تحت عنوان “الخيارات المرة للمعارضة إزاء التعديلات الدستورية، هل تصوِّت بنعم أم لا ؟ أم تقاطع؟”، نظَّم مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ندوة في إطار صالون ابن رشد، في 19 مارس 2007، وقد شارك في فعالياتها كل من: جورج إسحق أحد منسقي حركة كفاية، حسين عبد الرازق الأمين العام لحزب التجمع التقدمي الوحدوي، عصام العريان المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين، عصام شيحة عضو الهيئة العليا بحزب الوفد، وقد تولى إدارة الندوة بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة.
في بداية الندوة أشار بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة إلي أن المركز قام بدعوة العديد من قيادات الحزب الحاكم لعرض وجهة نظرهم بشأن التعديلات إلا أن الاستجابة كانت ضعيفة طوال أكثر من عشرة أسابيع تمت خلالها مناقشة معظم محاور التعديلات المطروحة، وقد اعتادوا على الاعتذار عن المشاركة، أو الموافقة عليها، ثم الاعتذار قبل انعقاد الندوة بساعات قليلة!
واعتبر بهي أن هناك سيناريو يتم تكراره عبر عدة عقود سابقة حيث يتم عرض عدة أوراق أو تعديلات أو خلافه، ثم يحدث حوار حول هذه الأوراق إلا أن السيناريوهات أكدت أن ما يدخل مطبخ البرلمان يخرج كما هو بدون تعديل جوهري وإذا حدث تعديل يكون في الشكل وليس في المضمون، وأضاف بهي أن الفترة القادمة ستشهد إقرار مجموعة من التشريعات التي ربما تتجاوز في قسوتها ما تم إقراره من تعديلات ، متسائلا عما إذا كان لدي قوي المعارضة إستراتيجية مختلفة في مواجهة ذلك الوضع.
ثم انتقلت دفة الحديث إلى عصام العريان، الذي بدأ مداخلته بالقول: إن ما حدث في مجلس الشعب بشأن التعديلات يمثل “انقلاباً دستورياً” وليس تعديلاً يراد به أي مصلحة للوطن، محذرا من هذا الأمر من شأنه أن يجر على البلاد العديد من الكوارث.
أكد العريان أن معظم أطياف المعارضة ترفض التعديلات، وقال إنه يميل إلى مقاطعة الاستفتاء عليها، بدلاً من المشاركة بالتصويت بـ “لا” لأن معظم الاستفتاءات في مصر يتم تزويرها، ويتم إعداد نتائجها سلفاً ، لافتا إلي أهمية أن يتواكب مع المقاطعة حشد إعلامي يشارك فيه كبار المفكرين والمثقفين والرموز المصرية، وأن يتم توجيه بيان للشعب لتوضيح مخاطر التعديلات الدستورية، وأهمية ودلالة مقاطعة الاستفتاء عليها.
دعا العريان إلي اعتبار يوم الاستفتاء علي التعديلات الدستورية يوما لـ “الحداد الوطني” ودعوة جماهير الشعب إلى رفع الرايات السوداء بشرفات المنازل في هذا اليوم، متهما الحزب الوطني الحاكم بعدم الجدية في إحداث تحول ديمقراطي حقيقي بالبلاد، وطالب قوي المعارضة بمراجعة نفسها والتركيز علي التناقض الرئيسي بينها وبين الحزب الحاكم وعدم الانجرار الي الاغراق في التناقضات الثانوية بين بعضها البعض ، والتوافق علي أسس النظام الديمقراطي وقال العريان إن المصالح الشخصية الضيقة أدت إلي نسف كل ما كانت تتوافق حوله هذه القوي في فترات سابقة .
أشار العريان إلي أن الحزب الحاكم نجح في تفجير الأحزاب من الداخل ، وغرس الخلافات بين بعضها البعض، وإفشال التحالفات والجبهات التي أقامتها خلال السنوات الماضية، والتي كان آخرها الجبهة الوطنية للتغيير التي يرأسها رئيس الوزراء السابق الدكتور عزيز صدقي ، ودعا العريان قوي المعارضة المختلفة إلي رفض المشاركة في أية انتخابات قادمة يديرها النظام الحالي كانتخابات مجلس الشوري وانتخابات المحليات القادمة .
