أعد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، بالتعاون مع المفوضية المصرية للحقوق والحريات، وحملة لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين، تقريرهم حول الحق في المحاكمة العادلة في مصر خلال السنوات الأربع الماضية؛ وذلك ضمن مجموعة من التقارير المقدمة من المنظمات المستقلة لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، في إطار عملية الاستعراض الدوري الشامل الثاني للملف الحقوق المصري أمام الأمم المتحدة المقرر انعقادها في 5 نوفمبر القادم.
اعتبر التقرير أنه ومنذ الاستعراض الأول للملف الحقوقي المصري أمام الأمم المتحدة في 2010 وحتى مارس 2014 –الموعد المحدد من الأمم المتحدة لاستلام التقارير– تعرضت جميع الأصوات المعارضة من متظاهرين معترضين على الحكومة، أو نشطاء، أو مدافعين عن حقوق الإنسان أو سياسيين، لمحاكمات غير عادلة، سواء في ساحات المحاكم العادية أو العسكرية. ووُجهت إليهم التهم وفقًا لقوانين لا تتفق ومعايير حقوق الإنسان، وكانت إجراءات محاكمتهم أبعد ما تكون عن تمكين المتهمين من ضمانات المحاكمة العادلة، الأمر الذي أدى بطبيعة الحال إلى إنزال عقوبات قاسية بهم. وعلى الجانب الأخر لم تتم محاسبة أيًا من أفراد قوات الأمن على الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبوها.
انقسم التقرير إلى قسمين أساسيين. القسم الأول يتناول الانتهاكات على صعيد الممارسة في مرحلة ما قبل المحاكمة، وذلك بعد استعراض وتقييم النصوص القانونية والدستورية المنظمة لإجراءات ما قبل المحاكمة، والتي من بينها على سبيل المثال عدم القبض على أحد، أو تفتيشه، أو حبسه، أو تقييد حريته بأي قيد إلا بأمر قضائي، على أن يبلغ فورًا بأسباب ذلك، ويُمكَّن من الاتصال بذويه ومحاميه فورًا، ويُقدم لسلطة التحقيق خلال 24ساعة، ولا يبدأ التحقيق معه إلا في حضور محاميه. كما أنه لكل من تقيد حريته حق التظلم أمام القضاء من ذلك الإجراء، والفصل فيه خلال أسبوع، وإلا وجب الإفراج عنه فورًا.
كما تطرق التقرير في هذا الجزء أيضًا لمحددات أحكام الحبس الاحتياطي، ومدته، وأسبابه، وحالات استحقاق التعويض الذي تلتزم الدولة بأدائه عن الحبس الاحتياطي. مشيرًا إلى أن كل من يقبض عليه يجب معاملته بما يحفظ كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنيًا أو معنويًا، ولا يكون حجزه، أو حبسه إلا في أماكن مخصصة لائقة إنسانيًا وصحيًا، ومخالفة شيء من ذلك جريمة يعاقب مرتكبها وفقًا للقانون.
وفي هذا السياق يوثق التقرير معاناة المتهمين من امتناع السلطة الدائم عن تبليغهم بأسباب اعتقالهم وقت الاعتقال، وحرمان بعضهم من حضور المحامي الخاص به، أو من التمتع بالحديث الخاص مع محاميهم قبل التحقيق، بالإضافة إلى انتهاك حق المتهمين في العرض على المحاكمة في مدة مناسبة أو في الخروج من الحبس الاحتياطي، الذي صار يُستخدم كغطاء لتنفيذ عقوبة بدون محاكمة، بدلًا من كونه وسيلة شرعية لتعزيز الأمن العام، على حد وصف التقرير.
الجزء الثاني من التقرير يركز على الانتهاكات أثناء عملية المحاكمة، مشيرًا إلى أن العديد من الحالات التي تم رصدها على مدار الثلاث سنوات الماضية أعطت انطباعًا عامًا للجمهور وللمتابعين أن القضاء غير مستقل، وأن ممارسات الدولة المصرية، حتى في ظل الدستور الجديد، تنتهك الضمانات الدستورية والقانونية للحق في المحاكمة العادلة بشكل متواصل.
