العدالة الانتقالية والعزل السياسي … في سؤال و جواب
مفهوم العدالة الانتقالية هو حلقة الوصل بين مفهومين عموميين هما الانتقال أو التحول (Transition) والعدالة (justice). وبالنسبة لتعريفات الأمم المتحدة، العدالة: “هي من المثل العليا للمساءلة والإنصاف في حماية الحقوق وإحقاقها ومنع التجاوزات والمعاقبة عليها”. أما الانتقال أو التحول في مفهوم العدالة الانتقالية: فهو مفهوم منحصر في فترة من التغيرات السياسية تتميز باتخاذ تدابير قانونية وحقوقية لمواجهة وتصحيح جرائم ارتكبت عن طريق نظام قمعي سابق.
وهو ما يعني أن التحول أو الانتقال مرتبط في مفهوم العدالة الانتقالية بالانتقال من مجتمع أقل تحررًا إلي مجتمع أكثر ديمقراطية وتحررًا. وقد عرفت الأمم المتحدة العدالة الانتقالية بأنها: “…كامل نطاق العمليات والآليات المرتبطة بالمحاولات التي يبذلها المجتمع لتفهم تركة من تجاوزات الماضي الواسعة النطاق بغية كفالة المساءلة وإقامة العدالة وتحقيق المصالحة.” أي أنها منظومة من القرارات التي يتخذها المجتمع والدولة استجابة لانتهاكات حقوق الإنسان المنهجية والواسعة النطاق، بهدف تحقيق الاعتراف الواجب بما تكبدته الضحايا من انتهاكات ومحاسبة مرتكبيها.
ومنذ سبعينيات القرن الماضي وحتى الآن تم إقرار مبدأ العدالة الانتقالية في أكثر من ثلاثين دولة حول العالم بما فيهم دول عربية كالمغرب والجزائر ودول أوروبية كرومانيا وبلغاريا والتشيك. والجدير بالذكر أنه ليست هناك صيغة واحدة للتعامل مع ماض مفعم بالانتهاكات، فجميع المناهج والأساليب التي تم اتباعها في معظم البلدان التي طبقت تلك التجربة تستند إلى إيمان جوهري بعالمية حقوق الإنسان، ولهذا يجدر بكل مجتمع أن يختار الطريق الملائم له.
لا يوجد لدينا أي قناعة بأنه يوجد إرادة سياسية حقيقية في مصر لإحداث قطيعة مع ممارسات الماضي أو محاسبة رموز نظام مبارك أو مبارك نفسه بشكل جدي عن الجرائم التي ارتكبوها، بل يمكن القول أن كافة الإجراءات التي اتخذت علي مدار عام ونصف هي مجرد خطوات مبتورة هدفها تسكين الضغط الشعبي من أجل العدالة والإنصاف، فمنهج العدالة الانتقالية لا يستقيم في مجموعة من الإجراءات المنفصلة عن بعضها البعض، إذ لا يتم فصل عملية العزل السياسي وهي عملية قضائية بحتة عن عملية المحاكمات، عن عملية التعويضات، عن عملية إعادة إصلاح الأجهزة الأمنية، عن عملية تقصي الحقائق عن الجرائم التي ارتكبها النظام السابق. فهذه الحالة من التشرذم القضائي والقانوني هي ما أراده المشرع المصري في الفترة بين 11 فبراير 2011 و 23 يناير 2012.
ففي الوقت الذي يقوم فيه المجلس القومي لرعاية مصابي وأسر شهداء الثورة بتعويض أسر الشهداء فقط عن طريق معاش شهري، تقر محكمة القضاء الإداري في أحد أحكامها أن للمصابين الحق نفسه، بينما تقر محكمة للجنايات أن من قتلوا ليسوا بشهداء للثورة بل مجموعة من البلطجية وتبرئ الجناة من الضباط المتهمين، في الوقت الذي تقوم فيه دائرة أخري لمحكمة الجنايات بمحاكمة المسئولين السياسيين عن الضباط التي تمت تبرئتهم.
