من المقرر أن يصوت مجلس النواب الليبي الأسبوع المقبل على اقتراح تشكيل حكومة وفاق وطني، والمنوط بها أن تقود المرحلة الانتقالية في ليبيا جنبًا إلى جنب مع مجلس النواب بصفته الهيئة التشريعية للبلاد، بالإضافة إلى المجلس الأعلى بصفته الاستشارية حسبما هو منصوص عليه في خارطة الطريق التي يتضمنها الاتفاق السياسي الليبي.
منذ اندلاع الاشتباكات المسلحة العنيفة مرة أخرى في مايو 2014، فإن حقوق الإنسان والوضع الإنساني في ليبيا يشهدان مزيدًا من التدهور المتواصل، حيث يُعد المدنيون والبنية التحتية المدنية أهدافًا يومية للعديد من الميليشيات والجماعات شبه العسكرية. وقد خلق هذا الوضع مناخًا مواتيًا لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) كي يستمر في توطيد أقدامه في عدة مدن ليبية، ما شكّل بدوره تهديدًا للسلم والأمن الدوليين وحث الجهات الفاعلة الدولية على التحرك بسرعة أكبر.
ورغم أن تشكيل الحكومة الجديدة والاعتراف بها خطوة مهمة نحو تنفيذ اتفاق السلام، إلا أن تلك الخطوة لا تضمن استتباب السلام والاستقرار في البلاد ما لم تقترن بتحقيق تقدم حقيقي على أرض الواقع من أجل تعزيز سيادة القانون والحكم الديمقراطي وضمان الحريات الأساسية.
وبعد أكثر من عام من المفاوضات من أجل السلام بدعم من الأمم المتحدة، وقعت أطراف من مجلس النواب والمؤتمر الوطني العام الاتفاق السياسي الليبي في 17 ديسمبر عام 2015، وأعقب ذلك تأسيس مجلس الرئاسة –وهو السلطة التنفيذية العليا التي عُهد إليها وضع قائمة الوزراء وتشكيل الحكومة الجديدة. وصوت مجلس النواب في 25 يناير 2016 برفض القائمة المقترحة للوزراء وطلب من مجلس الرئاسة العمل على اقتراح قائمة ثانية تضم من 12 الي 17 حقيبة وزارية فقط في غضون 10 أيام. واعتمد مجلس النواب رسميًا خلال الجلسة نفسها الاتفاق السياسي الليبي وأبدى تحفظًا على المادة 8 من الأحكام الإضافية لهذا الاتفاق.[1]
في المرحلة الحالية، يجب أن تكون الأولوية لحكومة الوفاق الوطني ومجلس النواب، وأيضًا المجتمع الدولي، هي اعتماد وتنفيذ استراتيجية شاملة وفورية لمعالجة أوجه القصور الأساسية التي تعاني منها مؤسسات الدولة الليبية، وخاصةً المؤسسات الأمنية والقضائية، ولوضع حد لدوامة الإفلات من العقاب عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، فضلًا عن خلق وتعزيز بيئة مواتية للمجتمع المدني يعمل في ظلها بحرية؛ بهدف تحقيق سلام دائم ومكافحة انتشار الجماعات المتطرفة في ليبيا.
- وضع استراتيجية وطنية شاملة وشفافة لإعادة بناء المؤسسات الأمنية الوطنية:
يجب أن يأتي على رأس أولويات حكومة الوفاق الوطني ومجلس النواب وضع استراتيجية وطنية تتسم بالشفافية لبناء المؤسسات الأمنية. وينبغي أن ينعكس الالتزام الحقيقي بمكافحة الإرهاب والجماعات المتطرفة في صورة خطوات ملموسة لتأسيس جيش وطني وقوات شرطة وطنية، مع وجود ضمانات للشفافية والمساءلة، لاسيما فيما يتعلق بالتزامات ليبيا الدولية باحترام حقوق الإنسان، شاملة عدم منح عفو لمرتكبي الجرائم الدولية. ويمكن تنفيذ ذلك من خلال إعداد خطط تشمل عمليات تدقيق محكّمة للإدماج والانتقاء والتعيين الجديد في المؤسستين، فضلًا عن وضع تعريف واضح لتسلسل القيادة.
