أكد مثقفون وحقوقيون أن هناك دروساً كثيرة في أزمة احتلال العراق يجب على العرب جميعا الاستفادة منها، خاصة فيا يتعلق بحاجة المجتمعات العربية إلى الديمقراطية. جاء ذلك في ندوة نظمها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في إطار صالون ابن رشد تحت عنوان “هل استفاد العرب من دروس العراق؟، ربط بهي الدين حسن مدير المركز في بدايتها بين ما تعرض له العراق في أبريل 2003 وما حدث في يونيو 1967، متسائلا عما إذا كان العرب قد استوعبوا دروس الحدثين، وعما إذا كان مؤتمرا شرم الشيخ والعقبة والتفاوض مع أمريكا وإسرائيل، نوعا من الاستيعاب لهذه الدروس والاستجابة لها؟
أما أحمد الجمال الكاتب الصحفي ومدير مكتب جريدة الخليج بالقاهرة، فقد اعتبر في بداية حديثه أنه لا يوجد ما يسمى بدرس العراق لأن الوصول للدروس يعني أن كل الحقائق قد تكشفت وظهرت كل وثائقها، وهو الأمر الذي لم يتحقق بعد بالنسبة لأحداث العراق.
لفت الجمال إلى الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الإسلاميون والقوميون في الوقت الحالي، مؤكدا على أهمية اللقاء الوطني بين مختلف القوى السياسية والوطنية على برامج الحد الأدنى للوصول إلى السبيل الأمثل لمناقشة القضايا والوصول لحلول لها.
وأشار إلى عدم قراءة العرب لتاريخهم جيدا حتى الآن ليستخلصوا منه الدروس التي تحول بينهم وبين الاستبداد بمختلف أشكاله ودرجاته، وتساءل عما إذا كان الواقع العربي يستعصي على الفكرة الحزبية باعتبارها فكرة عقلانية لا تناسب مجتمعا عاطفيا كالمجتمع العربي، وعما إذا كان الأنسب لهذا المجتمع هو إيجاد صيغ سياسة أخرى كالنقابات والجمعيات الأهلية وغيرها؟
لفت الجمال إلى ظاهرة خطيرة متكررة في الواقع العربي، وهى الترويج لفوائد الاستعمار كما حدث إبان الاحتلال البريطاني لمصر عام 1882 وهو ما يتكرر حاليا تجاه الاستعمار الأمريكي للعراق، والذي يرى البعض أن فيه فوائد ومنافع ويروجون لذلك.
وبدأ القيادي اليساري المهندس أحمد بهاء الدين شعبان عضو الحملة الشعبية المصرية لدعم الشعب العراقي بالإشارة إلى دروس كثيرة سابقة لم يستفد منها العرب، ومنها نكبة عام 1948 وهزيمة المشروع النهضوي الحضاري لمحمد علي، والذي تمثل في أنه حينما تكون هناك قوة إيجابية ففي مصر، فإنها تمتد وبحكم الواقع إلى أفقها العربي وأنه حينما تصل مصر لذلك فإن هناك من يتربص بمصر كما حدث مع محمد علي وجمال عبد الناصر.
قال شعبان إن الواقع الحالي في العراق أنه أصبح دولة محتلة محكومة بما يسمى التحالف الأمريكي البريطاني وأنه توجد هناك عمليات مقاومة مستمرة ومحاولات لبسط نفوذ الاحتلال على كافة أراضي العراق، إلى جانب انكشاف ذرائع الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق وفي مقدمتها أسلحة الدمار الشامل، بما يطرح السؤال حول حقيقة الدوافع الأمريكية البريطانية، والتي تتمثل في الدفاع عن مصالحها وليس مواجهة نظام قمعي أو البحث عن أسلحة دمار شامل.
اعتبر شعبان أن هناك عدة دروس أساسية يمكن استخلاصها من أحداث العراق، ومن بينها أن الأنظمة القمعية لا يمكن لها أن تصمد في مواجهة أي تهديد، سواء كان خارجيا أو داخليا وأنها تسعى فقط للدفاع عن النخبة الضيقة الحاكمة والمرتزقة الذين يرتبطون بمثل هذه الأنظمة.
أضاف أن ثاني الدروس يتمثل في أن الشعب هو وحده الذي يشعر بالكرامة والانتماء للوطن وثرواته وأنه الوحيد الذي يستطيع الدفاع عن وطنه في مواجهة الخطر الخارجي،وأن ينتصر عليه مهما كان فارق القوة بينه وبين العدو، وأشار إلى درس آخر يتمثل في أن الحرية ليست هبة من الطرف الأقوى وأنه لا يوجد أجنبي طامع في ثروات وطن يمكن أن يمنح الحرية لشعب هذا الوطن لإدراكه أن الشعب الذي يملك الحرية، سيقاوم المغتصب، وخلص من ذلك إلى أن المراهنة على أن الولايات المتحدة ستأتي بالحرية والديمقراطية هو وهم كبير، يروج له اللوبي الأمريكي في المنطقة العربية.
