حوار أجراه: مجدي سلامة: لأول وهلة قد تغضب أو تثور بمجرد أن تقع عيناك علي عنوان الجزء الثاني من حوارنا مع بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.. وطبعا معك كل الحق.. فلا يقبل حر علي نفسه أن يعامله أحد كائنا من كان، وكأنه – عفوا – كلب.. ولكن – للأسف – هذا هو الواقع الذي يراه محاورنا، وهو بالمناسبة رجل متزن وهادئ جدا لدرجة أنك لا تكاد تسمع صوته عندما يتحدث، كما أنه لم يكن يوما شتاما ولا لعانا.. ولكنها – وللأسف أيضاً – الحقيقة التي لم يجد الرجل مفرا من أن يقولها ولو كره الكارهون.
وهو لم يقلها مجرد جملة والسلام بل دلل عليها بأربعة أدلة وهي: مشروع توشكي وانفلونزا الطيور وغرق الدلتا ثم موت شباب مصر في عرض البحر وهم يهربون منها.
في الجزء الأول من حوارنا قال بهي الدين إن النخبة الحكمة هي التي جعلت الحرية في مصر الآن أقل مما كانت عليه في عهد الاحتلال الانجليزي.. وفي الجزء الثاني من الحوار قال ان صفوت الشريف خضع لابتزاز فريق همجي داخل الحزب الوطني ولهذا أعلن رفضه التدخل لحل أزمة قضايا حبس الصحفيين.
بهي الدين قال أيضا في حوار اليوم ان السلطة الحاكمة تنظر إلي الحرية باعتبارها عدواً يجب التخلص منه فوراً.. وأكد أن المجتمع المصري يعاني خللا في توازن القوي وأن ترتيب مصر دوليا في مجال حرية الصحافة سينهار.. وإلي نص الحوار.
* ما هو ترتيب مصر عربيا في مجال حرية الرأي والتعبير؟
– مصر في موقع أقل من المتوسط.
* ومن من الدول العربية أفضل منها في هذا المجال؟
– الصحافة ووسائل الإعلام في لبنان أكثر انفتاحاً وحرية بشكل كبير عن مصر ورغم صدور أحكام بحبس صحفيين في المغرب إلا أن حرية الصحافة هناك أفضل من مصر.. وطبعا هناك دول أسوأ منا مثل تونس التي لا يوجد فيها تقريبا شىء اسمه وسيلة إعلام مستقلة أو معارضة، وسوريا أيضا فيها نفس الشىء.
وأريد هنا إذ أؤكد علي نقطة مهمة وهي ان التطورات التي حدثت في مصر مؤخراً ستضع مصر في التصنيف الدولي بالنسبة لحرية الإعلام في أدني الدرجات، إن انها في فترة وجيزة جدا حدث بها شيء غير مسبوق في تاريخها وهي ان يتم الحكم بحبس 5 رؤساء تحرير و6 صحفيين، وأن يهدد الحبس آخرين فهذا شىء غير مسبوق في مصر، ولهذا أتوقع أن ينهار ترتيب مصر في التقارير الدولية السنوية الصادرة عن المنظمات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان عموما وحرية الرأي والتعبير علي وجه الخصوص.
ترتيب متراجع
* إذن تتوقع أن يتراجع ترتيب مصر في التقارير الدولية الخاصة بحقوق الإنسان تماما كما حدث بالنسبة لترتيبها في مواجهة الفساد؟
– فعلا.. في مواجهة الفساد تراجع ترتيب مصر من السبعينيات الي ما هو أكثر من 105 أي تراجع ترتيبنا لحوالي 35 دولة.. وأخشي ان يحدث نفس الانهيار في التريب فيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير.
* تخشي!.. إذن مازالت هناك فرصة لمنع حدوث ذلك؟
– نعم مازالت هناك فرصة، وهذه الفرصة هي أن تتخذ الحكومة تصرفات معاكسة تماما لما يجري.