وفي الوقت الذي تقوم فيه اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب -ومثلها سارت اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة- بالموافقة علي تقديم عناصر النظام السابق لأوراق ترشيحهم للانتخابات، يتولى المجلس العسكري إصدار قرار بقانون يبيح العزل السياسي لأعضاء النظام السابق، بينما تؤكد لجان تقصي الحقائق التابعة للمجلس القومي لحقوق الإنسان ارتكاب النظام السابق للجرائم التي يحاكم عليها وعدم مسئولية الثوار عن تهم البلطجة.
كل هذا يحدث في حين ترتكز النيابة العامة في مرافعاتها علي أدلة ثبوت مقدمة من أجهزة أمنية كانت ومازلت تابعة لعناصر النظام السابق وأغلب الظن أنها متهمة هي الأخرى في الجرائم ذاتها المطلوب منها إقامة الدليل علي حدوثها، بل أن النيابة العامة مازالت بالتشكيل نفسه والمعروف عنه أنه كان خط الدفاع والركيزة القانونية للنظام السابق علي مدار السنوات السابقة.
إذًا فنحن بصدد حالة من ازدواجية المعايير والأحكام المتعمدة المراد منها إما تبرئة عناصر النظام السابق من أية تهم تنسب إليهم عن طريق دفع الهيئات القضائية والمحاكم لإصدار مجموعة أحكام متضاربة ومتعارضة مع بعضها البعض، أو إضعاف وتقليل هيبة المؤسسات القضائية بالشكل الفج الذي رأيناه في موجة اقتحامات مقار المحاكم وتحطيمها في شهري مارس وأبريل من عام 2011.
العدالة الانتقالية ليست شكلاً خاصًا من أشكال العدالة، بل هي تكييف للعدالة على النحو الذي يلائم مجتمعات تخوض مرحلة من التحولات في أعقاب حقبة من تفشي انتهاكات حقوق الإنسان. وهناك مجموعة من الآليات المتنوعة المرتبطة بتحقيق العدالة الانتقالية، منها الآليات القضائية وغير القضائية مثل:
- تقصي الحقائق: عن طريق تشكيل لجنة مستقلة تتقصي حقائق جرائم الماضي وكيفية ارتكابها والمسئول عنها، وتحدد ضحاياها.
- محاكمات الأفراد المسئولين عن جرائم الماضي، سواء على انتهاك حقوق الإنسان أو جرائم اقتصادية متعلقة بقضايا الفساد واستغلال النفوذ والرشوة.
- التعويضات وتشمل تعويض الضحايا وأسرهم عن الضرر الذي أصابهم من جراء انتهاكات الماضي.
- الإصلاح التشريعي والدستوري: ويتضمن التخلص من ترسانة قوانين الماضي التي شُرِعت من أجل هيمنة النظام السابق على مقدرات الحياة السياسية، وكرست لمبدأ إفلات الجناة من الموظفين العموميين من العقاب. كما يتضمن سن قوانين ودستور جديد يتوافق مع الانتقال إلى الديمقراطية. ويندرج تحتها أيضًا كل ما يراه المجتمع ضروري للتعامل مع ميراث من القمع وانتهاكات حقوق الإنسان حتى إذا تطلب ذلك تغيير القانون الجنائي والقوانين سيئة السمعة التي كان يتحصن بها النظام البائد لتبرير أفعاله الإجرامية.
- فحص السجلات: وذلك بمراجعة الملفات الشخصية للموظفين العموميين وأفراد الأمن للكشف عن تجاوزاتهم وجرائمهم والفصل فيها بهدف إصلاح حقيقي للنظام الأمني والقضائي بجانب الإصلاح المؤسسي.
- تغيير المناهج التعليمية: لتكون قائمة على ترسيخ قيم الحرية والديمقراطية، وفحص المناهج القديمة لاسيما المتعلقة بالتاريخ وتنقيحها مما قد شابها من تشويه وذلك عن طريق لجنة مستقلة.