استطرد شعبان، مشيرا إلى أن الانتصار في معركة الديمقراطية مرهون بتطور القوة الداخلية في أي مجتمع وأن انتظار منحة الديمقراطية على أجنحة القوة الغازية وهم كبير يستوجب أن تسعى القوى الوطنية في المجتمعات العربية لانتزاع حقوقها الديمقراطية، لافتا إلى أن أي تغيير تحدثه القوى الغازية لن يكون أبدا لصالح القوى الداخلية وإنما لمصلحتها حتى لو أخذ هذا التغيير شكلا ليبراليا وديمقراطيا ظاهريا.
أضاف أن عملية التغيير في المجتمع يجب اعتبارها قضية حياة أو موت للمجتمع وليس استجابة لضغوط خارجية، بما يستوجب السعي لبناء مجتمع حر ومواطن شجاع.
وأكد أنه لا مفر أمام الجميع في المجتمعات العربية وعلى اختلاف منطلقاتهم الفكرية من التضامن في نضال مشترك لبناء مجتمع ديمقراطي يتأسس على الشفافية ومحاربة الفساد ونبذ العنف كأداة لتحقيق تغيير انقلابي في المجتمع، كما يقوم على الاعتراف بالحق في التعبير السلمي عن الرأي وتداول السلطة وبناء مجتمع جديد يتسع لكل الفرقاء فيه.
حذر شعبان من انجرار المثقفين إلى متابعة التفاصيل الصغيرة في أحداث العراق دون وقفة موضوعية لمناقشة دروسها، مشيرا إلى التحديات التي تواجه الحكومات في مصر والسعودية وإيران وسوريا وغيرها حاليا.
أما الدكتور جهاد عودة أستاذ العلاقات الدولية بجامعة حلوان فقد أشار بداية إلى أن حدثا كبيرا كغزو العراق هو حدث معقد، ولم تتوافر معلوماته جميعا بعد ولذلك فإن أي تحليل له يتم في إطار معلومات ناقصة ومشوهة في كثير من الأحيان.
قال عودة نحن نعيش في إطار نظام دولي يمر بلحظة استراتيجية غير مسبوقة تتمثل في سيادة القطب الواحد فيه، معتبرا أن هناك قصوراً عربياً في فهم ذلك بسبب ما وصفه بافتقاد العرب للثقافة السياسية الحقيقية وللخبرة التاريخية في الاستقلال.
أوضح عودة أن الخبرة الضعيفة للعرب في الاستقلال، وهو ما تتمتع به دول أخرى مثل فرنسا وإنجلترا يجعل العرب مطالبين بالدفاع عن هذا الاستقلال بدون أن يعرفوا ماذا يفعلون، وعما إذا كان يجب عليهم التحالف مع أمريكا ومراعاة مصالحهم طويلة المدى أم لا؟!
استطرد عودة معتبرا أن العرب يواجهون إشكالية أخرى هى في رأيه إشكالية المقاومة وقال إن الأمم والدول التي تواجه أزمات يأتيها على الفور الشعور بالمقاومة، لكن العرب –والكلام لعودة- ليس لديهم نماذج للمقاومة والنماذج الموجودة لا تتعدى ثلاثة في التاريخ الحديث واستغرقت أوقاتاً قصيرة، لكن لم تكن هناك نماذج باهرة ولا يوجد لدى العرب نموذج نظري للمقاومة المدنية في دولة مثل مصر شديدة البيروقراطية.
قال عودة إن النماذج الموجودة لا تقدم سوى الكلام الحماسي وأن هناك محاولات طيبة، لكنها في النهاية لا تقدم رصيدا أو تدعيما لفكرة المقاومة، معتبرا أن العرب يفتقدون أيضا لرصيد التكنولوجيا والإنتاج ولا يملكون غير الغضب والضيق طوال الوقت.
طرح عودة إشكاليات أخرى إضافة للإشكاليات السابقة من هذه الإشكاليات ما وصفه باختفاء فكرة الضرورة الاستراتيجية في النظام العالمي الحالي، مشيرا إلى أن القرار 1483 دلل على أن الأمم المتحدة لا تقوم مهمتها على الحفاظ على استقلال الدول وإنما فرض الوصاية على هذه الدول.
رأى عودة أن هناك إشكالية أخرى تتمثل في السعي للتغيير والديمقراطية وفي نفس الوقت الوقوف ضد من يطالب بنفس الأمور للمجتمعات العربية، مدللا على ذلك بأن هناك وثائق مصرية كثيرة للمثقفين تطلب الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولكن عندما طلبت دولة في النظام الدولي –أمريكا- ذلك رفضوا ذلك ووصفوه بالإمبريالية والاستعمار، مشيرا إلى أن ماركس احتفل باحتلال أمريكا للمكسيك واحتفلت إنجلترا بالاستعمار الفرنسي للجزائر ومتسائلا عما إذا كان العرب يستطيعون الفصل بين الديمقراطية والاستعمار ومخذرا من أنه ما لم تجد الجماعة الوطنية حلا لهذه الإشكالية بنفسها فسوف يفرض عليها هذا الحل.