* وما هي تلك التصرفات؟
– أن يقوم أعضاء الحزب الحاكم بسحب قضاياهم التي رفعوها.. وأن تقدم الحكومة تعديلات تشريعية سريعة تلغي عقوبة الحبس في قضايا النشر.. وأن تعتذر الحكومة للرأي العام الوطني عن الانزلاق لهذا التدهور غير المسبوق في مجال حرية الرأي والتعبير.
* ولكن الواضح ان الحكومة وقيادات الحزب الوطني ليست لديهم أدني نية لتحقيق أي من الأمور الثلاثة التي ذكرتها.. بدليل أن أمين عام الحزب الوطني صفوت الشريف قال في تصريحات صحفية قبل أيام إن الحزب لن يطالب أصحاب دعاوي الحبس بسحبها؟
– هو كان غير موفق إطلاقاً فيما قال.. وأعتقد ان صفوت الشريف من السياسيين القلائل جداً جداً داخل الجهاز الحاكم والمتوقع منه في أزمة من هذا النوع أن يلجأ لحنكته السياسية ولا يعتمد الخطاب الهمجي السائد وسط بعض الأوساط داخل الحزب الحاكم وصحفه ووسائل إعلامه فيما يتعلق بهذا الموضوع.
* إذن أنت تري أن تصريح الشريف يفتقد للحنكة السياسية؟
– نعم.. وأقول ان تصريح الشريف غير موفق حتي بالنسبة لمصلحة الحكومة والحزب الحاكم.. فكل متابع لما يجري يعرف أنه حدث بسبب التدهور في حرية الرأي والتعبير هبوط هائل في المكانة الأخلاقية للحكومة والحزب الحاكم في المجتمع المصري، وأيضاً حدث ما يشبه الانهيار في مكانة مصر الدولية وصورتها الأخلاقية بسبب هذا التدهور.. وإزاء وضع من هذا النوع كنت أتوقع من صفوت الشريف بشكل خاص ان يكون له موقف مختلف.
* وهل ما قاله »الشريف« مجرد خطأ في تقدير الموقف أم أنه أمر مقصود لتوجيه رسالة معينة للشعب وللصحفيين تحديداً؟
– أعتقد أن »الشريف« خضع لابتزاز فريق الصوت الأعلي والأكثر همجية داخل الحزب الحاكم ووسائل إعلامه.
* »الشريف« رئيس مجلس الشوري، ورئيس المجلس الأعلي للصحافة والأمين العام للحزب الوطني يخضع لابتزاز!!
– نعم.. وبلاش خضع هو تجاوب لأصحاب الصوت العالي، وهذا لا يعني أنني أنظر لما حدث مع الصحافة علي أنه خطوة خارجة علي السياق.. وإنما هو منسجم مع الهجمة واسعة النطاق التي بدأت في أواخر عام 2005 لتصفية الحساب مع الحراك السياسي المحدود الذي جري في مصر عامي 2004 و2005.
* تصفية حساب ممن؟
– مع كل الأصوات التي لعبت دوراً حيوياً وحياً في هذا الحراك وعلي رأسها الصحافة المستقلة والمعارضة، وعلي رأسها أيضاً منظمات حقوق الإنسان فلأول مرة في تاريخ مصر جري غلق منظمتين لحقوق الإنسان.. وعلي رأس الأصوات أيضا حركة القضاة وتم قمعها بالفعل.. وعلي رأس تلك الأصوات الجماعات السياسية الحركية مثل كفاية وغيرها وجري بالفعل قمع وسحب الحق في التظاهر.
باختصار هناك عملية تصفية حسابات تتم في مصر منذ عامين.
تصفية حسابات!
* ومن الذي يقوم بعملية التصفية تلك؟
– النظام الحاكم نفسه.
* ولماذا بدأ عملية التصفية منذ أواخر 2005 تحديداً؟
– لانه لم يستطع تحمل الحراك الذي شهدته مصر في العامين الآخرين، فهو لم يعتد أن يخرج الناس في الشارع ويطالبوا بحرياتهم بهذا الشكل فهذا جديد علي نظام فلسفته وروحه تقوم علي حكم الفرد.. وأن يتم نقد رئيس الدولة بالشكل والصورة التي تم عليها مؤخراً فهذا أمر غير مسبوق طوال النصف قرن الأخير.