- تخليد ذكرى الضحايا: بإنشاء نصب تذكارية ومتاحف وتخصيص يوم وطني للحداد.
فعملية العدالة الانتقالية وما تتضمنه من محاكمات ولجان تقصي الحقائق، وتعويضات وإعادة التأهيل هي -بلا شك- عملية مكلفة علي المدى القصير ومع ذلك، فالفشل في التعامل مع مثل هذه القضايا علي نحو منطقي وديمقراطي وشامل سوف يكون أكثر كلفة على الدولة والمواطنين علي المدى البعيد.
تحقيق العدالة الانتقالية ليس بالأمر السهل لاسيما في ظل مجتمع تم إقصاء -أو إضعاف- مؤسساته علي مدي سنوات من القهر السياسي، وفي إطار أمن منقوص وتيارات سياسية واجتماعية منقسمة، وموارد مستنزفة، والأهم من ذلك حالة الصدمة والتخوين بالإضافة إلي انعدام ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة وافتقار الاحترام الحكومي لقيم حقوق الإنسان وسيادة القانون، علاوة علي حداثة القوي السياسية المهيمنة علي مقاليد الحكم بالعمل السياسي وبالخبرة السياسية والقانونية اللازمة لتحقيق تلك المفاهيم، لذا يستلزم الأمر عدة متطلبات هي:
- الإرادة السياسية: فهي المحرك الأساسي لمنظومة العدالة الانتقالية وإن توافرت كل السبل التقنية اللازمة لتحقيق تلك المنظومة. فإن لم تتوفر الإرادة السياسية لن يتم تفعيل القوانين والقرارات الجديدة أو سيتم استخدامها لكبح جماح المعارضة السياسية، مما يعني إعادة إنتاج النظام السابق.
- سيادة القانون: فالسلطات الحاكمة تضع تدعيم سلطتها وسطوتها علي مقاليد الحكم علي جدول أولويتها، وتنشغل عن تعزيز سيادة القانون بل وقد تنظر إلى سيادة القانون بوصفه خطرًا علي تدعيم سلطتها، وقد يزداد الأمر سوءً إذا ما اتخذت السلطات الجديدة (الانتقالية) المأخذ نفسه من الانتهاكات التي كان النظام السابق يبتغيها. وعليه ولهذا توجد ضرورة ملحة لتوخي الحذر عند إقرار قوانين خاصة بمعاقبة النظام السابق حتى لا يتسبب ذلك في زيادة قوة ترسانة القوانين الاستبدادية المعرقلة للحياة الديمقراطية، وذلك عن طريق البعد عن القوانين الاستثنائية التي تخل بمعايير العدالة الجنائية، ولا تحقق قيام محاكمات عادلة ومنصفة. فالغرض من تطبيق منهج العدالة الانتقالية ليس الانتقام من النظام السابق بل الوقوف على حقيقة إدارة هذا النظام وتحديد الضحايا من أجل إعادة الاعتبار لهم، في إطار هدف أوسع وهو الوصول إلى العدل.
- استقلال السلطة القضائية: فلا يمكن تخيل أي نوع من تطهير المؤسسات أو عزل الجناة أو حتى المحاكمات دون إقرار قانون جديد للسلطة القضائية، يضمن استقلاليتها وتحريرها من سطوة وزارة العدل والجهات الأمنية. والمطلوب ليس فقط ضمانة لاستقلال القضاة ولكن أيضًا النيابة العامة، معاونين القضاء، وخبراء وزارة العدل بما فيهم الطب الشرعي.
- إنشاء محكمة متخصصة لمعاقبة جرائم النظام السابق: علي البرلمان بعد تحصين السلطة القضائية أن يضع مشروع قانون شامل يضمن فيه محاكمة النظام السابق عن طريق إنشاء محكمة متخصصة لمعاقبة جرائم النظام السابق، بشرط أن يكون قانون إنشائها متناسب مع المعايير الدولية للمحاكمات العادلة وألا تعد المحكمة المنشأة محكمة خاصة أو استثنائية.
