– قالت هيومن رايتس ووتش في تقرير أصدرته اليوم إن الهجمات الجوية العشوائية الإسرائيلية، وليس استخدام حزب الله للدروع البشرية كما زعم المسؤولون الإسرائيليون، هي ما تسبب في مقتل غالبية التسعمائة مدني الذين قُتلوا في لبنان أثناء حرب يوليو/تموز – أغسطس/أب بين إسرائيل وحزب الله. وقد أجرت هيومن رايتس ووتش تحقيقات في أكثر من 500 حالة من حالات القتل.
وقال كينيث روث المدير التنفيذي لـ هيومن رايتس ووتش: “لقد تصرفت إسرائيل على نحو خاطئ وكأن المدنيين جميعاً قد عملوا بموجب تحذيراتها بإخلاء الجنوب اللبناني، بينما كانت تعرف أنهم لم يقوموا بالإخلاء، وهو ما يُعتبر إهمالاً لواجبها القانوني القائم بالتفرقة بين الأهداف العسكرية والمدنية”. وتابع قائلاً بأنه “ولا يجعل إصدار التحذيرات من الهجمات العشوائية هجمات مشروعة”.
وتقرير “لماذا ماتوا: القتلى المدنيون في لبنان حرب 2006 بين إسرائيل وحزب الله” الذي جاء في 235 صفحة، يمثل حتى يومنا هذا أوسع تحقيق في الوفيات المدنية في لبنان أثناء الحرب. وخلال خمسة أشهر من التحقيقات، قامت هيومن رايتس ووتش بالتحقيق في 94 هجمة جوية ومدفعية وبرية من قبل قوات الجيش الإسرائيلي، وهذا لكي تكشف عن الظروف المحيطة بمقتل 510 مدنياً و51 مقاتلاً، وهو تقريباً نصف عدد القتلى في لبنان أثناء النزاع، والذي يقدر بـ 1125 شخصاً. ومن بين الـ 510 حالة وفاة مدنية التي حققت هيومن رايتس ووتش فيها، كان 300 حالة على الأقل من النساء والأطفال. وقد زارت هيومن رايتس ووتش أكثر من 50 قرية لبنانية وقابلت 316 شخصاً من الضحايا وشهود العيان، وكذلك أجرت 39 مقابلة مع خبراء عسكريين وصحفيين ومسؤولين حكوميين من إسرائيل ولبنانً.
وخلصت هيومن رايتس ووتش إلى أن أي تحرك بسيط للعربات أو الأشخاص، مثل محاولة الخروج لشراء الخبز أو التحرك في المنازل الخاصة، كانت كافية للتسبب في شن هجمة جوية إسرائيلية مميتة تتسبب في مقتل المدنيين. كما استهدفت الطائرات الحربية الإسرائيلية العربات المتحركة التي اتضح فيما بعد أنها كانت تحمل المدنيين الذين يحاولون الفرار من منطقة النزاع. وفي حالات كثيرة تم توثيقها في التقرير، لم يكن ثمة دليل على تواجد عسكري لحزب الله يبرر الهجمات.
وقال كينيث روث: “لا يحمل مقاتلو حزب الله في العادة أسلحتهم علناً ولا يرتدون أزياء عسكرية موحدة، مما يُصعّب من عملية التعرف إليهم واستهدافهم”، وأضاف قائلاً: “إلا أن هذا لا يبرر فشل الجيش الإسرائيلي في التفرقة بين المدنيين والمقاتلين. وإذا كان في الأمر شك؛ فيجب معاملة الشخص على أنه مدني، كما تنص قوانين الحرب”.
وأظهرت أبحاث هيومن رايتس ووتش أن فشل الجيش الإسرائيلي المتكرر في التفرقة بين المدنيين والمقاتلين لا يمكن تفسيره على أنه محض سوء إدارة للحرب أو مجموعة من الأخطاء. وتشير الأدلة إلى أنه لابد أن المسؤولين الإسرائيليين كانوا يعرفون بأن افتراضهم بخلو الجنوب اللبناني من المدنيين هو افتراض خاطئ. وقد صدرت تقارير إعلامية كثيرة عن استمرار التواجد المدني في الجنوب، والخبرة الإسرائيلية التي تراكمت في النزاعات المسلحة السابقة تشير إلى أنه ليس جميع المدنيين مستعدين أو قادرين على مغادرة بيوتهم طبقاً للجدول الزمني لقوة الخصم العسكرية. وبالرغم من تحذيرات الجيش الإسرائيلي، بقي مدنيون كثيرون في الجنوب اللبناني أثناء الحرب، وإن بدا في أغلب الأحيان أن الجيش الإسرائيلي لم يأخذ هذه الحقيقة في حسبانه لدى اتخاذه لقرارات الاستهداف. وكانت الهجمات العشوائية هي النتيجة التي تكرر وقوعها.
