قال مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ومؤسسة الكرامة، وهيومن رايتس ووتش اليوم إن على قاضي التحقيق المعين مؤخراً للتحقيق في أحداث العنف التي وقعت ببورسعيد منذ شهر أن يفتح تحقيقاً كاملاً في مسؤولية الشرطة عن وقائع القتل غير المشروع في سياق تلك الأحداث. توفي 42 شخصاً، بينهم اثنان من ضباط الشرطة، بعد أن أوصت إحدى المحاكم في 26 يناير/كانون الثاني 2013 بالحكم على 21 من سكان بورسعيد بالإعدام لارتكاب جرائم قتل بعد مباراة لكرة القدم قبل عام. من المقرر أن تتأكد العقوبة وأن يصدر حكماً على المتهمين الـ52 الباقين في 9 مارس/آذار.
تشير الأدلة التي جمعتها المنظمات الأربع إلى أن الشرطة فتحت النار حين تعرضت لإطلاق نار يوم 26 يناير/كانون الثاني، فقتلت وجرحت عدداً من المحتجين والمارة. كما استخدمت الشرطة الطلقات الحية في اليومين التاليين، حين كان التهديد الواقع على الأرواح غير واضح في أفضل الأحوال. بعد يومين من الاحتجاجات الشعبية في بورسعيد بسبب قتل المحتجين، قام وزير العدل أحمد مكي يوم 18 فبراير/شباط بتعيين قاضي تحقيقات، وهو عبد العزيز شاهين، للتحقيق في الأحداث. لكن أحداً من ضباط الشرطة لم يتهم بشيء.
قالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “على الرئيس محمد مرسي أن يقر علناً بأن حق الشرطة في استخدام القوة المميتة ليس بدون ضوابط، حتى إذا تعرضت للهجوم، وأن يأمر الشرطة بقصر استخدام أي نوع من القوة على حالات الضرورة القصوى. إن غياب إصلاح الشرطة، وقوانين عهد مبارك التي تمنح الشرطة طلاقة يد في استخدام القوة المميتة، وغياب المحاسبة، تعني كلها أننا سنشهد مثل هذه الاستجابات المفرطة مراراً وتكراراً”.
يعد استخدام القوة المميتة غير المشروعة مشكلة طويلة الأمد في مصر، نتيجة لقوانين عهد مبارك التي تتيح للشرطة سلطة تقديرية واسعة في استخدام القوة المميتة والأسلحة النارية بدون إنشاء أية آلية لمحاسبة أفرادها عند استخدام تلك السلطات.
قالت المنظمات إن تحقيق النيابة المبدئي في أحداث بورسعيد شابته مخالفات إجرائية، تشمل الاحتجاز التعسفي ومزاعم بالتعذيب. لم تبدأ النيابة التحقيق في الأحداث قبل 29 يناير/كانون الثاني، فأدى التأخير لمدة 3 أيام إلى إعاقة التحقيق من البداية، حيث لم يزر وكلاء النيابة مسرح الأحداث ولا أشرفوا على تشريح الجثث. والأنكى أن وكلاء النيابة أخفقوا في استدعاء ضابط شرطة واحد لاستجوابه بشأن استجابة الشرطة، فلم يستجوبوا سوى السكان الـ36 المعتقلين حتى الآن بتهم حيازة واستخدام أسلحة نارية.
قام باحثون من المنظمات الأربع بزيارة بورسعيد لمدة 3 أيام بدأت في 27 يناير/كانون الثاني، وقاموا بجمع أدلة من شهود العيان وبزيارة المستشفيات وبإجراء المقابلات مع الطواقم الطبية والخبراء الجنائيين والمصابين وعائلات الضحايا. كما زاروا موقع إطلاق النار وراجعوا مقاطع فيديو وحصلوا على تقارير الصفة التشريحية وشهادات الوفاة.
وتوحي الصورة الناجمة عن هذا كله بأن ما يقرب من سبعة رجال مجهولي الهوية فتحوا النار على الشرطة أمام سجن بورسعيد العمومي يوم 26 يناير/كانون الثاني، وكان هذا بعد وقت قليل من قيام قاض بالحكم على 21 من سكان المدينة بالإعدام في العاشرة صباحاً، مديناً إياهم بالمسئولية عن جرائم قتل وقعت في استاد لكرة القدم يوم 1 فبراير/شباط 2012. تمكن المسلحون الذين استخدم بعضهم أسلحة آلية من قتل 2 من ضباط الشرطة وجرح 10 آخرين في ما زعمت وزارة الداخلية أنه محاولة فاشلة لاقتحام السجن. إلا أن الوزارة لم تقدم أدلة تؤيد هذه النظرية، وشهادات الشهود الذين أجرت معهم المنظمات مقابلات لا تؤيد رواية الوزارة.
أطلق رجال الشرطة الذخيرة الحية من سطح السجن وساحاته، وبانتهاء الصباح كانت حصيلة القتلى قد بلغت 28 شخصا، هم ضابطا الشرطة و26 شخصاً من خارج السجن.
