يؤكد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان علي أنه يتوجب على المسئولين السودانيين احترام حق المواطنين السودانيين في حرية التعبير والتجمع السلمي. فمنذ السادس عشر من يونيو الجاري، اندلعت الاحتجاجات الطلابية من جامعة الخرطوم واستمرت طيلة الأسبوع الماضي، ثم انتشرت في أنحاء مدينة الخرطوم ومناطق أخرى في البلاد، وذلك اعتراضًا علي إجراءات التقشف التي أعلنتها مؤخرًا الحكومة السودانية متضمنة وضع حد لدعم الطاقة، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار الغذاء. وقد انضم الأهالي وطلبة الجامعات الأخرى إلى المظاهرات، ورفع المحتجون مطالبهم بإسقاط نظام البشير ووضع أسس الحكم الديمقراطي.
كسابق عهد القوات السودانية في التعامل مع التظاهرات المطالبة بالديمقراطية، تعاملت قوات الشرطة وجهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني مع هذه الموجة الاحتجاجية بقسوة بالغة، متعدية علي حق المواطنين السودانيين في التجمع السلمي بالاعتداء على المتظاهرين بالهراوات وإطلاق الغاز المسيل للدموع، مما أسفر عن الكثير من الإصابات. هذا بالإضافة إلي ما ذكرته مجموعات حقوقية في الخرطوم بشان ظهور بلطجية مؤيدين للحكومة يرتدون ملابس مدنية ومتسلحين بالهراوات والسكاكين للاعتداء على المتظاهرين، كما تذكر بعض التقارير أن قوات الأمن في حالات منفردة قامت بإطلاق النيران على المحتجين، مؤكدة إصابة شاب -على الأقل- بالأعيرة النارية خلال مظاهرة يوم الجمعة 22 يونيو الجاري.
واستكمالاً لخطة القمع، تم إلقاء القبض على العشرات من الطلاب والنشطاء من الشباب بشكل مؤقت على مدار الأيام الماضية لوجودهم في مواقع الاحتجاجات، و وفقًا لتقارير حقوقية، قد تعرض المحتجزون لسوء المعاملة أثناء الاحتجاز في كثير من الأحيان، وإلى الآن لم تجر محاكمة سوى لعدد قليل من المحتجزين، وأفادت التقارير أنه تم الحكم على بعضهم بالجلد لمشاركتهم في الاحتجاجات في حين تأجلت محاكمات آخرين لوقت لاحق.
كانت قوات جهاز الأمن والمخابرات الوطني قد داهمت عدد من المنازل والمكاتب لاعتقال نشطاء معروفين تعسفيًا، ففي 19 يونيو ألقي القبض على 40 ناشطًا من حركات سلمية شبابية مختلفة من مكتب حزب الحق وهو حزب سياسي معارض؛ وقد تم احتجاز الناشطين في مكان غير معروف حتى أطلق سراحهم في صباح اليوم التالي. كما ألقي القبض على محمد بوشي عليم وصديق طاور العضوان البارزان بحزب البعث من منزلهما، صباح يومي 20 و23 يونيو. علاوة على ذلك، ألقت قوات الأمن والمخابرات القبض على ثلاثة أعضاء من حزب الأمة المعارض يوم 24 يونيو، من بينهم عضو المكتب السياسي للحزب آدم جرير، كما أمرت قوات الأمن الحزب بوقف جميع أنشطة الحزب في مقره بالخرطوم.