* وهل تري ان المظاهرات التي شهدتها مصر والنقد الذي طال رئيس الدولة كان بهما تجاوز؟
– بدون دخول في التفاصيل.. أؤكد ان نقد رئيس الدولة لم يكن به تجاوز.. وأدعو كل من يقول ان هذا النقد به تجاوز الي ان يقارن هذا النقد بما يجري في الدول الديمقراطية؛ في الولايات المتحدة الأمريكية تمت محاكمة رئيس الدولة علي ممارسات شخصية قام بها في القضية الشهيرة »بقضية مونيكا« والصحف ناقشت هذه القضية وناقشها الكونجرس ذاته وكل مواقع الإنترنت نشرت تفاصيل التحقيقات التي جرت معم كلينتون الذي كان وقتها رئيساً للدولة… حدث هذا مع كلينتون وهو واحد من اثنين حكموا أمريكا وهناك اعتقاد راسخ لدي الأمريكيين بأنه لو كان مسموحا ان يرشح كلينتون نفسه لولاية حكم ثالثة لانتخبه الأمريكيون باكتساح.
وفي بريطانيا أحد أهم الدول الكبري في العالم تم عمل أغنيات بالكرتون أظهرت »بلير« عندما كان رئيسا لوزراء بريطانيا كما لو كان »ذيل« جورج بوش.
* لم يقل أحد هناك إن شيئاً من هذا به تجاوز؟
– لم يحدث.. وبصراحة لو قارنا ما حدث في العامين الأخيرين بالوضع العام في مصر طوال الفترة من عام 1952 حتي 2004 فإن النقد الذي تعرض له الرئيس به تجاوز أما لو قارناها بالوضع العام بعد عام 2004 فليس في النقد أي تجاوز.
* ولماذا كان فيه تجاوز حتي عام 2004 ثم لم يعد به هذا التجاوز بعد ذلك التاريخ؟
– لانه حتي عام 2004 كانت فلسفة الحكم القائمة هي حكم الفرد الذي يملك في يده كل السلطات، أما بعد عام 2004 فقد قالوا إن مصر بتعديل المادة 76 من الدستور دخلت في مصاف الدول الديمقراطية وما دام هم أنفسهم قالوا ذلك فعليهم ان يقارنوا ما يحدث في مصر بشأن نقد الرئيس مع ما يجري في الدول الديمقراطية ولو فعلوا لما وجدوا به أي تجاوز.
* ولكن كل رموز الحزب الوطني وفي مقدمتهم أمين عام الحزب الوطني صفوت الشريف يؤكدون طوال الربع قرن الأخير أن مصر تعيش أزهي عصور الحرية والديمقراطية؟
– والله يسأل في ذلك صفوت الشريف نفسه ان مصر تعيش أزهي عصور الديمقراطية.. وأظن ان عنده إجابة مختلفة.
يوجد تقدم
* ولكن بحكم خبرتك الطويلة في العمل العام وفي مجال حقوق الإنسان تقريبا هل تري أن مصر تعيش أزهي عصور الديمقراطية والحرية؟
– بدون شك حصل توسع ما تحت الضغط الدولي عام 2004 بعد أحداث 11 سبتمبر.
* تقصد أنه بدون الضغط الدولي لم تكن التعديلات الدستورية الأخيرة قد تمت؟
– نعم.. التعديلات الدستورية والتمتع لفترة محدودة بالحق في التظاهر كل ذلك تم تحت ضغط دولي.
* قلت إن مصر قدمت اقتراحات للأمم المتحدة بشأن حقوق الإنسان والآن تمارس عكسها فما هي المقترحات؟
– في أربعينيات القرن الماضي كانت مصر من أوائل من قدموا اقتراحات للأمم المتحدة بتشكيل محكمة جنائية دولية، وكان يمثل مصر وقتها المفكر الكبير محمود عزمي.. الآن مصر ترفض بإصرار التوقيع علي اتفاقية المحكمة الدولية.