أكد الشهود أن الشرطة ظلت تطلق النار على الناس في محيط السجن لما يناهز الساعة بعد توقف النيران الموجهة إلى الشرطة، فتسببت في عدد من الوفيات والإصابات. وقال 5 شهود على الأقل للمنظمات إنهم شاهدوا عربات شرطة مدرعة تتحرك عبر شوارع بعيدة عن السجن وبداخلها أفراد شرطة يطلقون النار عشوائياً على المارة، مما أدى إلى وفيات وإصابات.
قال أحد كبار مسئولي الأمن في بورسعيد لإحدى المنظمات: “لم يُقتل أحد ممن أطلقوا النيران على الشرطة. ونحن الآن نقبض عليهم بناءً على ما التقطته كاميرات المراقبة”.
قال حسام بهجت، مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية: “بناءً على الأدلة المتوافرة، تحول ما قد يكون قد بدأ كفعل من أفعال الدفاع عن النفس إلى استخدام غير مشروع للقوة، حيث ظلت الشرطة تطلق النار بعد توقف التهديد الموجه ضدها بوقت طويل. وإذا صح هذا فإن هذا الاستخدام غير المشروع للقوة المميتة ليس سوى الأحدث من نوعه في قائمة طويلة من الحالات التي أظهرت فيها الشرطة المصرية ميلها الخطير لتجاوز القوانين التي تلتزم بحكم واجبها بحمايتها”.
على مدار اليومين التاليين وقعت مواجهات إضافية بين الشرطة والمحتجين أمام قسمي شرطة العرب والمناخ، فقام بعض المحتجين بإطلاق الحجارة وزجاجات المولوتوف على الشرطة، التي ردت بإطلاق الذخيرة الحية الكثيفة والعشوائية، فتسببت في مقتل 7 أشخاص على الأقل. كما أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع في 27 يناير/كانون الثاني على موكب جنازة كانت تشيع بعض ضحايا أحداث اليوم السابق، بعد أن قذف المشيعون بوابات نادي الشرطة بالحجارة، رغم أن أربعة شهود قالوا إنه لم يكن هناك استخدام للقوة ضد الشرطة ولا وقع عليها تهديد ظاهر. أدى إطلاق الغاز المسيل للدموع إلى فرار المشيعين، واحتاج 419 شخصاً على الأقل إلى علاج بالمستشفى من متاعب تنفسية جراء التعرض للغاز المسيل للدموع.
بنهاية الأيام الثلاثة، ارتفعت حصيلة القتلى إلى 42، بينهم ضابطا الشرطة، واستقبلت المستشفيات المحلية 874 مصاباً، بحسب وزارة الصحة. كان أصغر الموتى سناً، وفق مراجعة لسجلات مديرية الشؤون الصحية، هو عبد الرحمن سلامة، 15 سنة. نقل مسئولو الأمن جرحى الشرطة وقتلاها إلى مستشفيات الشرطة، في حين عولج الآخرون جميعاً في المستشفيات العامة ببورسعيد ومحافظات أخرى.
قال رشيد مسلي، المدير القانوني لمؤسسة الكرامة: “في أحيان كثيرة تبدو الشرطة المصرية وكأنها لجأت إلى إجراءات متطرفة مثل استخدام الطلقات الحية في مواجهة الاضطرابات العامة، بدلاً من الاستعانة بالممارسات الشرطية المتناسبة والمصممة لنزع فتيل الصراع والعنف مع الالتزام بالقانون”.
أكد الدكتور عبد الرحمن فرح، مدير المستشفيات بمديرية الشؤون الصحية في بورسعيد، أن الأغلبية الساحقة من القتلى قتلوا بطلقات حية. وأصيب معظمهم في النصف الأعلى من الجسم، 11 منهم في منطقة الرأس والعنق، فيما أصيب اثنان بطلقات في الرأس من الخلف. قال طبيب شرعي قام بإجراء بعض عمليات التشريح إنه بخلاف رجل واحد توفي بنوبة قلبية نجمت عن التعرض المفرط للغاز المسيل للدموع، فإن الآخرين جميعاً أصيبوا بطلقات من عيار 7,62 ملم التي تستخدمها الشرطة، إلا أنها أيضاً متاحة على نطاق واسع في السوق السوداء.
خلص الطبيب الشرعي إلى أن معظم قتلى يوم 26 يناير/كانون الثاني أصيبوا من مبعدة ومن أعلى، بما يدل على احتمال إصابتهم من قبل رجال الشرطة الذين تمركزوا فوق سطح السجن وأطلقوا النار على الحشود بعد أن بدأ الهجوم على السجن.
