نحو الإفراج عن مصر
تقرير لمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان يؤكد: آلاف المصريين مسجونين بقانون ملغي منذ 89 عامًا
مركز القاهرة يطعن على قانون التجمهر الملغي أمام مجلس الدولة و يقدم مستنداته
كشف التقرير الصادر اليوم الثلاثاء 31 يناير 2017 عن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بعنوان: “نحو الإفراج عن مصر”، أن قانون التجمهر رقم 10 لسنة 1914 الذي يطبق جنبًا إلى جنب مع قانون التظاهر الساري في مصر منذ نوفمبر 2013، هو قانون ساقط، ملغي بإجماع أعضاء البرلمان المصري، منذ ٨٩ عامًا، تحديدًا في30 يناير 1928. وبناء عليه تقدم المركز اليوم بطعن أمام محكمة القضاء الإداري يطالب بنشر قانون إلغاء قانون التجمهر في الجريدة الرسمية، ووقف العمل بقانون التجمهر، الذي يشكل السند القانوني الأساسي في توقيع عقوبات جماعية بالسجن على آلاف المتظاهرين السلميين من مختلف التيارات السياسية منذ نوفمبر 2013.
يقول بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة: “لقد آن الأوان أن يبادر رئيس الجمهورية فورًا بإزالة هذا العار التاريخي والقانوني، وتفعيل إلغاء قانون الاحتلال البريطاني، الذي كان هدفه قمع حق المصريين في الاحتجاج ضد الاحتلال، كما يتعين الإفراج الفوري عن كل المُصادر حريتهم بمقتضى هذا القانون الجائر والميت، والاعتذار لهم وتعويض أسرهم.”
لقد سارت الحكومات المتعاقبة على درب الاحتلال حتى بعد بلوغ الاستقلال، ووصولاً لعصرنا الحالي، فقط استعاضوا عن قوات الاحتلال، بالشرطة “الوطنية” المصرية لإخراس وقمع أصوات مواطنيهم. وتمسك المشرع المصري بالفلسفة القمعية ذاتها، معتمدًا على الجمل الفضفاضة والمصطلحات المطاطة التي تطلق سلطة قوات الأمن دون قيود، بل وتبيح استخدام الأسلحة النارية القاتلة ضد المتظاهرين السلميين.
تكشف المذكرة الإيضاحية لقانون إلغاء قانون التجمهر، والتي تقدم بها عام 1926 النائب محمد يوسف بك عضو مجلس النواب عن كفر الدوار، عن السبب الأساسي لرفض البرلمان المصري لقانون التجمهر، ذلك السبب الذي مازال قائمًا حتى يومنا هذا، والذي يكمن– حسب نص المذكرة- “في كونه قانون استثنائي أقرب للأحكام العرفية، يفتش في النوايا، تم القضاء عليه بموجب الدستور (عام 1923) الذي أقر حرية الاجتماع، فضلاً عن أن الأفراد أحرار في الغدو والرواح فرادى أو مجتمعين.” بل أن سلطة الاحتلال نفسها أقرت في 1928 (بعد 14 سنة من صدور القانون) بحسب إحدى المراسلات الرسمية الملحقة بالتقرير أن القانون: “كتب بروح استبدادية ولا يمكن تبريره للجمهور الإنجليزي الديمقراطي!”
يقول محمد زارع مدير برنامج مصر بمركز القاهرة: “رحل الاستعمار، لكن الحكومات الوطنية المتعاقبة وجدت في قانون التجمهر –الذي رفضه البرلمان المصري منذ 89 عامًا- سلاحًا قمعيًا فعالًا، واعتبرته هدية من العهد الذي وصفه الحكام الوطنيون “بالبائد”، بل كان مدهشًا كيف ذهبت تلك الحكومات “الوطنية” لما هو أقسى من بطش الاستعمار، فأضافت للقانون مواد جديدة تشدد من أحكامه، واستندت له كمرجع لتشريعات قمعية مكملة، قننت للمرة الأولى استخدام الأسلحة النارية القاتلة ضد المتظاهرين السلميين.“
إذ سنت السلطات الوطنية “المتعاقبة” تشريعات تبيح استخدام القوة المميتة لقمع المتظاهرين، مثل قانون الشرطة رقم 109 لسنة 1971 وقرار وزير الداخلية رقم 156 لسنة 1964 والذي أجاز استخدام حتى الرصاص لتفريق أي تجمهر مكون من خمس أشخاص. وفي عام 2013 لم يخجل واضعو قانون التظاهر من الإشارة لقانون التجمهر في الديباجة باعتبار أن القانونين متكاملان، وفي ذلك يضيف زارع: ” لم يستطع البريطانيون تبرير استمرار سريان هذا القانون أمام شعبهم بعد انتهاء الحرب العالمية الأولي، بينما فرضه الحكام المصريون بعد الاستقلال علي مواطنيهم بكل خفة ويسر، ولازالوا يتمسكوا به رغم مرور 103 عام على صدوره و89عامًا على إلغائه.”
