في إطار الجدل حول التعديلات الدستورية عقد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان مائدة مستديرة، في 18 فبراير 2007، ضمت عدد من الحقوقيين والأكاديميين والخبراء لمناقشة التعديلات الدستورية والدولة المدنية. وقد تولى إدارة الحوار كل من الدكتور محمد السيد سعيد نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، وبهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.
بدأ المداخلات الأستاذ صلاح عيسى، رئيس تحرير جريدة القاهرة، مؤكدًا على ضرورة وضع ضوابط تحول دون تفسير المادة الثانية من الدستور بما يخل بمبدأ المواطنة، وأنه يجب ضبط المادة الأولى والخامسة في التعديلات الجارية الآن لمنع مثل هذه التفسيرات.
أوضح عيسى خطورة تطبيق هذه المادة حسب مفهوم الجماعات الإسلامية؛ لأنه يهدد الوحدة الوطنية واستقلال مصر؛ حيث جرت قبل ذلك محاولة من الحكومة لتطبيق الشريعة بطرح مشروعات قوانين (الردة، تطبيق الحدود) والتي تسببت في أزمة وطنية عام 1980م. واقترح عيسى إعادة صياغة المادة الثانية، في أول تعديل دستوري قادم لتكون: ” مقاصد الشريعة الإسلامية والشرائع السماوية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان مصادر رئيسية للتشريع”، حيث يرى فيها صيغة يمكن للوصول لتوافق وطني عليها.
في مداخلته أوضح الأستاذ أحمد سيف الإسلام، مدير مركز هشام مبارك، اضطراب أحكام المحكمة الدستورية العليا حول تفسير النص على “مبادئ الشريعة الإسلامية”، في المادة الثانية من الدستور ، إما باعتبارها أحكام قطعية الدلالة والثبوت بين الفقهاء، أو كونها تشير إلى المقاصد الكلية أي المبادئ التي تستمد منها الأحكام، واستعرض مشاكل هذا التفسير والتي منها:
– أن حكم الردة إذا اعتبر كمبدأ من مبادئ الشريعة الإسلامية فهو ضد حرية الاعتقاد وما وصلت له البشرية الآن.
– إن النص على المواطنة في المادة (1) والمادة (5) بالتعديلات الجارية لن يأتِ بجديد ، لأن معنى المواطنة موجود في المادة (40) من الدستور الحالي والاختلاف الوحيد هو إسناد تكليف الالتزام بالمواطنة إلى الأحزاب السياسية، وليس فقط مرافق وأجهزة الدولة.
وعرض الأستاذ عادل جندي، كاتب وباحث مقيم بفرنسا، ورقة حول “علاقة الدين بالدولة: عبر مراجعة عينة من دساتير العالم”. أوضح فيها حسم نماذج الديمقراطيات الغربية، للعلاقة بين الدين والدولة، وعدم وجود نص مشابه للمادة الثانية إلا في الدستور القطري، في حين أن بعض الدساتير العربية نصت فقط على أن الإسلام دين الدولة، ولم تذكر الشريعة، وإن نصَّت عليها دول مثل (الكويت والبحرين والإمارات) كمصدر رئيسي للتشريع. أما الدستور السوداني فقد نص على أن الشريعة مصدر من أربعة مصادر التشريع.
وتحدث بهي الدين حسن عن تعديل المادة الخامسة من الدستور الذي يقضي بحظر تكوين الأحزاب على أساس ديني، وعلاقته بالمادة (2) ، موضحاً أنه من مُنطلق حقوق الإنسان يصعب الدفاع عن حظر تكوين الأحزاب التي تعتمد على مرجعية الدينية، وأن الفيصل هو برنامج الحزب وأهدافه، كما أن قانون الأحزاب به نص واضح وصريح يحظر إنشاء الأحزاب التي تُمَيَز على أساس الدين. كما أنه في ظل وجود المادة (2) الحالية؛ يستحيل رفض حزب يقوم برنامجه على تطبيق الشريعة الإسلامية.
وفي مداخلته حول “الضمانات الدستورية لتمثيل المرأة والأقباط في المجالس التمثيلية”، تناول الأستاذ مجدي خليل، المدير التنفيذي لمنتدى الشرق الأوسط للحريات بواشنطن، قضية التمييز الايجابي، وطرح آليات مختلفة لضمان الديمقراطية التمثيلية، منها التمثيل النسبي، تخصيص المقاعد، الحد الأدنى كنسبة مئوية، والقوائم الموحدة للأقليات.
وهي آليات قادرة على وقف التهميش التاريخي للمرأة والأقليات؛ لضمان سلامة البناء الديمقراطي للنظام. وطالب خليل بوجود آلية من آليات التمثيل العادل للمرأة والأقباط عبر ضمانات دستورية.
وتناول الأستاذ حلمي سالم، الشاعر ورئيس تحرير مجلة أدب ونقد، الخلاف الجذري حول المادة الثانية، مؤكداً على أنه لا يمكن التحلل من المرجعية الدينية في مصر والتي تصل إلى كافة التفاصيل في الحياة المصرية العادية. ودعا إلى العمل ورفض قيام الدولة على أساس ديني، ولو استغرق الأمر خمسين عامًا لإلغاء هذه المادة.