لم تعترف وزارة الداخلية ولا رئيس الجمهورية بأي خطأ من جانب الشرطة في بورسعيد. بل على العكس، قام الرئيس في خطابه بتاريخ 27 يناير/كانون الثاني بتوجيه الشكر إلى الشرطة وأصدر لها تعليماته بالتعامل “بمنتهى الحزم والقوة” مع أي عنف أو اعتداء على الأمن، لكنه لم يذكر الالتزام بالتحقيق في تجاوزات الشرطة. وأعلن بدلاً من هذا فرض حالة الطوارئ وحظر التجول الليلي من التاسعة مساءً إلى السادسة صباحاً لمدة 30 يوماً، وهو ما تجاهله السكان سريعاً بالمسيرات الليلية ومباريات كرة القدم.
قالت المنظمات إن على السلطات المصرية أن تضمن قيام قاضي التحقيق بإجراء تحقيق محايد ومستقل في أحداث بورسعيد، ومحاكمة أي شخص تظهر ضده أدلة بارتكاب أي جرم، بما فيه القتل غير المشروع أو الاستخدام غير المشروع للقوة. وينبغي للتحقيق أن يشمل دور مسئولي الأمن الذين أمروا بذلك الرد و/أو شجعوا عليه، أو أخفقوا في ممارسة الضبط اللازم للقوات على مدار أيام العنف الثلاثة. كما ينبغي إنصاف ضحايا أي انتهاك لحقوق الإنسان وعائلاتهم وتعويضهم بشكل ملائم.
قال زياد عبد التواب، نائب مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان: “تأتي أحداث بورسعيد كتذكير صارخ بالحاجة الماسة إلى إصلاح الشرطة، بدءً بتحقيقات علنية ومستقلة في وقائع القتل في بورسعيد. ومالم تتوافر إرادة سياسية كافية لإدانة مثل هذه الأحداث وضمان المحاسبة عليها فإن الحلقة المفرغة من الرد المفرط والاستخدام العشوائي للقوة المميتة ستستمر من جانب الشرطة”.
يتوجه مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ومؤسسة الكرامة، وهيومن رايتس ووتش إلى السلطات المصرية بالتوصيات التالية:
– العمل على قيام قاضي التحقيقات بإجراء تحقيق مستقل ومحايد في أحداث بورسعيد. وضمان تقديم أي شخص تظهر ضده أدلة بأي جرم، بما فيه القتل غير المشروع والاستخدام غير المشروع للقوة، إلى المحاكمة. والتحقيق في مسؤولية أي مسئول أمني أمر و/أو شجع على ذلك الرد أو أخفق في ممارسة الضبط اللازم للقوات على مدار الأيام الثلاثة، وضمان حصول ضحايا أي انتهاك لحقوق الإنسان وعائلاتهم على تعويض مناسب.
– نشر تقرير لجنة تقصي الحقائق الرئاسية التي حققت في وقائع عنف الشرطة ضد المتظاهرين في الفترة بين يناير/كانون الثاني 2011 ويونيو/حزيران 2012 ورفعت تقريرها إلى الرئيس في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2012.
– إعطاء الأولوية لإصلاح قوات الأمن المركزي. وعلى الرئيس أن يراجع الأوامر التي يصدرها مسئولو وزارة الداخلية للقوات على مستوى الشارع وأن يأمر الوزارة علناً بالالتزام بالمعايير الدولية فيما يتعلق باستخدام القوة والأسلحة النارية، وخاصة مبادئ الأمم المتحدة الأساسية المتعلقة باستخدام القوة والأسلحة النارية.
– تعديل المادة 102 من قانون هيئة الشرطة رقم 109 لعام 1971 بحيث تقصر استخدام القوة المميتة على حالات الدفاع عن النفس أو الآخرينضد تهديد وشيك بالموت أو بالإصابة الخطيرة، أو لمنع ارتكاب جريمة بالغة الخطورة تتضمن تهديدا جسيما للأرواح, أو للقبض على شخص يمثل الأخطار المذكورة ويقاوم سلطة الشرطة، أو منع فراره/ها، وهذا فقط حينما يثبت عدم كفاية الوسائل الأقل شدة لتحقيق هذه الأهداف. والتشاور مع مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحرية التجمع وتكوين الجمعيات بشأن كيفية ضمان أمن المتظاهرين وتنظيم الاحتجاجات السلمية
– إلغاء مرسوم وزارة الداخلية رقم 156/1964 الذي يسمح باستخدام الذخيرة الحية لتفريق المتظاهرين، وإبداله بمرسوم يتفق مع المعايير الدولية للحفاظ على الأمن. تحظر هذه المعايير استخدام الأسلحة النارية والذخيرة الحية في مواجهة المظاهرات والاضطرابات العامة، وتلزم الشرطة في كافة المواقف الأخرى باستخدام القوة المميتة فقط بالقدر اللازم لحماية أرواحهم وأرواح الآخرين.
– تعديل قانون السلطة القضائية بحيث يضمن الاستقلال التام لمكتب النائب العام عن الحكومة.