وبحسب محمد الأنصاري الباحث القانوني بمركز القاهرة فإن: “توظيف قانون التجمهر يوفر على المحاكم مشقة البحث في المسئولية الجنائية لكل شخص – الأمر الذي يعد من صميم عملها لتحقيق العدالة- فيكفي إثبات حدوث “تجمهر” لتطبيق المسئولية الجنائية على كل المشاركين فيه والداعيين له -حتى لو لم يشاركوا- ومن ثم يصبح بإمكانها إصدار أحكام جماعية على جميع المحتجين بلا تمييز، على نحو يضرب بمبدأ شخصية العقوبة عرض الحائط.”
لقد تساوى المستعمر الأجنبي والحاكم المصري في التعامل مع حق المصريين في الاجتماع أو التظاهر أو تكوين الجمعيات باعتباره شر لابد من اتقائه بكافة السبل، وامتد الأمر من تقييد الاجتماع إلى مصادرة الحق في الاحتجاج والتظاهر، وصولاً لمصادرة حق التنظيم في أحزاب سياسية ونقابات عمالية ومهنية أو جمعيات مدنية.
وفي الذكرى الـ89 لإلغاء هذا القانون، ينشر المركز هذا التقرير الذي استند لأكثر من 20 وثيقة تاريخية فضلاً عن المخاطبات الرسمية ومضابط البرلمان المصري بغرفتيه (النواب والشيوخ)، والتي حصل على بعضها من مقر الأرشيف الوطني البريطاني بلندن.
يقول حسن: “بصرف النظر عن المماحكة الشكلية حول عدم نشر قانون “إلغاء قانون التجمهر” الذي أقره البرلمان المصري في الجريدة الرسمية، تبقي حقيقة تاريخية صلبة لا جدال فيها. وهي أن هذا القانون ولد باطلاً علي أيدي سلطة الاحتلال البريطاني دون مسوغ شرعي، ولمواجهة ظرف شديد الاستثنائية – حرب عالمية انتهت منذ مائة عام– فلقد ألغت السلطة التشريعية المصرية المنتخبة هذا القانون منذ 89عامًا، بل إن سلطة الاحتلال أعلنت تبرؤها منه، واعتبرت استمرار العمل به عارًا لا يليق بعشرينات القرن الماضي. وبهذا المعني فقد هذا القانون كل مشروعية تاريخية أو سياسية أو أخلاقية، واستمرار العمل به على أيدي من يسوقون أنفسهم باعتبارهم حكامًا “وطنيين معاديين للاستعمار” هو عمل لا أخلاقي تشريعيًا وسياسيًا وتاريخيًا.”
أخيرا، كان من المفترض أن ينشر مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان هذا التقرير العام الماضي، ولكنه تأخر بسبب الملاحقات الأمنية المتواصلة للمركز، التي ترتدي ثوبًا قضائيًا. والتي شملت تهديد مديره بالقتل ومنع أعضاء آخرين من السفر وملاحقتهم أمنيًا، ثم اعتماد محكمة لطلب أمني بالتحفظ على أموال المركز ومديره، دون أدني مسوغ قانوني أو مراعاة للشكليات الإجرائية القضائية، وذلك في إطار ما يسمي بقضية “التمويل الأجنبي لمنظمات حقوق الإنسان”.
هذا التقرير قد يكون مناسبة إضافية يتعرف من خلالها القارئ على أين تقف منظمات حقوق الإنسان المستقلة، وأين يقف جلاديها؟ ومن يسعى لتحرير المصريين من السجن الصغير
.والكبير، ومن يسجنهم وسيحقهم ويقتلهم كل يوم مستقويا بسيكولوحية وتشريعات المستعمر الأجنبي
لمشاهدة فيلم وثائقي حول التقرير الرجاء النقر على هذا الرابط
التقرير مرفق أدناه
Share this Post