يعرب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان عن قلقه الشديد إزاء ما تشهده الساحة السورية مؤخرًا من تزايد الأعمال القتالية وخاصة في محيط محافظتي إدلب ودمشق، وما يتواتر من أنباء بشأن استخدام غاز الكلور السام في محيط محافظة إدلب، والقصف العشوائي المستمر للغوطة الشرقية المحاصرة في ريف دمشق، فضلاً عن الهجوم المستمر من القوات التركية على حدود سوريا الشمالية الغربية للأسبوع الثالث على التوالي.
ففيما تتقاتل الجبهات المتعددة في المناطق المأهولة بالمدنيين السوريين، حيث يعانون وحشية آلة القتل وسطوة الجوع والتهجير القسري، يستمر تخاذل مجلس الأمن بالأمم المتحدة عن اتخاذ خطوات فعالة. إذ فشل المجلس في جلسته المنعقدة بتاريخ 5 فبراير الجاري في تجديد ولاية لجنة للتحقيق باستخدام الأسلحة الكيماوية، أو الضغط على الأطراف المختلفة لاحترام المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني.
وفي خلال الأيام القليلة الماضية، فقّد أكثر من مئة سوري حياتهم، بينهم 80 شخص على الأقل في الغوطة الشرقية و20 آخرين في منطقة سراقب في محيط إدلب، وسط مزاعم باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين هناك، بالإضافة للقصف العشوائي لعدة مناطق وبلدان منها: أريحا ومعرة النعمان ومرديخ جنوبي إدلب وشمال ريف حلب. حيث تتصاعد الأعمال القتالية من قبل النظام السوري والميليشيات المساندة له في هذه المناطق، فضلًا عن الغطاء الجوي الذي تقدمه القوات الروسية، ذلك إلى جانب ارتفاع أعداد الضحايا بما في ذلك النساء والأطفال، وتوارد الأنباء عن قصف عدة مراكز طبية وطواقم الدفاع المدني.
في الوقت ذاته، يستمر الهجوم التركي على الحدود الشمالية في سوريا للأسبوع الثالث، مما أسفر عن سقوط ضحايا مدنيين، بسبب طرفي القتال، كما أسفر الهجوم عن تهجير ما يقرب من5000 سوري، معظمهم ينزح للمرة الثانية، ممن كانوا على الحدود التركية، هربًا من النزاع القائم في مدنهم وبلدانهم الأصلية. وردًا على كثافة العمليات القتالية في سوريا، اعتبر رئيس لجنة التحقيق الأممية في سوريا باولو بينييرو في تصريح له في 6 فبراير الجاري أن: “التقارير الواردة للجنة مقلقة للغاية، وتعد استهزاء بما يسمى مناطق خفض التصعيد بهدف حماية المدنيين من هذا القصف.“ كما أكدت لجنة التحقيق أن لديها أدلة تشير إلى أن جرائم دولية ترتكب في سوريا.
في السياق نفسه، مازالت الردود الدولية على هذا الوضع تتسم بالضعف المخجل، ولا يزال مجلس الأمن عاجز عن اتخاذ خطوات فعلية لردع الانتهاكات الجسيمة في سوريا، بعدما استخدمت روسيا حق النقض ضد تجديد ولاية الآلية المشتركة للتحقيق في استخدام أسلحة كيماوية في سوريا نوفمبر الماضي.
وفي هذا الصدد يجدد مركز القاهرة تأكيده على أن حجم ونوعية الانتهاكات بسوريا تجاوزت مرحلة المطالبة بفتح تحقيق، وأن الاستخدام المتكرر للأسلحة الكيماوية لم يعد بحاجة لمزيد من الأدلة. فمنذ أغسطس 2013 أشارت معظم الأدلة لمسئولية النظام المباشرة عن استخدام السلاح الكيماوي في عدة مواقع، مما أدى لسقوط مئات الضحايا من المدنيين، كما أثبتت عدة تقارير أممية بما لا يدعو مجالاً للشك استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية.
وفي هذا السياق يرحب مركز القاهرة بالمبادرة الفرنسية المدعومة من 30 دولة، من أجل إنشاء شبكة تبادل معلومات للمساءلة الأفراد الضالعين باستخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، ويدعو هذه الدول لاستكمال المبادرة من خلال حشد المساندة في الجمعية العامة لإصدار قرار تحت بند قرار 377A متحدون من أجل السلام، والذي ينص على إنشاء محكمة خاصة لها ولاية قضائية على الجرائم المرتكبة في سوريا.
إن الأحداث الأخيرة تثبت بشكل قاطع بأنه لا سلام أو نهاية لإراقة الدماء والجرائم في سوريا دون وضع حد للإفلات المستمر من العقاب. فتعدد جهود الحل السلمي مؤخرًا، سواء في فيينا لاستكمال العملية السياسية التي تضمنها الأمم المتحدة، أو من خلال مؤتمر سوتشي أو محادثات وقف إطلاق النار في أستانة، لن تأتي بأية نتائج حقيقية ومستدامة طالما بقيت أطراف الحوار، والملوثة أيديهم بالدماء، بلا رادع أو عقاب على استمرار استهداف حياة المدنيين، كما يجدر بالمجتمع الدولي أن يحترم مسئولياته ويتعاون بشكل جدي داخل إطار الأمم المتحدة لوضع حد للوضع المأساوي في سوريا.
Share this Post