– القبول دون إبطاء لكافة طلبات الزيارة المعلقة المقدمة من مقرري الأمم المتحدة والفرق العاملة المواضيعية الخاصة، بمن فيهم المقررين الخواص المعنيين باستقلال القضاة والمحامين وبالمدافعين عن حقوق الإنسان وبالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة وبتعزيز وحماية حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب وبالحق في حرية التجمع وتكوين الجمعيات، و الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي والفريق العامل المعني بالاختفاء القسري أو غير الطوعي.
إطلاق النار أمام سجن بورسعيد
طوال أربعة أيام قبل حكم المحكمة المقرر صدوره يوم 26 يناير/كانون الثاني، كانت مجموعة صغيرة من المتظاهرين تعتصم بشارع محمد علي أمام السجن الذي ينتظر تسليم الحكم إليه، وتطالب السلطات بإبقاء المتهمين في بورسعيد بدلاً من نقلهم إلى القاهرة. ثم تجمع مئات آخرون أمام السجن قبل أن يعلن قاضي المحاكمة في العاشرة من صباح يوم 26 يناير/كانون الثاني أن المحكمة حكمت على المتهمين الـ21 بالإعدام. اتسمت ردود أفعال الحشد المنتظِر بالصدمة والغضب. ومع انتشار الخبر توافد المزيد من المحتجين. ألقى بعضهم بالحجارة. وردت الشرطة بإطلاق الغاز المسيل للدموع وطلقات الخرطوش على المتجمهرين.
بحسب أربعة شهود أجرت معهم المنظمات مقابلات، قام عدد من الرجال بفتح النار على السجن من أسلحة آلية بمجرد الإعلان عن أحكام الإعدام تقريباً. كما وصفت إحدى السيدات أنها رأت رجلاً يمر أمام السجن بدراجة نارية ويطلق النار في اتجاهه. قتل المسلحون 2 من ضباط الشرطة، تحدد أنهما أحمد أشرف البلكي وأيمن عبد العظيم، وجرحوا 10 منهم بحسب تقرير وزارة الداخلية، أثناء تبادل الطلقات النارية مع الشرطة.
غير أن الشهود قالوا إن الشرطة واصلت إطلاق النار في اتجاه المحتجين والمارة لمدة تناهز الساعة بعد أن توقف إطلاقها على الشرطة، فتسببت في وقوع المزيد من الضحايا. كان بعض رجال الشرطة قد انتشروا على سطح السجن وخرج بعضهم الآخر من السجن بعربة مدرعة واحدة على الأقل كانوا يطلقون النار من داخلها على المحتجين. قالت ممرضة كانت مناوبة في ذلك الوقت بمستشفى بورسعيد العام إن أوائل الإصابات وصلت بعد العاشرة صباحاً بقليل، لكن معظم من أصابهم الرصاص كانوا قد توفوا فعلاً ويبدو من جراحهم إنهم أصيبوا من أعلى.
قال صحفي من بورسعيد كان في مسرح الواقعة من البداية: ألقى البعض بالحجارة على السجن، وهو ما ردت عليه الشرطة بإلقاء الغاز المسيل للدموع. بعد دقائق قليلة سمعنا طلقات نارية. كان هناك 3 أو 4 أشخاص يقفون وسط المحتجين ويطلقون النار [على الشرطة] وكان معهم سلاحان آليان وطبنجة. واصلوا إطلاق الرصاص حتى نفدت ذخيرتهم. نعرف أيضاً أن رد الداخلية عنيف دائماً، لكن هذا كان يتجاوز مجرد العنف ويصل إلى مستوى الغباء. كان هناك نحو 4-6 رجال شرطة يحملون الأسلحة ويقفون على سطح السجن ويطلقون النار عشوائياً إلى أسفل. في لحظة معينة خرج 4 ضباط من السجن وأُطلق عليهم الرصاص. أصيب اثنان منهم. خرجت العربة المدرعة من السجن وكان رجلا شرطة يطلقان النار من سطح العربة.
قال رجل آخر إنه ذهب إلى السجن فور سماع الحكم في القضية، فوصل في نحو الحادية عشرة صباحاً: كانت هناك عربة مدرعة خارج السجن تطلق النار على الناس. لم ار أي غاز مسيل للدموع، في تلك اللحظة كان هناك إطلاق للنيران فقط. رأيت إصابات كثيرة. كنا نقف خلف أحد المباني لكن رجلاً قريباً منا أصيب بطلقة في عنقه. وصدمت عربة الشرطة رجلاً آخر، فساعدت في حمله بعيداً. كان الرد من داخل السجن قاسياً. كان هناك رصاص من جانب المحتجين، لكنه توقف بعد قليل.
