لن يكون الأخير في ظل استمرار الإهمال الطبي
على النائب العام الإفراج فورًا عن المحبوسين احتياطيًا لأكثر من عامين والمرضى بأمراض مزمنة وكبار السن
تدين المنظمات الحقوقية الموقعة أدناه استمرار مسلسل الإهمال الطبي والتقاعس عن تقديم الرعاية الصحية للسجناء ما يعرض حياتهم للخطر، وتحّمل المنظمات وزارة الداخلية -ممثلة في مصلحة السجون- والنيابة العامة، المسئولية الكاملة عن وفاة المخرج شادي حبش نتيجة إهمال المسئولين إنقاذ حياته من حالة تسمم الكحل الميثيلي التي عانى منها – كما يتضح من بيان النيابة العامة- في محبسه الممتد لأكثر من عامين بالمخالفة للقانون. وعليه تطالب المنظمات بفتح تحقيق جاد حول الواقعة، يتسم بالشفافية والحيدة، ويتضمن سؤال كل أطراف الواقعة، تمهيدًا للمحاسبة.
إن حالة تسمم الكحل الميثيلي التي تعرض لها شادي حبش كانت تستوجب التعامل معه كحالة طوارئ طبية، تستدعي دخوله المستشفى فورًا ليكون تحت ملاحظة طبية مستمرة ومتابعة للعلامات الحيوية وإجراء التحاليل والفحوصات اللازمة، مع إعطائه محاليل وأقراص تعالج أعراض التسمم، بل وربما أيضا عمل غسيل معوي، وذلك عوضًا عن تردده على طبيب السجن ثلاث مرات – كما حدث حسب بيان النيابة العامة – والاكتفاء بإعطائه مضاد للقيء ثم إعادته لزنزانته، خصوصًا وقد ظهرت عليه أعراض تسمم الكحول بنوبات القيء المتكررة وضعف الإبصار والتشوش الذهني.
وفي السياق نفسه، تطالب المنظمات النائب العام بإصدار أوامره بالإفراج عن مصطفى جمال المتهم الوحيد المتبقي على قضية شادي حبش، الذي ما زال محبوسًا، وإخلاء سبيل غيره من المحبوسين احتياطيًا ممن تجاوزوا الحد الأقصى المقرر قانونًا، وبدون تدويرهم في قضايا جديدة، وفتح تحقيق عاجل حول تحويل الحبس الاحتياطي لعقوبة في حد ذاته، ولمدد غير قانونية. كما تشدد المنظمات على خطورة الزج بالنيابة العامة ومنصات القضاء لتوفير الغطاء القانوني لاعتقال الأشخاص تحت ستار الحبس الاحتياطي، والتوقف عن ممارسات الانتقام والتنكيل بسجناء الرأي أو المحبوسين في قضايا سياسية، مؤكدة على أهمية امتثال السلطات المصرية لالتزاماتها القانونية وتوفير سبل الرعاية الطبية للمحتجزين. إذ تنص المادة 24 من لائحة تنظيم السجون رقم 79 لسنة 1961 علي: “طبيب السجن مسئول عن الإجراءات الصحية التي تكفل سلامة صحة المسجونين وعلى الأخص وقايتهم من الأمراض الوبائية ومراقبة صلاحية الأغذية والملابس والمفروشات المخصصة للسجناء وكفايتها وملاحظة نظافة الورش وعنابر النوم وجميع أمكنة السجن.”
توفى المخرج والمصور شادي حبش(24عامًا) في محبسه بسجن طرة صباح 2 مايو 2020، بعد حبس احتياطي تجاوز العامين بالمخالفة للمادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية، والتي نصت على ألا يجوز أن تتجاوز مدة الحبس الاحتياطي ستة أشهر في الجنح وثمانية عشر شهرًا في الجنايات وسنتين إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة هي السجن المؤبد أو الإعدام. إذ تابعت السلطات القضائية تجديد حبسه – مثل غيره من المحتجزين على خلفية قضايا سياسية- دون تحقيق أو إحالة للمحاكمة، بموجب قائمة اتهامات مكررة تفتقر للأدلة، تٌستخدم غالبًا للتنكيل بسجناء الرأي والنشطاء السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان.
