خضع اليوم 13 نوفمبر 2019 سجل مصر الحقوقي خلال السنوات الأربع الماضية للتدقيق والمراجعة في الأمم المتحدة، وذلك ضمن آلية الاستعراض الدوري الشامل بمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في جنيف. حيث تلقت مصر عشرات التوصيات المبدئية من أجل تحسين حالة حقوق الإنسان في البلاد. يأتي هذا في الوقت الذي تواصل فيه الحكومة المصرية حملتها القمعية ضد كافة أشكال المعارضة، بما في ذلك الهجمات واسعة النطاق ضد المعارضين السياسيين السلميين لحكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، والمدافعين عن حقوق الإنسان، ومنظمات المجتمع المدني المستقلة، الأمر الذي كان محل اهتمام عدد كبير من الدول خلال هذه الجلسة. وفي ذلك يقول محمد زارع مدير برنامج مصر بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان “ظل المجتمع الدولي لفترة طويلة جدًا في حالة صمت، بينما تقتل الحكومة المصرية وتخطف وتسجن وتعذب معارضيها، واليوم كان بداية كسر هذا الصمت.”
بدأت فعاليات جلسة اليوم بعرض الحكومة المصرية تقريرها حول جهودها على مدى أربعة سنوات في مجال حقوق الإنسان. وقد أدعى تقرير الحكومة احترام مصر للدستور والمعاهدات الدولية في مجال حماية الحقوق والحريات وحرمة الحياة الخاصة للمواطنين، وحق جميعهم في المعاملة الإنسانية وعدم التعذيب، متجاهلاً الرد على عشرات التقارير الأممية و الحقوقية و قرارات البرلمان الأوروبي التي تؤكد تفشي ظاهرة الإخفاء القسري، ونزع الاعترافات تحت وطأة التعذيب، وظروف الاحتجاز الوحشية التي تهدد حياة السجناء السياسيين، وتفتيش المواطنين وهواتفهم في الشوارع، والقبض العشوائي على المواطنين في سبتمبر الماضي (4000 شخص على الأقل)، بالإضافة إلى القبض على الصحفيين والمحاميين والحقوقيين بسبب عملهم، وكذا القبض على العديد من رؤساء الأحزاب وبعض قيادات الصف الأول والثاني الحزبية عقابًا على ممارسة حقهم المشروع في المشاركة السياسية. كما احتفت الحكومة المصرية أيضًا بإنشاء هيئة وطنية مستقلة للانتخابات الرئاسية، وإدارة الاستفتاءات، وكذا تأسيس عدد من الهيئات المنظمة للعمل الإعلامي، ولكنها تجاهلت دور هذه الهيئات في خلق المناخ القمعي المروع للانتخابات الرئاسية، وما أسفرت عنه التعديلات الدستورية من انفراد الرئيس الحالي بالسلطات الثلاثة ومد أجل ولايته في الحكم، والتأميم الكامل لوسائل الإعلام المصرية وسيطرة الأجهزة الأمنية عليها، وحجب أكثر من 500 موقعًا إلكترونيًا، بالإضافة إلى الاعتداءات المتتالية على الصحفيين، والزج ببعضهم في السجون بحجة نشر أخبار كاذبة لمجرد أنها تختلف مع بيانات الدولة الرسمية وخطابها الرسمي.
وكانت 14 دولة، قد نشرت قبل هذه الجلسة مجموعة من الأسئلة لمصر بشأن الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الاستخدام المنهجي للتعذيب، والظروف اللاإنسانية داخل السجون وأماكن الاحتجاز، والاعتداءات على حقوق الإنسان ومنظماتها والمدافعين عنها، والمحاكمات غير العادلة التي أدت لمزيد من التوسع في إصدار وتنفيذ عقوبة الإعدام، بالإضافة إلى القيود المفروضة على حرية التعبير، والعنف ضد المرأة، وضد أصحاب الميول الجنسية المختلفة. كما تطرقت بعض الدول أيضا إلى أزمة الاستقلال القضائي، والسلطة المطلقة للرئيس والتي تعززها سلطة قوانين “الطوارئ.” وهي القضايا نفسها التي تمحور حولها معظم التوصيات الموجهة لمصر خلال جلسة اليوم الممتدة لـ 3 ساعات.