قال شاهد آخر، هو إ. إ.، إنه بلغ محيط السجن الساعة 10:45 صباحاً، ورأى رجلين يصابان بالرصاص قبل أن تصيبه رصاصة بدوره: كانت الشرطة تطلق علينا الغاز المسيل للدموع والمزيد من الذخيرة الحية. كنت أقف خلف أحد المباني ورأيت رجلين يقفان على مقربة يصابان بالرصاص ويسقطان في الشارع. كان كلاهما أعزل. وكان هناك من يلقون الحجارة على السجن، لكن هذا أقصى ما حدث من جانبنا. في لحظة معينة تخليت عن الاحتماء بالمبنى للمساعدة في رفع شاب كان قد سقط على بعد 3 أمتار تقريباً من السجن، ويبدو أنه كان يختنق من الغاز المسيل للدموع. أمسكت به ورفعته لحمله وكنت أوشك على بلوغ المبنى، حين اخترقت رصاصة مؤخر فخذي اليمنى. اتضح أن الجرح كان سطحياً، لكنني غادرت متجهاً إلى المستشفى.
استخدمت الشرطة أيضاً بنادق الخرطوش. قال مصعب جمعة إنه كان قد شارك في الاعتصام وكان على بعد نحو 100 متر من السجن حينما أصيب في ظهره ويده وفخذه ورأسه بكريات الخرطوش الذي أطلقته الشرطة. كما أصيب والده، الذي كان يقف بجواره، بجرح في يده.
القتل غير المشروع للمحتجين العزل والمارة
من خلال مقابلات مع العديد من الشهود الذين كانوا في مسرح الوقائع، ومضاهاة أقوالهم بمقاطع الفيديو المصورة في بورسعيد، تمكنت المنظمات الأربع من جمع أدلة تشير بقوة إلى أن الشرطة قتلت بالرصاص عدداً من العزل. في أحد مقاطع الفيديو يمكن رؤية رجل يقف مع آخرين عند ركن قرب السجن، ثم يصاب ويسقط على الأرض بينما يختبئ الآخرون، ثم يجرونه بعيداً تاركين أثراً من الدماء. ولا يوجد ما يشير إلى أنه كان يحمل السلاح أو يستخدمه.
قال أحمد يحيى، وهو أحد الشهود، إنه شاهد تامر الفحلة، حارس المرمى السابق بفريق المصري البورسعيدي لكرة القدم، يصاب في عنقه، وإنه لم يكن يستخدم العنف أو السلاح: “أصيب أمامي مباشرة. كان يتطلع فقط من خلف أحد المباني حين أصيب من اتجاه السجن”. وتبين السجلات الرسمية لمديرية الشؤون الصحية أن سبب وفاة تامر الفحلة هو “طلق ناري أسفل الرقبة”.
قال شاهد آخر اسمه منتصر إنه شاهد ضابط شرطة يطلق النار على طفل في التاسعة. وقالت سلوى السيد قزاز، والدة أحد المتهمين الـ21 المحكوم عليهم بالإعدام، إنها بدورها شاهدت الطفل يصاب بالرصاص: كنت أرى ستة ضباط على سطح السجن يطلقون الرصاص. بدأ إطلاق الرصاص من سطح السجن. وأطلق أحدهم النار على طفل في التاسعة كان يقف أمام مبنى على الجهة المقابلة من السجن. سقط الطفل على الأرض وكان ينزف من فمه. وكان هناك رجل خرج من أحد المباني يحمل كيساً به حليب، فأُطلقت عليه النار بدوره وانسكب الحليب. وعند هذه اللحظة جرني الناس بعيداً.
قال ثلاثة شهود إنهم شاهدوا الشرطة تطلق النار على رجل أعزل في مقعد متحرك كثيراً ما كان يحضر المظاهرات ومباريات الكرة في بورسعيد. يمكن رؤية الرجل في أحد مقاطع الفيديو بشارع محمد علي، على بعد 100 متر على الأقل من السجن. هناك صوت طلقات نارية، ثم يصاب الرجل المقعد. قال ثلاثة شهود على الأقل إنه كان أعزلا. قال يحيى إن الشرطة أطلقت النار أيضاً على الأشخاص الذين تركوا الاحتماء بالمباني القريبة لمساعدة الرجل الجريح: “كان كل من يحاول المرور يصاب بالنيران. رأيت الرجل في المقعد المتحرك يصاب ويسقط. وأطلقت النار على الأشخاص الثلاثة أو الأربعة الذين حاولوا حمله بدورهم، فأصيب أحدهم في ساقه، وساعدت في حمله بعيداً”.
توحي الأدلة بإخفاق الشرطة في إطلاق النار عند الضرورة القصوى فقط، وبأنها في بعض الحالات أطلقت النار على أشخاص من الواضح أنهم لا يحملون سلاحاً، وبدت وكأنها تطلق النار على نحو يتعمد الإيذاء. قال خمسة شهود على الأقل إن ضباط الشرطة كانوا يطلقون الذخيرة الحية على نحو يبدو أنه عشوائي باتجاه المناطق السكنية، وفي بعض الحالات دمروا واجهات المتاجر وجرحوا وقتلوا بعض الأشخاص.
