بقلم نيل هيكس
حكمت محكمة الإرهاب المصرية غيابيًا في 25 أغسطس 2020 بالسجن 15 عامًا على بهي الدين حسن، المدافع البارز عن حقوق الإنسان ، بعد اتهامه بـ “إهانة القضاء و نشر أخبار كاذبة”.
استندت التهم إلى تغريدات لـ “حسن” على موقع التواصل الاجتماعي تويتر تنتقد أداء المؤسسة القضائية، وإلى تعليقاته في ندوة عامة في مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في جنيف، بما يتطرق لفشل المحاكم المصرية في محاسبة المسئولين عن انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان منذ أن استولى الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي على السلطة في 2013.
يمثل هذا الحكم القاسي تصعيدًا في حملة ممتدة ضد المعارضة السلمية في مصر، بما في ذلك المدافعين عن حقوق الإنسان ومنهم بهي الدين حسن، مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، حيث أعمل كمدير لشئون المناصرة والحماية الدولية.
يعكس هذا الحكم جهود السيسي المستمرة لمصادرة الحقوق تحت غطاء مكافحة الإرهاب سواء محليًا أو دوليًا من خلال الأمم المتحدة. ففي مصر، يُعتبر الحكم على “حسن” أول حكم قضائي يصدر عن دائرة إرهاب على مدافع وحقوقي بارز، كما يمثل أطول عقوبة تصدر بحق أي مدافع عن حقوق الإنسان. قضاة هذه الدائرة معروفون بطاعتهم وخضوعهم لجهاز الأمن القومي الذي يلعب دورًا بارزًا في دولة السيسي البوليسية القمعية، فبحسب تقارير وسائل الإعلام الحكومية اختلق القاضي تهم “التحريض على العنف” التي لم ترد في ملف القضية الذي أعده المدعي العام.
هذه القضية وهذا الحكم استهدفا الترهيب، وسمحا لوسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة بوصم حسن بالتحريض على العنف، باعتباره شخص أدين في محكمة خاصة بجرائم الإرهاب، وذلك رغم حقيقة أن الواقعة (التغريدة) التي يستند إليها الحكم لا علاقة لها بالإرهاب أو العنف.
الانتقام من المدافعين عن حقوق الإنسان تحت أنظار صندوق النقد الدولي
بهي الدين حسن، هو واحد من مدافعين حقوقيين كثيرين أجبروا على العيش في المنفى لتجنب الانتقام والملاحقات في بلدهم، ومن الواضح أن الحكم الصادر ضده يوجه رسالة من النظام إلى الحقوقيين المصريين داخل وخارج البلاد، الذين لم يلتزم الكثير منهم الصمت. فبالإضافة إلى النشطاء الشجعان الذين لا زالوا داخل البلاد يواجهون أحكامًا بالسجن والاعتقال التعسفي وحظر السفر ومصادرة الأصول وتحقيقات جنائية لا نهاية لها، بسبب عملهم الحقوقي، فالحقوقيون في المنفى يشكلون قوة فاعلة في الحملات الدولية لتسليط الضوء على القمع والظلم في مصر السيسي.
تستهدف الحكومة المصرية تكميم أفواه منتقدي سجلها المروع في مجال حقوق الإنسان لأسباب عديدة، لا سيما في ظل ما تواجهه مصر من تحديات اقتصادية حادة فتعتمد بشكل متزايد على القروض الضخمة من المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي. هذه المؤسسات لديها معايير للحوكمة والشفافية تهدف إلى الحماية من الفساد وضمان تخصيص الأموال للأغراض المقصودة. وقد تسببت حملة السيسي الشاملة على المجتمع المدني المستقل ووسائل الإعلام وزعزعته استقلال القضاء في التنبيه إلى أن مصر مقصرة في تلبية هذه المتطلبات. ومع ذلك، وافق صندوق النقد الدولي في 26 يونية على قرض بقيمة 5.2 مليار دولار، بالإضافة إلى قرض إنقاذ أخر قيمته 2.77 مليار دولار الشهر السابق، وكلاهما لتعويض الأزمة الاقتصادية الناجمة عن جائحة كوفيد-19، وذلك دون تطبيق أي شروط واضحة تتعلق بالحوكمة. علاوة على ذلك، تستفيد مصر من معونة عسكرية بقيمة 1.3 مليار دولار سنويًا من الولايات المتحدة. كما تتمتع مصر بعلاقات أمنية وثيقة مع الحكومات الغربية الأخرى التي تدّعي الاهتمام بممارسات حقوق الإنسان الخاصة بشركائها الدوليين.