أيضاً محمود عزمي ممثل مصر في الأمم المتحدة اقترح في الأربعينيات ان يفتح المجال أمام الأمم المتحدة لتلقي الشكاوي من الأفراد بخصوص أي انتهاكات تقوم بها حكوماتهم في مجال حقوق الإنسان.. والآن مصر تعتبر مثل هذه الأمور تدخلاً في شئونها.
* ذكرت أن مصر تشهد حاليا قيودا هائلة علي حرية الرأي والتعبير فما هي أخطر تلك القيود؟
– فيما يتعلق بالإعلام المرئي والمسموع حرية إنشاء قنوات إخبارية غير متاح.. وحرية إنشاء قنوات خاصة أرضية غير مسموح به.
وفيما يتعلق بالتشريعات الحاكمة، هذه التشريعات مقيدة لحرية تداول المعلومات.. وتعاقب بالحبس في قضايا تتعلق بالرأي أو الانتقاد لرؤساء الدول الأجنبية!
وفيما يتعلق بالممارسات ففي مصر ممارسات إدارية وأمنية وسياسية تمارس بشكل يومي تشكل ضغوطاً علي حرية صانعي القرار بوسائل الإعلام في اتخاذ قرارهم بشكل مستقل.
وفيما يتعلق بالمجلس الأعلي للصحافة.. الدول الديمقراطية تجعل المجالس العليا للصحافة مجالس مستقلة وتعبر عن الرأي العام وتمثل وجهة نظره وهذا لكي يكون حكمها مقبولاً بالنسبة للصحفيين ولكن للأسف الشديد المجلس الأعلي للصحافة في مصر مثله مثل اللجنة القائمة علي شئون الأحزاب كلاهما تسيطر الحكومة وحزبها علي تشكيله.. وبسبب ذلك فإن الحكومة وحزبها هما من يتحكم في أي الملفات تأخذ أولوية مناقشات المجلس الأعلي للصحافة ولهذا ظهرت علي السطح القضية الأخيرة الشهيرة باسم شائعات صحة الرئيس بينما هناك كوارث أخطر فيما يتعلق بالصحافة لا يلتفت إليها المجلس أو يكتفي بالإشارة العرضية لها في التقارير التي تصدر عنه من وقت لآخر ولكن لم ترتفع يوما للتعامل معها باتخاذ قرار محدد.
* تعني أن المجلس الأعلي للصحافة موجه؟
– بالتأكيد.. فهو جهة حكومية.
* إذن قراراته غير حرة؟
– المجلس الأعلي للصحافة مثله مثل كثير من المجالس التي تنشئها الحكومة في الدولة، ففي تلك المجالس يوجد عدد من الأشخاص الرائعين والممتازين ولكن هذه الهيئات لا تتمتع بالاستقلالية الكاملة في القيام بأعمالها وتدار بوسائل مباشرة وغير مباشرة بحيث تخدم في النهاية المصالح الآنية والبعيدة للحزب الحاكم والحكومة.
ففي المجلس الأعلي للصحافة راجع أسماء أعضاء المجلس وستري ان نسبة المنتمين للحزب الحاكم وأنصاره واصدقائه ومناصريه تمثل غالبية عظمي تقابلها قلة قليلة من أعضاء المجلس المستقلين والمعارضين.. نفس الأمر في المجلس القومي لحقوق الإنسان وأيضاً مجلس الثقافة.. والمعروف ان مجلس الشوري هو الذي يشكل هذه المجالس ولكن الحقيقة ان المجلس لا يشكل شيئاً وإنما تصله ورقة بالأسماء ويعتمدها ويصدرها.. وفي مجلس حقوق الإنسان ثلثا الأعضاء علي الأقل من أعضاء المجلس إما أعضاء في الحزب الحاكم أو أصدقاء له.
* ولكن أيضاً يتم تعيين شخصيات مستقلة في المجلس القومي لحقوق الإنسان بدليل تعينيك في المجلس.
– أنا كنت موجوداً في المجلس ولكني من ثلث الأقلية الذي لا يستطيع أن يؤثر في أي قرار ولذلك تركت المجلس.
