إن استهداف المدافعات عن حقوق الإنسان[1] والذي شهدناه على مدار يوم كامل، منذ بداية فض اعتصام مجلس الوزراء فجر يوم 16 ديسمبر، ما هو إلا استمرار وتصعيد واضح لسياسات العسكرة تجاه المدافعات عن حقوق الإنسان، والتي اعتمدها النظام السابق ومستمرة إلى ما بعد ثورة 25 يناير. هذه السياسات التي تستهدف المدافعات هي جزء من محاولات القائمين على إدارة الدولة والأجهزة الأمنية المختلفة، وبقايا النظام السابق لاستبعاد النساء من المجال العام، ولقد كانت أحداث فض اعتصام مجلس الوزراء على يد قوات الجيش في فجر الجمعة إيذانًا ببدء مرحلة عنف غير مسبوق تجاه المتظاهرين والتي انتهت إلى استشهاد 9 متظاهرين وكان استهداف الفتيات والسيدات سمة مميزة لوقائع فض الاعتصام، فكانت الصور ومقاطع الفيديو صارخة بالانتهاكات التي تتعرض لها الناشطات من اعتقال وضرب وسحل وتجريد من الملابس.
وتؤكد وتيرة العنف هذه المرة من قبل القوات المسلحة، أن استخدام العنف في فض الاعتصامات والمظاهرات وكذلك استهداف المدافعات عن حقوق الإنسان ليس وليد الصدفة وإنما سياسة ومنهجًا متبعًا من قبل القوات المسلحة وقوات الشرطة، ويمكن رصد العنف المؤسسي تجاه الناشطات بدءً بحادثة كشوف العذرية في 9 مارس والتقاعس الواضح في التحقيق فيها ومحاسبة المسئولين عنها، ومرورًا بأحداث 19 نوفمبر الماضي حيث توارى الجيش عن الأنظار وتصدرت قوات الشرطة المشهد وعادت إلى استخدام العنف الممنهج ضد المعتصمين ومنهم النساء، وانتهاء بأحدث مجلس الوزراء يوم 16 ديسمبر الماضي. لقد وثقت نظرة للدراسات النسوية شهادات لناشطات – أثناء أحداث 19 نوفمبر – تعرضن لانتهاكات بدنية ولفظية ذات طابع جنسي على أيدي قوات الشرطة وأشخاص يرتدون الملابس المدنية أثناء الأحداث. وتتضمن الانتهاكات التي تم توثيقها من خلال شهادات الناشطات احتجاز تعسفي، وضرب بالأيدي، والأرجل، والبيادات (الأحذية العسكرية)، وسحل على الأرض، ومحاولات خنق، وتحرش جنسي يصل إلى محاولات تجريد من الملابس، والتهديد بالاغتصاب أثناء الاحتجاز، والشتائم ذات الطابع الجنسي، وكافة أنواع المعاملة المهينة وغير الآدمية، وذلك إلى جانب مصادرة الممتلكات الشخصية بشكل مؤقت.
إن ما وثقته الصحافة الإلكترونية من صور ومقاطع الفيديو عن فض اعتصام مجلس الوزراء، والتي التقطتها أيضًا القنوات الفضائية المختلفة، توضح العنف الموجه ضد المعتصمات في مستوى غير مسبوق لا يمكن السكوت عليه، كما لا يمكن السكوت على محاولات عسكرة الدولة وأجهزتها المختلفة، . فأثناء فض اعتصام مجلس الوزراء يوم 16 ديسمبر تعرضت المعتصمات، باختلاف أعمارهن وانتماءاتهن السياسية، إلى الضرب المبرح بالعصيان والأيدي والأحذية من قوات الجيش وأشخاص يرتدون الملابس المدنية أثناء القبض عليهن ووقت احتجازهن، إلى جانب تعرضهن للشتائم ذات الطابع الجنسي بسبب تواجدهن بالاعتصام. إن استخدام العنف الجنسي ضد الناشطات لا يمكن رؤيته خارج محاولات المؤسسة العسكرية لتهميش النساء ومنعهن من الدفاع عن حقوقهن ومن ممارسة حقهن في المشاركة الفعالة في الأحداث السياسية في هذه المرحلة الهامة التي تمر بها مصر منذ بدء الثورة في يناير الماضي وذلك عن طريق الإيذاء البدني والإذلال المتعمد والانتهاك الجنسي المصحوب بوصمة اجتماعية قاسية في مجتمعاتنا. وإننا إذ ننادي بحماية المدافعات عن حقوق الإنسان فإننا لا نفعل ذلك من باب حماية النساء مهيضات الجناح وإنما ندعم حق النساء في التظاهر والاعتصام كشريك فاعل في عملية التحول الديمقراطي وفي المرحلة الانتقالية، وندين بنفس القسوة كل المحاولات الرامية لتبرير العنف تجاه المتظاهرين والمنادية بقعود النساء في منازلهن لتجنب مثل هذه الحوادث، إن النساء لن يعدن خوض معارك حسمها التاريخ لصالحهن منذ عقود مضت.
