شكل مشروع الميثاق العربي لحقوق الإنسان بعد تحديثه مؤخرا من قبل اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان بجامعة الدول العربية محورا لندوة نظمها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في إطار صالون ابن رشد تحت عنوان “هل يستجيب النظام العربي لدعاوى الإصلاح؟.. أي ميثاق عربي لحقوق الإنسان؟” ذكر بهي الدين حسن في بدايتها أن الميثاق العربي لحقوق الإنسان صدر عن جامعة الدول العربية في سبتمبر 1994 بعد تداول في أروقة الجامعة لنحو 20 عاما مشيرا إلى أنه رغم مرور تسع سنوات على صدور هذا الميثاق إلا أنه حتى الآن لم تصدق دولة عربية واحدة عليه وبالتالي فإنه لم يدخل حيز النفاذ بعد.
أضاف بهي قائلا أنه منذ صدور هذا الميثاق لم يكن مرضيا للرأي العام وكان محل نقد وبشكل خاص من منظمات حقوق الإنسان، سوءا العربية منها أو الدولية، مشيرا إلى أنه في أبريل 1999، وفي إطار المؤتمر الذي نظمه مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في الدار البيضاء دعت نحو أربعين منظمة عربية لحقوق الإنسان الجامعة العربية إلى إعادة طرح هذا الميثاق من جديد للمراجعة باعتبار أنه يتنافى مع أدنى معايير احترام حقوق الإنسان، وطالبت بوضع اتفاقية جديدة تكفل بالفعل حماية حقوق الإنسان.
وأضاف بهي أن الدعوة التي تبنتها جامعة الدول العربية في العام الماضي فيما يسمى بتحديث الميثاق العربي لحقوق الإنسان لم تكن واضحة بالدرجة الكافية حول اتجاه هذا التحديث وهل يتعلق بالزمن أو العصرنة أو عدم الرضا عن الميثاق الأصلي. وأشار إلى أنه منذ فتح الجامعة العربية باب المداولات للتحديث قامت المنظمات غير الحكومية في العالم العربي بعقد مشاورات ومداولات ومؤتمرات، عقد المؤتمر الأول منها في عمان والثاني في صنعاء والثالث في القاهرة والرابع في جنيف والأخير في بيروت ونظمه مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بمشاركة 36 منظمة عربية و11 منظمة دولية وعدد من الخبراء بما فيهم خبراء حكوميون وبرلمانيون عرب، وانتهى المؤتمر بإعلان بيروت للحماية الإقليمية لحقوق الإنسان، مشيرا إلى أن جوهر الإعلان تمثل في رفض ما استشعره المشاركون في المؤتمر من أن الاتجاه داخل الجامعة العربية هو إجراء بعض التحسينات الشكلية، كما استشعر كثير من المشاركين أن ذلك مرتبط بعملية تجميل الوجه أكثر من كونها حرصا حقيقيا على تطوير حقوق الإنسان.
وأوضح بهي أنه على الرغم من أن إعلان بيروت قد تم توزيعه على أعضاء اللجنة الدائمة، و سمح لرئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان بتقديم عرض مسهب للإعلان في اجتماعات اللجنة في يونيو الماضي، فإن التحديث لم يعكس أياً مما تضمنه إعلان بيروت على الصياغة التي انتهت إليها ما سمى بالميثاق المعدل لحقوق الإنسان في أكتوبر 2003 مشيرا إلى ما وصف بتطور مهم في هذا السياق تمثل في توجه أمانة الجامعة العربية إلى مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان لطلب المشورة في الميثاق “المحدث” وحدوث تجاوب إيجابي رغم ضيق الفترة حيث كان مطلوبا أن يعد مكتب المفوض السامي رأيه في الموضوع بحد أقصى في ديسمبر 2003، مشيرا إلى حضور وفد من خبراء مكتب المفوض السامي في ديسمبر لهذا الغرض.
ثم تحدث فرج فنيش منسق برامج المنطقة العربية بمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان فأشار بداية إلى الدور الكبير للمنظمات غير الحكومية العربية في إثارة موضوع الميثاق العربي لحقوق الإنسان، وذكر فنيش بالظرف الذي تعيشه المنطقة العربية، مشيرا إلى ما جاء في تقارير التنمية الإنسانية أن المعوقات الأساسية للنهضة الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية في المنطقة العربية تتمثل في ثلاثة عوامل أساسية أولها موضوع تمكين المرأة ومشاركتها في كل المجالات، وثانيها موضوع الحرية للجميع، وثالثها الوصول إلى المعرفة. وأكد على ضرورة إطلاق الحريات واحترام حقوق الإنسان والديمقراطية حتى يمكن للمنطقة العربية أن تنهض في مختلف المجالات.