من المفترض أن تحظى تلك المحكمة بخصوصية بالغة سواء علي مستوي التشكيل أو الاختصاص أو الإجراءات، وهو ما يمكن استعراضه على النحو التالي:
- تشكل المحكمة وفقًا لمبدأ التقاضي علي درجتين، ولهذا تتألف من دائرتين أو أكثر دائرة ابتدائية ودائرة واحدة للاستئناف، ومدعي عام مستقل، بالإضافة إلي قلم المحكمة الذي يقدم خدماته لكل من الدوائر والمدعي العام، وشرطة قضائية خاصة تقوم علي تأمين المحكمة وتنفيذ أوامرها بالضبط والإحضار وتمتثل في أفعالها لرئيس المحكمة وتتبع المحكمة ماليًا وإداريًا.
- يُنتخب القضاة في الدوائر المختلفة والمدعي العام ورئيس قلم المحكمة عن طريق المجلس الأعلى للقضاء، ويضع القانون الخصائص والمؤهلات التي يجب أن تتوافر في الأشخاص المنتخبين. وتتكون جمعية عامة للمحكمة المتخصصة من القضاة المنتخبين وتقوم هي نفسها بانتخاب رئيس للمحكمة.
- يُنتخب المدعي العام عن طريق المجلس الأعلى للقضاء شريطة أن يباشر عمله بطريقة مستقلة ومنفصلة عن باقي أجهزة المحكمة المتخصصة. ويكون المدعي العام مسئولاً عن التحقيق وملاحقة الأشخاص المسئولين عن الانتهاكات والجرائم المعاقب عليها في قانون المحكمة. وينفِذ لائحة اتهام تحتوي علي بيان بالوقائع والجرائم المنسبة للمتهم ويحيلها إلي قاض من قضاة المحكمة الابتدائية. فإذا رأى قاضي التحقيق وجه في إقامة الدعوى يقبل لائحة الاتهام ويحيلها للدائرة المختصة بالمحكمة وإن لم يقتنع بكفاية الأدلة يرفض لائحة الاتهام ويردها للمدعي.
- تُشكَل لجنة لتقصي الحقائق تقوم علي تقييم ورصد الانتهاكات التي تقع تحت ولاية المحكمة، وتقدم نتائج وتقارير اللجنة لرئيس المحكمة بالإضافة إلى عرضها في جلسة استماع بمجلس الشعب، شرط أن يشكلها المدعي العام ويحق له تجديد عملها.
- يحدد قانون المحكمة السبل القانونية المتبعة لحماية المدعيين والضحايا والشهود بالقضية. ويكون رئيس قلم المحكمة مسئولاً مسئولية تامة عن عملية التأمين بمساعدة الشرطة القضائية. ويكون مسئولاً عن صندوق تعويض الضحايا وجبر الضرر وصرف مستحقاتهم.
- يجوز للمحكمة أن تحدد في حكمها نطاق ومدى أي ضرر أو خسارة أو أذى يلحق بالمجني عليهم أو فيما يخصهم. وأن تصدر أمرًا مباشرًا ضد شخص مدان تحدد فيه أشكالاً ملائمة من أشكال جبر أضرار المجني عليهم، أو أن تأمر بتحويل المال وغيره من الممتلكات المحصلة في صورة غرامات وكذلك المال والممتلكات المصادرة إلى صندوق تعويض الضحايا وجبر الضرر.
- لا تقبل المحكمة العفو والإفراج الشرطي من حيث المبدأ، والمحكمة غير ملزمة بالنظر في أي قرار سابق للعفو. ولكن يمكن لرئيس الجمهورية أو من ينوب عنه أن يقدم للمحكمة قرار العفو ويترك تنفيذ القرار للسلطة التقديرية لرئيس المحكمة والذي يجب أن يراعي في اتخاذ قراره درجة الجرم الذي ارتكبه المعفو عنه.