عرض التقرير بعض الممارسات المنتقدة في مجموعة من القضايا نذكر منها على سبيل المثال الحكم بإدانة 529 فرد على خلفية أحداث العنف التي وقعت في محافظة المنيا في أغسطس 2013. وإحالة أوراقهم للمفتي لإبداء الرأي، في جلستين فقط –امتدت احدهما لنصف ساعة فقط– في غياب المتهمين ومحاميهم، ولم يتم استدعاء الشهود لهما، ولم يُسمح للمتهمين بتقديم شهادات للدفاع عن أنفسهم. وكذا الحكم على 21 متظاهرة، من بينهم 7 أطفال، بالسجن 11 عامًا لتنظيمهم مظاهرة لتأييد الرئيس المعزول محمد مرسي، رغم أنه –طبقًا لمبادئ حقوق الإنسان– لا يجب أن يواجه التظاهر السلمي بأي عقوبة وبالأخص إن كانت العقوبات عقوبات جنائية.
ويشدد التقرير على أن تلك المحاكمات الجماعية تمثل انتهاكًا صارخًا للحق في المحاكمة العادلة، بالإضافة إلى قواعد قانونية أخرى مثل قاعدة أن العقوبة الشخصية كما هو منصوص عليه في الدستور المصري.
في ديسمبر 2012 أسفرت نتائج الاستفتاء الشعبي عن اعتماد دستور جديد للبلاد، وقد تم التصديق على نسخة معدلة منه طبقًا لاستفتاء شعبي آخر في يناير 2014، ورغم أن الدستورين أتيا بالتأكيد على ضمان احترام حقوق الإنسان خلال فترة الحبس الاحتياطي وخلال المحاكمة، إلا أن الدستورين أقرا جواز محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، وهو ما يعد انتهاكًا لحقوق الإنسان في حد ذاته، تتفاقم تداعياته بالنظر لما تفتقده الإجراءات العسكرية من ضمانات للمحاكمة العادلة.
يستعرض التقرير في هذا السياق كيف يتم حرمان العديد من المدنيين المحالين إلى المحاكمات العسكرية من حقوق ما قبل المحاكمة وحقوقهم أثناء المحاكمة أيضًا، مشيرًا إلى أن القانون لا يوفر أية ضمانات لحماية حقوق ما قبل المحاكمة للأفراد الماثلين أمام المدعي العسكري، بدءً من حقهم في معرفة التهم الموجه لهم، والتواصل مع محاميهم، الذين يواجهون بدورهم صعوبات في الحصول على الملفات، وبالتالي تجهيز دفاع مناسب، مرورًا برفض طلباتهم بتقديم شهادات شهود النفي، وعدم إمكانية استئناف قرارات الحبس الاحتياطي في نظام القضاء العسكري.
ناهيك عن كون المدعي العسكري وكذلك القضاة يتبعون الأوامر العسكرية الصادرة لهم من قياداتهم الأعلى رتبة، ويتم تعيينهم بقرار من وزير الدفاع وبترشيح من رئيس القضاء العسكري، كما أنهم لا يستطيعون محاكمة من هم أعلي منهم في الرتبة، ولا تعد أحكامهم نافذة بدون التصديق عليها من ضابط ذو رتبة أعلي، ليس عضوًا من أعضاء المحكمة، وبناءً عليه لا يمكن اعتبار القضاة العسكريين مستقلين، كما أن طبيعة المحاكم العسكرية لا تسمح للجمهور بالإطلاع على سير المحاكمات.
وفي حصر لأعداد المدنيين الماثلين أمام محاكمات عسكرية، يشير التقرير أنه طبقًا لمصدر مسئول، شهدت الفترة ما بين يناير وأغسطس 2011 خضوع 11879 مدنيًا للمحاكمة العسكرية، بالإضافة إلى 99 آخرين خلال شهر سبتمبر في مظاهرتين أحدهما أمام السفارة الإسرائيلية والأخرى أمام وزارة الدفاع، هذا بالإضافة إلى 327 شخص أخر تمت إحالتهم للمحاكم العسكرية في 2012.
جدير بالذكر أنه قبل أيام من عملية الاستعراض الدوري الشامل لمصر أمام الأمم المتحدة –وتحديدًا في 27 أكتوبر 2014– صدر القرار بقانون رقم 136 لسنة 2014، والذي وسّع من نطاق اختصاص القضاء العسكري؛ ليشمل جرائم التعدي على المنشات والممتلكات العامة، ذلك القانون الذي اعترضت عليه 15 منظمة حقوقية في بيان لها معتبرةً أنه يمثل التفافًا جديدًا على هذا القيد الدستوري –محل التحفظ– على المحاكمات العسكرية، مما يستتبعه مثول المزيد من المواطنين أمام القضاء العسكري، وقد يؤدي إلى إحالة الآلاف إلى محاكمات عسكرية تفتقر إلى الحد الأدنى من معايير المحاكمات العادلة والمنصفة، وترسيخ نظام قضائي مواز.
Share this Post