تعرب المنظمات الموقعة على هذا البيان عن عميق أسفها إزاء ما يتعرض إليه عشرات الآلاف من ملاحقات قضائية واحتجاز، سواء بسبب ممارستهم الحق في التظاهر والتجمع السلمي، أو بسبب تصادف وجودهم في محيط تظاهرة معينة، وذلك على خلفية إقرار قانون “تنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية في الأماكن العامة” والمعروف باسم قانون التظاهر في 24 نوفمبر 2013. ذلك القانون الذي صدر بموجب القرار رقم 107/2013لرئيس الجمهورية، بالرغم من الاعتراضات الواسعة من المنظمات الحقوقية والعديد من القوى السياسية ومنابر الرأي العام وستة وزراء، وتحذير المفوضة السامية لحقوق الإنسان السابقة بالأمم المتحدة نافي بلاي أن القانون قد يؤدي إلى انتهاكات خطيرة تمس الحق في حرية التجمع السلمي.
وتتمسك المنظمات الموقعة بمطلبها المتمثل في إلغاء القانون، والإفراج الفوري عن كافة المحتجزين سواء رهن الحبس الاحتياطي أو صدر بحقهم أحكام قضائية، على خلفية هذا القانون الجائر، كما تطالب المنظمات البرلمان القادم –حال استمر العمل بالقانون حتى انعقاد البرلمان– بعدم إقرار القانون، وإسقاط ما ترتب عليه من ملاحقات وأحكام قضائية، ووقف العمل به لحين إصدار قانون جديد يتماشى مع أحكام الدستور، ويمتثل للمعايير الدولية، ويستجيب لتوصيات المجلس القومي لحقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية، مع عرضه للنقاش المجتمعي.
كان الرئيس المؤقت عدلي منصور قد أصدر هذا القانون في نوفمبر 2013 رغم اعتراض 6 وزراء وقتها، بينهم نائب رئيس الوزراء للشئون الاقتصادية ووزير الخارجية، الذين أبدوا مواطن اعتراضهم على القانون في 9 أكتوبر من العام نفسه، وقد أثبت القانون تخوفات القوي المدنية من توظيفه لتجريم كافة أشكال التجمع السلمي، بما في ذلك التظاهرات والاجتماعات العامة، وتقنين استخدام القوة المفرطة في تفريق التجمعات السلمية.
يعد هذا القانون هو الأول في سيل التشريعات التي تتعارض نصًا وروحًا مع دستور 2014. إذ أصدر رئيس الجمهورية الحالي عبد الفتاح السيسي عدد كبير من هذه التشريعات المعيبة من بينها: قانون الكيانات الإرهابية وقانون مكافحة الإرهاب والتعديلات على المادة 78 من قانون العقوبات الخاصة بالتمويل الأجنبي. وكانت محكمة القضاء الإداري –دائرة الحقوق والحريات– قد أجازت في يونيو 2014 الطعن على قانون التظاهر أمام المحكمة الدستورية، نظرًا لوجود شبهة عدم توافق بين القانون والدستور.
وفيما بررت الحكومة تمرير قانون التظاهر في وقتها، بغرض مواجهة تظاهرات فصيل سياسي معين وإعادة الاستقرار للشارع المصري، يعتبر الوضع في مصر حاليا أقل استقرارًا مما كان، حيث يجد التطرف العنيف أنصارًا جدد كل يوم، بينما يخشى تحول السجون لساحات للتجنيد لحساب جماعات العنف.
لقد صار الخروج في مظاهرة سلمية في مصر يحتمل مجموعة من المخاطر تبدأ من القتل العشوائي للمتظاهرين، وتنتهي بالقبض على العشرات والحكم عليهم لمدد وصلت في بعض الحالات إلى خمس سنوات، أو وضعهم رهن الحبس الاحتياطي لفترات طويلة.
في المقابل –وباستثناء قضية مقتل شيماء الصباغ– لا تخضع قوات الأمن للمساءلة أو المحاكمة لاستخدامها القوة المميتة أثناء تفريق المتظاهرين، والحالات القليلة التي خضعت للتحقيق أو المحاكمة انتهت جميعها بالبراءة. في الوقت نفسه تقاعست المحكمة الدستورية العليا عن نظر الطعون الدستورية على قرارات وزير الداخلية التي تبرر قتل المتظاهرين السلميين.
إن أداء وممارسات قوات الأمن في مصر لم يتغير، إذ تتجدد الانتهاكات والجرائم في كل تعامل مع التجمعات والمظاهرات السلمية. ففي 24 يناير 2015، لقيت المدافعة عن حقوق الإنسان شيماء الصباغ مصرعها بطلقات قوات الأمن أثناء فض مسيرة سلمية رافعةً شعارات العيش والحرية والعدالة الاجتماعية وأكاليل الزهور لإحياء ذكرى شهداء وشهيدات ثورة يناير. في حين شهد اليوم التالي استخدام مفرط للقوة المميتة من قبل قوات الأمن بحق متظاهرين، في مناطق متفرقة بالقاهرة والإسكندرية، مما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والمصابين من المتظاهرين والمواطنين العاديين.
