نتائجه مرهونة بوضع خطة فورية لهيكلة القطاع الأمني وتفعيل آليات ردع لمحاسبة الأطراف الممتنعة عن تنفيذ التزاماتها
فيما ترحب المنصة (16منظمة) بملتقى الأطراف الليبية المتصارعة مع الأمم المتحدة وممثلي المجتمع الدولي المنعقد مؤخرًا في باريس، تخشي المنصة من فشل هذا اللقاء في إحراز نتائج ملموسة على الأرض ملزمة لجميع الأطراف الليبية، كما تشك في وفاء المجلس الرئاسي وقائد الجيش الوطني ومجلس النواب بالتزاماتهم، بعدما تكرر فشلهم في المثول لها منذ 2014. وفي هذا السياق، وتتحفظ المنصة على أن اللقاء تجنب التطرق لوضع خطة وطنية لهيكلة القطاع الأمني بشكل شفاف وفوري وتفعيل دولي لآليات الردع لاسيما المحكمة الجنائية الدولية، لمحاسبة الأطراف في حالة عدم تنفيذ التزاماتهم، يقلل من فاعليته، وينبئ باستمرار شلل المؤسسات التنفيذية والتشريعية وعرقلة عملية الانتقال الديمقراطي وعمل الجهاز القضائي، والعجز عن إتمام الاستحقاقات الدستورية والانتخابية.[1]
كان البيان الصادر حول هذا اللقاء قد شدد على أهمية استمرار التشبيك مع الأمم المتحدة واستكمال مفاوضات القاهرة فيما يتعلق بتوحيد القطاعات الأمنية وإصلاحها، وذلك رغم فشل كلاهما. فمن جهة تغاضت بعثة الأمم المتحدة عن اتخاذ خطوات جادة لإعطاء الأولوية لصياغة خطة وطنية لإعادة هيكلة ودمج المقاتلين مع السلطات الليبية، بينما افتقرت اجتماعات القاهرة للشفافية حول ما يتم التفاوض عليه بين المجموعات المسلحة، وعجزت عن الخروج بخطة عملية لتوحيد القوات وضمان الدمج الفردي وتسلسل الأوامر. ورغم وجود كل الأطراف الليبية بمشاركة الأمم المتحدة وممثل القاهرة في لقاء باريس، إلا أن الاجتماع لم يتطرق لوضع اسس لصياغة خطة عملية، في شكل مشروع قانون، من أجل استراتيجية وطنية شاملة وشفافة لإعادة هيكلة مؤسسة الأمن القومي على المدى القصير والمتوسط والطويل.
من جانبها تتمسك المنصة بما سبق وطالبت به فيما يتعلق بوضع خطة فورية فعالة وعملية لإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية والدمج بين قطاعاتها المشتتة، بالإضافة إلى تمكين آليات المحاسبة الدولية وعلى رأسها السماح بوجود مكتب ميداني للمحكمة الجنائية داخل ليبيا. وتشدد على أن مثل هذه اللقاءات وما يسفر عنها من التزامات تبقى مجرد “حبر على ورق” طالما غابت الخطط العملية وبقيت سياسة الإفلات من العقاب، فلا يختلف مصير لقاء باريس 2018، عن الاتفاق السياسي 2015، أو لقاء باريس 2017، أو خطة غسان سلامة في 2017.
يمنع أمراء الحرب في شرق وغرب وجنوب ليبيا تنفيذ اتفاقات المصالحة المحلية منذ 2014 بما في ذلك تنفيذ اتفاق تورغاء ومصراته، وكذا محاولات الحل السلمي لحصار درنة، كما قوضوا المصالحة بين التبو وولاد سليمان، الأمر الذي يفاقم من تدهور الوضع الإنساني في ظل غياب سبل للمحاسبة تحقق الردع لتلك المجموعات، ومن ثم لا جدوى لأي اتفاق وطني. وعلى الجانب الآخر يعرقل النزاع المسلح المستمر بين المجموعات المسلحة المختلفة امتثال جميع الأطراف بالتزاماتها، ويزيد من عجز السلطات التشريعية والتنفيذية، المنعكس في تعطل للحياة اليومية، والتعثر في تقديم الخدمات العامة للمواطنين وانخفاض مستواها. كما يضاعف من فشل مجلس النواب في تحقيق تفويضه التشريعي في إصدار تشريع منظم لعملية الاستفتاء الدستوري، أو الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ومن ثم إتمام عملية الانتقال الديمقراطي.