وأشار أيضًا إلي ظاهرة عزوف الشعب المصري عن المشاركة في الشأن العام ، وفشل فصائل المعارضة المختلفة في الوصول بخطابها إلي غالبيته ، إلي جانب عجز المعارضة عن استثمار وسائل الاتصال الحديثة مثل الفضائيات والإنترنت اللتان يطالعهما جيل المستقبل بشكل منتظم الآن، وقال إن ظهور حركات جديدة تدعو إلي الإصلاح والتغيير مثل كفاية، وشايفنكم، وأدباء من أجل التغيير، يطرح التساؤلات حول مستقبل هذه الحركات، ومدي إمكانية تحقيقها نجاحا في استقطاب الشعب تجاهها. وحذر العريان من خطورة ما يحدث الآن من احتكار الثروة بجانب احتكار السلطة ،في الوقت الذي يعاني فيه المواطن المصري من أزمات صحية وتعليمية وعلى كافة مستويات الحياة . وطالب الجميع بمراجعة النفس والصدق معها للوصول إلى التركيز على التناقض الرئيسي بين المعارضة والحزب الحاكم وتجاوز التناقضات الفرعية فيما بينها .
في بداية حديثه دعا جورج اسحق القوي السياسية إلي الاستفادة من تراكم خبراتها في صراعها السلمي من أجل التغيير والاصلاح ، مشيرا إلي أن الخبرة المصرية في السنوات الأخيرة تكشف عن تعمد الحزب الحاكم تضليل الشعب وإلهائه، كلما أقدم علي خطوة بها مزيد من الاستبداد أو الاستحواذ علي مصادر السلطة والثروة . وقال اسحق أنه لم يعد أمام كل قوي المعارضة، وأمام المواطنين، سوي الرفض المعلن والواضح في أن يصبح جزءا من سيناريو الانقلاب علي الدستور، وذلك بمقاطعة الاستفتاء علي التعديلات، معتبرا أن هناك شروط لتحقيق فعالية هذه المقاطعة وتحولها إلي خطوة علي طريق حشد الجماهير وتدريبها علي العصيان المدني، وفي مقدمة تلك الشروط : أن تكون المقاطعة موقفا موحدا وجماعيا من كل قوي المعارضة ، إضافة إلي انضمام مؤسسات المجتمع المدني والنقابات المهنية والعمالية للمقاطعة، وأن يتم التعبير عن موقف الرفض بشكل واضح ومكثف، ليتمكن المواطن العادي من تلقيه وفهمه وتبنيه، مضيفا إلي ذلك شرط آخر بأن يتحول هذا الموقف الجماعي الرافض إلي سلسلة واسعة من الأنشطة اليومية الشعبية ، علي امتداد الجمهورية في صورة حملة منظمة تبدأ من أنشطة محدودة يمكن أن يبادر بها المواطن العادي ، أو أن تقوم بها مجموعة من النشطاء السياسيين أو يشارك فيها المئات والآلاف من أعضاء مختلف القوي السياسية .
دعا اسحق أيضًا إلي إصدار وثيقة تتبني شعار ” قاطعوا الاستفتاء ، لا تشاركوا في الانقلاب علي الدستور” وذلك بمشاركة كل قوي المعارضة ومنظمات المجتمع المدني والحركات الاحتجاجية وإعلان هذه الوثيقة في مؤتمر صحفي عالمي تحضره رموز هذه القوي، إضافة إلي تنظيم سلسلة من المظاهرات الواسعة ودعوة الجماهير إلي ارتداء السواد وتعليق شارات الحداد يوم الاستفتاء.
أعلن اسحق عن تبني كفاية لتشكيل لجان ” فضح تزوير نتائج الاستفتاء” لتتولي إحصاء الأعداد الحقيقية التي تشارك في الاستفتاء؛ للإعلان عن النسب الحقيقية للحضور، والكشف عن مدي شرعية هذا الاستفتاء ، وقال أنه سيتم اختيار أبرز لجان الإدلاء بالرأي، خاصة تلك التي يذهب اليها كبار شخصيات النظام الحاكم، وذلك للتظاهر السلمي والصامت أمامها استغلالا للحضور الاعلامي الذي يصاحب هذه الشخصيات، واقترح تشكيل مجموعات من رموز المعارضة والمثقفين الرافضين للتعديلات للقيام بصلاة الجمعة في أبرز مساجد القاهرة والمحافظات وهم يحملون الشعارات المناهضة للتعديلات. وقال إسحق إنه لابد من وضع فترة انتقالية بمصر لمدة سنتين يتم خلالها تشكيل حكومة وحدة وطنية، تقوم بدورها بانتخاب جمعية تأسيسية تصيغ دستوراً جديداً لمصر ثم تحدث بعدها انتخابات رئاسية وتشريعية ومحلية .
