اختتم مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة جلسته التاسعة عشر في جنيف بإصدار عدة قرارات وثيقة الصلة بالنضال المستمر من أجل الديمقراطية في المنطقة العربية، حيث أصدر المجلس قرارات تخص كلاً من ليبيا، وسوريا، واليمن بالإضافة إلى حماية وتعزيز حقوق الإنسان في سياق الاحتجاجات السلمية، وأيضاً قرار عن المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وبالرغم من اهتمام المجلس بهذه القضايا، إلا أن العديد من الحكومات رفضت الجهود المبذولة لضمان المحاسبة على انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت قبل وخلال وبعد الانتفاضات من أجل الديمقراطية في المنطقة.
وقد أشار زياد عبد التواب، نائب مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان إلى أنه “في هذه الجلسة فشلت حكومات مثل الحكومة المصرية وحكومة ليبيا في السعي من أجل سياسات تتسق مع مبادئ الحرية والكرامة والعدالة التي يطالب بها مواطنيها”، وأضاف “وتبنت هذه الحكومات عوضا عن ذلك مواقف لا تناقض هذه المطالب فقط بل وتستغل هذه الاحتجاجات في بلادها لتبرر استمرار الإفلات من العقاب لانتهاكات حقوق الإنسان”، مشيرا إلى استحقاق المواطنين البواسل الذين قتلوا وجرحوا وتم تعذيبهم باسم الإصلاح الحقيقي والتحرر من قيود الماضي ما هو أفضل من ممثلي حكوماتهم. كما طالب البرلمان المصري المنتخب والحكومة التي ستنتخب قريبًا في ليبيا بإنهاء هذا السلوك من قبل ممثليهم في الأمم المتحدة”.
وبالرغم من استمرار انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة التي ترتكب بحق نشطاء الديمقراطية والمتظاهرين والمدافعين عن حقوق الإنسان في كلا من البحرين ومصر، لم يناقش المجلس -بشكل جاد- وضع حقوق الإنسان في هذه الدول حتى الآن. فخلال العام الماضي، قامت كل من البحرين والدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي والتي تضم السعودية وقطر والكويت، بالتدخل لضمان عدم مناقشة الوضع في البحرين من قبل الأمم المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك، أجهضت البعثة المصرية بشكل عدواني أي محاولة من جانب مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لمناقشة انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، كما رفضت الاعتراف أو التطرق إلى الانتهاكات التي ترتكب ضد المحتجين ونشطاء الديمقراطية بما فيها الانتهاكات التي ارتكبت في ظل نظام مبارك.
في مناظرة عامة في هذه الجلسة – الجلسة الـ19 للمجلس- أعربت عدة دول عن قلقها العميق إزاء انتهاكات حقوق الإنسان في مصر وبشكل خاص الهجمات الأخيرة على المجتمع المدني. ووفقاً لليلى مطر ممثل مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في الأمم المتحدة “فإن رد البعثة المصرية تمثل في إنكار وجود مثل هذه الانتهاكات والتهكم على الدول التي أعربت عن قلقها لهذا الشأن، الأمر الذي أصبح متكررا من قبل البعثة المصرية في استخدمها للاحتجاجات لتبرير تعاملها غير البناء مع الأوضاع ولتعزيز ثقافة الإفلات من العقاب والهروب من النقد، وهو الاقتراب الذي بدأت ليبيا في محاكاته في الأمم المتحدة في هذه الجلسة”.
تباحث المجلس خلال هذه الجلسة أيضا حول إصدار قرار بشأن حماية وتعزيز حقوق الإنسان في سياق التظاهرات السلمية وهو القرار الذي قدمته كوستاريكا وتركيا وسويسرا بهدف توفير الحماية لحقوق المتظاهرين في المنطقة العربية وغيرها، وقد حاولت عدة حكومات عربية -منها مصر والجزائر- أن تدخل تعديلات على مقترح القرار تمنح الحكومات صلاحيات واسعة للهجوم على الاحتجاجات السلمية.