أوضح فنيش أن مشروع المفوضية السامية الذي تضمن تعديلات جوهرية على المشروع المحدث للميثاق العربي لحقوق الإنسان انطلق من الأفكار التي عبر عنها إعلان بيروت، وجاء في إحدى توصياته دعوة الجامعة العربية لطلب المشورة الفنية من المفوضية في مجال تحديث الميثاق، وقال إن المفوضية اقترحت على الأمين العام للجامعة العربية ضم عدد من الخبراء العرب في المنظمات واللجان الدولية لحقوق الإنسان من أجل النظر فيما توصلت إليه اللجنة الدائمة بالجامعة من مراجعات لتحديث الميثاق. وخاصة مدى ملاءمة المشروع الجديد مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. وبناء على موافقة الجامعة اختارت المفوضية خبراء توافرت فيهم شروط التوازن على المستوى الجغرافي والجنسي (رجال ونساء) والمعرفي، مشيرا إلى أن هذا الفريق بدأ عمله لبحث تلاؤم الميثاق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وتقديم الملاحظات أو الصياغات الجديدة لما هو غير متسق في الميثاق مع هذه المعايير. أكد فنيش أن عمل الخبراء هو عمل فني واستشاري فقط، واللجنة العربية لحقوق الإنسان، ولها أن تأخذ منه ما تريد وتترك ما تريد.
وأوضح فنيش أنه من واقع ملاحظات الخبراء، فإن ميثاق 94 والميثاق “المحدث” من الناحية الشكلية غير متوازن في تركيبته وغير متماسك في مواده وفي بعض الحالات لا يوجد تناسق بينها،كما أنه تضمن عبارات جديدة قد يصعب تفسيرها بشكل مشترك وقد تفتح مجالا لتأويلات متناقضة حسب مصلحة من يريد التأويل، وضرب مثالا على ذلك ما ورد بمشروع الميثاق من عبارة “طبقا للتشريع” وكانت قبل ذلك “طبقا للقانون” في عدد من المواد معتبرا أنه قد تكون الغاية من إضافة كلمة “التشريع” إلى القانون أن يتم التفسير طبقا للشريعة الإسلامية.
أضاف أن ما جاء جديدا في الميثاق أيضا ولا يجد تفسيرا حتى الآن هو عبارة “الرجل والمرأة متساويان في الكرامة الإنسانية والحقوق والواجبات في ظل التمييز الإيجابي الذي أقرته الشريعة الإسلامية والشرائع السماوية الأخرى”، وصف فنيش تلك العبارة بأنها إضافة جديدة ولا يمكن تفسيرها بشكل مشترك بين الدول أو المواطنين، متسائلا عن التمييز الإيجابي الذي أقرته الشريعة الإسلامية في هذا الشأن؟!
أضاف فنيش أن هناك ملاحظة أخرى تتمثل في أن مشروع الميثاق جاء انتقائيا لبعض المواد الواردة في المواثيق الدولية دون غيرها. لكن فنيش رأى أن هناك بعض الإيجابيات في مشروع الميثاق من حيث المحتوى ذكر منها إضافة بعض الحقوق التي لم ترد في ميثاق 94 كاستقلال السلطة القضائية والتوسع في تحديد بعض الحقوق والتوسع في تحديد إمكانيات المتابعة المقترحة لتنفيذ هذا الميثاق، مشيرا إلى أن المواد المخصصة للآليات نفسها اقتصرت في ميثاق 94 على مادتين في حين أنه في التحديث توجد 7 مواد تفسر كيفية انتخاب أعضاء اللجنة ومهامها، مشيرا إلى أنه مع ذلك تبقى هذه الآلية ناقصة جدا على المستوى العملي.
أضاف فنيش أن الموقف المشترك للعديد من المراقبين والمنظمات غير الحكومية يتمثل في أن ميثاق 94 جاء ناقصا لبعض الحقوق والحريات وفي عدد هام من بنوده متناقضا مع المعايير الدولية المعترف بها وهو نفس الشئ بالنسبة للمشروع “المحدث”، مشيرا إلى أنه وإن كانت هناك إضافات نوعية إلى أن هناك تراجعا عن بعض المبادئ التي جاء بها ميثاق 94 منها تخليه عن حظر الإعدام في الجرائم السياسية، وأشار إلى أنه في نحو من 7-10 مواد في الميثاق المحدث توجد عبارة “مالم ينص التشريع والقانون على خلاف ذلك” وعلق فنيش على ذلك قائلا: لماذا إذن الميثاق إذا كان القانون أو التشريع كافيا لضمان الحقوق!