واعتبر أن هناك إشكالية أخرى تتمثل في كيفية الاندماج في العالم وفي نفس الوقت الحفاظ على الثقافة الوطنية وقال إن الجماعة الوطنية مطالبة ببذل مجهودات ذهنية في هذا المجال وليس الاكتفاء بالرفض أو التحفظ، كما حدث في الثلاثينيات والأربعينيات.
وبدأ نجاد البرعي المحامي والمدير السابق لجماعة تنمية الديمقراطية حديثه بالإشارة إلى فوارق بين ما حدث في يونيو 1967 وما حدث في أبريل 2003 وأن هذه الفوارق تتمثل في أنه كان لدى القيادة السياسية والجماعة الثقافية المصرية في عام 1967 شجاعة الاعتراف بما وقع وأن الرئيس عبد الناصر تكلم عن مسئوليته ثم عن سقوط دولة المخابرات وبعدها بيان 30 مارس الذي تحدث عن مراكز القوى وغياب الديمقراطية.
أشار البرعي إلى أنه رغم غياب النظام العراقي، إلا أن الصوت الموجود حاليا هو صوت المتعاطفين والمحبين له والذين يتحدثون عن مؤامرة على العراق وعلى خيانة تعرض لها صدام حسين منتقدا ما وصفه بخيانة المثقفين المصريين والتي تتمثل في أنه ورغم أن صدام حسين لم يقم بأي جهد مباشر لنصرة القضية الفلسطينية،إلا أنه قد تم تحويله إلى رجل القومية العربية وأنه سيحرر فلسطين.
وعدد البرعي دروسا لأزمة العراق تمثلت في رأيه في ضرورة الاعتراف بالهزيمة وإعادة صياغة العلاقة بين النخب الحاكمة وقادة الفكر والرأي في العالم العربي ثم النظر بشك –حسب قوله- إلى كل من يتكلم كثيرا عن الوطنية والبحث عن خلفية العلاقة بين المثقفين في مصر والسلطات في أماكن كثيرة في المنطقة، وبما فيها السلطات المصرية ذاتها.
أضاف البرعي أن من الدروس أيضا أن الديمقراطية يجب أن تأتي بمساعدة خارجية، وأنها في الغالب لا تأتي إلا بتلك المساعدة، معتبرا أن الزعيم الوطني المصري مصطفى كامل قد دخل التاريخ بجولته في فرنسا للدعوة إلى تحرير مصر.
أرجع البرعي رأيه في أن الديمقراطية لا تأتي إلا بمساعدة خارجية، إلى أن الحكومات الاستبدادية تسد كل منافذ تحقيق الديمقراطية، مدللا على ذلك بأن أول صحيفة صدرت في العراق كانت صحيفة الحزب الشيوعي العراقي وأن أول مظاهرة كانت شيعية وهما الجانبان –الشيعة والشيوعيون- الذان تعرضا للقمع على أيدي نظام صدام حسين.
رأى البرعي أن ما حدث في العراق بعد الاحتلال أثبت خطأ من تكلموا عن تقسيم العراق، معتبرا أن الأحداث أوضحت اتفاق مصلحة الأمريكيين والقوميين العرب على أن يبقى العراق موحدا.
وأشار إلى أن النظم القومية قد تفقد هويتها الخاصة بالتحالف مع الفاشية الدينية، مدللا على ذلك بوضع صدام حسين لكلمة “الله أكبر”على العلم العراقي وقيامه بعملية أسلمة الدولة العراقية.
آراء البرعي وعودة أثارت جدلا ساخنا ولفت أحمد الجمال إلى أن مصطفى كامل كان يحاول تكوين رأي عام عالمي، مطالبا –الجمال- بعدم الاستسلام للإرادة الأمريكية، وعدم الاستسلام للهزيمة الداخلية والابتعاد عن التمادي في الآراء التي تؤدي للضعف.
فيما انتقد المهندس أحمد بهاء الدين شعبان الحملة التي يتعرض لها بعض الرموز المناهضة للعدوان الأمريكي على العراق واتهامهم بتلقي أوامر من الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وقال إن هذا يمثل تشويها لمواقف وطنية رفضت الحرب ووقفت ضد الإمبريالية الأمريكية ودافعت عن المصالح العربية، مشيرا إلى دور المخابرات الأمريكية في الترويج لهذا التشويه.
وأكد أن الشعوب العربية تمتلك مخزونا كبيرا من الخبرة الوطنية ومقاومة المستعمرين، ودعا للترفع عن تخوين الفكر المخالف والالتفات للمأزق الحقيقي الذي تمر به الأمة العربية، مشيرا إلى أن الشعب المصري كان من أول المتضررين من الاحتلال الأمريكي للعراق.
ولفت بهي الدين حسن إلى كيفية استخلاص الحكومة السورية للدرس العراقي بمعرفة ما تريده أمريكا والقيام به على الفور، ولكن في نفس الوقت لم تقم بعد بفتح نسائم الحرية للشعب السوري، وأشار إلى التغير في صورة الشعب العراقي لدى الرأي العام العربي فيما قبل 9 أبريل 2003 عما بعدها، حيث كان الشعب العراقي قبل 9 أبريل غير الشعب العراقي الذي تم اكتشافه بعدها وصدم فيه الجميع.
Share this Post