بالإضافة إلى ذلك، دفعت مصر بأجندتها المناهضة لحقوق الإنسان في الوقت الذي تروّج فيه الأمم المتحدة لدورها الريادي في مجال مكافحة الإرهاب، وذلك من خلال عضويتها في مجلس الأمن الدولي في الفترة من 2016 إلى 2017. إذ ترأست مصر لجنة مكافحة الإرهاب. ففي مايو 2017، تبنى مجلس الأمن تحت رئاستها القرار 2354 والذي يوفر “إطارًا دوليًا شاملاً لمواجهة الخطاب الإرهابي”. كما فازت مرشحة مصر برئاسة مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة، وهي وزيرة التضامن الاجتماعي السابقة غادة والي، والتي لعبت دورًا بارزًا في قمع المجتمع المدني المصري المستقل. وحاليًا تؤدي مصر دور المنظم المشارك، مع إسبانيا، للاستعراض الذي يتم كل سنتين لـ استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب.
في كل هذه المساعي، تستغل مصر نفوذها لصرف انتباه وتركيز جهود الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب بعيدًا عن حقوق الإنسان. ففي مجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة، تسعى مصر باستمرار إلى التأثير على قرارات الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، مؤكدة على “تأثير الإرهاب على الحق في الحياة والحرية والأمن الفردي، والتهديد الذي يشكله على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مع كل ما يترتب على ذلك من تداعيات خطيرة على حقوق الإنسان.”
وباستخدام هذه الصيغة، تقوض مصر الركن الرابع من استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب، والذي يضع حقوق الإنسان وسيادة القانون أساسًا لجميع جهود مكافحة الإرهاب، كما يعترف بمشاركة المجتمع المدني كضمانة لشرعية وفعالية جهود مكافحة الإرهاب.
تحريف معنى حقوق الإنسان
تهدف مصر إلى استغلال مكافحة الإرهاب لانتهاك حقوق الإنسان. إذ ان تركيز مصر على تأثير الإرهاب يجعل من تدابير مكافحة الإرهاب ذاتها هدفًا من أهداف حقوق الإنسان، وهو ما يخدم حكومة السيسي ويمكّن الدول من تصوير أعمال مكافحة الإرهاب، حتى تلك التي تنتهك معايير حقوق الإنسان، على أنها عمل إيجابي يخدم حقوق الإنسان.
يظهر عداء مصر تجاه ركيزة حقوق الإنسان الأساسية لاستراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب أيضا في جهودها المستمرة لتخفيف نطاق ولاية المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان أثناء مكافحة الإرهاب بالأمم المتحدة (وهنا لابد من الإشارة إلى أن البروفيسور فيونوالا ني أولين، التي تتولى هذا التفويض، وهي محررة تنفيذية في موقع جاست سيكيوريتي، والتي تنشر هذا المقال) .
أن الملاحقة القضائية التي لا تستند لأي أساس صحيح، والمحاكمة الجائرة والحكم القاسي بحق الحقوقي بهي الدين حسن، تمثل أدلة جديدة على إصرار مصر على نزع الشرعية عن حقوق الإنسان، كعنصر أساسي في استراتيجية مكافحة الإرهاب، ليس فقط داخل البلاد، ولكن أيضا على الصعيد الدولي.
ورسالة الحكم الصادر ضد “حسن” هي أن المنتقدين السلميين لاستخفاف مصر بحقوق الإنسان سيُحاكمون ويُشهّر بهم ويوصمون بارتباطهم بالإرهاب.
هذا السلوك الفاضح يتعارض تمامًا مع استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب، ومن ثم ينبغي أن يدفع هذا السلوك المجتمع الدولي إلى الرفض القاطع للجهود التي تبذلها الحكومات الاستبدادية، مثل مصر، لإساءة استخدام الحاجة إلى مواجهة تهديد الإرهاب كذريعة لانتهاك حقوق الإنسان.
المصدر: نشرت باللغة الإنجليزية على Just Security
Share this Post