فيما رأي عصام شيحة أن الخيارات أمام المعارضة محدودة جداً بعد إقرار التعديلات الدستورية المطروحة، وقال أن قضية الدستور هي الشاغل الرئيسي لحزب الوفد منذ نشأته ، مبررا إعلان الوفد موافقته المبدئية علي التعديلات ومشاركته في المناقشلت حولها باستجابة بعضها لعدد من مطالب الوفد ، إلي جانب التوهم بإمكانية أن تمثل التعديلات بادرة أمل في تحقيق جزء من الآمال الشعبية ، مشيرا إلي أن الحزب صدم بالفعل بطرح المادتين 88 ، 179 المعنيين بالإشراف القضائي على الانتخابات وإضافة قانون لمكافحة الإرهاب بالدستور ، وهو الأمر الذي يجهض وجود باب الحريات بالدستور ويبشر بالدولة البوليسية.
طالب شيحة قوي وأحزاب المعارضة بمجابهة هذه التعديلات بتشكيل ائتلاف لقوي المعارضة، والاتفاق علي برنامج عمل وطني موحد يتم تجاوز نقاط الخلاف فيه، والتوجه إلي جماهير الشعب، والعمل علي الوصول اليها بالحشد الاعلامي الموسع ، مشيرا الي أن الفترة المقبلة ستشهد اقرار مجموعة من التشريعات والقوانين المكملة للدستور بما يؤدي الي إحكام سيطرة الحزب الحاكم علي مقاليد الأمور بالبلاد .
وأعلن حسين عبد الرازق عن تبني التجمع سلسلة من التحركات والفعاليات للتعبير عن رفض التعديلات الدستورية خلال الفترة المقبلة وفي مقدمتها تنظيم عدد من المؤتمرات الجماهيرية والسياسية بالقاهرة والمحافظات بمشاركة حزب الوفد ، إلي جانب توزيع بيان مختصر علي الآف المواطنين للدعوة لمقاطعة الاستفتاء أو التصويت برفض هذه التعديلات، مشيرا إلي خطورة التعديلات، وما ستؤدي اليه من زيادة استبداد الدولة البوليسية، وتكريس هيمنة السلطة التنفيذية علي كافة السلطات والأمور بالبلاد . ورفض عبد الرازق دعوة عصام العريان لقوي المعارضة برفض المشاركة في أية انتخابات قادمة وقال أنه من الصعب اتخاذ قرار برفض المشاركة في انتخابات ستجري بعد عامين أو أكثر من الآن .
أشار عبد الرازق إلي أن حزب التجمع رفض التعديلات جملة وتفصيلاً، رغم وجود عدد محدود من المواد يمكن الموافقة عليها إلا أنها ثانوية ولا تغير شيئاً في طبيعة النظام الذي وصفه بالبوليسي والاستبدادي. وأكد على أن التعديلات تزيد من هيمنة رئيس الجمهورية على كل شئ وليس كما يشاع من تقليص صلاحيات الرئيس عبر هذه التعديلات ، مشيرا إلي أن المصريين المعنيين بالتصويت على الاستفتاء والذين يقدرون بقرابة 35 مليون مواطن كانوا بعيدين تماماً عن مناقشات النخبة للتعديلات المطروحة خلال الفترات السابقة ، وطالب الجميع بالنزول للشارع ، وتنظيم مؤتمرات لتوعية الجماهير بخطورة التعديلات المطروحة للتصويت.
دافع عبد الرازق عن مشاركة التجمع في جولات حوار سابقة مع الحزب الوطني الحاكم وقال إن الحوار هو أكثر ما يكشف مساوئ الحزب الوطني ويعريه أمام الرأي العام ولذلك رفض التجمع مقاطعة الجلسات الأخيرة لمناقشة التعديلات بمجلس الشعب والتصويت عليها. وكشف عبد الرازق عن أن وثائق مؤتمرات التجمع تؤكد علي أن الخصم الرئيسي للحزب هو الحزب الوطني الحاكم ، وليس جماعة الاخوان المسلمين ، كما يعتقد الكثيرون .
Share this Post