وأشار فنيش إلى أن الملاحظة العامة في الميثاق الجديد أن هناك محاولة من اللجنة العربية الدائمة لإيجاد صياغة ترضي الجميع، محذرا من أن تحقيق هذا الهدف يتم على حساب الفهم الصحيح أو التأويل الصحيح للمادة المعنية، وأشار إلى أن الميثاق الجديد تم بناؤه على أساس المصلحة المشتركة وليس على أساس المبدأ ولم ينطلق من أن هناك مبادئ لا مساس بها في مجال حقوق الإنسان، كمبدأ عدم التمييز الذي لا يمكن التلاعب به.
قال فنيش إن الخبراء الذين يقومون بمهمة مراجعات الميثاق في موقف لا يحسدون عليه، حيث مطلوب منهم القيام بأعمال بهلوانية، متسائلا كيف يمكن أن يكون الميثاق مطابقا للمعايير الدولية ومقبولا من الحكومات العربية أو كيف يمكن أن يكون مقبولا من المنظمات غير الحكومية والحكومات على السواء، وكيف يمكن أن يكون متوازنا ما بين الكونية والخصوصية العربية وما هى الخصوصيات العربية؟ مشيرا إلى أنه من المفيد الحديث عن الخصوصيات، إذا كانت مميزات ووضعها في الميثاق لتكون إضافة للفكر العالمي وللمكتسبات الدولية لحقوق الإنسان.
وأكد فنيش في ختام مداخلته على أن إصلاح النظام العربي ككل يتطلب اتخاذ العديد من الإجراءات الجريئة والشجاعة، خاصة في هذا الوقت وأن الميثاق العربي يمثل فرصة للجامعة والبلاد العربية لتخلق تغييرا من عندها بدلا من أن يأتي ذلك التغيير من خارج الإرادة الوطنية العربية.
وتحدث الدكتور حسن نافعة أستاذ ورئيس قسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة فبدأ بالقول بأن قضية الإصلاح في الجامعة العربية أكبر وأشمل وأهم بكثير من موضوع حقوق الإنسان مشيرا إلى أنه سبق وأن قام بعمل دراسة مقارنة بين ميثاق الجامعة العربية وميثاق الأمم المتحدة ولم يجد في الأول كلمة واحدة عن حقوق الإنسان، فيما تحدث ميثاق الأم المتحدة عن حقوق الإنسان عشرات المرات، مشيرا إلى أنه ربما يكون هناك بعض العذر للجامعة العربية لكون ميثاقها قد صدر قبل قيام الأمم المتحدة بعدة شهور، لكنه أشار في نفس الوقت إلى أن هذا يكشف عن أن العالم العربي عندما فكر في أن ينشئ منظمة إقليمية لم يرد في ذهنه إطلاقا قضية حقوق الإنسان.
أرجع نافعة السبب في اهتمام جامعة الدول العربية في مرحلة لاحقة بقضية حقوق الإنسان إلى أن الأمم المتحدة هى التي كانت تدفع وتطلب وتحث على ذلك، مشيرا إلى أن الأمم المتحدة طلبت في عام 1968 من المنظمات الإقليمية أن تحتفل بمرور 20 عاما على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فاضطرت الجامعة العربية بشكل خجول إلى المشاركة في ذلك وبدأت بالحديث عن حقوق الإنسان الفلسطيني وأوضاعه في الأرض المحتلة، وكانت هذه فيما يبدو وسيلة لإظهار أن الدول العربية معنية بموضوع حقوق الإنسان وأن الحقوق الوحيدة المنتهكة في المنطقة هى حقوق الإنسان الفلسطيني وأن هناك طرف أجنبي أو طرف آخر هو الذي ينتهك هذه الحقوق، مشيرا إلى أنه لم يتحدث أحد عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والتي تمارس يوميا من جانب السلطات العربية وهى في معظم الأحيان سلطات غير شرعية وغير منتخبة وسلطات قمعية…الخ.