كما استهدف الجيش الإسرائيلي الأشخاص المدنيين والمباني المدنية ممن على صلة أو أخرى بأجهزة حزب الله السياسية أو الاجتماعية، بغض النظر عما إذا كانت الأهداف تشكل أهدافاً عسكرية مشروعة بموجب قوانين الحرب، والمعروفة أيضاً باسم القانون الإنساني الدولي. وبموجب القانون الإنساني الدولي يفقد أعضاء حزب الله المدنيين الحماية الموفرة لهم فقط في حالة مشاركتهم بشكل مباشر في الاقتتال. ولا يحق استهداف أجهزة حزب الله السياسية والاجتماعية إلا إذا تم استخدامها لأغراض عسكرية وكانت مهاجمتها تضمن ميزة عسكرية “أكيدة ومباشرة”.
وتُظهر أبحاث هيومن رايتس ووتش أن الجيش الإسرائيلي ضرب عدداً كبيراً من البيوت الخاصة المملوكة لأعضاء مدنيين من حزب الله أثناء الحرب، وكذلك عدة مؤسسات مدنية يديرها حزب الله مثل المستشفيات ومؤسسات التضامن الاجتماعي والبنوك والمتاجر والمكاتب السياسية. وهاجمت طائرات إسرائيل الحربية مكاتب منظمات حزب الله الخيرية ونواب حزب الله البرلمانيين ومباني شقق سكنية متعددة الطوابق في مناطق تعتبر مناصرة لحزب الله، وهذا في منطقة الضواحي المكتظة بالسكان جنوبي بيروت. وتشير تصريحات لمسؤولين إسرائيليين بقوة إلى أن الجيش الإسرائيلي استهدف عمداً إصابة أحياء بالكامل لأنها كانت تُرى على أنها مُناصرة لحزب الله، وليس لوجود أهداف عسكرية محددة لحزب الله فيها، كما تتطلب قوانين الحرب.
وقال كينيث روث: “معاملة إسرائيل لكل أجزاء حزب الله على أنها أهداف عسكرية مشروعة تمثل تعارض لا اختلاف عليه مع معايير القانون الدولي وتمثل سابقة خطيرة”. وأضاف: “ولقبول القول بأن أي جزء من حزب الله يمكن استهدافه لأنه يساند الجهد الحربي يعني كذلك قبول استهداف كل المؤسسات الإسرائيلية التي تساعد الجيش الإسرائيلي. والناتج النهائي سيكون إضعاف مستوى حماية المدنيين”.
ويدحض التحقيق الميداني لـ هيومن رايتس ووتش الزعم الذي تقدم به المسؤولون الإسرائيليون بأن معظم الإصابات المدنية كانت نتيجة لاختباء حزب الله بشكل منهجي بين المدنيين واستخدامهم كـ “دروع بشرية” في القتال. وفي بعض الأوقات قام حزب الله بإطلاق صواريخ من مناطق مأهولة بالسكان وقام بتخزين أسلحته فيها، كما قام بنشر قواته بين السكان المدنيين. وينتهك هذا الفعل واجب حزب الله القانوني باتخاذ كل الاحتياطات المستطاعة لتجنيب المدنيين مخاطر النزاع المسلح. وفي حالات قليلة وثقتها هيومن رايتس ووتش، أدت هذه الانتهاكات من قبل حزب الله إلى مقتل مدنيين. إلا أنه في مقابل تعريض المدنيين غير المشروع للخطر على هذا النحو، فلم تجد هيومن رايتس ووتش أي دليل في هذه الحالات على انتهاك قانوني متعلق باستعمال الدروع البشرية، وهو الاستخدام المتعمد للمدنيين لتحصين المقاتلين من آثار الهجوم. ولا تعتبر أي من لقطات الفيديو أو الصور التي نشرها الجيش الإسرائيلي وحلفاؤه بمثابة دليل لإثبات هذا الأمر.
كما أطلق حزب الله نيرانه من أماكن مجاورة لمحطات خاصة بالأمم المتحدة بشكل يومي تقريباً، مما أدى بالقوات الإسرائيلية لشن هجمات مضادة. ولأغراض المراقبة فإن محطات الأمم المتحدة كانت توضع أعلى التلال، مما وفر أماكن إستراتيجية يمكن لحزب الله أن يطلق منها نيرانه على إسرائيل. إلا أنه إذا كان اختيار قادة أو مقاتلو حزب الله لهذه المواقع لشن الهجمات منها لأنها قريبة من عاملين بالأمم المتحدة، مما يصعب من شن الهجمات المضادة؛ فهذا يعتبر اتخاذ لدروع بشرية. وإذا كانت نوايا مقاتلي حزب الله مختلطة في هذا الشأن فهذا لا يلغي الاستنتاج المذكور أعلاه. إلا أنه ثمة حاجة لمزيد من التحقيقات حول هذه النقطة.
