حسن النية من جانب إسرائيل في ممارسة صلاحيتها بالحفاظ على القانون والنظام، وهو التزام واجب على إسرائيل بصفتها دولة الاحتلال، وتجاوز إلى حد بعيد لحدود الولاية القضائية للمحاكم العسكرية التي يفرضها القانون الدولي. وقد اعتقلت إسرائيل في الفترة من عام 1967 وحتى عام 2013 ما يزيد عن 800,000 فلسطيني في الأرض الفلسطينية المحتلة بموجب أوامر عسكرية. ويمثل هذا العدد حوالي 20% من إجمالي عدد السكان الفلسطينيين في الأرض المحتلة، ويتضمن ما يقرب من 40% من إجمالي عدد السكان الفلسطينيين من الذكور. ويشمل هذا العدد أيضًا 10,000 سيدة تعرضن للاعتقال منذ عام 1967، فضلًا عن اعتقال 8,000 طفل فلسطيني منذ عام 2000.
ويشير مركز القاهرة في هذا الصدد إلى التزامات إسرائيل بموجب القانون الدولي بوضع حد لممارسة الاعتقال الإداري ضد الفلسطينيين في الأرض الفلسطينية المحتلة. ويؤكد أيضًا أن اعتقال “جرار” يشكل انتهاكًا للحق في ممارسة حرية الرأي والتعبير وتكوين الجمعيات. ويُذكّر مركز القاهرة بالإضافة إلى ذلك أن اعتقال نواب المجلس التشريعي يشكّل جانبًا من الانتهاك المنهجي لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره من خلال اختيار ممثليه السياسيين بحرية.
ويحث المركز المجتمع الدولي على اتخاذ خطوات جادة للضغط على إسرائيل من أجل الإفراج عن “خالدة جرار”، وتعزيز جهوده الرامية إلى وضع حد لسياسات وممارسات الاعتقال التعسفي التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، المشمول بالحماية تحت الاحتلال، كما نؤكد أخيرًا الارتباط الوثيق بين قضية الأسرى السياسيين في سجون الاحتلال وبين نضال الشعب الفلسطيني من أجل حقوق الإنسان والكرامة.
Share this Post