تتابع منظمات حقوق الإنسان في العالم العربي الموقعة على هذا البيان، بقلق بالغ، المخاطر الجسيمة التي تهدد حقوق الإنسان في مصر؛ وذلك إثر تفشي ممارسات العنف، التي أفضت منذ الثلاثين من يونيو الماضي، إلى سقوط نحو 1000 قتيل بالإضافة إلى آلاف الجرحى من مختلف الأطراف. وفي هذا الإطار تعبّر المنظمات الموقعة عن استنكارها للاستخدام المفرط للقوة المميتة في مواجهة احتجاجات واعتصامات جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها، كذلك لجوء أنصار جماعة الإخوان المسلمين إلى الممارسات الإرهابية. الأمر الذي أدى لاتساع نطاق الممارسات الإرهابية خارج شبه جزيرة سيناء، وامتدادها إلى العاصمة وعدد من المحافظات في شمال وجنوب وغرب البلاد، واقتحام وتدمير أو إحراق مقار بعض المؤسسات المملوكة للدولة والكنائس وأقسام الشرطة، واستهداف الأقباط وجنود الجيش والشرطة. هذا فضلاً عن تعرّض الصحفيين للقتل والاعتداء والتضييق على عملهم، من جانب السلطات الأمنية وأنصار جماعة الإخوان المسلمين على السواء.
إن المنظمات الموقعة تلاحظ بأسى بالغ أن استخدام السلطات الأمنية للقوة المميتة في مواجهة الاحتجاجات الشعبية لم يتوقف منذ ثورة 25 يناير 2011، وذلك سواء في عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك أو المجلس العسكري أو الرئيس السابق محمد مرسي أو في عهد الحكومة الانتقالية الحالية. وتشير الإحصاءات إلى أن عدد ضحايا الاستخدام المميت للقوة في مواجهة الاحتجاجات وفض الاعتصامات في منحنى صاعد، بالتزامن مع الافتقار لإرادة سياسية للكشف عن الحقيقة وتحقيق الإنصاف والعدالة.
إن الحقيقة والعدالة هما أبرز ضحايا أكثر من 30 شهرًا من العنف السياسي في مصر، إلى جانب آلاف القتلى والجرحى. ولولا الافتقار للإرادة السياسية لتحقيق العدالة والتوصل للحقيقة، ما كان ممكنًا أن يسود مبدأ الإفلات من العقاب حتى الآن، ويتواصل النزيف اليومي للدماء، قبل حكم الإخوان المسلمين وأثنائه وبعده.
لقد تجاهل نظام المجلس العسكري الذي تولى إدارة شئون البلاد في 11 فبراير 2011 والرئيس السابق محمد مرسي الذي تولى الحكم في أول يوليو 2012 خارطة طريق لتعزيز حقوق الإنسان التي اقترحتها منظمات حقوق الإنسان المصرية المستقلة منذ اليوم الأول لتولي كلاهما حكم البلاد. وقد ساهم اتِّباع المجلس العسكري ثم الرئيس السابق محمد مرسي لسياسات استبدادية وأمنية مناهضة لأهداف الثورة المصرية ولحقوق الإنسان والقيم الديمقراطية، إلى تأجيج الغضب الشعبي ضد سياسات وحكم جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما عبر عنه الشعب المصري أكثر من مرة منذ نوفمبر العام الماضي، قبل أن يصل إلى ذروته في انتفاضة شعبية في 30 يونيو الماضي، مطالبًا بانتخابات رئاسية مبكرة. وهي الانتفاضة التي استند الجيش إليها ليتدخل في 3 يوليو الماضي، ويصدر قرارًا بعزل الرئيس محمد مرسي، ويعلن عن خارطة طريق لفترة انتقالية جديدة تتبنى مقترحات القوى السياسية وبعض الأحزاب المدنية والإسلامية.
غير أن سلطة الحكم بعد 30 يونيو تواصل ارتكاب بعض خطايا النظام السابق، وتتجاهل مطالب منظمات حقوق الإنسان المصرية بإجراء تحقيقات جادة مستقلة في أحداث العنف الأخيرة التي أدت لسقوط نحو 1000 قتيل منذ 30 يونيو من مختلف الأطراف، وفي ظل استمرار القيادات الأمنية المسئولة عن انتهاكات حقوق الإنسان في عهد محمد مرسي، رغم الانتفاضة ضد نظامه والممارسات الأمنية في عهده.
كما تتابع المنظمات الموقعة تصاعد الاستقطاب الحاد والعنيف في وسائل الإعلام الداعمة للنظام السياسي الحالي أو المؤيدة لجماعة الإخوان المسلمين، وتؤكد المنظمات الموقعة أن الضحية الأولى لهذا الاستقطاب هي الحقيقة. كما تلاحظ أنه بينما كانت وسائل الإعلام المؤيدة لجماعة الإخوان المسلمين تستخدم خطابات ومصطلحات التكفير الديني ضد الخصوم السياسيين؛ فإن وسائل الإعلام المؤيدة لحكومة ما بعد 3 يوليو تتبنى خطاب التخوين الوطني ضد من يعارض توجهات النظام الجديد، وهكذا يجري تهميش الأصوات المستقلة من سياسيين وكُتّاب وصحفيين وأكاديميين ومنظمات حقوق الإنسان المستقلة، ومهاجمتهم أحياناً بأقذع العبارات.
