فيما يمكن اعتباره استمرارًا لسياسة مصر الخارجية في الترحيب بمتهمين بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، تستقبل القاهرة اليوم الرئيس السوداني عمر البشير في أول زيارة له منذ انتخاب الرئيس محمد مرسي. في هذا السياق يدين مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان قيام السلطات المصرية باستقبال البشير المطلوب من قِبل المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب السوداني، بما يمثله هذا الترحيب من تأكيد على إفلات البشير من العقاب وحمايته من الملاحقة القضائية بمساعدة العديد من الحكومات العربية. تأتي هذه الزيارة في الوقت الذي تصدر فيه أحكام ببراءة مرتكبي جرائم مماثلة في مصر، بما يظهر أن الرئيس مرسي، كأول رئيس منتخب بعد الثورة المصرية، لا يعتبر أن ضمان تحقيق العدالة لضحايا الجرائم الجسيمة لحقوق الإنسان هي أولوية من أولوياته.
كانت المحكمة الجنائية الدولية قد أصدرت مذكرة باعتقال الرئيس البشير في مارس 2009، باعتباره المسئول الأول عن جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب قد تم ارتكابها أثناء الصراع في دارفور الذي ظهرت بوادره في سنة 2003، ونتج عنه قتل ما يقدر بحوالي 300.000 شخصًا وتشريد الملايين.
لا يزال النظام السوداني يرتكب جرائم جسيمة بحق مواطنيه، خاصة في الفترة الأخيرة، في سياق مظاهرات ضد ارتفاع اسعار الوقود والسلع الأساسية الأخرى، وقد قامت القوات الأمنية السودانية بالاعتقال التعسفي لمتظاهرين وصحفيين، منهم صحفيين مصريين، وقادة من المعارضة السودانية، وأطلقت الرصاص الحي على المتظاهرين في نيالا بجنوب دارفور، مما أسفر عن مقتل 10 أشخاص على الأقل، بينهم طلاب من المدارس الثانوية. وعلى الرغم من صدور الأمر باعتقاله، إلا أن البشير لا يزال حرا ويستمتع بحرية الحركة والسفر لكثير من الدول العربية. في السياق نفسه تبنى العديد من زعماء الدول الأخرى سياسة أكثر أخلاقية، مؤكدين احترامهم لكلا من شعوبهم والشعب السوداني برفضهم استقبال البشير على أراضي بلادهم، وذلك باعتباره هارب من العدالة. ومن بين هذه البلاد ملاوي، حيث كان من المقرر عقد قمة الاتحاد الأفريقي فيها، ولكن أكدت على رفضها باستضافة البشير لحضور قمة الاتحاد الأفريقي، وعلى ذلك قرر الاتحاد الافريقي بعقد القمة في مقره بأثيوبيا.
وعقب زياد عبد التواب، نائب مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، على زيارة البشير لمصر، قائلا: “بعد أن قام الشعب المصري بثورة ضد انتهاكات مماثلة في بلادنا، فأنه من المؤسف عدم تغير سياسة مصر الخارجية فيما يتعلق بالمتهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في حق الشعب السوداني الشقيق. في 25 مارس 2009، قدم مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، بالتعاون مع 3 منظمات أخرى، بلاغًا للنائب العام في مصر، مطالبا باعتقال البشير فور وصوله لمصر وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية، وذلك بمناسبة زيارة البشير لمصر بعد إصدار الأمر بضبطه من قبل المحكمة الجنائية الدولية باسابيع قليلة. وللأسف الشديد، لاقت هذه القضية نفس مصير الكثير من القضايا والشكاوى المتعلقة بحالات التعذيب التي قدمتها المنظمات الحقوقية المصرية في عهد مبارك والتي انتهت بحفظ التحقيقات”.
على الرغم من أن مصر ليست من الدول الموقعة على ميثاق روما، المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، إلا أنه يجب على مصر أن تحترم التزاماتها المعنوية بإلقاء القبض على البشير فور وصوله للقاهرة وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية، باعتباره هارب من العدالة ومطلوب دوليًا. إن مخالفة السلطات المصرية لهذه الإجراءات، يعتبر مساهمة في تأصيل مبدأي عدم المساءلة وعدم المحاسبة، مما يضعف القواعد الأساسية للقانون الدولي، التي تنص على عدم حصانة أي شخص متهم بجرائم خطيرة مثل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية من العقاب.
Share this Post