أضاف نافعة أنه عندما بدأ الضغط يزداد ضد الدول والأنظمة العربية لأسباب كثيرة بدأ الحديث عن قضايا خصوصية العالم العربي والثقافة العربية وأنه ليس بالضرورة أن تكون المفاهيم أو التراث العالمي لحقوق الإنسان مشتركة وظهرت دعوى ضرورة النظر في التراث العربي والخصوصية العربية.
وذكر نافعة بأن التراث العالمي لحقوق الإنسان، ليس تراثا ليبراليا وغربيا فقط وأن هناك عدة موجات أساسية لحقوق الإنسان أولها الموجة الليبرالية التي أسهمت فيها الثورات المختلفة، سواء في إنجلترا أو فرنسا أو أمريكا ثم موجة الثورات الاشتراكية التي ألقت الضوء على العبد الاقتصادي والاجتماعي لقضايا حقوق الإنسان ثم ثورات العالم الثالث والتي طرحت البعد الخاص بحقوق الشعوب والسيطرة على الموارد.. الخ، ثم الحركات الجديدة كحركات الخضر والتي نادت بالحق في بيئة نظيفة وحياة في سلام وأمن.. الخ، وهى موجة الجيل الرابع لحقوق الإنسان، بما يؤكد أن العالم كله أسهم في إبراز تراث حقوق الإنسان.
وأوضح نافعة أن البعض يتحدث عن الثقافة العربية كما لو كانت بطبيعتها معادية لحقوق الإنسان وهو أمر أبعد ما يكون عن الثقافة العربية والإسلامية، مشيرا إلى وجود بعض جوانب في التراث الليبرالي تتصادم بالفعل مع الثقافة العربية الإسلامية كموضوع الميراث والزواج المثلي أو الشذوذ الجنسي. وأضاف بأن الثقافة العربية عليها أن تحدد موقفها من هذه القضايا وتميز نفسها وتحدد نطاق الحرية فيها، محذرا من أن تستخدم الخصوصية كمبرر أو كغطاء للانتقاص من الحقوق الأخرى الأساسية للإنسان كالحق في إبداء الرأي بحرية وتشكيل الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات الأهلية والحقوق القانونية المختلفة ومنع التمييز .. الخ، مشيرا إلى أن هذا يمثل تراثا عالميا وأن الفهم الصحيح للثقافة العربية والإسلامية يكشف عن نصوص فيها ربما تذهب أبعد بكثير مما تذهب إليه الثقافة الليبرالية التقليدية في هذا المجال.
وخلص نافعة إلى أنه علينا تبني التراث العالمي فيما يتعلق بحفظ واحترام الكرامة الإنسانية والحقوق الأساسية، أما فيما يتعلق بممارسة الحرية في الأطر التي تحدث فيها فإن هناك بالفعل خصوصية تتعلق بعادات وتقاليد وأديان الشعوب يجب أن تحترم ومحاولة بعض المنظمات غير الحكومية في الدول الغربية فرض هذا باعتباره تراثا إنسانيا وعالميا هى محاولة مرفوضة ويجب الوقوف ضدها بقوة، مؤكدا في نفس الوقت أنه على العالم العربي ألا يدفن رأسه في الرمال وأن يدافع عن الأسباب والدوافع التي يقدمها للخصوصية العربية والإسلامية في هذا المجال بالذات وهو ما لا ينتقص إطلاقا من قضايا الحرية والليبرالية. قال نافعة إنه عندما يبحث العالم العربي في بلورة ميثاق جديد لحقوق الإنسان فإنه يمكن أن يقدم جديدا للعالم يتبنى فيه كل التراث الإنساني المتعلقة بالحريات وتقديسها ويبرز خصوصياته فيما يتعلق بموقفه من القضايا السابق ذكرها.
وفيما يتعلق بآليات حماية حقوق الإنسان على المستوى الإقليمي أشار نافعة أن هذه إشكالية كبرى لا حل لها على الإطلاق وقال إن هناك نمطين في القانون والتنظيم الدولي وهما نمط اللجان وهو المعمول به في إطار الأمم المتحدة كلجنة حقوق الإنسان ولجان أخرى منبثقة عن الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، مشيرا إلى أن عمل هذه اللجان في النهاية محدود وتمارس ضغطا أدبيا أو معنويا على الحكومات وأن أقصى ما سيتم الوصول إليه في الجامعة العربية هو تشكيل لجنة منتخبة من ممثلي الحكومات ستعطي بعض الصلاحيات في تلقي شكاوى الدول دون التمكن من إعطائها صلاحيات تلقي شكاوى المواطنين، معتبرا أن ذلك يمثل مسألة مستحيلة ويحتاج إلى ثورة”!.