قال الشاهد إ. إ.: في نحو الرابعة والنصف كنت أقف قرب مدرسة أحمد عرابي، في شارع مواز للشارع الذي يقع به قسم الشرطة، حين رأيت عربة مدرعة تمر. قال لي الصديق الذي كنت معه أن أقف ساكناً فامتثلت، لكنني رأيت رجلين آخرين بالقرب مني يشرعان في الجري. أصيب أحدهما بالرصاص في ظهره من ضابط الشرطة في المدرعة. أخذناه إلى المستشفى لكنه كان قد مات.
قال أحمد سعيد، الذي أجريت معه مقابلة في المستشفى حيث كان يتلقى العلاج من جرح ناجم عن طلق ناري في رئته اليسرى:أعمل في “سوق التلات”. كنت أسير في شارع محمد علي، ولم أكن قريباً من السجن بأي حال، وبينما كنت أسير فجأة وجدت عربة شرطة تتقدم نحوي. وفجأة استدارت العربة وأصبت برصاصتين. كما أصبت أيضاً بالخرطوش. بلغت هذا المستشفى في نحو الساعة 10:20 صباحاً.
قالت والدة إبراهيم الوشاحي إن ابنها كان في شارع الصباح، على بعد 500 أو 600 متر من قسم شرطة العرب، وذهب لشراء الكشري للغداء فأصيب في الرأس وقتل على الفور. أكد تقرير طبي مبدئي أنه أصيب بالذخيرة الحية. وأكد الشهود أن أفراد الشرطة هم من أطلقوا النار على إبراهيم. قال محمود، موظف الميناء إنه في نحو العاشرة أو العاشرة والنصف من صباح يوم 26 يناير/كانون الثاني كان في طريقه إلى العمل وإن السائق أنزله في شارع الصباح ورفض التقدم أبعد من ذلك.
وقال إنه كان يسمع أصوات الطلقات من بعد لكنه كان على مسافة أكثر من 150 متراً من السجن: كنت أسير بجوار مقهى بصلة حين وجدت نفسي فجأة على الأرض. أصبت بطلق ناري في مؤخر فخذي اليمنى، واخترقتها الرصاصة وكسرت العظم. جرى نحوي رجل وحملني على ظهره لإبعادي لكنه أصيب بطلق ناري بدوره وهكذا سقط كلانا على أرض الشارع.
قال محتج آخر إنه كان في طريقه إلى منزله في نحو الثالثة والنصف أو الرابعة مساءً وبينما كان يمشي بجوار مقهى بصلة أصابته رصاصة فاخترقت ساقه. وتم نقله جواً إلى القاهرة للعلاج.
قال محمد فؤاد، صاحب أحد المحال إن محله يبعد نحو 700 متراً عن قسم شرطة حي العرب. وقال إنه في مساء 26 يناير/كانون الثاني “كانت هناك عربتان للشرطة تتحركان في الشارع نحو قسم الشرطة. لم يفعل أحد شيئاً لهما، لكن فور وصولنا إلى قسم الشرطة بدأتا في إطلاق النار علينا”.
27 و28 يناير/كانون الثاني
بعد استخدام الغاز المسيل للدموع على موكب الجنازة يوم 27 يناير/كانون الثاني، عادت المصادمات في العصر أمام قسم شرطة العرب. ألقى المحتجون بالحجارة وزجاجات المولوتوف على قسم الشركة، وأطلق آخرون النار عليه.
قال رجل إنه في نحو الخامسة مساءً تلقى مكالمة هاتفية تفيد بوفاة قريبه محمد يسري الدمياطي البالغ من العمر 31 عاماً وبأن جثته في المشرحة: كان محمد يسير نحو منزله وكان يقف في الشارع التجاري على مسافة 150 متراً من قسم شرطة العرب، حين أصيب بطلق ناري في الرأس وقتل على الفور. حين ذهبت إلى المشرحة أعطونا أكياس البقالة التي كان محمد يحملها. كان بها حفاضات للأطفال اشتراها لابنته التي تبلغ من العمر سنة. في المشرحة طلبت من الطبيب الشرعي الرصاصة فقال إنها غير موجودة لأنها نفذت من الجهة الأخرى. لم تكن هناك رصاصة واحدة بالجثث الخمس التي تم إحضارها للمشرحة في تلك الليلة.
قال المتظاهر محمود حسني إنه في نحو الثامنة مساءً كان على مسافة نحو 100 متر من قسم الشرطة. وقال إنه اختبأ في أحد المباني بسبب النيران الكثيفة التي يطلقها ضباط شرطة الذي يقفون على سطح القسم وفي العربات المدرعة في الشارع. قال “رأيت أشخاصاً يصابون في الصدر والرأس وأصبت أنا في يدي”.