لم تضع السلطات الليبية التشريعية المتعاقبة منذ انتفاضة عام 2011، استراتيجيات وطنية أو خطط واضحة لإعادة بناء المؤسسات الأمنية الوطنية. بل على النقيض من ذلك، عززت القوانين والمراسيم التي اعتمدها المجلس الانتقالي والمؤتمر الوطني العام ومجلس النواب ظهور وإنشاء هياكل شبه عسكرية خارج نطاق سيطرة الدولة. ومنحت تلك المؤسسات –مثل اللجنة الأمنية العليا للدفاع عن ليبيا، وغرفة ثوار ليبيا، والحرس الوطني، وفجر ليبيا، وعملية الكرامة– الفصائل وقادة الجماعات شبه العسكرية مناصب سيادية في وزارتي الدفاع والداخلية. وعلاوةً على ذلك، حوّل العفو الصادر عن الدولة الليبية هذه الفصائل المسلحة المتناحرة إلى وسطاء فعليين على أرض الواقع، ما منحهم زخمًا للاستمرار في ارتكاب الانتهاكات الجسيمة في ظل إفلات تام من العقاب. ويجب على حكومة الوفاق الوطني ومجلس النواب الانتباه إلى هذه الأخطاء الفادحة، وعدم تكراراها.
وتبرهن الهجمات الأخيرة التي شنها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على الحاجة الملحة لإحداث تحول جذري في هذه السياسات. فقد شنت قوات هذا التنظيم هجمات مكثفة يوم 5 يناير على محطتي النفط في السدرة وراس لانوف، ثم هاجمت ميليشيات تابعة له يوم 7 يناير عدة مدن وقتلت العشرات.
علاوةً على ذلك، استهدفت الغارات الجوية التي قامت بها جهات غير معروفة يوم 7 فبراير جماعات في درنة، ما أفضى إلى وفاة 4 أشخاص من بينهم ممرضة وطفلها البالغ من العمر 10 سنوات ومقاتلين اثنين من تشكيلات مسلحة. وتسببت الغارات الجوية أيضًا في تدمير قسم جراحة المسالك البولية في مستشفى الوحدة، ومسجد وعدة منازل مجاورة. ورغم الجهود المبذولة، فإن تحديد مصدر العمليات العسكرية في ليبيا في جميع الأوقات لا يزال مهمةً محفوفة بالتحديات. إن لم يتم تأسيس حكومة قوية، وأُعيد هيكلة صفوف القوات المسلحة، وحظي القانون الدولي –بما فيه القانون الدولي الإنساني– بالاحترام الواجب؛ فإن كافة الجهود العسكرية المبذولة –بما فيها الجهود الدولية لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا– لن تؤدي سوى لمزيد من التدهور.
ووفقًا لما ورد في الاتفاق السياسي الليبي، فإن رئيس مجلس الوزراء سيشكل –فور اعتماد الاتفاق–لجنة أمنية مؤقتة لتيسير تنفيذ الترتيبات الأمنية لحين استكمال تشكيل حكومة الوفاق الوطني.[2] وتشمل هذه الترتيبات تطبيق المادة 34 المتعلقة بوقف إطلاق النار، وانسحاب التشكيلات المسلحة من المدن والمنشآت الحيوية، وكذلك نزع وجمع السلاح والذخيرة ومواجهة التهديدات الإرهابية. ويضيف الملحق السادس من ملاحق الاتفاق أن اللجنة الأمنية المؤقتة منوط بها “وضع وبدء تنفيذ الخطط المناسبة للهياكل والقوى الأمنية، بما فيها ترتيبات فعالة للقيادة والسيطرة؛ والإشراف على وضع خطة أمنية لتأمين المدن، بدءً من العاصمة، وذلك بالتنسيق مع المؤسسات الأمنية ذات الصلة؛ والموافقة على أساليب العمل وقواعد الاشتباك الخاصة بالجيش والشرطة والتشكيلات المسلحة، علاوة على الإجراءات التأديبية والجزائية؛ ورصد ومتابعة تنفيذ وفعالية الترتيبات المذكورة أعلاه ومعالجة أي قصور“.