* ولماذا يختار هذا الثلث؟
– كما اختاروا عبدالمنعم سعيد وحسام بدراوي في أمانة السياسات ولم يتم اختيارهما لكي يتم تنفيذ أفكارهما ولكن مفيد جداً الإيحاء بوجود وجوه وعقول مختلفة ولكن أفكار هؤلاء تظل وستظل أقلية وغير قابلة للتنفيذ وهذا هو نفس الوضع الذي كنت فيه داخل مجلس حقوق الإنسان ولهذا قدمت استقالتي.
* وبحكم عملك داخل هذا المجلس لفترة، هل الدفاع عن حرية الرأي والتعبير مطروحة علي أجندة المجلس؟
– من الناحية الشكلية موجودة.. فإذا قرأت المحاضر والتقارير والبيانات ستجد الموضوع مطروحاً ولكن من الناحية الفعلية هو غير موجود مثله مثل كل القضايا.
* بمعني؟
– بمعني ان محاضر المجلس مثلا تتحدث عن التعذيب داخل السجون ولكن هل هذا معناه أن المجلس يفعل شيئاً جدياً لإيقاف التعذيب؟.. لا.
* وهل المجلس قادر بالفعل علي أن يفعل شيئاً جدياً.
– إذا تمتع بالاستقلالية .. وإذا تغير تمثيل الحزب الحاكم داخله وصار العكس أي يكون ثلثا الأعضاء شخصيات مستقلة والثلث من الحزب الحاكم عندها سيكون قادراً علي فعل الكثير.
السلطة والحرية
* كيف تري العلاقة بين السلطة والحرية.. بمعني كيف تنظر السلطة للحرية؟
– السلطة تنظر للحرية باعتبارها عدواً يجب التخلص منه ويجب حبسه في السجن ووضعه علي مقصلة الإعدام.. فعلي مستوي الشارع يجري مطاردة أية مظاهرة حتي ولو لم يكن بها سوي 5 أشخاص، وعلي مستوي التشريع، كل التشريعات الصادرة مقيدة للحريات بشكل عام.. وعلي مستوي الدستور تحدث تعديلات تشكل أكبر كارثة دستورية منذ التخلي عن دستور 1923..
* لماذا؟
– لان هذه التعديلات الدستورية والتشريعية تمت بشكل منح السلطة مظلة حماية تشريعية ودستورية في عملية إعادة ترتيب الأوضاع بحيث لا يتكرر ما حدث في مصر أعوام 2004 و2005 و2006 من مظاهرات وانتقادات قوية.. ولهذا مثلا عندما يسعي النظام لإصدار قانون لمكافحة الإرهاب فإنه لا يستهدف الإرهاب في حد ذاته وإنما يستهدف بالأساس أيضا الاصوات الحرة والمعارضة.
* وإلي متي سيستمر هذا الحال المتردي؟
– إلي أن توجد علاقات قوية مختلفة في مصر تجبر الحزب الحاكم أن يضعها في اعتباره ويدرك انه غير مطلق في ان يفعل ما يخطر علي هواه أو ما يحقق نخبة محدودة تقود مصر من تدهور إلي تدهور أكبر وهذا واضح علي كل المستويات.
* ماذا تقصد بكل المستويات؟
– أقصد أمورا اقتصادية واجتماعية وليست فقط سياسية – خذ مثلا مشروع توشكي الذي أنفقت عليه الحكومة مليارات الدولارات دون أن تكون هناك دراسات جدوي حقيقية عن هذا المشروع وكلنا رأي كيف ان الحكومة كانت تحارب بضراوة الآراء المعارضة لهذا المشروع منذ بداية إنشائه.. وها هي الأيام تثبت صحة تلك الآراء وفشل المشروع – تقريبا – بعد أن انفقوا عليه مليارات الدولارات هي أموال تم تحصيلها من قوت الشعب وعرقهم ومن الضرائب التي يدفعونها.