- يقتطع البرلمان لتلك المحكمة ميزانية خاصة من ميزانية الدولة منفصلة عن ميزانية السلطة القضائية، علي أن يقدم رئيس المحكمة تقرير نصف سنوي لمجلس الشعب عن عمل المحكمة وأوجه صرف أموالها. ويحدد مجلس الشعب قائمة بالسجون التي يحال إليها المتهمون والمحكوم عليهم علي أن تخضع تلك السجون لمراقبة المحكمة المتخصصة.
- يراجع سنويًا سجلات المحكمة ودفاترها وحساباتها -بما في ذلك بياناتها المالية السنوية- الجهاز المركزي للمحاسبات. كما تتعهد الدولة بإنشاء مقر خاص للمحكمة في العاصمة يتحول إلي متحف عام لتخليد ذكري شهداء ومصابين والمتضررين من النظام السابق عند انتهاء المحكمة من عملها.
- رفع الحصانات: يجب أن ينص القانون علي ألا تحول الحصانات أو القواعد الإجرائية الخاصة التي قد ترتبط بالصفة الرسمية للشخص في إطار القانون الوطني دون ممارسة المحكمة اختصاصها على هذا الشخص. وهذا لأن الأصل في الحصانة هي تحصين صاحبها من الإجراءات القانونية التي من الممكن أن تُتخذ ضده أثناء تأدية وظيفته، وبما أن الجرائم التي يعاقب عليها هذا القانون من قتل وتعذيب ونهب واختفاء قصري لا يمكن أن يعقل أن تكون من أعمال الوظيفة لأي شخص فتسقط عنه الحصانة فيما يتعلق بتلك الجرائم بالتابعية.
- يسمح القانون للجهات الخاصة الذي لا يتاح لها الحق في التدخل في القضية كطرف كمنظمات المجتمع المدني وكليات الحقوق والخبراء أن تقدم كتاباً خطياً Amicus Curiae إلي المحكمة بملخصات وأراء قانونية قد تساعد هيئة المحكمة في تفسير القانون علي ألا يكون لتلك الكتابات أي أثر قانوني وترفق في محضر الجلسات.
تحدد الولاية القضائية لتلك المحكمة عن طريق قانون يصدره مجلس الشعب وتكون كالتالي:
- تحديد اختصاص زمني للجرائم التي تحقق المحكمة في ارتكابها كأن تكون منذ عام 1981 وحتى تاريخ إنشاء المحكمة.
- لتلك المحكمة اختصاص أصيل في النظر في القضايا التي تدخل في اختصاصها دون غيرها ولها في سبيل ذلك:
- أن تطلب رسميًا من أي محكمة مصرية أخرى التنازل عن اختصاصها في نظر القضايا الداخلة في اختصاص تلك المحكمة وذلك في أي مرحلة من مراحل التقاضي.
- الطلب بإعادة محاكمة أي شخص صدر في حقه أحكام قضائية باتة من قبل أي محكمة مصرية في حال أن استطاعت المحكمة المتخصصة إثبات أن الإجراءات التي أتبعت في محاكمة هذا الشخص لم تكن نزيهة ومحايدة وتهدف إلى حماية المتهم من المسئولية الجنائية أو في حال إثبات عدم جدية المحكمة.
فيما يتعلق بنصوص القوانين التي تطبقها تلك المحكمة فيجب الإشارة إلي المعايير الآتية:
- لا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على قانون، ولكن يجب ألا يؤثر هذا المبدأ من إمكانية اعتبار أي سلوك علي أنه سلوك إجرامي بموجب القانون الدولي والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر.
- لا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة للعمل بالقانون، الذي ينص عليها.
- القوانين التي تطبقها وتستند عليها المحكمة هي القانون الجنائي والاتفاقيات الدولية التي صدقت عليها مصر وقت أو قبل وقوع الفعل الإجرامي، بالإضافة إلي الأعراف الدولية المتعارف عليها وقت وقوع تلك الجرائم، والمبادئ العامة للقانون التي تستخلصها المحكمة من القوانين الوطنية للنظم القانونية في دول أخري، شريطة ألا تتعارض مع الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر.