يأتي هذا في الوقت الذي يواصل فيه المجلس الرئاسي والجيش الوطني من خلال المجموعات المسلحة التابعة لهما تصعيد العنف، في ظل عدم وجود هيكلة حقيقية وتسلسل قيادي واضح لهما، بينما تستمر الجماعات المسلحة في تنفيذ الهجمات العشوائية العنيفة التي تستهدف المدنيين والبنية التحتية،[2] وتواصل ارتكاب جرائمها التي تصل لحد جرائم الحرب،[3] في إفلات تام من العقاب، مستفيدة بمبالغ طائلة من خزانة الدولة، ومستمدة شرعية شكلية من كونها ضمن مؤسسات الدولة الأمنية. ومن المؤسف أن هذه الجماعات تحظى بتعاون مباشر مع دول مثل ايطاليا،[4] تركيا، ومصر والإمارات العربية المتحدة،[5] مما يزيد من قوة بعضها، ويعوق التوحيد فيما بينها ضمن قطاع أمني وطني واحد.
هذه المجموعات المسلحة تضم بين صفوفها مجموعات راديكالية لها علاقات وثيقة بالقاعدة والسلفية المدخلية، ويدعي المنتمون لها محاربة الإرهاب، رغم ارتكابهم الانتهاكات نفسها التي يرتكبها الإرهابيون، إذ يعصف جميعهم باتفاقيات جنيف الأربعة بشأن المبادئ الأساسية للقانون الإنساني الدولي المتعلقة بالنزاع المسلح، سواء كانت داخلية أو دولية. وفي هذا الصدد تحذر المنصة من امتداد بطش هذه المجموعات المسلحة لمنظمات المجتمع المدني المحلية والمدافعين عن حقوق الإنسان وأعضاء الجهاز القضائي والإعلاميين والمدنيين والمهاجرين الأجانب، فضلاً عن تفشي ممارسات الاحتجاز التعسفي، والتعذيب، والقتل خارج نطاق القانون، وذلك كله في ظل ارتفاع في وتيرة خطاب الكراهية والتحريض على العنف، وتوظيف الخطاب الديني من قبل العديد من الأطراف كذريعة للتضييق على النشطاء والمدافعين في مختلف أنحاء البلاد.
تؤمن منظمات المنصة الليبية أنه لا سبيل للانتقال الديمقراطي، ومكافحة الإرهاب وتحقيق المصالحة الوطنية، دون قيام مؤسسات حكومية فعالة قادرة على تنفيذ العمليات السياسية الأساسية الأربعة المتمثلة في: تفعيل آليات المحاسبة الدولية لاسيما المحكمة الجنائية الدولية، وهيكلة وتوحيد القطاعات الامنية، ومن ثم إتمام الاستفتاء على الدستور الليبي وعقد الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
[1] ورقة بحثية لمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بعنوان: السلام والانتقال الديمقراطي في ليبيا: حلم مؤجل أم كابوس أبدي؟
[2] ليبيا| نداء عاجل: ائتلاف المنصة يطالب مجلس الأمن بدعم مساعي محكمة الجنايات الدولية لإجراء تحقيقات جدية حول الانتهاكات الجسيمة والمنهجية للقانون الدولي الإنساني في ليبيا
[3] ليبيا | ائتلاف المنصة: الهجوم المسلح على مطار معيتيقة بطرابلس وقصف الأحياء السكنية المحيطة به جريمة حرب
[4] Italy, Going It Alone, Stalls the Flow of Migrants. But at What Cost
[5] وفقًا للتقارير التي تغطي السنوات 2017 و 2016 و 2015 الصادرة عن لجنة خبراء مجلس الأمن، المنشأة بقرار مجلس الأمن 1970/2011، فإن دول مثل مصر، الإمارات، وتركيا تمد الأطراف الليبية المختلفة بأسلحة، رغم قرار مجلس الامن 1970 الصادر بالإجماع في 26 شباط / فبراير 2011، والذي ينص على فرض عقوبات على ليبيا، بما في ذلك فرض حظر مفتوح على توريد الأسلحة والمعدات العسكرية من وإلى ليبيا.
Share this Post