ومن المثير للقلق أن تمنع الحكومة السودانية التغطية الإعلامية المحلية لتلك الأحداث، بل وقامت باستهداف الصحفيين المحليين والدوليين الذين قاموا بتغطية الاحتجاجات. ففي الحادي والعشرين من يونيو، ألقي القبض على المدونة السودانية مها السنوسي والصحفية المصرية سلمى الورداني مراسلة شبكة “بلومبرج” من أمام جامعة الخرطوم أثناء تغطيتهما لمظاهرة هناك. وقد أطلق سراحهما في وقت لاحق باليوم نفسه، وتم ترحيل سلمى الورداني يوم 26 يونيو بعد أن طلبت تجديد التصريح الإعلامي الخاص بها والمسحوب منها، ورفضت التوقف عن تغطية الاحتجاجات. أما مها السنونسي فقد داهمت قوات جهاز الأمن والمخابرات الوطني منزلها يوم 27 يوليو، حيث قام 12 ضابط بينهم اثنين مسلحين باقتحام المنزل وإلقاء القبض عليها، ورغم أنه تم الإفراج عنها بعد ساعات قليلة، بعد مصادرة جهاز الحاسب الشخصي والهاتف الخلوي الخاصان بها، تم استدعائها للمثول غدًا الخميس 28 يوليو للتحقيق معها.
وفي يوم 23 يونيو، ألقي القبض على سيمون مارتيلي، المراسل المقيم لوكالة فرانس برس، بينما كان يتحدث مع الطلاب المحتجين ويلتقط صور خارج الجامعة، وقد تم احتجازه لمدة اثنتي عشرة ساعة. كما تم استدعاء مصورة الفيديو والمدونة السودانية نجلاء سيد أحمد لاستجوابها من قبل جهاز الأمن والمخابرات في 20، 21، 24 يونيو لمنعها من تغطية المظاهرات.
ومن بين المتظاهرين الذين ما زالوا رهن الاحتجاز، عاني الناشط أسامة محمد من اختفاء قسري في مكان مجهول من قبل جهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني منذ يوم 22 يونيو وحتى الآن، على خلفية مقابلة مع قناة الجزيرة الإنجليزية تحدث فيها عن نيته المشاركة في الاحتجاجات بالخرطوم.كما أفادت مصادر أن الانترنت قد تم قطعه مؤقتًا في المناطق التي تأثرت بالاحتجاجات.
تأتي هذه المظاهرات كأحدث موجة للحركة المطالبة بالديمقراطية في السودان والتي بدأت في يناير 2011. ومن الجدير بالذكر أن السودان قد عانت من عملة ضعيفة وارتفاع أسعار الوقود والغذاء لعدة سنوات، وتأتي إجراءات التقشف مؤخرًا كمحاولة لسد العجز الذي وصل إلى 2.4 مليار دولار، مع استمرار حكومة البشير في استغلال موارد البلاد في الهجوم على الدول القريبة. بالإضافة إلى ذلك، يمتلك البشير وبعض وزرائه الحاليين تاريخ من قمع المعارضة لعقود، بالإضافة إلى قمع المواطنين في الأجزاء الشرقية والغربية والوسطى من السودان؛ كما قامت المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرة باعتقالهم بناء على اتهامات بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية، وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور.
وفي ضوء الأوامر الأخيرة التي أصدرتها السلطات السودانية لقوات الشرطة بالتعامل “بحزم” مع الاحتجاجات التي وصفوها “بأعمال التخريب والشغب”، يعرب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان عن قلقه إزاء الانتهاكات المستمرة التي تحدث حاليًا ضد المتظاهرين المعارضين للحكومة في السودان. ففي ضوء سجل حكومة البشير القمعي، والانحياز التاريخي للنظام القضائي السوداني، فمن المحتمل أن تستمر الانتهاكات مثل الاعتقال التعسفي والتعذيب.
ولذلك يطالب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان السلطات السودانية بالإطلاق الفوري لسراح كل المعتقلين السياسيين بما في ذلك سجناء الرأي وهؤلاء الذين اعتقلوا فقط لمشاركتهم في المظاهرات. ويؤكد مركز القاهرة على ضرورة السماح للمتظاهرين بممارسة حقوقهم في حرية التعبير والتجمع السلمي، مطالبًا السلطات السودانية بإصدار تعليمات لقوات الأمن والشرطة بالامتناع عن استخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين، والسماح لأعضاء المعارضة بالتعبير عن آرائهم سلميًا دون أن يتم استهدافهم بعواقب سلبية.
Share this Post