تخشى منظمات حقوق الإنسان العربية الموقعة على هذا البيان أن استمرار هيمنة التوجهات والاعتبارات الأمنية، سيؤدي لمزيد من نزيف الدم وتقويض فرص التحول الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان وتحقيق العدالة الاجتماعية؛ وبالتالي تعزيز البيئة الاجتماعية والسياسية والدينية الحاضنة لأعمال العنف والإرهاب.
وفي هذا الإطار فإن المنظمات الموقعة تحث السلطات المصرية على:
- احترام حرية الرأي والتعبير، والتمييز بين الاحتجاج والتعبير السلميين عن الرأي وبين ممارسة العنف وإرهاب المواطنين، والالتزام بالقانون الدولي ومعايير حقوق الإنسان خلال مكافحة الإرهاب.
- الالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان عند اضطرار السلطات الأمنية لاستخدام القوة المميتة بعد استنفاذ الخيارات الأخرى.
- الالتزام الصارم بالمضي في المسار السياسي المحدد وفقًا للجدول الزمني لخارطة الطريق خلال الفترة الانتقالية.
- توفير الحماية لكل المواطنين والأطراف والمؤسسات المستهدفة بالإرهاب والعنف في سيناء أو خارجها.
- ضمان وسائل الدفاع القانوني لكل المحتجزين، والسماح لهم باللقاء مع محامييهم وذويهم ومنظمات حقوق الإنسان المستقلة.
- تقديم التسهيلات اللازمة لبعثة المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، لتقييم مشكلة حقوق الإنسان في مصر، والتي قدمت للسلطات المعنية طلبًا بذلك منذ أكثر من شهر، ولكنها لم تحصل على تأشيرة دخول حتى الآن.
تحث المنظمات الموقعة أنصار جماعة الإخوان المسلمين على:
- التخلي عن انتهاج العنف و عن استهداف المواطنين، بما في ذلك المسيحيين منهم ورجال الشرطة والجيش.
- التوقف عن بث خطابات الكراهية الدينية والتحريض على العنف في المساجد ووسائل الإعلام وغيرها، والتبرؤ من القيادات التي مارست التحريض على الكراهية والعنف وحملت السلاح في مواجهة المواطنين والشرطة.
تحث المنظمات الموقعة نقابة الصحفيين المصريين وخبراء الإعلام على العمل الوثيق مع المؤسسات الإعلامية، من أجل تنفيذ المقترحات والتوصيات التي سبق إعدادها قبل وبعد ثورة 25 يناير، بغرض إصلاح وتطوير أداء وسائل الإعلام المملوكة للدولة والخاصة، بما يضمن الالتزام بالمعايير المهنية للتغطية الإعلامية والصحفية، وعدم خلط الرأي بالخبر والتدليس على المواطنين، والتضحية بالحقيقة لصالح التحيزات السياسية أو الدينية.
أخيرًا؛ تتوجه المنظمات الموقعة لجامعة الدول العربية بدعوتها للتشاور مع الحكومة المصرية حول إيفاد بعثة لتقصى الحقائق في أعمال العنف التي شهدتها مصر مؤخرًا؛ خاصةً أن الأمم المتحدة قد تحركت على أكثر من مستوى (بيانات متواترة من الأمين العام، بعثة خاصة برئاسة مساعد الأمين العام للشئون السياسية، طلب المفوضية السامية لحقوق الإنسان السماح ببعثة لتقييم مشكلة حقوق الإنسان). كذلك الاتحاد الأفريقي الذي قام بإنشاء “لجنة عالية المستوى بشأن مصر” قامت بزيارة مصر مرتين لهذا الغرض.
المنظمات الموقعة
1. مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
2. تجمع الهيئات الأهلية في صيدا، لبنان
3. الجمعية البحرينية للشفافية
4. جمعية حقوق الإنسان أولا بالسعودية
5. جمعية شباب البحرين لحقوق الإنسان
6. جمعية عدالة، المغرب
7. الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان
8. الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، مصر
9. شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية
10. اللجنة من أجل احترام الحريات وحقوق الإنسان في تونس
11. مجموعة المساعدة القانونية، مصر
12. محامون من أجل العدالة في ليبيا
13. المرصد السوداني لحقوق الإنسان
14. مركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية، السودان
15. المركز اليمني للعدالة الانتقالية
16. مركز تونس لحرية الصحافة
17. مركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية، مصر
18. منظمة السودان للتنمية الاجتماعية
19. المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، مصر
20. المنظمة الفلسطينية لحقوق الإنسان (حقوق)
21. منظمة يمن للدفاع عن الحقوق والحريات الديمقراطية
22. الهيئة المغربية لحقوق الإنسان
Share this Post