كانت مصر في مقدمة “الدول العربية” التي اجتهدت لتضمن عدم قيام المجلس بالمتابعة الفعالة لانتهاكات حقوق الإنسان السابقة أو الحالية في ليبيا. في التاسع من مارس الجاري، قدم مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ومحامون من أجل العدالة في ليبيا بيان مشترك للمجلس يعلق على التقرير الأخير لبعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة حول ليبيا والتي تشكلت العام الماضي، جاء فيه “على المجلس أن يستكشف طرقًا يستطيع من خلالها الاستمرار في التعامل مع الانتهاكات المستمرة وكذلك السابقة (في ليبيا). وفى هذا الصدد نطالب المجلس من خلال مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان أن يستمر في توفير الدعم الفني لليبيا، خاصة فيما يتعلق بآليات المحاسبة. ونطالب المجلس أيضًا أن يؤكد على استمرار تضمين دور الرقابة في عمل مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان”.
وبالرغم من ذلك تجاهل القرار الذي قدمته البعثة الليبية هذه مطالبات المجتمع المدني، وفشل في ضمان المتابعة الفعلية لمسألة الرقابة والمحاسبة على انتهاكات حقوق الإنسان بما فيها الجرائم المحتملة ضد الإنسانية والتي تم ارتكابها في البلاد، وجاء القرار“يشجع” فقط على التعاون بين ليبيا والأمم المتحدة حول قضايا حقوق الإنسان.
يقول جيريمي سميث، ممثل مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في جنيف “إن القرار الذي قدمته ليبيا يعد تبرئة فعالة لانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في ليبيا، وإنه لمن المقلق أن تكون أول مهمة لليبيا بعد رجوعها كدولة عضو في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة هي إضعاف المساعي المبذولة من المجلس لضمان المحاسبة على انتهاكات حقوق الإنسان السابقة والحالية في البلاد. والسؤال هو ماذا يعكس هذا القرار عن اتجاه الحكومة؟ وهل سيستبدل عهد الإفلات من العقاب للحكومة بآخر مثله؟”.
في تطور مفاجئ جاءت التعديلات المقترحة -في اللحظة الأخيرة- من روسيا وأوغندا بخصوص القرار الخاص بليبيا لتخلق مرجعية أقوى حول حاجة ليبيا للتعامل مع “المعتقلين قسريًا إما بإطلاق سراحهم أو محاكمتهم” وإلقاء الضوء على الهجوم على المهاجرين، وقد كانت هذه التعديلات أيضا ستمنح مكتب المفوض السامي تفويضًا لإعلام المجلس بانتهاكات حقوق الإنسان المستمرة في البلاد. وقد صوّتت الدول العربية والولايات المتحدة والاتحاد الأوربي ضد هذه التعديلات والتي تمت هزيمتها بهامش صغير. وتم تبني القرار الأضعف بالإجماع تباعًا.
وفي تطور إيجابي، تبنى مجلس حقوق الإنسان قرارًا حول المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، متضمنة القدس الشرقية والجولان السورية المحتلة، يقضي بإنشاء بعثة دولية مستقلة لتقصي الحقائق من أجل التحقيق في آثار المستوطنات الإسرائيلية على الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للشعب الفلسطيني، وقد وجد هذا القرار دعمًا واسعًا من الدول التي تنتمي للمناطق الجغرافية المختلفة.
ومن المشجع أيضاً أن المجلس تبنى أقوى قراراته حول سوريا حتى الآن وبدعم واسع من الحكومات العربية. طالب القرار بالمحاسبة الدولية على الجرائم ضد الإنسانية التي من المحتمل أن تكون قد وقعت في البلاد، وتضمن رجوعًا إلى طلب المفوضة السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة المقدم إلى مجلس الأمن في نهاية العام الماضي بإحالة الوضع إلى المحكمة الجنائية الدولية. بالإضافة إلى القرار بمدّ عمل بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة عن سوريا ستة أشهر أخرى.