إن التفعيل الفوري لعمل هذه اللجنة يُعد أمرًا حيويًا لاستقرار الوضع الأمني والإنساني، لحين تشكيل واعتماد الحكومة. وقد اعتمد المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني أول مرسوم له يوم 13 يناير بشأن إنشاء لجنة أمنية مؤقتة، إلا أنه –حتى الآن–لم تُتّخذ أي خطوات لتنفيذ هذا المرسوم الذي دخل حيز النفاذ في 25 يناير، وهو التاريخ الذي اعتمد فيه مجلس النواب رسميًا الاتفاق السياسي.
وكان سببًا من أسباب تعطيل عمل هذه اللجنة القرار الذي اتخذ من قبل السلطة الفاعلة في طرابلس يوم 14 يناير 2016 بإحالة أعضاء هذه اللجنة إلى المدعي العام بتهمة زعزعة الاستقرار والأمن العام، الأمر الذي ساهم في عدم اتخاذ أية خطوات فعلية لتنفيذ الترتيبات الأمنية على الأرض.
وبمجرد أن تتولى حكومة الوفاق الوطني مهامها يجب أن تُعلن على الفور عن خططها بشأن بناء المؤسسات الأمنية، وفقًا للمادة 45 من الاتفاق السياسي، من أجل تنفيذ الأولويات الأمنية المنصوص عليها في الاتفاق السياسي.[3] وستحال مهام اللجنة المؤقتة إلى “لجنة رصد تنفيذ الترتيبات الأمنية المؤقتة” التي ورد ذكرها في إطار المادة 37 من الاتفاق السياسي.
في هذا السياق، ومن أجل تفعيل بنود الاتفاق المتعلقة بالترتيبات الأمنية وإصلاح المؤسسة الأمنية وتعزيز عمل لجنة رصد تنفيذ الترتيبات الأمنية المؤقتة،[4] ينبغي –في الوقت نفسه– بذل الجهود لضمان امتثال التشكيلات المتناحرة والجماعات شبه العسكرية لما نصت عليه المادة 42، التي جاء فيها أن “تلتزم جميع التشكيلات المسلحة، لحين تطبيق قرار حلها ودمجها وتسوية أوضاع منتسبيها، بأحكام التشريعات الليبية النافذة والقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان“. ويجب على المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فورًا إصدار بيان رسمي علني يطالب فيه جميع التشكيلات المسلحة الالتزام بنص المادة 42 من الاتفاق السياسي وعليه إعلامهم بشكل رسمي بمحتوى مبادئ القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
وإن لم تُتخذ هذه الخطوات على الفور، فإن ذلك يعني أن المجتمع الدولي سيكون داعمًا لتشرذم المؤسسات الأمنية، مع توفر الأسلحة التي يمكن أن تقع في نهاية المطاف في أيدي الجماعات المتطرفة، أو أن تُستخدم في معارك داخلية إضافية داخل ليبيا تهدف إلى شل عمل مؤسسات الدولة وارتكاب مزيد من الانتهاكات لحقوق الإنسان.
- كسر دائرة الإفلات من العقاب: إعادة تفعيل نظام القضاء الجنائي الوطني وتحريك آليات المساءلة الدولية
يعترض سبيل قدرة نظام العدالة في ليبيا على إجراء تحقيقات شفافة وفعالة ومقاضاة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة المستمرة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني عدة عوامل، منها عدم قدرة المحاكم في جميع أنحاء البلاد على مباشرة وتنفيذ إجراءات قانونية أو الشروع في مقاضاة مقترفي الجرائم المزعومين. ويعود ذلك إلى تلقي القضاة والمحامين وغيرهم من أفراد المجتمع القانوني تهديدات مباشرة وتعرضهم لهجمات على يد الجماعات المسلحة.
وقد قُدّمت أمام المدعي العام خلال أعوام 2012 و2013 و2014 مئات الحالات من الانتهاكات الجسيمة المزعومة، تضمنت عمليات قتل خارج نطاق القضاء، واستخدام واسع النطاق للتعذيب والاعتقال التعسفي، ضد عدد من الجماعات المسلحة، ولكن لم تُتخذ أي تدابير فعلية نحو محاسبة مرتكبي تلك الانتهاكات.