أضاف نافعة أن هناك نمطاً آخر موجودا في الاتحاد الأوروبي يتمثل في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وهى تتلقى ليس فقط شكاوى الدول وإنما أيضا شكاوى المواطنين والمقيمين، وتستطيع أن تحكم في قضايا يكون المواطن فيها طرفا أو خصما للحكومة مرجعا ذلك إلى كون الدول الأوروبية في الأساس دولاً ديمقراطية، فيما يعني أن وجود نظم ديمقراطية هو الذي يجعل من الممكن إصدار مواثيق ومعاهدات إقليمية لحقوق الإنسان وتقوم بعمل آليات لاحترامها.
قال نافعة إن ذلك ما يجعله غير متفائل كثيرا بما يجري على الصعيد العربي مدللا على ذلك بأنه رغم محدودية الحقوق في ميثاق 94 إلا أنه رغم ذلك لم تصدق دولة عربية واحدة عليه متوقعا أن الأمر سيكون مشابها مع الميثاق المعدل وأنه سيتم الدخول في حلقة طويلة مفرغة لمناقشة نصوص ثم ينتهي الأمر لنص قد لا يكون مرضيا ولن توقع عليه الدول العربية لأنها غير حريصة على وجود آليات لاحترام حقوق الإنسان على المستوى الإقليمي.
عبر نافعة عن تصوره بأنه لن يكون هناك تقدم حقيقي لحقوق الإنسان في العالم العربي إلا إذا كان في صلب الميثاق آليات لفرض احترام حقوق الإنسان، مشيرا إلى أنه من الأفضل وجود محكمة عربية لحقوق الإنسان، وختم بالتساؤل عما إذا كان يمكن في ظل هذا الوضع العربي الحالي تصور أن تقفز الدول العربية إلى مستوى كبير في احترام حقوق الإنسان، مؤكدا أن ذلك لن يتم إلا في ظل نظم ديمقراطية حقيقية تتمتع بالشرعية وتحترم حقوق الإنسان والتي تبدأ حمايتها من الداخل.
بدائل أفضل
وبدأ الدكتور محمد السيد سعيد نائب مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام بالتذكير بتحفظه من حيث المبدأ على فكرة المدخل الإقليمي للحماية القانونية لحقوق الإنسان وخاصة في الحالة العربية، مشيرا إلى أن لهذا المدخل وظائف كإضفاء نوع من الديناميكية تؤدي لتأكيد معنى العالمية إلى جانب أن هناك بعض المناطق ذات الخصوصيات الثقافية والتي يمكنها أن تضيف معاني جديدة للتراث العالمي، مشيرا إلى أن هذه الوظائف وغيرها غير ذات مغزى في حالة النظام العربي على وجه الخصوص.
قال سعيد إن المدخل الإقليمي كان دائما فكرة فاسدة وأنه كان أكثر فسادا في الحالة العربية بالنظر إلى أن الجامعة العربية كانت أكبر تجمع إقليمي لأنظمة ديكتاتورية وغير ديمقراطية. وقال إن العديد من الخبراء يرجعون الفشل العربي المستدام إلى طائفة من الاعتبارات منها: غياب الخطاب العقلاني والضعف المؤسسي للدولة العربية والطابع الاستبدادي لها وغيرها، متسائلا عما إذا كانت الجامعة العربية تملك إرادة تجاوز هذه الأسباب.
وأشار إلى أن هناك 7 مشروعات لإصلاح الجامعة العربية وأن الورقة السعودية فيها لا تتجاوز صفحتين تقوم على تعبير وحيد هو المشاركة، في حين أن المشروع اليمني هو الأكثر تفصيلا وذكرت فيه موضوعات حقوق الإنسان أكثر من مرة، بينما ورد ذلك في المشروع المصري مرة واحدة.
لفت الدكتور سعيد إلى أن المشروعات السبعة اشتركت في التأكيد على ضرورة تعديل نظام التصويت إلى جانب إشارتها جميعا للقضايا الأمنية، مشيرا إلى أن نظام الجامعة العربية أنتج أطنانا من الاتفاقيات في مختلف المجالات دون أن يتم تنفيذ شئ منها، بما في ذلك المعاهدات والاتفاقيات الاقتصادية.