وفي مداخلة للدكتور سيتي شنودة أوضح أن هناك تناقضا في الدستور وأن أي تغيير يطرأ على الدستور ولا يتعلق بالمادة الثانية، لن يؤثر في وضعها كمادة حاكمة تتيح لأي حزب أن يقوم على أساس ديني مثل الإخوان المسلمين. كما عبر عن أن هذه المادة تضُّر الشعب المصري كله لا الأقباط فقط.
وأنتقد الدكتور إكرام لمعي، أستاذ مقارنة الأديان بكلية اللاهوت، ظاهرة النزول إلى حد التفسير في المواد 76 و 77 في الدستور، وهي صفة متصلة بالقوانين لا الدساتير والتي يفترض أنها تضع مبادئ ولا تندرج إلى التفاصيل.
اقترح الدكتور إكرام لامعي النص على أن الدولة مدنية علمانية، وعلى أن يتم إطلاق تكوين الأحزاب، وبالتالي فستصدم الأحزاب الدينية بالدستور، بدلا من النص على المرجعية الدينية للدولة، والنص في مواد أخرى – مثلما هو مقترح – على حظر إنشاء الأحزاب على أساس ديني.
واستنكر الدكتور رفعت فكرى، قس بالكنيسة الإنجيلية، النص على دين رسمي للدولة، وهى كيان اعتباري، إلا إذا كان هناك أديان أخرى غير رسمية وغير رئيسية. وأشار إلى أن تأثير المادة الثانية من الدستور يخل بحرية الاعتقاد وبمبدأ المساواة (مثل حكم القضاء الخاص بالبهائية).
وأشار الأستاذ عصام شيحة، عضو الهيئة العليا بحزب الوفد، إلى أن التعديلات الدستورية تسير من سيئ إلى أسوأ، فتعديل الدستور سنة 1980 كان في اتجاه ديني غير مقبول. وأكد شيحة على ضرورة صياغة المادة 1 والمادة 5 بما يمنع تفسيرات المادة 2 التي تعادي الدولة المدنية. وأشار إلى أن التخوف من المادة الثانية يأتي من إمكانية تقدم الإخوان المسلمين بطلب إنشاء حزب، حيث في حالة رفض لجنة شؤون الأحزاب لهم بإمكانهم اللجوء إلى القضاء الإداري الذي سيوافق على تشكيل حزب للإخوان لالتزامه بتفسيرات المحكمة الدستورية للمادة الثانية من الدستور.
وقد طالب الأستاذ طلعت رضوان، كاتب وأديب، بإلغاء المادة الثانية أو اعتماد الحل المطروح من الأستاذ صلاح عيسى لأنه حل عملي تماما. معتبرا المادة الثانية عائق أمام أي تقدم وداعيا إلى طرح المادة الأولى للحوار لأننا مصريون ولسنا عرب.
كما أوضح الأستاذ جورج عجيبي أهمية عدم الانزلاق في مناقشة هذه التعديلات بنفس منظور الحكومة موضحا خطأ الحديث عن الأقباط ككتلة سياسية واحدة، داعيا إلى لتركيز على تفعيل آليات المجتمع المدني لتحقيق المواطنة والديمقراطية كحل لكل المناقشات في خصوص النصوص الدستورية والشريعة.
وأشار الأستاذ محمد فرج، أمين التثقيف في حزب التجمع، إلى أن ما يحدث هو دسترة للقيود على الحريات وتضييق الحيز الديمقراطي، كما أن المادة الثانية بنصها الحالي تجعل أي تشريع هو تشريع ديني.
وأشارت الدكتورة بسمة موسى، أستاذة في كلية طب الأسنان جامعة القاهرة، إلى أن المرأة تحتاج وقفة لتأخذ دورها في الحياة السياسية، كما أنها أوضحت أن المادة الثانية لا تمنع اعتبار البهائي مواطنًا من الدرجة الأولى وإنما الخطأ في التطبيق مستدلة بحكم سنة 1983 بخصوص السماح بتدوين دين البهائية في الأوراق الشخصية حيث ترى أن حكم عام 2006 الصادر بمنع تدوين دين البهائية في أوراق إثبات الشخصية هو خطأ في التطبيق.
أما سامح مكرم عبيد، عضو الهيئة العليا في حزب الوفد، فقد دعا للدخول في معركة للدفاع عن الحريات في التعديلات الجارية وتأجيل النقاش بخصوص الدولة العلمانية إلى يوليو القادم، وقرر رفضه للتمييز الايجابي باعتباره إهانة ودعا إلى دمج الأقباط في العمل السياسي والمدني.
وأبدى الدكتور سيد القمني، باحث متخصص في الدراسات الإسلامية، بعض الملحوظات وهى:
– أن توظيف الدين تم من قبل الحكام لخدمة أغراض غير مفيدة ولشحن الشعوب الإسلامية ضد العالم الغربي، الأمر الذي يزيد من أسباب التوتر والاحتقان بين العالمين.
– الإسلام لم يطلب دولة دينية لأن الدين اهتم بتفاصيل اشتملت كل مناحي حياة المسلم ولم تشتمل على تفاصيل الحكم.
– نجحت الحكومة عن طريق الإعلام في أن توصل الناس لتدنى شديد في مطالبهم وذلك بتوصيل الناس بأن الحل في يد إلهية.
– المادة الثانية لا تنفي فقط الأقباط، وإنما تنفي ضمنا مسلمين ليسوا في الإسلام السني.
Share this Post