نفس هذا الأمر حدث في معالجة الحكومة لأزمة انفلونزا الطيور التي تعاملت معها بشكل خاطئ ولم تتكشف الحقائق الكاملة أمام الناس وبالتالي انهارت الثروة الداجنة في مصر وأيضاً انتشر المرض بشكل كاد ان يصل معه إلي وباء بل وصارت مصر ثاني دولة في العالم من حيث انتشار المرض كما ان مصر مهيأة تماما بأن يتحول فيها المرض الي وباء بشري أي ينتقل من إنسان لآخر وهذا ما تؤكده تقارير منظمة الصحة العالمية.
وتتكرر ذات الكارثة الآن فيما يتعلق بتعرض دلتا النيل للغرق خلال سنوات قليلة وهي القضية التي تفرض الحكومة سرية تامة عليها رغم خطورتها.
* وتقول ان مصر ستظل تنتقل من كارثة الي كارثة حتي ظهور علاقات قوي داخل المجتمع تجبر الحزب الوطني علي انتهاج سياسة ديمقراطية.
– نعم وهذا يلقي مسئولية هائلة ليس فقط علي الحكومة ولكن علي النخب غير الحاكمة في مصر وخاصة نخب المثقفين فعليهم ان يحددوا كيف سيتعاملون مع هذا الموضوع. هل سيتعاملون معه بطريقة تأدية الواجب أم أنها قادرة علي الارتفاع إلي مستوي هذا التحدي.
* ماذا تقصد بطريقة تأدية الواجب؟
– بأن تصدر بيانات من وقت لآخر وتشدد لهجتها في الصحف والنشرات التي تصدر عنها.
* وكيف ترتفع لمستوي التحدي؟
– عليها أولاً أن تدير حوار استراتيجيا فيما بينها حول مستقبل مصر الذي تريده هذه القوي.. وأنا أعتقد أن البداية الأولي التي تقوم بهاحالياً أحزاب الوفد والتجمع والناصري والجبهة الديمقراطية هي بداية جيدة ولكنها تحتاج لنظرة استراتيجية بعيدة المدي لأنه مع الأسف لن يحدث تغيير في مصر اليوم ولا غدا ولا الشهر القادم ولا السنة القادمة.. ولهذا عليها أن تتعامل مع وضع هي فيه طرف ضعيف ومهمش ولهذا يجب ان يتوصلوا إلي طريقة لإعادة الأمور الأساسية في مصر لمسارها الصحيح ولا يجب الارتكان الي اتفاقيات سريعة وسهلة لأن مثل هذه الاتفاقيات لن تعيش .. ومن المفيد جداً ان تدعو الأحزاب الأربعة علماء ومفكرين كبارا كي يشاركوا معها في وضع استراتيجية طويلة لما يجب أن تكون عليه مصر مثلاً في عام 2050.. ولا مانع من مشاركة المفكرين الإصلاحيين داخل الحزب الحاكم.
التغيير بعيد
* ولكن تبقي الاشكالية الأكبر وهي كيف توضع مثل هذه الاستراتيجية أو غيرها من الاتفاقيات التي يتفق عليها الأحزاب الأربعة موضع التنفيذ؟
– هذا موضوع عمل بعيد المدي.. فهذا الموضوع ليس مجرد مقال سيكتب وينتهي الأمر ولا هو نشرة أو كتاب سيتم طبعه بشكل ما، ولكنه عمل علي الأرض والجزء المكمل لهذا العمل هو وسائل تحقيقه ويجب أن يكون الهدف النهائي لما ستتفق عليه الأحزاب هو كيفية تحقيق تداول للسلطة أو علي الأقل إجبار الحزب الوطني علي تحقيق رؤية هذه الأحزاب.
* قلت إن التغيير في مصر لن يحدث قريبا.. فمن أين أتيت بتلك الثقة؟
– لأنه مفيش أي توازن في علاقات القوي بين الحزب الحاكم وغيره من القوي السياسية.. فالحزب الوطني وحده يملك كل مصادر القوي بشكل احتكاري وعلي مدي أكثر من نصف قرن.
* ولكن احتمالية التغيير المفاجئ.. واردة.