وقال إن مشروعا مثل إنشاء محكمة عدل عربية مر بمرحلة عجيبة لا يمكن تصورها إلا في رواية عبثية، معبرا عن تصوره بأن الدعوة لإعداد ميثاق جديد لحقوق الإنسان يمكن أن يتم بعد حسم المناظرات الكبرى واستقرار العقل العربي على طائفة من المبادئ الأساسية وهو ما لم يحدث حتى الآن.
وأكد أن هذا لا يعني أنه يجب ترك قضية الميثاق، ولكن لابد من اتباع مداخل أخرى للجامعة العربية ذكر منها أولا تعديل مشروع محكمة العدل العربية، حيث إن المسودة الحالية له، خطيرة ولا توجد به مواد تنص على حق المواطن في اللجوء لهذه المحكمة انتصافا من دولة أو مواد تنص على أن المرجعية العامة للمحكمة هى الاتفاقيات الدولية، مشيرا إلى أن كثيرا من الدول العربية قد تكون راغبة في مدخل تفاوضي يوما بيوم أكثر من رغبتها في الدخول في ميثاق ملزم متكامل كالميثاق العربي لحقوق الإنسان.
أضاف سعيد أنه يمكن التعويض عن التركيز على ميثاق عربي أن يكون هناك تركيز على اتفاقية لتأسيس لجنة عربية لحقوق الإنسان تكون مهمتها استقبال الشكاوى والتفاوض مع الدول العربية الأعضاء حول ما يصلها من شكاوٍ وصولا للإنصاف في عدد منها إلى جانب بذل جهد لتأسيس وتفعيل لجنة أو آلية عربية لحقوق الإنسان بالإحالة للمواثيق الدولية.
أضاف د. سعيد أن المدخل الثالث يتمثل في الكف عن محاولة وضع الميثاق والاكتفاء بقرار عام ينص على تطبيق الجامعة العربية للمعايير الدولية وأفضل المعايير الدستورية في البلاد العربية، مشيرا إلى أن ذلك لن يمثل تقدما كبيرا، ولكنه سيتيح فرصة زوال عار إنشاء ميثاق سيكون فضيحة بكل المقاييس لكون الوضع العربي الحالي مقطوع الصلة تماما بخطاب حقوق الإنسان.
وانطلقت الدكتورة ليلى المرزوقي رئيس لجنة الخبراء التي زارت الجامعة في تعليقها من التأكيد على أنه من أجل بناء نظام إقليمي قوي فإنه لابد أن يكون في كل دولة نظام مؤسسي قوي مدللة على ذلك بقوة النظام الأمريكي اللاتيني والأفريقي رغم أن اللجنة الأفريقية لا توجد لديها سلطات لكنها تتبنى قضايا كبيرة وهو الأمر المفتقد في العالم العربي، مؤكدة أن الوضع في العالم العربي يشيع الإحباط لا الإبداع في ظل الاحتلالات والإهانات اليومية، لكنها اعتبرت أن الاستعانة بالخبراء العرب لوضع الميثاق أو تعديله تمثل فرصة لكون هؤلاء يمتلكون الأمانة العلمية ويمكنهم إعطاء موقف النخبة العربية.
ورأت د. ليلى أن المدخل الإقليمي للحماية يكون غير مفيد إذا كان يتهرب من المواثيق الدولية لكنه يكون غير ذلك إذا كان يستهدف تعزيز هذه المواثيق كما يحدث حالة الاتحاد الأوروبي، مشيرة إلى أن تحسين الوضع العربي قد يبدو مستحيلا ويحتاج إلى انقلاب، لكن يجب العمل نحو تحسينه.
وبدأ السفير أحمد توفيق خليل الخبير في مجال حقوق الإنسان، مشيرا إلى أن نقطة الانطلاق في تحسين حقوق الإنسان تتمثل في تكريس معنى الحق وقال إن هناك جزءاً كبيراً من المسئولية يقع على عاتق المنظمات غير الحكومية في التعريف بقضايا ومفاهيم حقوق الإنسان والتأكيد على أنها مسألة غير مستوردة من الخارج وقال إن هناك رغبة فعلية لدى أعضاء يشاركون في لجنة الجامعة العربية في فعل وتقديم شئ مفيد.
وعلق بهي الدين حسن بالتأكيد على أن مسألة حقوق الإنسان في العالم العربي هى مسألة سياسية أكبر من كونها ثقافية، مشيرا إلى أن من حرك موضوع الميثاق العربي هم الحكومات والجامعة العربية وقال إنه لم يكن ممكنا ألا يكون للمنظمات غير الحكومية رأي في الموضوع.
Share this Post