وبموجب هذا القانون أيضًا تم اعتقال مئات المتظاهرين بحجة عدم الحصول على تصريحات من الجهات الأمنية المعنية بالتظاهر، في ظل شروط غير منطقية وغير عملية يفرضها القانون على منظمي التجمعات السلمية، من بينها الإبقاء على حق وزارة الداخلية في الاعتراض على “الإخطار” استنادًا لأسباب فضفاضة، كوجود معلومات على ما يهدد “الأمن” أو “السلم”. الأمر الذي يجعل تنظيم ممارسة الأفراد للحق في التجمع السلمي محكومًا في واقع الأمر بنظام الترخيص المسبق وهو ما يتعارض مع المادة 73 من الدستور الحالي، والمادة 10 من الإعلان الدستوري الصادر في 8 يوليو 2013 والذي صدر القانون إبان العمل به.
وبالرغم من حبس المئات على خلفية هذا القانون، لم يتصد القضاء المصري لدعاوى رجال الأمن المكررة في المحاضر، والتي تتمحور حول إلصاق مجموعة من الاتهامات الثابتة للمتظاهرين إلى جانب التظاهر بدون تصريح، ومن بينها التجمهر وتعطيل الطريق العام والاعتداء على رجال الأمن، تلك الاتهامات المكررة والثابتة يعتبرها القضاء حقائق واقعة، حتى وإن لن تتوافر دلائل جادة عليها، بينما يقف عاجزًا أمام شكاوى المتهمين بالتظاهر، والخاصة بتعرضهم لاعتداءات بدنية جسيمة هم وعائلاتهم من رجال الأمن، برغم توافر التوثيق القانوني لهذه الاعتداءات، بل أنه في بعض الأحيان يتعامل مع الشهود المتطوعين باعتبارهم متهمين ويحيلهم للتحقيق والمحاكمة.
مؤخرًا ألقت قوات الأمن القبض على 13 متظاهرًا، يوم الخميس 19 نوفمبر الجاري، على خلفية مشاركتهم في مظاهرات إحياءً لذكري أحداث محمد محمود. وجهت النيابة للمتظاهرين تهم التظاهر دون إخطار والتجمهر وقطع الطريق، ورغم أن قاضي معارضات محكمة قصر النيل قد قرر إخلاء سبيل المتهمين بكفالة، إلا أن النيابة العامة طعنت على القرار، فقبلت محكمة جنح مستأنف قصر النيل –المنعقدة بغرفة المشورة يوم 23 نوفمبر– الطعن، الذي بموجبه تجدد حبس المتهمين لـ15يوم على ذمة القضية.
إن مصادرة الحق في التعبير والتجمع السلمي بعقوبات سالبة للحرية كان ولايزال جزءً من خطة ممنهجة لإغلاق المجال العام، يتعين على البرلمان المقبل أن يعي جيدًا نتائج فرض قوانين تتعارض مع الدستور وتنتهك الحقوق والحريات الأساسية وكيف تؤثر تلك القوانين سلبًا على الاستقرار في مصر.
لذا فإن المنظمات الموقعة تطالب بالآتي:
- على رئيس الجمهورية إلغاء العمل بقانون التظاهر، أو استخدام سلطة العفو عن العقوبة –لمخولة له بموجب الدستور– في إصدار قرارات عفو فورية عن المحكوم عليهم بموجب القانون في قضايا تتعلق بممارسة حق التظاهر والتجمع السلمي.
- على البرلمان عدم الموافقة على قانون التظاهر، وأن يخوض مناقشات حول القواعد اللازمة لضمان الحق في التظاهر السلمي وفقًا للدستور والمعايير الدولية، على أن تشارك منظمات حقوق الإنسان في تلك المناقشات.
المنظمات الموقعة:
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- الجماعة الوطنية لحقوق الإنسان والقانون
- الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان
- المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
- مركز الحقانية للمحاماة والقانون
- المركز المصري لدراسات السياسات العامة
- المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
- مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب
- مركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف
- مركز وسائل الاتصال للملائمة من أجل التنمية
- مصريون ضد التمييز الديني
- المفوضية المصرية للحقوق والحريات
- المنظمة العربية للإصلاح الجنائي
- مؤسسة المرأة الجديدة
- مؤسسة حرية الفكر والتعبير
- مؤسسة قضايا المرأة المصرية
Share this Post