وبالرغم من التأكيدات المستمرة للبعثة بوجود جرائم ضد الإنسانية ترتكب في سوريا، استمرت روسيا وكوبا والصين في معارضة أية محاولات لضمان المحاسبة على الجرائم التي ارتكبت في سوريا وكانت الدول الأعضاء الوحيدة في المجلس التي صوتت ضد القرار حول سوريا، وامتنعت كل من الإكوادور والهند والفلبين عن التصويت.
من جانبها أوضحت ليلى مطر أنه “بينما نرحب بمساندة الحكومات العربية للمحاسبة فيما يتعلق بسوريا ومساندتهم المعهودة لحقوق الفلسطينيين داخل المجلس، للأسف يبقى هذا النوع من الاقتراب استثناءً للقاعدة. حيث تستمر الدول العربية في الإبقاء على الإفلات من العقاب لارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان من قبل الحكومات حينما يتعلق الأمر بأماكن أخرى في المنطقة العربية تشهد انتهاكات خطيرة ضد حقوق الإنسان مثل البحرين ومصر واليمن والآن في ليبيا وكذا في أماكن أخرى حول العالم”.
الجدير بالذكر أن السعودية والكويت وقطر صوتوا ضد قرار تبناه المجلس بخصوص سريلانكا. يطالب هذا القرار الحكومة السريلانكية بضمان المحاسبة الوطنية على جرائم ضد الإنسانية من المحتمل أن تكون قد ارتكبت في البلاد في سياق نزاعها مع مجموعات تامين مسلحة، والتي قتل خلالها ما يقرب من 40000 مدني. بينما امتنعت الأردن عن التصويت وصوتت ليبيا لصالح القرار. كما امتنعت السعودية والكويت والأردن عن التصويت لقرار يجدد بعثة المقرر الخاص عن إيران بينما صوتت قطر وليبيا ضد التجديد.
قدمت البعثة اليمنية قرارًا حول اليمن وتم تبنيه بالإجماع. هذا القرار يرحب ويساند دعوة حكومة اليمن لإنشاء مكتب للمفوض السامي في البلاد، ويطلب من المفوض السامي تقديم الدعم الفني والعمل مع الحكومة اليمنية على النحو المطلوب لتحديد المجالات الأخرى للمساعدة التي ستمكن اليمن من الوفاء بالتزاماتها بحقوق الإنسان. كما طالب القرار أيضًا مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان بتقديم تقارير للمجلس عن هذه المجهودات في جلسته الحادية والعشرين (سبتمبر 2012). وحسبما قال جيريمى سميث “إنه من المؤسف أن القرار حول اليمن لا يزال ضعيفًا فيما يتعلق بمسألة المحاسبة على الجرائم والانتهاكات المستمرة والمرتكبة حديثًا ضد نشطاء الديمقراطية. ولكن مع قبول اليمن بالسماح بوجود مكتب لحقوق الإنسان تابعًا للأمم المتحدة في البلاد، تتضح نية الحكومة في مناقشة تحديات حقوق الإنسان والتعاون مع مجلس حقوق الإنسان. آملاً أن تتبنى اليمن والمجلس هذا التطور”.
في الختام، تبنى المجلس بالإجماع قرار موضوعي بعنوان “حماية و تعزيز حقوق الإنسان في سياق الاحتجاجات السلمية”. يكلف القرار مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان بالتعاون مع العديد من خبراء حقوق الإنسان المستقلين بالأمم المتحدة بمن فيهم المقررين الخواص المعنيين بحرية التجمع والتنظيم وحرية التعبير والمدافعين عن حقوق الإنسان بإنشاء تقرير حول الالتزامات القانونية للدول في سياق الاحتجاجات والإجراءات التي على الدول اتخاذها في مواجهة الاحتجاجات لتعزيز وحماية حقوق الإنسان. ومن المقرر أن يقدم التقرير في مارس القادم خلال الجلسة الثانية والعشرين لمجلس حقوق الإنسان. وقد أصر مركز القاهرة وآخرون على استكمال التقرير بتقديم مبادئ وإرشادات تتبعها الدول لمواجهة المظاهرات بما يضمن حماية أكبر للمتظاهرين والمحتجين حول العالم وفي المنطقة العربية.
Share this Post