وكانت قوات الأمن قد ألقت القبض على شادي حبش في 1 مارس 2018 وتم عرضه على نيابة أمن الدولة وصدر قرار بحبسه احتياطيًا على ذمة القضية 480 لسنة 2018 حصر أمن الدولة العليا، مواجهًا اتهامات بالانضمام لجماعة أسست على خلاف القانون، ونشر أخبار كاذبة، وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
في 5 مايو 2020 أصدرت النيابة العامة بيانًا تستعرض فيه ملابسات واقعة وفاة شادي حبش في محبسه، ادعت فيه توقيع الكشف الطبي على شادي بمجرد شعوره بالإعياء نتيجة شرب كمية من الكحول الميثيلي – عن طريق الخطأ. وقد جاء تقرير الطب الشرعي (بدون تشريح على ما يبدو) مؤيدًا للادعاء. ورغم صعوبة التسليم بصحة الواقعة، إلا أنها تعكس في حد ذاتها مستوى التهاون والاستخفاف بحياة السجناء. إذ ورد في تقرير النيابة أن طبيب السجن أكتفى بإعطاء شادي مضاد للتقلصات ومطهر معوي، رغم بيان تعرضه لحالة تسمم خطيرة تستوجب نقله فورًا للمستشفى، مما تسبب في تدهور حالته. الأمر الذي استلزم لاحقًا -بحسب نص بيان النيابة- إعادة الكشف عليه والاستعانة بأكثر من طبيب لمحاولة إسعافه بعدما استمرت معاناة شادي وتواصل إعياءه واضطرب وعيه ونبضه وضغطه، وفارق الحياة قبل ترحيله للمستشفى – بحسب البيان.
وبحسب المعلومات الواردة حول الواقعة، تقاعست سلطات السجن عن الاستجابة السريعة لاستغاثة زملاء شادي في العنبر والتي كانت تنذر بتدهور حالته وضرورة نقله للمستشفى في وقت مبكر. وهو ما يمكن اعتباره حالة قتل بالامتناع وفقاً لنص المادة 238 من قانون العقوبات التي تنص على “من تسبب خطأ في موت شخص آخر بأن كان ذلك ناشئاً عن إهماله أو رعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تجاوز مائتي جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين. وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين وغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجاني إخلالاً جسيماً بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته أو كان متعاطياً مسكراً أو مخدراً عند ارتكابه الخطأ الذي نجم عنه الحادث أو نكل وقت الحادث عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك.”
لم تكن حالة وفاة شادي هي الأولى داخل الزنزانة، من قبله توفى عمر عادل منذ عدة أشهر داخل الزنزانة نفسها، ا لأمر الذي يدفعنا للقلق حول مصير آخرين داخل السجون المصرية، من كبار السن والمرضى بأمراض خطيرة، تستوجب حالتهم الصحية نقلهم لمستشفيات خارج السجن لإجراء فحوصات طبية أو عمليات جراحية أو تلقي العناية الطبية اللازمة، بينما لا تكترث سلطات السجون لحياتهم، على نحو يهددهم بمصير شادي حبش.
المنظمات الموقعة على هذا البيان تعيد تذكير السلطات المصرية بالتزاماتها القانونية والإنسانية التي أقرتها المواثيق الدولية والدستور والقوانين الوطنية بشأن المعاملة الإنسانية للأشخاص المحرومين من حريتهم، ومسئولية الدولة عن توفير الرعاية الصحية للسجناء دون تمييز لوضعهم القانوني. بما في ذلك المادة 11 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والثقافية لسنة 1966 والقاعدة 24 من قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء (قواعد نيلسون مانديلا)، وكذلك المواد رقم 33 و36 من القانون رقم 396 لسنة 1956 بشأن تنظيم السجون، والتي نصت بوضوح على وجوب توفير الرعاية الصحية للمحتجزين داخل مستشفى السجن، ووجوب نقل الحالات لمستشفى خارج السجن إذا ما كانت مستشفى السجن غير مجهزة.
المنظمات الموقعة:
- المفوضية المصرية للحقوق والحريات
- الجبهة المصرية لحقوق الإنسان
- كوميتي فور جيستس
- مركز النديم
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- مركز بلادي للحقوق والحريات
- مبادرة الحرية
- مؤسسة حرية الفكر والتعبير
Share this Post