– هذا وارد .. كان ممكن ان يحدث تغيير مفاجئ للسلطة عام 1977 بسبب انتفاضة 17 و18 يناير وأيضا كان يمكن ان يحدث عام 1986 بعد تمرد الأمن المركزي ولكن التغييرات من هذا النوع خطيرة لأنك لا تعرف هل ستأتي بشيء أفضل أو أسوأ ولهذا علي الأحزاب أن تسعي لتغيير منظم وواع وسلمي ولكن لا تترك الأمور في يد الحزب الوطني وأيضاً عليها ألا تتركه في يد القدر، لأن القدر لن يأتي بشيء مخالف لموازين القوي الموجودة في الواقع، وأنا شخصيا لست سعيداً بكثير من الشعارات الفوضوية التي تطرحها بعض الجماعات المعارضة من نوع العصيان المدني.. فماذا بعد العصيان المدني؟! ومن سيستفيد منه؟.. هل أفضل الجماعات السياسية وعيا ورشدا أم أكثرها تخلفا؟ .. أم ربما المجهول.
* ألمح في كلامك أنك لا تعول علي الشعب شيئا؟
– الشعب لا يتحرك بمفرده فلكل شعب قادته التي تحركه.. فالشعب تقوده أحزاب سياسية ويؤثر فيه مفكرون والصحافة والنقابات والجمعيات الأهلية.. لم يعرف التاريخ ان الشعب يقوم بالتحرك بمعزل عن قيادته وهي أحزابه.
* لو وضعنا قائمة بأكثر المتضررين من غياب حرية الرأي والتعبير في مصر.. فمن يتصدر القائمة؟
– يتصدرها مصر.. مصر كأمة وكبلد وكشعب والخسائر ستكون أكثر خطورة في المستوي الاقتصادي إذ لن يحصل المواطن علي أبسط حقوقه الاقتصادية.. ولن يدري شيئاً عن طريقة إدارة بلده.
وأود هنا أن أوضح نقطة مهمة وهي أن البعض حالياً يحاول ان يصور الهجمة الهمجية التي شنت مؤخراً علي حرية التعبير علي أنها شأن يهم أقلية محدودة من الصحفيين وهذا غير صحيح.. فحرية الرأي والتعبير تمس حياة ومصير ملايين المصريين.. وغياب حرية الرأي والتعبير حاليا هي المسئولة عن سفر آلاف الشباب إلي الخارج وأن يلقوا أنفسهم في البحر، ومن يتم إنقاذه يؤكد أنه سيكرر نفس المحاولة رغم أنه رأي الموت بعينيه.. فما الذي يجبره علي ذلك إنه غياب حرية الرأي والتعبير الذي جر مصر إلي كوارث لا حصر لها في الاقتصاد والسياسة وكل شئون الحياة.
* والشعب هو الذي يدفع الثمن.
– هو يدفع ثمن غياب حرية الرأي والتعبير.. وعدم احترام حق المواطن المصري كإنسان والتعامل معه كبني آدم وليس التعامل معه كأنه قطة أو كلب أو دودة.. يفرق إذا كان يعيش أو يموت!
* وبرأيك كيف يمكن إطلاق سراح حرية الرأي والتعبير من القيود التي تكبلها؟
– هذا الأمر يحتاج إعادة النظر في قانون سلطة الصحافة والقانون المتصل بإنشاء شركات في الصحافة والإعلام بما يكفل إطلاق حرية إصدار الصحف ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة.. وإلغاء كل التشريعات التي تعاقب بالحبس في قضايا النشر.. ووضع قوانين تسهل تدفق المعلومات وتعاقب من يحجب المعلومات طالما أنها لا تتعلق بالأمن القومي.
* ومصر ملتزمة بإصدار قانون تداول المعلومات بحكم الاتفاقيات الدولية التي وقعتها في السنوات الأخيرة.
– نعم الاتفاقيات التي وقتها مصر تتطلب أن تراجع مصر التشريعات الموجودة بها لكي تتفق مع المعايير الدولية في مجال حقوق الإنسان بما في ذلك حرية الرأي والتعبير.
* ولكن لا توجد عقوبات علي مصر إذا لم تفعل ذلك؟
– توجد عقوبات معنوية وأدبية مثل تجريس السمعة والإدانة في تقارير دولية.
* عن جريدة الوفد اليومية
Share this Post