ركزت العديد من التوصيات على ضمانات كفالة الحق في حرية التعبير سواء من خلال الإنترنت أو خارجة ورفع الحجب عن المواقع الإلكترونية (سويسرا وهندوراس) وضمان الحق في التجمع السلمي والتظاهر (بولندا والنرويج وإسبانيا)، كما طالبت العديد من الدول بالإفراج الفوري عن المحتجزين بسبب تعبيرهم الحر عن الرأي سواء بالتظاهر أو غيره من سبل التعبير (بريطانيا)، وتعديل التشريعات بما يضمن الحق في الوصول للمعلومات وحرية التعبير والتجمع السلمي والتنظيم وتكوين الجمعيات (الأرجنتين، أستراليا، بلجيكا وتشيلي)
أحتل مطلب تعليق عقوبة الإعدام تمهيدًا لإلغائها (وخاصة للأطفال) نسبة كبيرة من المشاركات الدولية، والتي تطرقت بعضها لصدور هذه الأحكام ضد قصر أو بعد محاكمات جماعية أو محاكمات عسكرية، مطالبة بضرورة ضمان توافر الحد الأدنى من ضمان المحاكمات العادلة ووقف المحاكمات العسكرية للمدنيين (سويسرا والمكسيك)، وتعليق هذه عقوبة (نيوزيلندا، النرويج، سلوفينيا، بلجيكا، وأستراليا، والنمسا وإيطاليا وفرنسا). كما تطرقت العديد من التوصيات أيضا إلى الأوضاع المزرية في السجون ومزاعم التعذيب وسوء المعاملة وغياب الرعاية الصحية، وجاءت في معظمها تحث مصر على التصديق على البروتوكول الاختياري الخاص باتفاقية مناهضة التعذيب والاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الإختفاء القسري وكذا توفير الحد الأدنى من الرعاية الصحية والظروف الإنسانية للمعتقلين (بريطانيا)، وتقديم المسئولين عن جرائم التعذيب للمساءلة، وتمكين المنظمات الحقوقية المستقلة والهيئات الأممية من زيارة أماكن الاحتجاز. وكان بيان قد صدر مؤخرا لعدد من خبراء الأمم المتحدة قبيل الاستعراض الدوري الشامل في مصر أدان الظروف اللاإنسانية في السجون ووصفها بأنها “ممارسة متعمدة ومتعمدة من قبل حكومة السيسي لإسكات المعارضين”.
كما ركزت كل من باكستان وبيرو وكوريا واسبانيا والبرازيل على ضرورة مراعاة حقوق الإنسان في ظل مكافحة الإرهاب، وطالبت الولايات المتحدة الأمريكية بفتح التحقيقات في عمليات القتل خارج نطاق القانون في إطار مكافحة الإرهاب.
ولعل غياب العديد من الحقوقيين المصريين الممنوعين من السفر عن الجلسة، كان سببًا في التطرق المكثف من معظم الدول للقيود المفروضة على المجتمع المدني في مصر، وقد أوصى بعضهم بشكل محدد بغلق القضية 173 لسنة 2011 ضد المنظمات الحقوقية المصرية (بولندا) كما حث آخرون مصر على رفع قرارات حظر السفر وتجميد الأصول عن عدد من الحقوقيين (بريطانيا، ألمانيا) ووقف الإجراءات الانتقامية ضد المدافعين عن حقوق الإنسان بشكل عام (أفغانستان، الدنمارك) وتوفير بيئة عمل مواتية للعمل بحرية دون ترهيب، ومن هذه الدول (نيوزيلندا، وأسبانيا، والسويد، الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وبلجيكا، وكندا، والدنمارك وألمانيا.) وكان سبعة من خبراء حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، قد طالبوا مصر في بيان صدر مؤخرًا، بـ “الكف الفوري عن حملتها ضد المحتجين والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين وأصحاب الآراء المختلفة.” وأعرب البيان عن قلق بالغ بشأن اعتقال وتعذيب ثلاثة نشطاء على وجه الخصوص، هم علاء عبد الفتاح، ومحمد الباقر، وإسراء عبد الفتاح. ويبدو أن الباقر، الذي يترأس مركز عدالة للحقوق والحريات، قد استُهدف بسبب إرسال المركز تقاريره إلى آلية الاستعراض الدوري الشامل بالأمم المتحدة في مارس الماضي.
يقول جيرمي سميث من مركز القاهرة: “تشعر العديد من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بالقلق العميق إزاء المستويات غير المسبوقة من القمع التي تحدث حاليًا في مصر، ومن المهم الآن أن تجتمع هذه الدول للضغط على الحكومة المصرية لإنهاء سياساتها القمعية وضمان اتخاذ مجلس حقوق الإنسان إجراءات فعالة لمواجهة أزمات حقوق الإنسان في مصر.” لقد أخفقت سياسات نظام السيسي القمعية في تحقيق الاستقرار الذي وعد به، وتسببت في مستويات غير مسبوقة من العنف السياسي، كما قوضت سيادة القانون والحقوق والحريات الأساسية لجميع المصريين، ولكن المدافعين المصريين عن حقوق الإنسان أظهروا شجاعة لا تصدق بمشاركتهم في الاستعراض الدوري الشامل لمصر -رغم المخاطر والحملات الانتقامية المحتملة جراء ذلك- من أجل وقف هذه السياسات، وفي ذلك يضيف محمد زارع: “ينبغي أن يقابَل ذلك بقدر متساوٍ من الشجاعة الأخلاقية والسياسية من جانب الدول الأعضاء، كي تتحمل الحكومة المصرية المسئولية عن سياساتها الوحشية. فلقد أصبح للصمت كلفة باهظة. “
Share this Post