يعرب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان عن قلقه إزاء حكم محكمة القاهرة للأمور المستعجلة الصادر أمس الأول الثلاثاء 6مايو 2014، والذي قضى بمنع رموز الحزب الوطني الديمقراطي المنحل من الترشح لانتخابات مجلس الشعب القادمة. وذلك بالمخالفة للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، ولحكم سبق أن أصدرته المحكمة الدستورية العليا في 14 يونيو 2012 بخصوص عدم دستورية المادة الأولى من القانون رقم 17 لسنة 2012 بتعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية، والذي عرف “بقانون العزل السياسي” الذي مررته جماعة الإخوان المسلمين بعد حصولها على أغلبية أعضاء المجلس.
إن هذا الحكم القضائي ليس الأول من نوعه، بل هو حلقة جديدة من حلقات اغتصاب القضاء المستعجل لسلطات محاكم وجهات قضائية أخرى، وذلك بإصداره أحكامًا تخرج عن حدود ولايته. فقد سبق أن أصدرت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بعد 30 يونيو 2013 أحكامًا في قضايا تدخل في اختصاص القضاء الجنائي. منها الحكم الصادر بحظر أنشطة حركة 6 أبريل، وحظر أنشطة جماعة الإخوان المسلمين، فضلًا عن اعتبار حركة “حماس” منظمة إرهابية. كما أصدرت حكمًا أخر يقضي بعودة الحرس الجامعي إلى الجامعات المصرية، الذي كان القضاء الإداري قد قرر في حكمه الصادر في 2008 بإغلاق مكاتب الحرس الجامعي التابعة لوزارة الداخلية المتواجدة داخل أسوار الجامعة، و عدم السماح لأي من رجال الشرطة التابعين لوزارة الداخلية سواء بالزي الرسمي أو المدني بالتواجد داخل أسوار الجامعة أو داخل الكليات ومنشآت الجامعة. جدير بالذكر أن محكمة الإسكندرية للأمور المستعجلة أصدرت في 15 أبريل من العام الجاري حكمًا مماثلًا –للحكم الصادر ضد الحزب الوطني الديمقراطي– بمنع ترشح أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
إن تلك الأحكام الصادرة عن القضاء المستعجل لا تخضع لولايته، التي تنحصر فقط في الفصل في القضايا التي تدخل في اختصاص القضاء المدني –باعتباره فرعًا من فروعه– شريطة توافر شرطي الاستعجال وعدم المساس بأصل الحق المتنازع عليه. فكافة الأحكام المذكورة –بخلاف عودة الحرس الجامعي الذي يقع تحت اختصاص محكمة القضاء الإداري– تستلزم إجراء تحقيقات فيها كونها تشكل جرائم جنائية، ومن ثم يتعين صدور حكم بات من القضاء الجنائي بذلك.
إن إصدار القضاء المستعجل مثل هذه الأحكام يجعل منها أحكامًا غير قابلة للتنفيذ ومعدومة الأثر، كونها صدرت عن قضاء غير مختص، وبالتالي تخالف أحد أهم المبادئ الدستورية الواردة في المادة 188 من دستور 2014، التي اختصت الجهات القضائية بالفصل في كافة المنازعات والجرائم، عدا ما تختص به جهة قضائية محددة.
إن صدور مثل هذه الأحكام المخاطبة للرأي العام ستشجع العديد من الأطراف على اللجوء للقضاء المستعجل للحصول على أحكام تتفق وأهوائها السياسية، وتصفية الحساب مع خصومهم السياسيين، والتي ساهمت هذه المحاكم، بإصدارها تلك الأحكام، في إهدار العدالة وسيادة القانون.
يشدد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان على ضرورة التزام الجهات القضائية بالاختصاصات التي أفردتها لها القوانين؛ لأن إصدار الجهات القضائية أحكامًا تخرج عن حدود ولايتها يثير العديد من الإشكاليات في تنفيذها. لأن الغاية من صدور الأحكام هو كفالة تنفيذها. وأن أحكام غير منطقية يستحيل تنفيذها، تفقد القضاء هيبته، وتقوض الثقة في منظومة العدالة.
كما يشدد أيضًا على ضرورة محاسبة من ارتكبوا جرائم حقوق إنسان، سواء خلال فترة مبارك أو في كل العهود بعدها، وذلك من أجل إقرار العدالة وإرساء دولة القانون، وضمان عدم تكرار تلك الجرائم مرة أخرى. إلا أن المركز يؤكد أن المحاسبة يجب أن تتخذ إجراءات لها سند وأساس قانوني حتى لا تفقد مصداقيتها. إن هذه الأحكام المتوالية الصادرة من محكمة الأمور المستعجلة تفقد الثقة في منظومة العدالة وعلى رأسها القضاء.
أخيرًا يناشد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان المجلس الأعلى للهيئات القضائية العمل على إعادة الاعتبار لمبدأ سيادة القانون، ووضع حد لهذه “الفوضى القضائية”، وللتسييس المتزايد في القضاء، ولتوظيفه من كل النظم والأطراف السياسية، في تصفية الحساب مع الخصوم السياسيين، والحيلولة دون محاسبة مرتكبي جرائم حقوق الإنسان.
Share this Post