ولم يُحاسب أي من الجناة المنتمين للجماعات المسلحة المنتشرة على الأرض على ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في ليبيا منذ عام 2011. وقد ذكرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في تقرير صدر في 16 نوفمبر عام 2015 أنه “بسبب انهيار منظومة العدالة الجنائية في أجزاء من البلاد، لم يعد هناك سوى وسائل محدودة متاحة أمام الضحايا للحصول على الحماية ووسائل التعويض في ظل الإفلات التام من العقاب. وحتى في الحالات النادرة التي تم فيها تقديم تقارير الشرطة، لم تُتخذ أي إجراءات لبدء تحقيقات سريعة ومسهبة وفعالة ومحايدة ومستقلة ولتقديم الجناة إلى العدالة. وبحسب علم البعثة لم تتم إدانة أي من الجناة المنتمين لجماعة مسلحة منذ عام 2011“.[5]
اتخذت كافة الأطراف المشاركة في النزاع –بما فيها الجهات الفاعلة التابعة للدولة والجماعات المسلحة غير التابعة لها– من الأوساط القانونية هدفًا لها. فوفقًا لما أوردته مؤسسة لحقوق الإنسان، فإن الفترة من 2013 وحتى 2015 قد شهدت اغتيال 8 أعضاء في السلطة القضائية و3 محامين، وتعرض عدد من مكاتب النيابة العامة وسراي المحاكم للهجمات.[6] وكان أحدث مثال موثق هو الهجوم الذي تعرض له مجمّع النيابة العامة في شرق طرابلس يوم 15 ديسمبر عام 2015 حيث دُمّر بالكامل أثناء معارك متبادلة بين جماعتين من الجماعات المسلحة.
علاوةً على ذلك، فإن قوانين العفو الصادرة في عامي 2012 و2014، تدل على غياب المساءلة بالإضافة إلى فشل السلطات الليبية في تفعيل آليات خاصة بالعدالة الانتقالية، مما أدى إلى حرمان المواطنين الليبيين من وجود آلية وطنية للانتصاف وجبر الضرر.
ويتطلب هذا الوضع تفعيلًا فوريًا للمادة 26 من الاتفاق السياسي الليبي في إطار تدابير الثقة، حيث أنها تنص على التزام جميع الأطراف الليبية من خلال حكومة الوفاق الوطني ومجلس النواب بتوفير حماية فعالة للمحاكم ومكاتب النيابة العامة وأعضائها، والسيطرة الكاملة على جميع مرافق الاحتجاز ووضعها تحت مراقبة قضائية. وتضيف المادة أنه “ينبغي على جميع أطراف النزاع في غضون ثلاثين (30) يومًا من بدء ممارسة الحكومة لمهامها تسليم الأشخاص المحتجزين لديها أو تسليمهم إلى السلطات القضائية، التي تقرر في غضون 60 يومًا ما إذا كان ينبغي عليهم المثول أمام القضاء أو وجوب إطلاق سراحهم“. وتنص المادة بالإضافة على ذلك على “تطبيق قانون العدالة الانتقالية الصادر في ديسمبر 2013، خلال ثلاثة أشهر من تشكيل الحكومة“.
وينبغي –بالتوازي مع ذلك– تفعيل ودعم آليات دولية شفافة ونزيهة لتوثيق ومباشرة التحقيقات وضمان المساءلة عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وتحتاج ليبيا في الوقت الحالي إلى بذل جهود ملموسة لضمان وضع خطة شاملة للمساءلة من شأنها تمهيد الطريق لاحترام حقوق الإنسان، وكسر دائرة الإفلات من العقاب، وضمان عدم تكرار الانتهاكات، والتصدي فضلًا عن ذلك لتظلمات المواطنين. إن الاستمرار في إجراء تحقيق دولي ومستقل وفعال وشفاف في الانتهاكات السابقة والجارية هو السبيل الوحيد المتاح لضمان وجود آلية يمكن من خلالها التماس المحاسبة. ويشمل ذك إثبات الوقائع وتحديد مرتكبي الانتهاكات الجسيمة، بما في ذلك إنشاء سلسلة واضحة للقيادة والمسئولية الفردية.
