نظّم مركز القاهرة ندوة فكرية، في 12 يونيو 2007، تحت عنوان “في ذكرى اغتيال فرج فودة.. ماذا تبقى من الدولة المدنية في مصر؟”، وقد شارك فيها الأستاذ سامح فوزي الكاتب والباحث، والأستاذ صبحي صالح عضو مجلس الشعب عن الإخوان المسلمين، والأستاذ حلمي سالم الشاعر ورئيس تحرير مجلة أدب ونقد، وقد تولى إدارة الندوة بهي الدين حسن مدير المركز.
استعرض بهي الدين حسن انشغال الدكتور فودة بضرورة قيام الدولة المدنية وتقديمه مساهمات نقدية تتسم بالشجاعة فيما يتعلق بأوضاع الأقباط والشيعة والبهائيين في مصر، واستنكر بهي غياب الاحتفاء الرسمي بفودة وتراجع الحكومة عن وعدها السابق بإعادة طبع مؤلفاته، وربط بهي بين دفاع فودة عن الدولة المدنية والسجال الذي صحب التعديلات الدستورية الأخيرة بشأن المواطنة، وتعزيز الدولة المدنية في مواجهة خطر الدولة الدينية. مشيرًا إلى أن الفترة التالية لإقرار هذه التعديلات شهدت ممارسات لا علاقة لها بالدولة المدنية ، مثل وقوع عدد من أحداث الفتنة الطائفية، إضافة إلى الملاحقة الأمنية للقرآنيين، واستمرار مصادرة بحوث لا تتفق مع آراء المؤسسة الدينية الرسمية ، علاوة علي شيوع استخدام مصطلحات مثل الطائفة المسيحية والأخوة الأقباط، لأول مرة في الخطاب الرسمي، بالإضافة إلى مصادرة عدد من الأعمال الابداعية والتحقيق مع أصحابها، واتخاذ موقف معلن من قبل المؤسسة الدينية الرسمية ضد اشتغال المرأة بالقضاء.
من ناحيته انتقد سامح فوزي أسلوب معالجة الملف الطائفي، مستنكرًا التجاهل الرسمي لتوصيات ” لجنة العطيفي ” الصادر عام 1972 رغم أهميتها، كما انتقد ما وصفه بكثافة السجالات الدينية في حياة المصريين مرجعا ذلك الي الفضائيات والمواقع الالكترونية التي تفرغت لهذه السجالات والتشكيك في عقائد الآخرين، إلي جانب غياب دور اللجنة الدينية بالبرلمان وغياب الرقابة الرسمية علي “أشرطة الكاسيت” الدينية، وتضمين المناهج الدراسية العديد من المغالطات في هذا الشأن، وقد أشار فوزي إلى تزايد حالة التقوقع لدي الأقباط وانسحابهم من الفضاء الاجتماعي الأوسع ليتحولوا الي رعايا للدولة والمؤسسة الدينية.
من جانبه أكد الشاعر حلمي سالم رئيس تحرير مجلة “أدب ونقد” أن كل عقود القرن العشرين شهدت حوادث شهيرة وصارخة تتناقض مع مبادىء الدولة المدنية، مدللا علي ذلك بحوادث المصادرة الفكرية والسياسية التي تعرض لها كبار الكتاب كطه حسين وعلي عبد الرازق وخالد محمد خالد ونجيب محفوظ. مشيرا إلى أن غالبية هذه المصادرات كانت بسبب المرجعية الدينية، وقال سالم إن المجتمع المصري يشهد منذ السبعينات حالة انشطار وانقسام بين الفتوي الدينية والقانون، مؤكدا أن الحديث عن حماية الدستور لحرية الفكر والاعتقاد هو أيضا وهم يجب التخلص منه.
انتقد سالم تكرار الحديث عن تجديد الخطاب الديني وقال أن هذا الخطاب تجدد طوال القرون الخمسة عشر الماضية عشرات المرات، معتبرا أن المشكلة هي في عدم وضع هذا التجديد موضع التنفيذ، وغياب السلطة والإرادة السياسية التي يمكنها تنفيذ التجديد وتحقيقه؛ بسبب قوة وشراسة الفكر الرجعي وتحالفه مع السلطة السياسية القائمة، وذهب سالم إلى عدم وجود فرق جوهري بين المتطرف والمعتدل في الفكر الإسلامي، لوجود سقف نظري وفلسفي لا يمكن لكليهما تجاوزه، مدللا علي ذلك بقيام الدكتور محمد الغزالي نفسه بكتابة تقرير مصادرة رواية ” أولاد حارتنا ” لنجيب محفوظ إضافة إلي شهادته الشهيرة في قضية اغتيال فرج فودة وقال سالم إن في الإسلام شقان، أحدهما يعطي للمستنير ما يريد، والآخر يعطي المستبد ما يرغب، معتبرا أن مصر تحمل مفردات الدولة المدنية لكنها “مملوءة بدولة دينية”، ومطالبا بإلغاء الفتوى نهائيا. والاعتماد فقط علي القانون، وإلغاء ولاية الأزهر علي الابداع والفكر وإلغاء الحسبة نهائيا سواء للأفراد أو للنيابة العامة وتعديل المادة الثانية في الدستور، علاوة علي مجابهة الفكر والرأي والمقال بمثيلاتهم وليس بالمسدس أو السجن.
من جانبه أكد صبحي صالح أن الدكتور فرج فودة راح ضحية فكره واغتيل في جريمة غدر غير مبررة، مشيرا في نفس الوقت إلي أن فودة دخل في مساجلات مع جماعات منحرفة فكريا ونذر نفسه لنظرة جزئية دون النظرة الشاملة للدولة المدنية وقال أن أفكار فودة سبق طرحها بنفس الشجاعة في فترات سابقة كالعشرينات من القرن الماضي.
واعتبر صالح أن ما تمر به مصر حاليا هو جملة أعراض لحالة دولة فقدت معالمها وفلسفتها ومشروعها السياسي، ولا يعرف شكل وتوصيف النظام السياسي فيها، وأكد علي أن التيار الإسلامي يري أن الحكم النيابي هو الأقرب للفكر الإسلامي، الذي يرفض الدولة الدينية لأنها تقوم علي التفويض الإلهي، مشددا علي أنه لايوجد مجتمع انساني بدون مرجعية وفلسفة حاكمة ومشيرا إلي أن الفكر الاسلامي لا يوجد به متطرف ومعتدل ولكن يوجد به معتدل ومنحرف.
Share this Post