قال محمد البدري، عامل الإسعاف، إنه كان يعمل يوم 27 يناير/كانون الثاني أثناء الاشتباكات المحيطة بقسم شرطة العرب ورأى أشخاصاً يلقون زجاجات المولوتوف على قسم الشرطة، وأشخاصًا يحملون بنادق الخرطوش، ورجلاً يحمل بندقية على دراجة نارية: في إحدى اللحظات اشتدت كثافة النيران وبدأ الناس يصابون. قدت عربة الإسعاف للأمام قليلاً للاقتراب من المصابين لكنهم أطلقوا النار على عربة الإسعاف. أصيبت العربة في الجانب الأيسر. وشعرت بالخطر فقدت العربة للخلف وابتعدت. جاءت الطلقة من قسم الشرطة وكان كل [الذين نقلناهم] مصابين بطلقات الذخيرة الحية في الصدر والبطن والرأس.
قال عامل إسعاف آخر هو أسامة إسماعيل إنه في إحدى اللحظات شاهد شاباً يقف أمام عربة الإسعاف ويتفرج: فقلت له “ماذا أتى بك للتفرج هنا يا بني؟ أنت صغير السن فاذهب وعد إلى بيتك”. أخيراً قال: “حسناً، سأنصرف”. وفور ابتعاده عن عربة الإسعاف جاءت رصاصة من الخلف. كنا على مسافة نحو 100 متر من قسم الشرطة ـ ولم يكن يحمل سلاحا ولم تكن لديه أية نية لمهاجمة قسم الشرطة. أصيب بطلق ناري في رأسه وقتل في التو واللحظة. ما زالت دماؤه على عربة الإسعاف.
في نحو العاشرة والنصف من مساء 28 يناير/كانون الثاني، بينما كان آلاف السكان المحتجين على حظر التجول يسيرون في مسيرة بطول شارع الثلاثيني الذي يقطع الشارع الذي به قسم شرطة العرب، سمع باحثو المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ومؤسسة الكرامة نيراناً كثيفة من بنادق آلية وساروا نحو قسم الشرطة لتحري الأمر. كان الباحثون علاوة على عدد ضئيل من المتظاهرين وأناس علقوا في مرمى النيران يقفون جميعاً عند تقاطع شارع جانبي مع شارع الثلاثيني، حين تعرضوا لنيران كثيفة من قسم الشرطة. بدت الطلقات اعتباطية. وكان الرصاص يرتد عن المباني ويحطم ألواح الزجاج في عدد من المحال المغلقة.
بعد دقائق قليلة شاهد الباحثون أسامة الشربيني، الذي يبلغ من العمر 18 عاماً والذي لم يكن يحمل أي سلاح ظاهر، يسقط على الأرض بعد إصابته بطلق ناري. لم يتمكن أيٌ من الآخرين من الوصول إليه لجره بعيداً عن مرمى النيران لأنها كانت متصلة بلا انقطاع. وأخيراً وصلت عربة إسعاف وتمكنت من نقله. ذهب الباحثون إلى مستشفى الرمد وأكدوا وفاته على الفور برصاصة في الفم، وأنه كان أعزلا.
استهداف موكب الجنازة
بدأ موكب جنازة يوم 27 يناير/كانون الثاني الذي لحق به آلاف المشيعين والمحتجين من ميدان مريم، مروراً بشارع أوجينا في اتجاه المقابر. ومر خط سيره على الناديين الاجتماعيين للشرطة والجيش، وهما المقران اللذان كثيراً ما يستأجرهما سكان بورسعيد لمناسباتهم الاجتماعية. قال محمود مرسي، أحد المحتجين، إن الموكب مر على نادي الشرطة فبدأ الناس يهتفون ضد الشرطة ويوجهون لها الإهانات. وقال صحفي من بورسعيد كان يمشي في مقدمة الموكب إن عدداً قليلاً من الناس ألقوا الحجارة على بوابة نادي الشرطة وكان الرد الفوري من الشرطة هو إطلاق ثمانية من قنابل الغاز المسيل للدموع في تتابع سريع على الحشود.
قال المتظاهر إ. إ.:كنت في المقدمة نظراً لكوني أحمل نعش عمي. وبينما كنا نمر على نادي الشرطة بدأوا يطلقون الغاز المسيل للدموع علينا. فر الناس في كل الاتجاهات. كان نعشنا مفتوحاً وسقطت بداخله قنبلة غاز مسيل للدموع. كانت كمية الغاز هائلة ولم نستطع التنفس، فسقطنا على الأرض وأسقطنا النعش وسقطت الجثة في الشارع.
أكد د. فرح، مدير المستشفيات بمديرية الشؤون الصحية، أن الأغلبية العظمى لمن دخلوا المستشفيات يوم 27 يناير/كانون الثاني كانوا يعانون من الاختناق بالغاز المسيل للدموع.
رغم أن الغاز المسيل للدموع لا يعد في العادة سلاحاً مميتاً إلا أن استخدامه يجب أن يكون للضرورة، لتفريق التجمعات العنيفة. وينتظر من الشرطة استخدام سلطتها التقديرية في أساليب السيطرة على الحشود لضمان تناسب الاستجابة مع أي تهديد بالعنف ولتجنب مفاقمة الموقف.