إن مثل تلك التحقيقات، تلعب دورًا مهمًا في تنفيذ خطة السلام في إطار يحدد أشكال المساءلة واحترام حقوق الإنسان في البلاد. كما تدعم النظام القضائي الوطني للشروع في إجراء تحقيقات في الانتهاكات الجسيمة السابقة والحالية، وتعمل بمثابة رادع لمنع الجماعات المسلحة والميليشيات من ارتكاب المزيد من الانتهاكات. ويجب أن تدرك جميع الفصائل والتشكيلات المسلحة الحكومية وغير الحكومية النشطة في جميع أنحاء البلاد أن الأفعال التي تقترفها يجري رصدها والتحقيق فيها وأن المساءلة عن الجرائم التي ترتكبها هو احتمال حقيقي وقائم.
- كسر احتكار الخطاب المتطرف للفضاء العام من خلال تهيئة بيئة مواتية للمجتمع المدني
ينبغي أن تُمنح كافة الجهات المعنية في ليبيا أولوية لكسر احتكار الخطاب المتطرف من خلال حماية الفضاء العام حيث يمكن للجهات الفاعلة المعتدلة أن تعمل بحرية من أجل تمهيد الطريق لعملية السلام. وهذه الأولوية لا مفر منها لحشد التأييد الشعبي اللازم لتنفيذ الاتفاق السياسي، ورفع مستوى الوعي بالأهمية الحيوية للمضي قدمًا نحو عملية المصالحة الوطنية، وكذلك الوسائل السلمية لمعالجة الانقسامات السياسية والوضع الإنساني الكارثي.
ووفقًا لتقرير صدر عن المركز الليبي لحرية الصحافة –عن الفترة من يونيو وحتى ديسمبر عام 2015– شهد العاملون في مجال الإعلام الليبي وكذلك وسائل الإعلام 49 هجومًا وتهديدًا على الأقل في مدن مختلفة.[7] ويتعرض أعضاء منظمات المجتمع المدني والناشطون لتهديدات متكررة، وللخطف وغير ذلك من الانتهاكات على يد الميليشيات والجماعات شبه العسكرية. وفي يوم 5 يونيو عام 2015، اختُطف سبعة موظفين في هيئة الشيخ طاهر الزاوي الخيرية أثناء سفرهم ضمن قافلة للمساعدات الإنسانية في جنوب غرب ليبيا. وأُفرج لاحقًا عن خمسة منهم ولا يزال اثنان محتجزَين. واقتُحمت في 16 مارس 2015 مكاتب المجلس الوطني للحريات العامة وحقوق الإنسان في بنغازي، الذي يُعتبر المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا. كما تعرض مكتب المجلس الوطني للحريات العامة وحقوق الإنسان في طرابلس لمداهمة على يد ميليشيات وأُغلق في نهاية المطاف في نوفمبر 2014. ووقعت حادثة مؤخرًا في 10 فبراير، حيث اختطفت مجموعة مسلحة مجهولة اثنين من أعضاء بلدية عين زارة هما محمد المرغني وبشير الفيتوري. وقد أُفرج عنهما بعد ساعات.
بالإضافة لذلك، فرضت السلطات الفعلية في شرق البلاد وغربها قيودًا على حرية تكوين الجمعيات. ففي شرق ليبيا أصدر رئيس الهيئة العامة للإعلام والثقافة عمر القويري في 21 نوفمبر 2015 بيانًا طلب فيه من المسئولين الأمنيين “القبض على الجواسيس والخونة“، وبالتالي منع أي وسيلة من وسائل الإعلام أو منظمة من منظمات المجتمع المدني يمولها رعاة أجانب أو ترتبط بدوائر خارجية. وأضاف “يجب على المواطنين الليبيين أن يأخذوا بزمام المبادرة لإغلاق محلات العملاء وأوكار الجواسيس، ثم طردهم خارج ليبيا“.[8] وبعد ذلك بأربعة أيام أيضًا، أصدرت وزارة الثقافة والمجتمع المدني في غرب ليبيا إخطارًا طلبت فيه من منظمات المجتمع المدني إبلاغها والحصول على موافقتها قبل حضور فعاليات ومؤتمرات واجتماعات خارج ليبيا.