- النص صراحةً علي أنه في حال التعارض بين القانون المصري والاتفاقيات الدولية علي تعريف إحدى الجرائم تكون الأولوية للاتفاقيات الدولية عملاً بأحكام دستور 1971 والإعلان الدستوري وأحكام المحاكم المصرية. وهي كلها جرائم يجب النص علي عدم جواز الدفع بسقوطها بالتقادم.
ينص القانون علي أن يُسأل كل شخص طبيعي أو معنوي جنائيًا ويكون عُرضة للعقاب عن أية جريمة تدخل في اختصاص المحكمة في حال القيام بما يلي:
- ارتكاب هذه الجريمة، سواء بصفته الفردية، أو بالاشتراك مع آخر أو عن طريق شخص آخر، بغض النظر عما إذا كان ذلك الشخص الآخر مسئولاً جنائيًا.
- الأمر أو الإغراء بارتكاب، أو الحث على ارتكاب، جرائم ضد الإنسانية وقعت بالفعل أو شرع فيها.
- تقديم العون أو التحريض أو المساعدة بأي شكل لغرض تيسير ارتكاب هذه الجريمة أو الشروع في ارتكابها، بما في ذلك توفير وسائل ارتكابها.
- المساهمة في قيام جماعة من الأشخاص يعملون بقصد مشترك، بارتكاب هذه الجريمة أو الشروع فيها.
- التقصير أو الامتناع في حماية الأرواح والممتلكات العامة، أو تهيئة المناخ الأمن لارتكاب الجريمة.
- مسئولية التابع عن أعمال تابعيه وتشمل على سبيل المثال:
- القائد العسكري أو القائم بأعماله من الناحية الفعلية يعد مسئولاً مسئولية جنائية عن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة والمرتكبة من جانب قوات أو أفراد تخضع لإمرته وسيطرته الفعليتين، نتيجة لتقصيره أو إصداره لأوامر بارتكاب تلك الجرائم.
- المسئول العمومي أو الوزير يعد مسئولاً عن أعمال من هم تحت ولايته إذا ارتكبوا جرائم تدخل في اختصاص المحكمة، سواء بسبب إصداره أوامر بارتكاب تلك الجرائم أو لتقصيره بعدم اتخاذ التدابير الملائمة التي من شأنها إيقاف من هم مشمولين بولايته من ارتكاب تلك الجرائم.
- الشخص الذي ارتكب جريمة أو فعل مخالف للقانون، نتيجة امتثاله لأمر حكومة أو رئيس عسكريًا كان أو مدنيًا.
- من ارتكب جرائم العدوان على المال العام أو استغلال النفوذ أو الوظيفة العامة بغرض تحقيق ربح مادي له أو للغير، أو إهدار المال العام.
العزل السياسي مرتبط جذريًا بمحاكمات النظام السابق، فأهداف العزل ليست فقط تطهير المؤسسات من بقايا البنية البيروقراطية التي كان يستند عليها النظام السابق في أفعاله وتجريد العناصر التابعة له من الشرعية وضمان استبعادها من العملية السياسية الوطنية. ولكن يجب النظر إلي العزل السياسي في سياق أوسع وأشمل، كوسيلة لعقاب الأفراد علي الخلل السياسي الذي تسببوا فيه، فهو أداة يعبر فيها المجتمع عن الرفض العام لهذا السلوك الإجرامي في إدارة الدولة وتوجيه تحذير قاسي لمن يتقلد تلك المناصب في المستقبل، إن الحساب آتٍ لا محالة. بالإضافة إلي أن العزل السياسي يكفل توفير قدر من العدالة للضحايا ويُمَكن الضحايا من استعادة كرامتهم. كما يساهم أيضًا في تعزيز ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة وقدرتها علي إنفاذ القانون.