ومع هذه الاستثناءات القليلة، وجدت هيومن رايتس ووتش أن حزب الله قام بتخزين صواريخه في خنادق ومنشآت تقع في حقول ووديان غير مأهولة، وأنه أمر مقاتليه ومسؤوليه المدنيين بالابتعاد عن المناطق المأهولة بالمدنيين فور بدء القتال، وأنه أطلق صواريخه من مواقع مُحضَّرة مسبقاً خارج القرى. وفي الأغلبية الساحقة من الهجمات الجوية التي نجم عنها مقتل مدنيين، من التي حققت فيها هيومن رايتس ووتش، لم يكن ثمة تواجد عسكري لحزب الله أو نشاط عسكري له يبرر الهجمات.
وقد أجرى باحثو هيومن رايتس ووتش أثناء تحقيقاتهم مقابلات مُفصلة مع شهود كثيرين، وتحققوا من شهادات الأشخاص الذين لا يعرف أحدهم ما قال الآخر، وفي العادة كانوا يختبرون الشهود في التفاصيل التي يصعب الاتفاق عليها أو التنسيق بشأنها. كما أجرى الباحثون تحقيقات ميدانية في مواقع الهجمات، لفحصها بحثاً عما يشير لتواجد حزب الله أو أنواع الأسلحة المستخدمة. وفي كل موقع قاموا بزيارته؛ صوّر باحثو هيومن رايتس ووتش الموقع فوتوغرافياً، ووثقوا أي أدلة جنائية يجدونها، كما قاموا بحساب الموقع الجغرافي الدقيق بنظام الإحداثيات الحاسوبي العالمي (جي بي إس). وكلما أمكن، زار باحثو هيومن رايتس ووتش المقابر التي تم تم دفن القتلى نتيجة الهجمات الإسرائيلية فيها، لمعرفة ما إذا كانت شواهد قبورهم مكتوب عليها أنهم مدنيون أم “شهداء” أم “مقاتلون” لحزب الله أو جماعات مسلحة أخرى. ولأن أفراد العائلة دائماً ما يهتمون بإضفاء صفة “الشهيد” أو “المقاتل” على كل راحل يموت أثناء القتال؛ فقد كانت شواهد القبور بمثابة دليل هام على صفة الشخص وإن كان مقاتلاً أم لا.
وقد خلص التقرير إلى التوصيات الأساسية التالية:
• على إسرائيل مراجعة سياساتها العسكرية التي تعامل كل الأشخاص المتبقين في أي منطقة بعد تحذيرات الإخلاء على أنهم مقاتلون، حتى لا تستهدف في المستقبل غير الأشخاص أو المنشآت التي تمثل أهدافاً عسكرية صحيحة بموجب قوانين الحرب. وعلى لجنة فينوغراد الإسرائيلية على وجه التحديد أن تحقق في هذا الموضوع.
• على حزب الله اتخاذ كل الإجراءات الممكنة لضمان أن قوات حزب الله لا تعرض المدنيين أو العاملين بالأمم المتحدة للخطر، عن طريق نشر القوات في مناطق مأهولة بالسكان المدنيين أو القتال منها أو تخزين الأسلحة فيها. وعلى الحكومة اللبنانية أن تحقق في هذه الممارسات. (تقرير هيومن رايتس ووتش عن هجمات حزب الله الصاروخية العمدية والعشوائية في المناطق المدنية بإسرائيل يطالب الحكومة اللبنانية أيضاً بالتحقيق في هذه الممارسات: http://hrw.org/arabic/docs/2007/08/30/lebano16742.htm).
• على الولايات المتحدة التحقيق في استخدام إسرائيل للأسلحة التي مولتها بها الولايات المتحدة، في انتهاك قوانين الحرب، وتجميد نقل هذه الأسلحة التي تم استخدامها بشكل غير مشروع، وكذلك تجميد التمويل أو الدعم لهذه الأسلحة، إلى أن تصادق وزارة الخارجية الأميركية على أن إسرائيل أوقفت استخدام هذه الأسلحة بشكل ينتهك القانون وأنها غيرت قواعدها العسكرية الناظمة لهذا الاستخدام المسيئ.
• على سوريا وإيران ألا تنقل أية مواد لحزب الله، ومنها الصواريخ، من التي يستخدمها حزب الله في انتهاك قوانين الحرب، حتى يلتزم حزب الله بألا يستخدمها ثانية بهذه الطريقة ويكف عن استخدامها فعلياً بشكل غير مشروع.
• على الأمين العام للأمم المتحدة تشكيل لجنة تقصي دولية للتحقيق في تقارير انتهاك قوانين الحرب من جانب طرفي النزاع، والتي تتضمن جرائم حرب محتملة.
Share this Post