وتؤدي هذه الهجمات إلى إغلاق الفضاء العام أمام الأصوات المعتدلة. وتقع منظمات المجتمع المدني ومعها الناشطون ووسائل الإعلام وكل من يحاولون العمل بموضوعية بين سندان الموت ومطرقة النفي؛ في حين يضطر آخرون إلى وقف عملهم بسبب الخوف من الانتقام. ولذلك احتكر خطاب المتطرفين الفضاء العام داخل البلاد لكونهم الوحيدون القادرون على مواصلة العمل بأمان، في ظل الأمن والدعم المالي الذي يحصلون عليه من الفصائل السياسية والجماعات المسلحة المتنافسة.
وتشمل الأولويات المحددة لحكومة الوفاق الوطني ضمن الاتفاق السياسي “وضع سياسة إعلامية متكاملة تقوم على رفض التحريض على أي شكل من أشكال العنف أو الكراهية أو التطرف أو جميع أشكال التمييز، بالإضافة إلى توفير آليات للمواطنين للتعبير عن آرائهم بشكل سلمي“. وتنص المادة 29 من الاتفاق أيضًا على أنه “لا يجوز لأي طرف من الأطراف الليبية القيام أو المشاركة في أي حملة إعلامية تهدف إلى التحريض على أو الترويج إلى أي شكل من أشكال العنف أو الكراهية، أو تهديد السلم الأهلي“.
ويسمح الفضاء العام الآمن الذي يضمن حرية التعبير وتكوين الجمعيات، للجهات المدنية الفاعلة –بما فيها نشطاء حقوق الإنسان والإعلاميين وعُمد البلديات المحلية وشيوخ القبائل–القيام بدور رئيسي في نجاح تنفيذ الاتفاق السياسي. وقد يكون تمكين تلك الجهات الفاعلة هو الأمل الوحيد لليبيا لمحاربة التطرف بجميع أنواعه ووقف انتشار الأيديولوجيات المتطرفة في جميع أنحاء البلاد.
توصيات
- الدولة الليبية:
- وقف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والخروقات للقانون الدولي الإنساني المرتكبة حاليًا، لاسيما الهجمات العشوائية الموجهة ضد المناطق المدنية والبنية التحتية المدنية واستهداف المدنيين؛
- يجب على المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني التفعيل الفوري للجنة رصد تنفيذ الترتيبات الأمنية المؤقتة؛
- يجب على المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فورا إصدار بيان رسمي علني يطالب فيه جميع التشكيلات المسلحة بالالتزام بنص المادة 42 من الاتفاق السياسي وعليه أن يعلمهم بشكل رسمي بمحتوى مبادئ القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان
- إصلاح المؤسسات الأمنية من خلال عملية تدقيق شاملة وشفافة من شأنها أن تكفل محاسبة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان؛
- اتخاذ إجراءات لضمان سلامة واستقلال القضاة والمحامين وأعضاء النظام القضائي والمواطنين الذين يسعون إلى تحقيق العدالة وجبر الضرر عن الانتهاكات التي ترتكب ضدهم أو ضد غيرهم.
- تنفيذ قانون العدالة الانتقالية –الصادر في ديسمبر 2013– بغية ضمان وصول الضحايا إلى المؤسسات القضائية، وجبر الضرر الواقع عليهم؛
- تعزيز قدرات المجلس الوطني للحريات العامة وحقوق الإنسان في ليبيا وضمان استقلاله؛
- حماية النشطاء ومنظمات المجتمع المدني والصحفيين ووسائل الإعلام من الهجمات وكفالة سلامتهم وضمان مجان عام آمن لهم؛
- ضمان حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي.
- مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة:
- النظر في وضع بند شرطي فيما يتعلق برفع حظر تصدير الأسلحة إلى ليبيا يرتبط بإصلاح حكومة الوفاق الوطني ومجلس النواب للمؤسسات الأمنية؛
- سن وتنفيذ عقوبات ضد الأشخاص الذين يساعدون على اقتراف انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني في ليبيا أو من يقترفون تلك الانتهاكات بالفعل، وفقًا لقرارات مجلس الأمن ونتائج تحقيقات اللجان الدولية ذات الصلة.
- مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة:
- متابعة رصد حالة حقوق الإنسان والوضع الإنساني في ليبيا.
- وضع آليات فعلية لمتابعتها ورصد تنفيذ توصيات بعثة التحقيق التابعة لمكتب المفوضية السامية.