ولا تنفصل السياسية الإعلامية الرسمية لكل المنافذ الصحفية والإخبارية، سواء المصورة أو المكتوبة أو المذاعة، عن السياسة العامة لمن يسيرون أوضاع الدولة المصرية في هذه المرحلة الانتقالية، هذه السياسة التي تتجاهل في المجمل الاعتداءات الجسدية والمعنوية التي يتعرض لها النشطاء، والمعتصمين السلميين وكافة دعاة أبسط حقوق الإنسان، وخاصة النساء والفتيات منهن. فقد فشل الإعلام الرسمي بكافة قنواته في نقل الصورة الصحيحة لما يحدث أو ترجمة المطالب الديمقراطية المشروعة، بل تغاضى عن تناول قضايا مهمة مثل القضية المعروفة باسم “كشف العذرية” ضد المعتصمات يوم 9 مارس الماضي، والقبض التعسفي على عدد من المتظاهرات، وطبيبات المستشفيات الميدانية، والصحفيات في أحداث شارع محمد محمود في 19 نوفمبر، وأخيرا الصور المنقولة عبر الصحافة الشعبية اليوم 16 ديسمبر التي توضح الاعتداءات الجسدية الوحشية على المعتصمات أمام مجلس الشعب. إن هذا الخط الواضح في الإعلام الرسمي من تجاهل ما تتعرض له النساء والفتيات المطالبات بحقوقهن في التعبير والتظاهر والاعتصام والتغيير مع كافة المجموعات الأخرى في المجتمع المصري، يدعونا للمطالبة بل والعمل على التغيير الفوري لهذه السياسات حتى إن دعا الأمر إلى تغيير كافة القيادات الإعلامية التي تواطأت وما تزال ضد المجموعات المطالبة بالحرية والديمقراطية، وأبسط أشكال هذا التواطؤ هو إخفاء الحقيقة.
لذا يدعو الموقعون على هذا البيان إلى أولاً الاعتراف بالانتهاكات التي ارتكبها الجيش بحق المتظاهرين ومنهم النساء، ثم تشكيل لجنة تتكون من قضاة منتدبين ويتولى المجلس الأعلى للقضاء اختيار أعضائها على أن يكون من اختصاصاتها التحقيق مع العسكريين مرتكبي تلك الانتهاكات وإصدار كافة القرارات التي تستلزمها إجراءات التحقيق العادل بشأنهم. كما يؤكد الموقعون على هذا البيان على ضرورة تغيير السياسات الإعلامية التي تستمر في إتباع سياسات عصر مبارك، والمتميز بتزييف الحقائق لصالح النظام الحاكم وتجاهل عرض انتهاكاته.
روابط للانتهاكات التي تعرضت لها المدافعات عن حقوق الإنسان منذ أحداث فض اعتصام مجلس الوزراء فجر يوم 16 ديسمبر:
- فيديو:
– http://www.youtube.com/watch?v=4iboFV-yeTE&feature=share&skipcontrinter=1
– http://www.youtube.com/watch?v=LXR_w_1mrr0&feature=share
– http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=mKEmez6P-aQ
– http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=mKEmez6P-aQ
- صور:
– http://www.flickr.com/photos/ramyraoof/6526604943/in/photostream
المنظمات الموقعة:
1- نظرة للدراسات النسوية
2- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
3- مؤسسة حرية الفكر والتعبير
4- مركز هشام مبارك للقانون
5- مؤسسة المرأة والذاكرة
[1] يُعرّف الإعلان الخاص بالمدافعين عن حقوق الإنسان المدافع والمدافعة عن حقوق الإنسان بأنه/ا كل من يدعو ويسعى إلى حماية وإعمال حقوق الإنسان والحريات الأساسية المعترف بها عالمياً بمفرده وبالاشتراك مع آخرين على الصعيدين الوطني والدولي (المادة الأولى)
Share this Post