سير التحقيق حتى الآن
شابت التحقيق مخالفات وأخطاء إجرائية من البداية، كما قالت المنظمات. في ليلتي 29 و30 يناير/كانون الثاني قامت الشرطة والشرطة العسكرية في بورسعيد بإلقاء القبض على 22 مشتبهاً بهم بعد مداهمة منازلهم للاشتباه في تورطهم في “إطلاق النار على المتظاهرين”. قال محمد خضر، أحد محامي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية الذي يمثل المحتجزين، إن الشرطة أخذت المحتجزين إلى معسكر الأمن المركزي ببورسعيد واحتجزتهم هناك دون وجه حق لمدة يومين، بما أن معسكرات الأمن المركزي لا تعد مقرات مشروعة للاحتجاز بموجب القانون المصري.
في 30 يناير/كانون الثاني أمر المحامي العام لنيابات بورسعيد أمير أبو العز بحبس المحتجزين لمدة 4 أيام. لكن مسئولي الأمن أخفقوا في عرض المحتجزين على قاض في نهاية تلك المدة لتجديد الحبس. وبدلاً من أن يأمر القاضي بالتحقيق في مكان المحتجزين وظروف حبسهم، أجّل جلسة التجديد لمدة أسبوع. في الجلسة التالية، يوم 9 فبراير/شباط، أمر القاضي بتمديد حبسهم لمدة 15 يوماً أخرى.
قال نيازي إبراهيم يوسف، وهو محام آخر يمثل المحتجزين، إن معظمهم تعرض للتعذيب بما فيه الصعق الكهربي والجلد، وقدم طلباً لمكتب النيابة في بورسعيد يوم 10 فبراير/شباط بعرضهم على الطبيب الشرعي، وهو ما رفضت النيابة أن تسمح به.
اتهمت النيابة المشتبه بهم الـ22 بقتل البلكي، أحد ضابطي الشرطة المقتولين يوم 26 يناير/كانون الثاني، عمداً مع سبق الإصرار والترصد، وقتل الـ26 مدنياً الذين ماتوا في محيط سجن بورسعيد. قالت المنظمات إن هذه التهم مؤشر مقلق على عدم استعداد النيابة لمحاسبة ضباط الشرطة أو الإقرار بدورهم في العنف.
يمنح القانون المصري سلطة تقديرية مفرطة الاتساع باستخدام الطلقات الحية
تمنح لوائح وزارة الداخلية وقانون هيئة الشرطة سلطة تقديرية مفرطة الاتساع لأفراد الشرطة باستخدام الطلقات الحية في محيط أقسام الشرطة أو أثناء حفظ الأمن في المظاهرات.
وتوفر المادة 102 من قانون الشرطة رقم 109 لسنة 1971 لأفراد الشرطة سلطة باستخدام الأسلحة النارية تتجاوز ما يسمح به القانون الدولي. تنص مبادئ الأمم المتحدة الأساسية المتعلقة باستخدام القوة والأسلحة النارية على أن يقوم موظفو إنفاذ القانون “إلى أقصى حد ممكن باستخدام وسائل غير عنيفة قبل أن يلجئوا إلى استخدام القوة” وليس لهم أن يستخدموا القوة “إلا حيث تكون الوسائل الأخرى غير فعالة”. وحينما لا يمكن تجنب استخدام القوة، ينبغي لموظفي إنفاذ القانون “ممارسة ضبط النفس في هذا الاستخدام والتصرف بالتناسب مع خطورة الجرم” و”لا يسمح عموماً باستخدام الأسلحة النارية المميتة عن قصد إلا عندما يتعذر تماماً تجنبها من أجل حماية الأرواح”.
أما القانون المصري، في المقابل، فهو يجيز استخدام الأسلحة النارية بما يتجاوز هذه الحدود الضيقة، فيسمح لأفراد الشرطة بإطلاق النار على “التجمعات” التي تزيد عن خمسة أشخاص إذا “هددت الأمن العام”، وهو معيار أوسع كثيراً مما هو بموجب القانون الدولي، الذي يشترط أن تكون “جريمة بالغة الخطورة تنطوي على تهديد خطير للحياة”.
إن هذه الأحكام هي ما أدى جزئياً إلى سلسلة أحكام البراءة في محاكمات ضباط الشرطة عن العنف المرتكب في يناير/كانون الثاني 2011 ضد المتظاهرين في محيط أقسام الشرطة. من بين المحاكمات الـ38 أسفرت 33 منها حتى الآن عن تبرئة كافة ضباط الشرطة إما لنقص الأدلة أو عقب اكتشاف ما يثبت تصرف الشرطة دفاعاً عن النفس. نشرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية دليلا لاستخدام القوة في المظاهرات بموجب القانون الدولي: قواعد حفظ الأمن في المظاهرات والاضطرابات العامة.
Share this Post