- اتخاذ تدابير لضمان استمرار التحقيقات الدولية في انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
- مكتب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان:
- مواصلة توثيق انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني في ليبيا.
- وضع تدابير لحماية المجتمع المدني الليبي، وضمان بناء قدراته في مجالات جمع المعلومات ومعايير الإثبات من أجل تفعيل الإجراءات القانونية الدولية، وتأسيس وسيلة آمنة للتواصل الرقمي.
- المحكمة الجنائية الدولية:
- مباشرة تحقيق رسمي في الانتهاكات التي ارتكبها أشخاص بعينهم في ليبيا منذ عام 2011، استنادًا إلى ولايتها المفتوحة بمقتضى قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1970.
- الدول الأعضاء في الأمم المتحدة:
- ضمان استمرار عمل آلية دولية تابعة للأمم المتحدة مختصة بالتحقيق في الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي في ليبيا.
- الاستفادة من الأدلة –التي جمعها بالفعل كل من المجتمع المدني والأمم المتحدة وجهات أخرى– عن انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني من أجل ضمان المسائلة الدولية من خلال استخدام التحقيقات الوطنية والولاية القضائية العالمية.
- اتخاذ جميع التدابير اللازمة لضمان مباشرة المحكمة الجنائية الدولية تحقيقًا رسميًا في الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني التي ارتُكبت فيما مضى، ولا تزال مستمرة؛ بغية ضمان تفعيل المسئولية الجنائية الفردية والمحاسبة عن هذه الانتهاكات.
[1] المادة 8 من الاتفاق السياسي الليبي: تنتقل كافة صلاحيات المناصب العسكرية والمدنية والأمنية العليا المنصوص عليها في القوانين والتشريعات الليبية النافذة إلى مجلس رئاسة الوزراء فور توقيع هذا الاتفاق ويتعين قيام المجلس باتخاذ قرار بشأن شاغلي هذه المناصب خلال مدة لا تتجاوز عشرين (20) يومًا وفي حال عدم اتخاذ قرار خلال ھذه المدة، یقوم المجلس باتخاذ قرارات بتعیینات جدیدة خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين (30) يومًا، مع مراعاة التشریعات اللیبیة النافذة.
[2] الملحق السادس بالاتفاق السياسي الليبي الموقع في 17 ديسمبر 2015 بعنوان: الترتيبات الأمنية
[3] تنص المادة 45 من الاتفاق السياسي الليبي على ما يلي:
- تعمل حكومة الوفاق الوطني على تفعيل جميع القوانین والقرارات والأنظمة النافذة ووضع الترتيبات اللازمة المتعلقة بدمج وإعادة تأھیل منتسبي التشكيلات المسلحة وفق جدول زمني مناسب، ولھا أن تقدم لمجلس النواب مشروعات قوانين جديدة حسبما تراه ضروريًا وملائما لتنفيذ ھذا الغرض.
- تعمل حكومة الوفاق الوطني، وفق جدول زمني محدد، على حصر كافة التشكيلات المسلحة.
- تعمل حكومة الوفاق الوطني على وضع استراتيجيات وخطط تھدف إلى دمج وإعادة تأھیل منتسبي التشكیلات المسلحة في مؤسسات الدولة المدنیة والعسكریة، وتوفیر فرص عمل لھم للعيش الكريم ضمن المجتمع الليبي.
- یحق لمنتسبي التشكیلات المسلحة الانضمام للمؤسسات العسكریة للدولة متى توافرت بھم الشروط والمعاییر اللازمة لذلك.
[4] المادة 37 من الاتفاق السياسي الليبي.
[5] تقرير عن حالة حقوق الإنسان في ليبيا، 16 نوفمبر 2015:
http://www.ohchr.org/Documents/Countries/LY/UNSMIL_OHCHRJointly_report_Libya_16.11.15.pdf
[6] التقرير السنوي للمنظمة الليبية للقضاة لعام 2014.
[7] تقرير المركز الليبي لحرية الصحافة: http://lcfp.org.ly/wp-content/uploads/2016/01/FourthReport.pdf
[8] وكالة الأنباء الليبية التي يمولها الاتحاد الأوروبي محلًا للجواسيس، قال المسؤول الحكومي الثاني
Share this Post